وضعت الولايات المتحدة مع روسيا خلال النصف الأول من عام 2012 تصورا لاقتسام الشرق الأوسط الكبير، الذي تجسدت معالمه في مؤتمر جنيف. لكن الرئيس أوباما أثبت في حينها أنه غير قادر على الوفاء بكلمته.

بعد أسبوع من مؤتمر جنيف، دعت فرنسا «أصدقاء سورية» إلى استئناف الحرب، ثم تبعتها استقالة كوفي عنان المدوية، بينما أعلنت كل من قطر، والأردن، وإسرائيل عن إطلاق عملية «بركان دمشق»، واغتيال أعضاء مجلس الأمن القومي السوري.

وبسرعة قصوى، تبين أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وديفيد بترايوس، رئيس سي. آي. ايه، إضافة إلى مدير الشؤون السياسية الجديد في الأمم المتحدة، جيفري فيلتمان، كانوا يمسكون بخيوط اللعبة.

كان على باراك أوباما أن ينتظر لحين الانتهاء من الحملة الانتخابية، وإعادة انتخابه ثانية، كي يجمد الجنرال بترايوس، ويقيل هيلاري كلينتون.

أما فيلتمان، فقد آثر البقاء في الظل، لمواصلة تخريب سياسة البيت الأبيض، عبر تأكيده للقاصي والداني، أن الجمهورية العربية السورية على وشك أن تُهزم، وأنها ستجبر على استسلام تام، من دون قيد أو شرط.

سياسة أوباما التي كانت ترتكز إلى (التهدئة مع روسيا، وتحريك القوات المسلحة الأميركية نحو الشرق الأقصى)، تم سحقها بقسوة عبر نجاح «الثورة الملونة» في أوكرانيا، في شهر تشرين الثاني 2013.

هذه العملية، التي أنهت مسار تدمير أوكرانيا، وعزل روسيا، كانت قد بدأت مع تفكيك الاتحاد السوفييتي، ونفذت من وراء ظهر البيت الأبيض، نتج عنها كارثة غير مسبوقة، أدت إلى قطع كل العلاقات بين الغرب والشرق.

وعلى نحو مثير للاستغراب، انصاع الرئيس أوباما إلى سياسة لم تكن من خياراته.

لكنه مع ذلك، واصل سراً المفاوضات التي كان قد شرع بها في بداية ولايته الدستورية الثانية. كان عليه تحمل بطء تقدمها، والانتظار حتى شهر تموز 2015 للتوصل إلى اتفاق.

شهدنا منذ ذلك التاريخ، عودة الدفء في العلاقات بين واشنطن وموسكو، وبوادر حل للأزمة في أوكرانيا، وانقلاباً سياسياً في الشرق الأوسط.

لقد وجدنا أنفسنا من جديد في الموضع الذي كنا فيه عشية بيان جنيف في 30 حزيران 2012. مع فارق أنه خلال السنوات الثلاث التي مضت، تدمرت سورية على نطاق واسع، وفقدت أكثر من 200 ألف من أبنائها، وتمكن الإخوان المسلمون من إعلان خلافتهم التي يكافحون من أجلها منذ عام 1928، وباتت تطلعاتهم تشكل تهديداً للعالم أجمع.

على أي حال، الذراع اليمين لديفيد بترايوس، الجنرال جون آلن، الذي نجا من حملة التنظيف في الإدارة بشهر تشرين الثاني عام 2012، أُقيل منذ أيام من منصبه كقائد للتحالف الدولي ضد داعش. على حين لا تزال أوراق شغل جيفري فيلتمان تدور بين أعضاء مجلس الأمن.

على الرغم من كل ما حصل، هناك رجال على قدر واف من الشجاعة والحكمة، تمكنوا من تجنيب هذا الصراع الذي افتعله «الصقور الليبراليون»، من الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-09-30
  • 9281
  • من الأرشيف

لا حرب عالمية ثالثة ....بقلم تيري ميسان

وضعت الولايات المتحدة مع روسيا خلال النصف الأول من عام 2012 تصورا لاقتسام الشرق الأوسط الكبير، الذي تجسدت معالمه في مؤتمر جنيف. لكن الرئيس أوباما أثبت في حينها أنه غير قادر على الوفاء بكلمته. بعد أسبوع من مؤتمر جنيف، دعت فرنسا «أصدقاء سورية» إلى استئناف الحرب، ثم تبعتها استقالة كوفي عنان المدوية، بينما أعلنت كل من قطر، والأردن، وإسرائيل عن إطلاق عملية «بركان دمشق»، واغتيال أعضاء مجلس الأمن القومي السوري. وبسرعة قصوى، تبين أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، وديفيد بترايوس، رئيس سي. آي. ايه، إضافة إلى مدير الشؤون السياسية الجديد في الأمم المتحدة، جيفري فيلتمان، كانوا يمسكون بخيوط اللعبة. كان على باراك أوباما أن ينتظر لحين الانتهاء من الحملة الانتخابية، وإعادة انتخابه ثانية، كي يجمد الجنرال بترايوس، ويقيل هيلاري كلينتون. أما فيلتمان، فقد آثر البقاء في الظل، لمواصلة تخريب سياسة البيت الأبيض، عبر تأكيده للقاصي والداني، أن الجمهورية العربية السورية على وشك أن تُهزم، وأنها ستجبر على استسلام تام، من دون قيد أو شرط. سياسة أوباما التي كانت ترتكز إلى (التهدئة مع روسيا، وتحريك القوات المسلحة الأميركية نحو الشرق الأقصى)، تم سحقها بقسوة عبر نجاح «الثورة الملونة» في أوكرانيا، في شهر تشرين الثاني 2013. هذه العملية، التي أنهت مسار تدمير أوكرانيا، وعزل روسيا، كانت قد بدأت مع تفكيك الاتحاد السوفييتي، ونفذت من وراء ظهر البيت الأبيض، نتج عنها كارثة غير مسبوقة، أدت إلى قطع كل العلاقات بين الغرب والشرق. وعلى نحو مثير للاستغراب، انصاع الرئيس أوباما إلى سياسة لم تكن من خياراته. لكنه مع ذلك، واصل سراً المفاوضات التي كان قد شرع بها في بداية ولايته الدستورية الثانية. كان عليه تحمل بطء تقدمها، والانتظار حتى شهر تموز 2015 للتوصل إلى اتفاق. شهدنا منذ ذلك التاريخ، عودة الدفء في العلاقات بين واشنطن وموسكو، وبوادر حل للأزمة في أوكرانيا، وانقلاباً سياسياً في الشرق الأوسط. لقد وجدنا أنفسنا من جديد في الموضع الذي كنا فيه عشية بيان جنيف في 30 حزيران 2012. مع فارق أنه خلال السنوات الثلاث التي مضت، تدمرت سورية على نطاق واسع، وفقدت أكثر من 200 ألف من أبنائها، وتمكن الإخوان المسلمون من إعلان خلافتهم التي يكافحون من أجلها منذ عام 1928، وباتت تطلعاتهم تشكل تهديداً للعالم أجمع. على أي حال، الذراع اليمين لديفيد بترايوس، الجنرال جون آلن، الذي نجا من حملة التنظيف في الإدارة بشهر تشرين الثاني عام 2012، أُقيل منذ أيام من منصبه كقائد للتحالف الدولي ضد داعش. على حين لا تزال أوراق شغل جيفري فيلتمان تدور بين أعضاء مجلس الأمن. على الرغم من كل ما حصل، هناك رجال على قدر واف من الشجاعة والحكمة، تمكنوا من تجنيب هذا الصراع الذي افتعله «الصقور الليبراليون»، من الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة.  

المصدر : الوطن /تيري ميسان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة