إنها "لعنة الجغرافيا" هذه التي يتعرض لها الشعب السوري في الحرب المستعرة على بلاده منذ أکثر من ٤ سنوات، قد لا يكون الموقع الجغرافي الاستراتيجي لسوريا العامل الوحيد لما يحصل فيها من مآسٍ اليوم،

لكنه يبقى أحد أهم العوامل التي أججت الصراع في البلاد، وجلبت التدخلات الدولية والاقليمية من كل حدب وصوب، خاصة تلك المرتبطة بالصراع على الطاقة، ولا سيما الغاز الطبيعي الذي تحول اليوم إلى أهم مصدر للوقود في القرن الواحد والعشرين.

كثيرة هي التقارير التي تحدثت عن ارتباط الحرب في سوريا بشكل أو بآخر بطموحات قوى إقليمية تسعى لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، من بينها مقال للكاتب روب تايلور نُشر في مجلة القوات المسلحة الأمريكية تحت عنوان "صراع الأنابيب في سوريا"، تحدث فيه تايلور عن عرض قدمته قطر لدمشق فى عام 2009 لمد خط أنابيب يحمل الغاز القطري والسعودي ويمر عبر سوريا متجها إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، الأمر الذي لم يلق استجابة من سوريا، في حين فضلت سوريا توقيع اتفاق مع إيران لمد خط أنابيب عبر العراق لتزويد أوروبا بالغاز الإيراني، وهو ما يفسر المساعي القطرية السعودية التركية الحثيثة لاسقاط النظام السوري.

 

أهمية الغاز الطبيعي لأوروبا

تنبع أهمية الغاز بالنسبة للدول الأوروبية من كونه أحد مصادر الطاقة النظيفة والرخيصة نسبياً، إذ أن الدول الأوروبية ملتزمة باتفاقية الحفاظ على البيئة، مما يدفعها للاستغناء ما أمكن عن استخدام النفط كمصدر للطاقة، خاصة في ظل الانخفاض الكبير في احتياطيات النفط حول العالم.

 

وتعتبر روسيا أهم مصدّر للغاز الطبيعي للدول الأوروبية عبر شركة "غاز بروم" العملاقة، إلا أن الدول الأوروبية لا تخفي قلقها من الاحتكار الروسي، وتسعى جهدها لتنويع مصادرها، خاصة بعد الاضطرابات التي حصلت بين أوكرانيا وروسيا، وقيام أوكرانيا بقطع الغاز الروسي عن أوروبا، الأمر الذي خلق أزمة طاقة في الدول الأوروبية وكان بمثابة جرس انذار لضرورة السعي للحصول على مصادر أخرى للغاز.

 

خط أنابيب الغاز القطري- التركي

تعمل قطر التي تمتلك ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم وهو ما يمثل 14 بالمئة من الاحتياطي العالمي، لتصدير غازها إلى الدول الأوروبية، عبر تسييله ونقله عبر البحر، إلا أن قدرتها على إيصال الغاز إلى أوروبا تبقى محدودة قياساً بخطوط الأنابيب الروسية، لذلك كان السعي القطري لمد خط أنابيب عبر السعودية وسوريا إلى تركيا ومنه إلى أوروبا، وبالتالي لكسر احتكار روسيا لتصدير الغاز إلى أوروبا، ولتعزز من مكانتها لدى الدول الأوروبية وأمريكا.

 

تركيا بدورها ستحصل على امتيازات اقتصادية وسياسية كبيرة من المشروع، كونها ستصبح المعبر الأساسي لإيصال الغاز إلى أوروبا، خاصة وأن خط أنابيب نابوكو الذي من المقرر أن ينقل الغاز من بحر قزوين إلى أوروبا عبر أذربيجان، سيمر أيضاً في تركيا، وبالتالي ستتمكن تركيا من لعب ورقة الغاز لممارسة ضغوط على أوروبا مما يسهل عليها مهمة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

 

خط الغاز الإيراني- السوري

بعد أن أعربت كل من سوريا والعراق ولبنان عن حاجتهم للغاز الإيراني والذي يمثل ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد روسيا، تم طرح مشروع خط الغاز الإيراني العراقي السوري والذي سيكون بمقدوره تصدير 20 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. وسيعود خط الأنابيب هذا على سوريا بكثير من الفائدة والنفع نتيجة ما ستحصله من الترانزيت فضلاً عن تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وتطوير الصناعة البتروكيماوية عبر انشاء محطات تسييل الغاز. وسيقضي هذا المشروع على آمال قطر والسعودية لاستخدام ورقة الغاز لتحصيل نفوذ في دائرة القرار الأوروبي، ومن ناحية أخرى سيؤدي إلى إنهاء طموحات تركيا من كونها المعبر الأول لانتقال الغاز إلى أوروبا، وتعزيز مكانة إيران على حساب كل من السعودية وقطر.

 

المنطقة العازلة وخط الغاز القطري- التركي

طوال الفترة الماضية لم تتوقف المساعي السعودية القطرية التركية لاسقاط النظام السوري، وكانت عين أردوغان على الدوام على مشروع انابيب الغاز القطري التركي إلى أوروبا الذي تم طرحه في العام 2009، إلا أن ما أقلق أردوغان هو قيام دولة كردية على الشريط الموازي للحدود التركية بدعم أمريكي، خاصة بعد التقدم الذي أحرزته وحدات الحماية الكردية PYG على حساب تنظيم داعش الإرهابي، وسيطرتها على مدينة تل أبيض الحدودية التي تربط بين إقليم عين العرب وإقليم الحسكة اللذين تسكنهما أكثرية كردية، وبالتالي بدت معالم تشكيل كيان كردي في الشمال السوري واضحة،  عبر السيطرة على المنطقة بين مدينتي جرابلس ومارع، وهي المنطقة التي تعمل تركيا على تحويلها إلى منطقة عازلة، من ناحية أخرى سيكون من شأن هذه المنطقة العازلة، ضمان مرور خط أنابيب الغاز القطري إلى تركيا عبر الحدود السورية، في حال نجحت مساعيهم في اسقاط النظام السوري. وهو ما تؤكده الدكتورة كريستينا لين، الباحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، التي ترى أن المنطقة العازلة ضرورة تركية لمشروع خط الغاز القطري- السعودي- التركي.

 

ومن ناحية أخرى ترى الباحثة أن خط الأنابيب هذا سيعود بالفائدة على الدولة السلفية التي تسعى الدول الثلاث لتشكيلها في سوريا، عبر دعمها لعصابات "لجيش الفتح".

 

الجدير بالذكر أن الأمير السعودي بندر بن سلطان كان قد سعى لثني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن دعم الرئيس بشار الأسد لقاء تعهدات سعودية بأن لا تقوم أي من الدول الخليجية بتصدير الغاز عبر سوريا إلى أوروبا، ولا تشكل منافساً لاحتكار تصدير الغاز إلى أوروبا عبر روسيا. الأمر الذي لم يستجب له بوتين حينها، مما دفع السعودية إلى تعزيز الخيار العسكري في سوريا.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2015-09-07
  • 7473
  • من الأرشيف

ما أهمية المنطقة العازلة في حلب لخط الغاز القطري - التركي

إنها "لعنة الجغرافيا" هذه التي يتعرض لها الشعب السوري في الحرب المستعرة على بلاده منذ أکثر من ٤ سنوات، قد لا يكون الموقع الجغرافي الاستراتيجي لسوريا العامل الوحيد لما يحصل فيها من مآسٍ اليوم، لكنه يبقى أحد أهم العوامل التي أججت الصراع في البلاد، وجلبت التدخلات الدولية والاقليمية من كل حدب وصوب، خاصة تلك المرتبطة بالصراع على الطاقة، ولا سيما الغاز الطبيعي الذي تحول اليوم إلى أهم مصدر للوقود في القرن الواحد والعشرين. كثيرة هي التقارير التي تحدثت عن ارتباط الحرب في سوريا بشكل أو بآخر بطموحات قوى إقليمية تسعى لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، من بينها مقال للكاتب روب تايلور نُشر في مجلة القوات المسلحة الأمريكية تحت عنوان "صراع الأنابيب في سوريا"، تحدث فيه تايلور عن عرض قدمته قطر لدمشق فى عام 2009 لمد خط أنابيب يحمل الغاز القطري والسعودي ويمر عبر سوريا متجها إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، الأمر الذي لم يلق استجابة من سوريا، في حين فضلت سوريا توقيع اتفاق مع إيران لمد خط أنابيب عبر العراق لتزويد أوروبا بالغاز الإيراني، وهو ما يفسر المساعي القطرية السعودية التركية الحثيثة لاسقاط النظام السوري.   أهمية الغاز الطبيعي لأوروبا تنبع أهمية الغاز بالنسبة للدول الأوروبية من كونه أحد مصادر الطاقة النظيفة والرخيصة نسبياً، إذ أن الدول الأوروبية ملتزمة باتفاقية الحفاظ على البيئة، مما يدفعها للاستغناء ما أمكن عن استخدام النفط كمصدر للطاقة، خاصة في ظل الانخفاض الكبير في احتياطيات النفط حول العالم.   وتعتبر روسيا أهم مصدّر للغاز الطبيعي للدول الأوروبية عبر شركة "غاز بروم" العملاقة، إلا أن الدول الأوروبية لا تخفي قلقها من الاحتكار الروسي، وتسعى جهدها لتنويع مصادرها، خاصة بعد الاضطرابات التي حصلت بين أوكرانيا وروسيا، وقيام أوكرانيا بقطع الغاز الروسي عن أوروبا، الأمر الذي خلق أزمة طاقة في الدول الأوروبية وكان بمثابة جرس انذار لضرورة السعي للحصول على مصادر أخرى للغاز.   خط أنابيب الغاز القطري- التركي تعمل قطر التي تمتلك ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم وهو ما يمثل 14 بالمئة من الاحتياطي العالمي، لتصدير غازها إلى الدول الأوروبية، عبر تسييله ونقله عبر البحر، إلا أن قدرتها على إيصال الغاز إلى أوروبا تبقى محدودة قياساً بخطوط الأنابيب الروسية، لذلك كان السعي القطري لمد خط أنابيب عبر السعودية وسوريا إلى تركيا ومنه إلى أوروبا، وبالتالي لكسر احتكار روسيا لتصدير الغاز إلى أوروبا، ولتعزز من مكانتها لدى الدول الأوروبية وأمريكا.   تركيا بدورها ستحصل على امتيازات اقتصادية وسياسية كبيرة من المشروع، كونها ستصبح المعبر الأساسي لإيصال الغاز إلى أوروبا، خاصة وأن خط أنابيب نابوكو الذي من المقرر أن ينقل الغاز من بحر قزوين إلى أوروبا عبر أذربيجان، سيمر أيضاً في تركيا، وبالتالي ستتمكن تركيا من لعب ورقة الغاز لممارسة ضغوط على أوروبا مما يسهل عليها مهمة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.   خط الغاز الإيراني- السوري بعد أن أعربت كل من سوريا والعراق ولبنان عن حاجتهم للغاز الإيراني والذي يمثل ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد روسيا، تم طرح مشروع خط الغاز الإيراني العراقي السوري والذي سيكون بمقدوره تصدير 20 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. وسيعود خط الأنابيب هذا على سوريا بكثير من الفائدة والنفع نتيجة ما ستحصله من الترانزيت فضلاً عن تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وتطوير الصناعة البتروكيماوية عبر انشاء محطات تسييل الغاز. وسيقضي هذا المشروع على آمال قطر والسعودية لاستخدام ورقة الغاز لتحصيل نفوذ في دائرة القرار الأوروبي، ومن ناحية أخرى سيؤدي إلى إنهاء طموحات تركيا من كونها المعبر الأول لانتقال الغاز إلى أوروبا، وتعزيز مكانة إيران على حساب كل من السعودية وقطر.   المنطقة العازلة وخط الغاز القطري- التركي طوال الفترة الماضية لم تتوقف المساعي السعودية القطرية التركية لاسقاط النظام السوري، وكانت عين أردوغان على الدوام على مشروع انابيب الغاز القطري التركي إلى أوروبا الذي تم طرحه في العام 2009، إلا أن ما أقلق أردوغان هو قيام دولة كردية على الشريط الموازي للحدود التركية بدعم أمريكي، خاصة بعد التقدم الذي أحرزته وحدات الحماية الكردية PYG على حساب تنظيم داعش الإرهابي، وسيطرتها على مدينة تل أبيض الحدودية التي تربط بين إقليم عين العرب وإقليم الحسكة اللذين تسكنهما أكثرية كردية، وبالتالي بدت معالم تشكيل كيان كردي في الشمال السوري واضحة،  عبر السيطرة على المنطقة بين مدينتي جرابلس ومارع، وهي المنطقة التي تعمل تركيا على تحويلها إلى منطقة عازلة، من ناحية أخرى سيكون من شأن هذه المنطقة العازلة، ضمان مرور خط أنابيب الغاز القطري إلى تركيا عبر الحدود السورية، في حال نجحت مساعيهم في اسقاط النظام السوري. وهو ما تؤكده الدكتورة كريستينا لين، الباحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، التي ترى أن المنطقة العازلة ضرورة تركية لمشروع خط الغاز القطري- السعودي- التركي.   ومن ناحية أخرى ترى الباحثة أن خط الأنابيب هذا سيعود بالفائدة على الدولة السلفية التي تسعى الدول الثلاث لتشكيلها في سوريا، عبر دعمها لعصابات "لجيش الفتح".   الجدير بالذكر أن الأمير السعودي بندر بن سلطان كان قد سعى لثني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن دعم الرئيس بشار الأسد لقاء تعهدات سعودية بأن لا تقوم أي من الدول الخليجية بتصدير الغاز عبر سوريا إلى أوروبا، ولا تشكل منافساً لاحتكار تصدير الغاز إلى أوروبا عبر روسيا. الأمر الذي لم يستجب له بوتين حينها، مما دفع السعودية إلى تعزيز الخيار العسكري في سوريا.    

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة