تستقبل أم كامل ضيوف زوجها الذين قدموا مهنئين بعيد الجيش، تلمح من بعيد ضوءاً عميقاً في عرض البحر اعتقدت أنه مركب صيد،  تجلس بضع دقائق يحمل العميد محمد سليمان ابنه حمزة، ابن الشهور الستة ثم يعطيها إياه فتدخل لتحضير العشاء وتعود لتجلس بمحاذاته، تصله رسالة على هاتفه الجوال وتظهر عليه علامات الاستغراب، ما هي إلا لحظات ويرجع.

العميد سليمان رأسه إلى الخلف واضعاً يديه على رأسه ثم يبصق دماً ليعتقد من حوله أنه تعرض لجلطة، تقول زوجته السيدة ريم سليمان، "عرفنا لاحقاً أن ثلاث رصاصات اخترقت جسده مصدرها قناص من جهة البحر".

إنه أبو كامل كبير مستشاري الرئيس السوري بشار الأسد ورجل الظل في الدولة السورية الذي كان مسؤولاً عن عدد من الملفات الحساسة، إضافة إلى دوره المحوري في نقل السلاح نحو المقاومة في لبنان وغزة في فلسطين، فابن بلدة الدريكيش بريف طرطوس كان من القلائل الذين عرفوا الشهيد القائد الحج عماد مغنية - الذي اغتيل قبله بقرابة ستة أشهر فقط- عن قرب، الأمر الذي جعل الصهاينة يتخوفون منه، لينقل فيما بعد عن أحد ضباط الاستخبارات الأميركية قوله الصريح أن عملية الاغتيال لم تكن عملية انتقامية بل كانت "لقطع الطريق أمام عمليات مستقبلية".

العميد سليمان

 العشاء الأخير

سبعة أعوام مرت مذ كان العميد الشهيد يجلس في منزله بمنتجع الرمال الذهبية بطرطوس ليتناول عشاءه الأخير ليلة الأول من آب/اغسطس عام 2008 برفقة زوجته ووالدته وبعض الأصدقاء بمناسبة عيد الجيش، يجلس الشهيد قبالة البحر وتجلس زوجته ابنة محافظة دير الزور إلى جانبه.

 

تروي السيدة سليمان لموقع "العهد الاخباري" ما حدث لحظة الاغتيال: "كانت الساعة العاشرة إلا ربعا حين أعاد العميد سليمان رأسه إلى الخلف رافعاً ذراعيه فوق رأسه ثم بصق دماً، لم نسمع أصوات الرصاص واعتقدنا لوهلة أنه أصيب بجلطة أو ما شابه، لكن تبين لنا فيما بعد أن ثلاث رصاصات قناص اخترقت جسده في مناطق الرأس والرقبة والخاصرة".

تضيف السيدة سليمان التي تضع اسم عائلة زوجها لقباً لها: "التقيت بالرئيس الأسد وأبلغني حينها حزنه العميق على فقدان زوجي وأكد أن الفاعلين سينالون جزاءهم ولو بعد حين"، تسترسل أكثر بالحديث: "لم ينقطع اهتمام الدولة السورية بقضية الاغتيال منذ اللحظة الأولى وسط تعتيم على مجريات التحقيق، كما لم يتوقف اهتمامها بعائلته وأولاده".

 حينها تعاملت السلطات السورية مع اغتيال العميد الشهيد بهدوء وصمت اعتادت عليه الجهات الأمنية السورية في عمليات سابقة ولاحقة، فلم يظهر الاسم - لدقة دور الشهيد - على وسائل الإعلام السورية آنذاك، وبينما كان الرئيس الأسد في زيارة لطهران أكدت مستشارته الدكتورة بثينة شعبان اغتياله في طرطوس دون أي تفاصيل.

احتضنت بلدته الدريكيش وفي الذكرى السنوية السابعة لاستشهاده حفل تأبين حضره النائب نواف الموسوي ممثلاً عن حزب الله وعدد كبير من الشخصيات السياسية اللبنانية والسورية والإيرانية الرفيعة المستوى.

العميد محمد سليمان

وقد أكد الموسوي الدور الاستثنائي للشهيد في محور المقاومة، ولفت إلى أن حزب الله من اللحظة الأولى أدرك أن اسرائيل تقف خلف العملية قبل أي معطيات أو تسريبات وهو ما أثبتته التحقيقات.

القضية إلى الواجهة مجدداً 

ظلت قضية اغتيال العميد سليمان بعيدة عن الأضواء كما كان عمله، إلى أن قامت مجلة "ذي انترسبت" مؤخراً بتسريب وثيقة من وكالة الأمن القومي تؤكد مسؤولية اسرائيل عن عملية الاغتيال، الأمر ليس جديداً بأية حال فالأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله كان قد اتهمها به في حديث سابق له مع صحيفة الأخبار اللبنانية.

 الوثيقة نفت كل ما قيل عن تصفيات داخل الدولة السورية وحزب الله حين أكدت أن مجموعة كوماندوس بحرية إسرائيلية نفذت عملية الاغتيال قبالة سواحل طرطوس، وعادت أدراجها بعد إنهاء العملية.

المنار في مسرح الجريمة

 

عرضت قناة المنار مؤخراً تقريراً عن اغتيال العميد لمراسلها في سورية سومر حاتم الذي زار مسرح الجريمة كأول وسيلة إعلامية تدخل المكان بعد العملية.

 "اختيار الموضوع ليس جديداً لكن الوثيقة المسربة شجعتني أكثر على إنجاز تقرير عن الموضوع"، يقول حاتم، "كان الأمر يحتاج للجرأة فالموضوع مبهم تماماً فطلبت موافقة الإدارة في القناة كما العادة على مقترح التقرير ولم تتأخر الموافقة".

ويتابع حاتم لـ"العهد": "اتصلت بالسيدة ريم التي شعرت بسعادتها لأن وقت إنصاف زوجها قد حان، كان موعدنا يوم الجمعة فأجلته للسبت لأتفاجأ فيما بعد أنها سافرت من طرطوس إلى دمشق ثم عادت لتحضر الصور الفوتوغرافية التي طلبتها منها، شعرت حينها كم تحمل قضيتها بنبل، هي التي لا تزال تحتفظ بدماء زوجها على الكرسي الذي جلس عليه لآخر مرة".

حاتم يضيف "لا تخفي السيدة سليمان ضيقها من محاولات تشويه قيمة العميد سليمان، وتعاونت كثيراً معنا في التصوير، وأنا كنت حريصاً جداً على أن يكون التقرير متقناً وشاهدته مراراً قبل إرساله، فهذا التقرير أعتبره محطة هامة في حياتي المهنية ولدعم خياري في انتهاج الإعلام المقاوم".

قلة قليلة من السوريين عرفت اسم ودور الشهيد العميد محمد سليمان الاستثنائي قبل استشهاده لدقة موقعه وحرصه على عمله وإصراره على البقاء في الظل وبعيداً عن الأنظار، هذا ما جعل بعض وسائل الإعلام العربية آنذاك تتلقف خبر اغتياله للتشويش على دوره الهام من جهة والتعتيم على الدور الصهيوني من جهة أخرى، لكن ما كُشف لاحقاً أثبت جزءاً يسيراً من التنسيق عالي المستوى بين سورية وحزب الله ممثلا محور المقاومة في المنطقة الذي يتعرض اليوم لمحاولات عقيمة لإخضاعه وإضعافه.

  • فريق ماسة
  • 2015-08-11
  • 5043
  • من الأرشيف

بعد سبع سنوات على اغتياله.. خفايا حياة العميد محمد سليمان

 تستقبل أم كامل ضيوف زوجها الذين قدموا مهنئين بعيد الجيش، تلمح من بعيد ضوءاً عميقاً في عرض البحر اعتقدت أنه مركب صيد،  تجلس بضع دقائق يحمل العميد محمد سليمان ابنه حمزة، ابن الشهور الستة ثم يعطيها إياه فتدخل لتحضير العشاء وتعود لتجلس بمحاذاته، تصله رسالة على هاتفه الجوال وتظهر عليه علامات الاستغراب، ما هي إلا لحظات ويرجع. العميد سليمان رأسه إلى الخلف واضعاً يديه على رأسه ثم يبصق دماً ليعتقد من حوله أنه تعرض لجلطة، تقول زوجته السيدة ريم سليمان، "عرفنا لاحقاً أن ثلاث رصاصات اخترقت جسده مصدرها قناص من جهة البحر". إنه أبو كامل كبير مستشاري الرئيس السوري بشار الأسد ورجل الظل في الدولة السورية الذي كان مسؤولاً عن عدد من الملفات الحساسة، إضافة إلى دوره المحوري في نقل السلاح نحو المقاومة في لبنان وغزة في فلسطين، فابن بلدة الدريكيش بريف طرطوس كان من القلائل الذين عرفوا الشهيد القائد الحج عماد مغنية - الذي اغتيل قبله بقرابة ستة أشهر فقط- عن قرب، الأمر الذي جعل الصهاينة يتخوفون منه، لينقل فيما بعد عن أحد ضباط الاستخبارات الأميركية قوله الصريح أن عملية الاغتيال لم تكن عملية انتقامية بل كانت "لقطع الطريق أمام عمليات مستقبلية". العميد سليمان  العشاء الأخير سبعة أعوام مرت مذ كان العميد الشهيد يجلس في منزله بمنتجع الرمال الذهبية بطرطوس ليتناول عشاءه الأخير ليلة الأول من آب/اغسطس عام 2008 برفقة زوجته ووالدته وبعض الأصدقاء بمناسبة عيد الجيش، يجلس الشهيد قبالة البحر وتجلس زوجته ابنة محافظة دير الزور إلى جانبه.   تروي السيدة سليمان لموقع "العهد الاخباري" ما حدث لحظة الاغتيال: "كانت الساعة العاشرة إلا ربعا حين أعاد العميد سليمان رأسه إلى الخلف رافعاً ذراعيه فوق رأسه ثم بصق دماً، لم نسمع أصوات الرصاص واعتقدنا لوهلة أنه أصيب بجلطة أو ما شابه، لكن تبين لنا فيما بعد أن ثلاث رصاصات قناص اخترقت جسده في مناطق الرأس والرقبة والخاصرة". تضيف السيدة سليمان التي تضع اسم عائلة زوجها لقباً لها: "التقيت بالرئيس الأسد وأبلغني حينها حزنه العميق على فقدان زوجي وأكد أن الفاعلين سينالون جزاءهم ولو بعد حين"، تسترسل أكثر بالحديث: "لم ينقطع اهتمام الدولة السورية بقضية الاغتيال منذ اللحظة الأولى وسط تعتيم على مجريات التحقيق، كما لم يتوقف اهتمامها بعائلته وأولاده".  حينها تعاملت السلطات السورية مع اغتيال العميد الشهيد بهدوء وصمت اعتادت عليه الجهات الأمنية السورية في عمليات سابقة ولاحقة، فلم يظهر الاسم - لدقة دور الشهيد - على وسائل الإعلام السورية آنذاك، وبينما كان الرئيس الأسد في زيارة لطهران أكدت مستشارته الدكتورة بثينة شعبان اغتياله في طرطوس دون أي تفاصيل. احتضنت بلدته الدريكيش وفي الذكرى السنوية السابعة لاستشهاده حفل تأبين حضره النائب نواف الموسوي ممثلاً عن حزب الله وعدد كبير من الشخصيات السياسية اللبنانية والسورية والإيرانية الرفيعة المستوى. العميد محمد سليمان وقد أكد الموسوي الدور الاستثنائي للشهيد في محور المقاومة، ولفت إلى أن حزب الله من اللحظة الأولى أدرك أن اسرائيل تقف خلف العملية قبل أي معطيات أو تسريبات وهو ما أثبتته التحقيقات. القضية إلى الواجهة مجدداً  ظلت قضية اغتيال العميد سليمان بعيدة عن الأضواء كما كان عمله، إلى أن قامت مجلة "ذي انترسبت" مؤخراً بتسريب وثيقة من وكالة الأمن القومي تؤكد مسؤولية اسرائيل عن عملية الاغتيال، الأمر ليس جديداً بأية حال فالأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله كان قد اتهمها به في حديث سابق له مع صحيفة الأخبار اللبنانية.  الوثيقة نفت كل ما قيل عن تصفيات داخل الدولة السورية وحزب الله حين أكدت أن مجموعة كوماندوس بحرية إسرائيلية نفذت عملية الاغتيال قبالة سواحل طرطوس، وعادت أدراجها بعد إنهاء العملية. المنار في مسرح الجريمة   عرضت قناة المنار مؤخراً تقريراً عن اغتيال العميد لمراسلها في سورية سومر حاتم الذي زار مسرح الجريمة كأول وسيلة إعلامية تدخل المكان بعد العملية.  "اختيار الموضوع ليس جديداً لكن الوثيقة المسربة شجعتني أكثر على إنجاز تقرير عن الموضوع"، يقول حاتم، "كان الأمر يحتاج للجرأة فالموضوع مبهم تماماً فطلبت موافقة الإدارة في القناة كما العادة على مقترح التقرير ولم تتأخر الموافقة". ويتابع حاتم لـ"العهد": "اتصلت بالسيدة ريم التي شعرت بسعادتها لأن وقت إنصاف زوجها قد حان، كان موعدنا يوم الجمعة فأجلته للسبت لأتفاجأ فيما بعد أنها سافرت من طرطوس إلى دمشق ثم عادت لتحضر الصور الفوتوغرافية التي طلبتها منها، شعرت حينها كم تحمل قضيتها بنبل، هي التي لا تزال تحتفظ بدماء زوجها على الكرسي الذي جلس عليه لآخر مرة". حاتم يضيف "لا تخفي السيدة سليمان ضيقها من محاولات تشويه قيمة العميد سليمان، وتعاونت كثيراً معنا في التصوير، وأنا كنت حريصاً جداً على أن يكون التقرير متقناً وشاهدته مراراً قبل إرساله، فهذا التقرير أعتبره محطة هامة في حياتي المهنية ولدعم خياري في انتهاج الإعلام المقاوم". قلة قليلة من السوريين عرفت اسم ودور الشهيد العميد محمد سليمان الاستثنائي قبل استشهاده لدقة موقعه وحرصه على عمله وإصراره على البقاء في الظل وبعيداً عن الأنظار، هذا ما جعل بعض وسائل الإعلام العربية آنذاك تتلقف خبر اغتياله للتشويش على دوره الهام من جهة والتعتيم على الدور الصهيوني من جهة أخرى، لكن ما كُشف لاحقاً أثبت جزءاً يسيراً من التنسيق عالي المستوى بين سورية وحزب الله ممثلا محور المقاومة في المنطقة الذي يتعرض اليوم لمحاولات عقيمة لإخضاعه وإضعافه.

المصدر : عبير ديبة- العهد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة