لم يعد هناك شك بأن متغيرات في العلاقات الدولية باتت تشير إلى شيء ما يحضر على الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط بعد 5 سنوات من النار و الحريق الذي أسمي زوراً بأنه «ربيع عربي»

ولم يكن للعرب منه إلا الكوارث في حين شكل لإسرائيل و أرباب المشروع الصهيواميركي ربيعا يزهر و كاد زهره ينعقد ثمرا يطيب مأكله لأرباب ذاك المشروع لو لم يكن في المواجهة قوة إقليمية صلبة منعت المشروع من تحقيق أهدافه بالشكل الذي كانت الخطط موضوعة له ، فكانت مواجهة محور المقاومة للمشروع الاستعماري الاحتلالي التدميري مواجهة قاسية استلزمت و لازالت الكثير من التضحيات و الدماء و العرق للمحافظة على الوجود و على الحقوق و فعالية الدور.‏

 

وبعد هذه السنوات الخمس من المواجهة الشرسة يبدو أن شيئا ما تغير لدى جبهة العدوان ومحاورها تغير ينبئ بأن الحرب والعدوان قد يتجه إلى نهاياته وقد يكون البحث عن مخارج سياسية امراً جدياً. نقول بذلك ونرى القول به منطقيا لان هناك حقائق تلزم الطرف المعتدي بمثل هذا البحث والتفكير لأكثر من سبب ودافع قد لا نحصرها بما يلي:‏

 

- شعور الأطراف المشاركين بالعدوان باقتراب النار لا بل اقتحامها لدورهم. وهنا لا يمكن أغفال ما جرى في كل من تركيا والسعودية من بدايات الأعمال الإرهابية التي استهدفت مساجد أو مراكز اجتماعية أو عسكرية وسواها، وهي جرائم مهما قيل فيها تبقى إرهابا قابلا للتوسع والتمدد من شأنه أن يفهم العاقل بان الإرهاب وحش اعمى يفترس حتى صانعيه ومموليه وها هو يقتحم تركيا والسعودية رغم انهما من اشد وأعتى داعمي الإرهاب ضد سورية.‏

 

- قناعة باطنة أو ظاهرة لدى الأطراف المعتدين بأن تحقيق أهدافهم في المنطقة بات مستحيلا مع صمود وتصاعد قوة محور المقاومة. حيث أظهرت سورية ومحور المقاومة الذي يشاركها حربها الدفاعية ثباتا في الميدان وذكاء في التخطيط الاستراتيجي واحترافا في التنفيذ الميداني ومرونة ورشاقة في المناورة العملانية جعلت إمكانية تحقيق أهداف العدوان مستحيلة رغم تمكن الإرهابيين من الدخول إلى هذه المنطقة أو تلك أو تدمير هذه الناحية أو سواها.‏

 

- انخراط الشعب في الدول المستهدفة بالعملية الدفاعية بعد تشكل قناعة لديه بأن واجبه حمل السلاح للدفاع عن نفسه وأن وقوفه إلى جانب الجيش والقوات المسلحة يقصر فترة المعاناة ويقلل الأخطار. وكان في ذلك ضربة قوية توجه للعدوان من شأنها بعد أن تحرم الإرهابيين من البيئة الحاضنة وأن تزيد من حجم وقدرات القوى العاملة في الدفاع. وبالفعل فقد تثبت واقعيا انه في كل مرة ينخرط الشعب في المواجهة يتراجع الإرهاب بسرعة كما تتسارع عمليات استعادة الأمن والاستقرار كما حصل في الآونة الأخيرة من الجنوب إلى الشرق إلى الوسط والشمال وسواها (خاصة القنيطرة والحسكة وسواهما).‏

 

- قناعة باطنة لدى قيادة العدوان بمخاطر فتح الخرائط وإعادة رسم حدود وإنتاج دول جديدة. وهنا تكمن اهم إنجازات محور المقاومة على الصعيد الاستراتيجي في مواجهته للعدوان في طبعته الثانية التي تمثلت بمشاريع «التقسيم التناحري “. فقد استطاع محور المقاومة بعد الصمود الأسطوري في سورية والنجاح في بت الملف النووي الإيراني أن يقود الأمور الميدانية والسياسية بمنطق «حسم ما في اليد وتهديد مصالح المعتدين على أرضهم وفي فضائهم الاستراتيجي « وبالتالي لم يعد التقسيم بالصيغة التي كانت تتحدث عنها أجهزة الغرب أمرا سهلا لا بل يمكن أن يكون تقسيما في غير مصلحة أميركا والغرب وحلفائه الإقليمين عموما. كل ذلك أعاد النظر بمشاريع التقسيم الموضوعة واستبدالها بصيغ تقاسم المصالح بدل تقاسم المناطق. ما يعني المحافظة على الحدود السياسية للدول كما هي الآن مع مرونة بإعادة ترسيم حدود النفوذ والسلطة داخل تلك الدول.‏

 

لهذه الأسباب ولغيرها مما يعتبر اقل أهمية يضيق المجال عن ذكره، بات الحديث عن الحلول السياسية في المنطقة حديثا أكثر جديا من ذي قبل لا بل نكاد نقول بان منطق الحل السياسي بات اليوم عند جبهة المعتدين متقدما على سعيها لفرض أهدافها بالنار، ولكن هذا لا يعني أنها ستتوقف عن إطلاق النار وتتراجع عن استعمال الإرهاب والإرهابيين، لا نقول بذلك لأن النار لازالت حاجة للمتعدي ووظيفتها تغيرت فقط. لان المرحلة الآن ليست مرحلة الحل بل إنها مرحلة تهيئة البيئة للبحث عن الحل ولا ننسى أن من طبيعة أميركا وتقاليدها دائما التفاوض تحت النار وتحت ضغط الميدان لذلك يجب أن نفهم ما يجري على الساحة الدولية من حراك مقرون بما يحصل في الميدان من مناورات، نفهمه بانه تحضير لترتيب المسرح لتفاوض بات يقترب أكثر فأكثر من هنا تفسر:‏

 

- الحركة الإقليمية والدولية واللقاءات السياسية بين الأطراف المتخاصمين سواء منها المعلن أم المستتر، ولو لم يكن هناك مرحلة جديدة وسط بين مرحلتي الحرب والحلول لما حدثت تلك اللقاءات ولما شاهدنا تراجعاً عن مقاطعة دبلوماسية هنا أو إقفال سفارة هناك.‏

 

- تسارع وتيرة المساعي الدولية لتشكيل المحاور والمجموعات الاستراتيجية الظرفية أو الدائمة وبهذا نفسر محاولة إقامة مجموعات جديدة إلى جانب تماسك محور المقاومة حيث يتم الحديث عن مثلث طهران (روسيا سورية إيران) والحديث عن مربع القاهرة (مصر عمان الأردن الإمارات) واستمرار ثنائي انقره (قطر وتركيا) والسعي السعودي لتشكيل مجموعة إقليمية صلبة بقيادتها لتوزان بها محور المقاومة وثنائي أنقرة‏

 

- ملامح قيام نوع من وفاق روسي أميركي من شانه الدفع باتجاه الحلول السياسية لأزمات المنطقة، وفي هذا السياق صدر القرار 2216 المتصل بالأزمة اليمنية والذي يعتبر بشكل لا لبس فيه نوعا من التسليف الروسي للشريك الأميركي المهتم بالحرب السعودية على اليمن، ولا يبعد عن هذا التفسير أيضا صدور القرار 2235 المتصل بالتحقيق حول استعمال الأسلحة الكيماوية في سورية من قبل لجنة تحقيق دولي مختصة، كما وظهور برودة أميركية ما في مسألة الأزمة الأوكرانية التي تعني روسيا.‏

 

- البدء بمحاولة التضييق الظاهري على الإرهاب وحركة الإرهابيين الأجانب القادمين إلى المنطقة، كما بدء التضييق على تمويل الإرهابيين من الخليج وتبدو أهمية رمزية لخطوة الخزانة الأميركية بما خص القطريين وتجميد حساباتهم بذريعة دعمهم للإرهاب، وأخيرا تراجع أميركا الخجول عن برنامج تدريب المعارضة السورية التي تسميها معتدلة ووصف المشروع بأنه فاشل، وكذلك تمنعها عن دعم أردوغان في إقامة المنطقة الآمنة التي يحلم بها في سورية.‏

 

في الخلاصة نستطيع القول بأن المنطقة والعالم دخل مرحلة انتقالية جديدة تتوسط مرحلة الحرب العدوانية التي فشلت في إخضاع سورية ومحور المقاومة وفشلت في إعادة رسم حدود دول المنطقة، ومرحلة جديدة يتهيأ الجميع للدخول اليها تفاوضيا لتكريس نتائج المواجهة وتأكيد قيام صورة جديدة للشرق الأوسط تختلف عما خططت أميركا له، ولان المراحل الانتقالية عادة تتميز بعدم الاستقرار وعدم الانضباط واحتمال المفاجآت لذلك ينبغي أن تستمر قوى الدفاع في اعلى جهوزيتها لتحفظ مكاسبها.‏

 

  • فريق ماسة
  • 2015-08-09
  • 8349
  • من الأرشيف

مقدمات إنتاج بيئة التسويات ...وملامحها

لم يعد هناك شك بأن متغيرات في العلاقات الدولية باتت تشير إلى شيء ما يحضر على الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط بعد 5 سنوات من النار و الحريق الذي أسمي زوراً بأنه «ربيع عربي» ولم يكن للعرب منه إلا الكوارث في حين شكل لإسرائيل و أرباب المشروع الصهيواميركي ربيعا يزهر و كاد زهره ينعقد ثمرا يطيب مأكله لأرباب ذاك المشروع لو لم يكن في المواجهة قوة إقليمية صلبة منعت المشروع من تحقيق أهدافه بالشكل الذي كانت الخطط موضوعة له ، فكانت مواجهة محور المقاومة للمشروع الاستعماري الاحتلالي التدميري مواجهة قاسية استلزمت و لازالت الكثير من التضحيات و الدماء و العرق للمحافظة على الوجود و على الحقوق و فعالية الدور.‏   وبعد هذه السنوات الخمس من المواجهة الشرسة يبدو أن شيئا ما تغير لدى جبهة العدوان ومحاورها تغير ينبئ بأن الحرب والعدوان قد يتجه إلى نهاياته وقد يكون البحث عن مخارج سياسية امراً جدياً. نقول بذلك ونرى القول به منطقيا لان هناك حقائق تلزم الطرف المعتدي بمثل هذا البحث والتفكير لأكثر من سبب ودافع قد لا نحصرها بما يلي:‏   - شعور الأطراف المشاركين بالعدوان باقتراب النار لا بل اقتحامها لدورهم. وهنا لا يمكن أغفال ما جرى في كل من تركيا والسعودية من بدايات الأعمال الإرهابية التي استهدفت مساجد أو مراكز اجتماعية أو عسكرية وسواها، وهي جرائم مهما قيل فيها تبقى إرهابا قابلا للتوسع والتمدد من شأنه أن يفهم العاقل بان الإرهاب وحش اعمى يفترس حتى صانعيه ومموليه وها هو يقتحم تركيا والسعودية رغم انهما من اشد وأعتى داعمي الإرهاب ضد سورية.‏   - قناعة باطنة أو ظاهرة لدى الأطراف المعتدين بأن تحقيق أهدافهم في المنطقة بات مستحيلا مع صمود وتصاعد قوة محور المقاومة. حيث أظهرت سورية ومحور المقاومة الذي يشاركها حربها الدفاعية ثباتا في الميدان وذكاء في التخطيط الاستراتيجي واحترافا في التنفيذ الميداني ومرونة ورشاقة في المناورة العملانية جعلت إمكانية تحقيق أهداف العدوان مستحيلة رغم تمكن الإرهابيين من الدخول إلى هذه المنطقة أو تلك أو تدمير هذه الناحية أو سواها.‏   - انخراط الشعب في الدول المستهدفة بالعملية الدفاعية بعد تشكل قناعة لديه بأن واجبه حمل السلاح للدفاع عن نفسه وأن وقوفه إلى جانب الجيش والقوات المسلحة يقصر فترة المعاناة ويقلل الأخطار. وكان في ذلك ضربة قوية توجه للعدوان من شأنها بعد أن تحرم الإرهابيين من البيئة الحاضنة وأن تزيد من حجم وقدرات القوى العاملة في الدفاع. وبالفعل فقد تثبت واقعيا انه في كل مرة ينخرط الشعب في المواجهة يتراجع الإرهاب بسرعة كما تتسارع عمليات استعادة الأمن والاستقرار كما حصل في الآونة الأخيرة من الجنوب إلى الشرق إلى الوسط والشمال وسواها (خاصة القنيطرة والحسكة وسواهما).‏   - قناعة باطنة لدى قيادة العدوان بمخاطر فتح الخرائط وإعادة رسم حدود وإنتاج دول جديدة. وهنا تكمن اهم إنجازات محور المقاومة على الصعيد الاستراتيجي في مواجهته للعدوان في طبعته الثانية التي تمثلت بمشاريع «التقسيم التناحري “. فقد استطاع محور المقاومة بعد الصمود الأسطوري في سورية والنجاح في بت الملف النووي الإيراني أن يقود الأمور الميدانية والسياسية بمنطق «حسم ما في اليد وتهديد مصالح المعتدين على أرضهم وفي فضائهم الاستراتيجي « وبالتالي لم يعد التقسيم بالصيغة التي كانت تتحدث عنها أجهزة الغرب أمرا سهلا لا بل يمكن أن يكون تقسيما في غير مصلحة أميركا والغرب وحلفائه الإقليمين عموما. كل ذلك أعاد النظر بمشاريع التقسيم الموضوعة واستبدالها بصيغ تقاسم المصالح بدل تقاسم المناطق. ما يعني المحافظة على الحدود السياسية للدول كما هي الآن مع مرونة بإعادة ترسيم حدود النفوذ والسلطة داخل تلك الدول.‏   لهذه الأسباب ولغيرها مما يعتبر اقل أهمية يضيق المجال عن ذكره، بات الحديث عن الحلول السياسية في المنطقة حديثا أكثر جديا من ذي قبل لا بل نكاد نقول بان منطق الحل السياسي بات اليوم عند جبهة المعتدين متقدما على سعيها لفرض أهدافها بالنار، ولكن هذا لا يعني أنها ستتوقف عن إطلاق النار وتتراجع عن استعمال الإرهاب والإرهابيين، لا نقول بذلك لأن النار لازالت حاجة للمتعدي ووظيفتها تغيرت فقط. لان المرحلة الآن ليست مرحلة الحل بل إنها مرحلة تهيئة البيئة للبحث عن الحل ولا ننسى أن من طبيعة أميركا وتقاليدها دائما التفاوض تحت النار وتحت ضغط الميدان لذلك يجب أن نفهم ما يجري على الساحة الدولية من حراك مقرون بما يحصل في الميدان من مناورات، نفهمه بانه تحضير لترتيب المسرح لتفاوض بات يقترب أكثر فأكثر من هنا تفسر:‏   - الحركة الإقليمية والدولية واللقاءات السياسية بين الأطراف المتخاصمين سواء منها المعلن أم المستتر، ولو لم يكن هناك مرحلة جديدة وسط بين مرحلتي الحرب والحلول لما حدثت تلك اللقاءات ولما شاهدنا تراجعاً عن مقاطعة دبلوماسية هنا أو إقفال سفارة هناك.‏   - تسارع وتيرة المساعي الدولية لتشكيل المحاور والمجموعات الاستراتيجية الظرفية أو الدائمة وبهذا نفسر محاولة إقامة مجموعات جديدة إلى جانب تماسك محور المقاومة حيث يتم الحديث عن مثلث طهران (روسيا سورية إيران) والحديث عن مربع القاهرة (مصر عمان الأردن الإمارات) واستمرار ثنائي انقره (قطر وتركيا) والسعي السعودي لتشكيل مجموعة إقليمية صلبة بقيادتها لتوزان بها محور المقاومة وثنائي أنقرة‏   - ملامح قيام نوع من وفاق روسي أميركي من شانه الدفع باتجاه الحلول السياسية لأزمات المنطقة، وفي هذا السياق صدر القرار 2216 المتصل بالأزمة اليمنية والذي يعتبر بشكل لا لبس فيه نوعا من التسليف الروسي للشريك الأميركي المهتم بالحرب السعودية على اليمن، ولا يبعد عن هذا التفسير أيضا صدور القرار 2235 المتصل بالتحقيق حول استعمال الأسلحة الكيماوية في سورية من قبل لجنة تحقيق دولي مختصة، كما وظهور برودة أميركية ما في مسألة الأزمة الأوكرانية التي تعني روسيا.‏   - البدء بمحاولة التضييق الظاهري على الإرهاب وحركة الإرهابيين الأجانب القادمين إلى المنطقة، كما بدء التضييق على تمويل الإرهابيين من الخليج وتبدو أهمية رمزية لخطوة الخزانة الأميركية بما خص القطريين وتجميد حساباتهم بذريعة دعمهم للإرهاب، وأخيرا تراجع أميركا الخجول عن برنامج تدريب المعارضة السورية التي تسميها معتدلة ووصف المشروع بأنه فاشل، وكذلك تمنعها عن دعم أردوغان في إقامة المنطقة الآمنة التي يحلم بها في سورية.‏   في الخلاصة نستطيع القول بأن المنطقة والعالم دخل مرحلة انتقالية جديدة تتوسط مرحلة الحرب العدوانية التي فشلت في إخضاع سورية ومحور المقاومة وفشلت في إعادة رسم حدود دول المنطقة، ومرحلة جديدة يتهيأ الجميع للدخول اليها تفاوضيا لتكريس نتائج المواجهة وتأكيد قيام صورة جديدة للشرق الأوسط تختلف عما خططت أميركا له، ولان المراحل الانتقالية عادة تتميز بعدم الاستقرار وعدم الانضباط واحتمال المفاجآت لذلك ينبغي أن تستمر قوى الدفاع في اعلى جهوزيتها لتحفظ مكاسبها.‏  

المصدر : العميد د. أمين محمد حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة