مرات عدة سأل السوريون الروس لماذا لا تشارك قاذفاتكم في الغارات ضد التنظيمات الارهابية، فيما الطائرات الاميركية تضرب في باكستان وفي العراق و في اليمن وفي سوريا؟

هيلين كارير دانكوس، المتخصصة الشهيرة في الشؤون السوفياتية، قالت ذات يوم ان الدببة تفكر مرتين. لدى موسكو حججها القابلة للجدل «دعوهم يغرقون. في نهاية المطاف لا بد ان يطلقوا صيحات الاستغاثة».

ربما كان سيرغي لافروف «كيسنجر الروسي». لا يستسيغ هذا التشبيه، وهو الذي يرى ان وزير الخارجية الاميركية الاسبق غالبا ما يعاني من البارانويا. انه المتغطرس والمراوغ إن لم يكن لاعب السيرك. عندما وصفه احدهم بـ « ميترنيخ القرن العشرين» استشاط غيظا مع ان اطروحته للدكتوراه كانت حول المستشار الالماني الذي بهر المشاركين في مؤتمر فيينا عام 1815.

قال «... بل ان ميترنيخ هو كيسنجر القرن التاسع عشر». لكن لافروف اعجب بقوله «لقد كنت مستقلا دائما، الاميركيون يحبون الكاوبوي الذي يعدو مع حصانه وحيدا». هل يعدو الوزير الروسي مع حصانه وحيدا؟

كان السياسي الفذ يفغيني بريماكوف يحتار دائما ما اذا كان ذاك الذي يحدث في الشرق الاوسط هو صراع الالهة ام صراع شيوخ القبائل. لافروف صدم لان ما يحدث هو خليط بين صراع شيوخ القبائل وصراع شيوخ الطرق...

هناك مراسلون روس ويتحدثون بافتتان عن وزير خارجيتهم «بارع في التجول بين التفاصيل كما اندريه غروميكو، لكنه يعرف كيف يهز الذين امامه او الذين وراءه». قبل اشهر قال للمتورطين او الوالغين في الازمة السورية كفاكم توغلا في النيران». ماذا ينتظرهم هناك سوى الحطام؟

قال لاهل "النظام" في دمشق «ان ورقتكم القوية هي ان تواجهوا الكل بمفردكم». كل ما يمكن ان يقدمه الروس والايرانيون يظل محدودا اذا ما قورن بما تستطيع ان تفعله تركيا بمئات الكيلو مترات التي تجمعها مع سوريا، وبما يستطيع ان يفعله البلاط الاردني المتاخم ايضا والذي وضع نفسه بتصرف كل من يسعى الى تفكيك سوريا، معللاً النفس بالمملكة الهاشمية الكبرى.

ماذا كان حصل لو شاركت القاذفات الروسية في ضرب تنظيم الدولة الاسلامية؟ الدببة تفكر مرتين. «الاميركيون يريدون لنا ان نغرق مثل الآخرين لينتظروا جثثنا على ضفة النهر».

الآن، سيرغي لافروف المعجب بشخصية محمد جواد ظريف، هو الذي يستقطب الاطراف، الاتراك حذروا منه «لانه يجركم الى حيث يقف هو لا العكس». لكن الكل في ازمة، السعوديون، الاتراك، القطريون، وحتى الاميركيون الذين لم يستطيعوا اقناع حلفائهم بالتحديث البنيوي للمجتمعات. ما بعد داعش قد يكون اشد هولا من داعش.

بالكثير من الريبة، تلقف السوريون تصريح مولود جاويش اوغلو حول المعركة القادمة مع «تنظيم الدولة الاسلامية». اي دور يريد ان يلعبه رجب طيب اردوغان والى اين يريد ان يصل؟ في دمشق يطرحون السؤال بعدما رأوا في الرجل كل مواصفات المشعوذ وان بقبعة السلطان. هل يقفز فوق العملية الديبلوماسية لموسكو ليفرض معادلات معينة فوق الارض السورية؟

ثمة معلومات ديبلوماسية وتقول ان لافروف ابلغ جون كيري ان على اردوغان ان يستذكر جيدا اين هي الخطوط الحمر في سوريا. المعلومات تقول انه ألمح الى ان الاسطول الروسي في المتوسط قد يضطر للتدخل. مثل هذا الكلام قيل في وقت سابق بعدما ظن اردوغان انه على مسافة «دقيقتين» من شاطىء اللاذقية.كيري اجاب انه يعمل تحت انظارنا. من يصدق الاميركيين؟

المعلومات اياها تضيف بأن وزير خارجية دولة خليجية قال لنظيره الروسي ما معناه اننا ندرك ما هي المفاعيل الجيوسياسية لاتفاق فيينا، ونحن مع مساعيكم الديبلوماسية وحتى مع مساعي ايران لوضع حد للتراجيديا السورية، لكن انقرة تضغط علينا، بل وتهددنا بالرغم من الروابط الاستراتيجية وحتى الايديولوجية بيننا و بينها.

كيري يرى ان هاجس اردوغان هو الاكراد كقوة ضاربة تحت جلد الدولة التركية. يضرب «داعش» لكي تقف واشنطن الى جانبه في مواجهة الاكراد الذين يزدادون شراسة في وجه الرئيس التركي...

لكنه المشعوذ (لعله المشعوذ الاعمى) الذي يضرب عصاه في كل اتجاه. ماذا يخفي وراء «المعركة الكبرى» ضد تنظيم الدولة؟ اذا كنا فعلا قد بدأنا الرحلة الطويلة الى التسوية، لا تأمنوا لربع الساعة الاخير!!

  • فريق ماسة
  • 2015-08-07
  • 10970
  • من الأرشيف

لماذا لا تتدخّل القاذفات الروسيّة؟

مرات عدة سأل السوريون الروس لماذا لا تشارك قاذفاتكم في الغارات ضد التنظيمات الارهابية، فيما الطائرات الاميركية تضرب في باكستان وفي العراق و في اليمن وفي سوريا؟ هيلين كارير دانكوس، المتخصصة الشهيرة في الشؤون السوفياتية، قالت ذات يوم ان الدببة تفكر مرتين. لدى موسكو حججها القابلة للجدل «دعوهم يغرقون. في نهاية المطاف لا بد ان يطلقوا صيحات الاستغاثة». ربما كان سيرغي لافروف «كيسنجر الروسي». لا يستسيغ هذا التشبيه، وهو الذي يرى ان وزير الخارجية الاميركية الاسبق غالبا ما يعاني من البارانويا. انه المتغطرس والمراوغ إن لم يكن لاعب السيرك. عندما وصفه احدهم بـ « ميترنيخ القرن العشرين» استشاط غيظا مع ان اطروحته للدكتوراه كانت حول المستشار الالماني الذي بهر المشاركين في مؤتمر فيينا عام 1815. قال «... بل ان ميترنيخ هو كيسنجر القرن التاسع عشر». لكن لافروف اعجب بقوله «لقد كنت مستقلا دائما، الاميركيون يحبون الكاوبوي الذي يعدو مع حصانه وحيدا». هل يعدو الوزير الروسي مع حصانه وحيدا؟ كان السياسي الفذ يفغيني بريماكوف يحتار دائما ما اذا كان ذاك الذي يحدث في الشرق الاوسط هو صراع الالهة ام صراع شيوخ القبائل. لافروف صدم لان ما يحدث هو خليط بين صراع شيوخ القبائل وصراع شيوخ الطرق... هناك مراسلون روس ويتحدثون بافتتان عن وزير خارجيتهم «بارع في التجول بين التفاصيل كما اندريه غروميكو، لكنه يعرف كيف يهز الذين امامه او الذين وراءه». قبل اشهر قال للمتورطين او الوالغين في الازمة السورية كفاكم توغلا في النيران». ماذا ينتظرهم هناك سوى الحطام؟ قال لاهل "النظام" في دمشق «ان ورقتكم القوية هي ان تواجهوا الكل بمفردكم». كل ما يمكن ان يقدمه الروس والايرانيون يظل محدودا اذا ما قورن بما تستطيع ان تفعله تركيا بمئات الكيلو مترات التي تجمعها مع سوريا، وبما يستطيع ان يفعله البلاط الاردني المتاخم ايضا والذي وضع نفسه بتصرف كل من يسعى الى تفكيك سوريا، معللاً النفس بالمملكة الهاشمية الكبرى. ماذا كان حصل لو شاركت القاذفات الروسية في ضرب تنظيم الدولة الاسلامية؟ الدببة تفكر مرتين. «الاميركيون يريدون لنا ان نغرق مثل الآخرين لينتظروا جثثنا على ضفة النهر». الآن، سيرغي لافروف المعجب بشخصية محمد جواد ظريف، هو الذي يستقطب الاطراف، الاتراك حذروا منه «لانه يجركم الى حيث يقف هو لا العكس». لكن الكل في ازمة، السعوديون، الاتراك، القطريون، وحتى الاميركيون الذين لم يستطيعوا اقناع حلفائهم بالتحديث البنيوي للمجتمعات. ما بعد داعش قد يكون اشد هولا من داعش. بالكثير من الريبة، تلقف السوريون تصريح مولود جاويش اوغلو حول المعركة القادمة مع «تنظيم الدولة الاسلامية». اي دور يريد ان يلعبه رجب طيب اردوغان والى اين يريد ان يصل؟ في دمشق يطرحون السؤال بعدما رأوا في الرجل كل مواصفات المشعوذ وان بقبعة السلطان. هل يقفز فوق العملية الديبلوماسية لموسكو ليفرض معادلات معينة فوق الارض السورية؟ ثمة معلومات ديبلوماسية وتقول ان لافروف ابلغ جون كيري ان على اردوغان ان يستذكر جيدا اين هي الخطوط الحمر في سوريا. المعلومات تقول انه ألمح الى ان الاسطول الروسي في المتوسط قد يضطر للتدخل. مثل هذا الكلام قيل في وقت سابق بعدما ظن اردوغان انه على مسافة «دقيقتين» من شاطىء اللاذقية.كيري اجاب انه يعمل تحت انظارنا. من يصدق الاميركيين؟ المعلومات اياها تضيف بأن وزير خارجية دولة خليجية قال لنظيره الروسي ما معناه اننا ندرك ما هي المفاعيل الجيوسياسية لاتفاق فيينا، ونحن مع مساعيكم الديبلوماسية وحتى مع مساعي ايران لوضع حد للتراجيديا السورية، لكن انقرة تضغط علينا، بل وتهددنا بالرغم من الروابط الاستراتيجية وحتى الايديولوجية بيننا و بينها. كيري يرى ان هاجس اردوغان هو الاكراد كقوة ضاربة تحت جلد الدولة التركية. يضرب «داعش» لكي تقف واشنطن الى جانبه في مواجهة الاكراد الذين يزدادون شراسة في وجه الرئيس التركي... لكنه المشعوذ (لعله المشعوذ الاعمى) الذي يضرب عصاه في كل اتجاه. ماذا يخفي وراء «المعركة الكبرى» ضد تنظيم الدولة؟ اذا كنا فعلا قد بدأنا الرحلة الطويلة الى التسوية، لا تأمنوا لربع الساعة الاخير!!

المصدر : الديار/ نبيه برجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة