وزير الخارجية السوري وليد المعلم في العاصمة العمانية، الأنباء تتحدث عن لقاء سوري سعودي إيراني في مسقط، والحديث عن تبدلات في مسار العلاقة مع سوريا بالنسبة لأل سعود،

 لم يزل مبكراً، فإن كانت المعطيات تفضي إلى وجود نية بالتحول في الملف السوري بالنسبة للسعوديين، إلا أن لعبة المصالح لا تحقق من الناحية العملية، والعلمية، مصلحة سعودية حقيقية في المرحلة الراهنة، لذا يمكن القول إن التطورات الأخيرة هي مقدمة لنقاشات قد تطول، حتى تصل إلى مرحلة النضوج التام، والخروج بمتغير سياسي واقعي وملموس.

 فالواقع يقول إن العلاقة السعودية مع إسرائيل والتي خرجت إلى العلن، منهية زمن سريتها، لا تقبل أن يكون ثمة تقارب ما بين السعوديين ودمشق، كما إن علاقة التبعية المطلقة من آل سعود للإدارة الأمريكية تفرض القول إن السعودية لا تمتلك دوراً حقيقياً مستقلاً في أي من الملفات الإقليمية أو الدولية، فالدور الحقيقي للسعوديين خصوصاً والخليجيين عموماً، هو دور تنفيذي بحت، ولا يمكن له أن يخرج عن النص الأمريكي المكتوب للمطلق، وبناءاً على التنسيق المطلق ما بين الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي يمكن التأسيس لطرح جملة من التساؤولات التي تفرض نفسها لفهم استراتيجية كل محور خلال المرحلة القادمة.

 في قطاع الطاقة، وهو الورقة الهامة بالنسبة للأمريكيين في المنطقة، يفهم الأمريكيون إنهم خارج حسابات الدولة السورية، وحليفتها إيران في زمن ما بعد الاتفاق النووي، أو ما بعد الأزمة السورية، لذا لابد للأمريكيين من بعض المماطلة لضمان استفادتهم من عقود الطاقة التي ستوقع لإعادة استثمار كل من السوقيين السورية والإيرانية، وبالتالي لا يمكن القول إن أي من الدول التي دعمت الإرهاب في الداخل السوري، ستكون ضمن الناتج الاقتصادي للحل السياسي السوري، ومن هذه النقطة يمكن القول إن الأمريكيون يبحثون عن بديل (صوري) لهم في هذا الحقل، ولا يمكن أن يكون المنطق الأمريكي يذهب نحو زج السعوديين في السوق السورية أو الإيرانية، فكلا الدولتين لن تقبل بذلك، وعلى هذا يمكن القول إن الحياد الذي لعبته كل من الكويت وسلطنة عمان، كان محسوباً لجهة اللعب على وتر هذا الحياد ليدخل السوق السورية، على إن الشركات التي ستدخل السوقين السورية أو الإيرانية، ستدفع عمولة يمكن وصفها بـ (الإتاوة) للأمريكي، ولا ريب في ذلك.

 في الملف الأكثر أهمية بالنسبة للأمريكيين، يحضر، ملف أمن إسرائيل، الذي لا تقدر الإدارة الأمريكية أن تساوم عليه، وإن كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يحارب لإيصال الاتفاق النووي إلى مرحلة التنفيذ، فإنه يعرف أن رفض الإسرائيليين يأتي من كون ناتج الاتفاق في المنطقة سياسياً، سيكون جملة من التوافقات على إنهاء الملفات الساخنة، ولا يريد الإسرائيليون تهدأة الملف السوري إلا في حال واحدة، أن يضمن أمنها من خلال جملة من التطمينات التي لابد لها وأن تحضر على طاولة النقاش الأمريكي الإسرائيلي، وقد يكون هذه التطمينات في ظهرها جملة من المنح العسكرية والاقتصادية للكيان، لكن باطنها، سيكون توافق ما بين تل أبيب وواشنطن على تهدأة مؤقتة في المنطقة، وقد يكون (التطنيش) الأمريكي على إعادة بعث مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وغض الطرف عن حركة الإستيطان، ومن ثم توافق على أن يكون ثمة مرحلة جديدة من الهجوم على سوريا سواء سياسياً، أو ميدانياً، فالحلم الإسرائيلي بإعادة تقسيم المنطقة وفق جغرافية عرقية ودينية تضمن لإسرائيل طبيعية الوجود في المنطقة، لا يمكن أن ينتهي بجرة قلم أمريكي، وعلى هذا، يمكن القول إن الدولة السورية التي تعي بإنها بحاجة إلى الهدوء وإنهاء الأزمة التي تعصف بالبلاد، تعي أيضاً، أن التحولات في المواقف هي تحولات مصالح لا أكثر، وتبدل مؤقت، قد يطول وقد يقصر، لكن إنهاء الأزمة اليوم بات مطلباً شعبياً ملحاً، ودمشق تعي أن بعض من الليونة مع الخارج لن يجبرها على تبدل المسار المرسوم للدولة السورية منذ تأسيسها الحديث، ولن يقوم الرئيس السوري بتقديم التنازلات بالمطلق، ذلك بكونه يعي إن إطالة أمد الأزمة لم يعد في مصلحة أحد..

 في شق مهم من البحث عن أسباب التبدلات الدولية، لا يمكن إغفال موضوع التكلفة العالية التي صرفت على دعم وتمويل الميليشيات المسلحة في الداخل السوري، دون ناتج حقيقي على الأراضي السورية، فأن تسيطر التنظيمات جزء من الأراضي السورية ( سيطرة غير مطلقة بواقع استمرارية عمليات الجيش السوري)، فإن ذلك لا يعني إن الدولة قريبة من الانهيار، وقد لمس ذلك على أرض الواقع، وفي هذه النقطة تحديداً، لا يمكن إهمال نقطتين أساسيتين في سر التحول الكبير في مسار الحدث السوري من قبل أمريكا وحلفاءها، ومن قبل إسرائيل وإن لم يكن الأمر معلناً، وهو منعكسات معركة القلمون ومعركة الزبداني من جهة، ومعركة الجنوب السوري من جهة أخرى، إذ إن استعادة الجيش السوري والمقاومة اللبانية على القلمون والزبداني، سيعني اقتراب موعد إعادة نشر الدرع الصاروخية السورية المضادة للطيران، والصواريخ بعيدة المدى في القلمون بما يشكل سلاح ردع استراتيجي بديل عن الأسلحة الكيميائية التي تخلت عنها الحكومة السورية، كما إن إعلان الرئيس السوري بشار الأسد و الأمين العام لحزب الله لسقوط قواعد الاشتباك مع إسرائيل، سيجعل تل أبيب أن تكون مستعدة لانتشار خلايا المقاومة على امتداد الشريط الحدودي، بعد معركة الزبداني، فبوصلة المنطق العسكري، تشير إلى أن الضرورة العسكرية في مرحلة ما بعد الزبداني ستكون مركزة على تطيهر المنطقة المحاذية لشريط الفصل بين منطقتي الجولان السوري المحتل والمحرر، ولا يهمل الإسرائيليون في هذه النقطة تحديداً إعلان محور المقاومة عن بدء نقل التجربة إلى داخل الأراضي السورية المحتلة من خلال خلايا نائمة تابعة للمقاومة، ولا يهمل أيضاً أن المزاج الشعبي في تلك المناطق لم يدجن بما يجعل السوريين المقيمين تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي يتناسوا انتماءهم، وبالتالي وجب على تل أبيب التهدئة مقابل الحصول من أمريكا على تطمينات في هذا الإطار، بمعنى أن يكون ثمة قبول من الدولة السورية بأن يكون ثمة انتشار للجيش السوري فقط في تلك المنطقة، ووفقاً لاتفاق فض الاشتباك الذي ترعاه الأمم المتحدة منذ نهاية حرب تشرين في العام 1973، بمعنى أن تعود قوات الإندوف لتفصل ما بين المنطقتين، بما يضمن عدم وجود مقاتلي حزب الله في تلك المنطقة، وقد تناقش الدولة السورية هذا المطلب بطريقة غير مباشرة، وبكونها صاحبة اليد العليا في هذا الملف، سيكون من الطبيعي أن تفرض شروطها.

 وﻷن السعوديين عرفوا أن محورية دورهم في المنظومة الخليجية القائمة على الأساس القبائلي هددت من قبل قطر نتيجة تقارب الأخيرة مع الحكومة الإسرائيلية، اتجهوا نحو هذا التنسيق، وعلى هذا يمكن البناء على إن إسرائيل أوعزت من خلال تقاربها مع الرياض، إلى آل سعود بأن يكونوا رأس الحربة في التبدل العالمي فيما يخص الملف السوري وهذا التوجيه الإسرائيلي سيكون قطعاً بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، إذ إن الصفقات العسكرية التي وقعت ما بين موسكو والرياض، لا يمكن أن تقبل بها أمريكا، إلا من باب أن السعوديون يدفعون ثمن خروج المحور الأمريكي من عنق الزجاجة السورية، غير إنه يمكن القول إن اتفاق كالذي وقعته أمريكا مع قطر مقابل حصول الأخيرة على حق استضافة مونديل 2022، قد يكرر هذه المرة ما بين الإسرائيليين مباشرة والكيان السعودي، على أن يطبق ضمن فترة طويلة من الزمن بعد أن يقوم السعوديين بجملة من الممارسات التي يكسبون من خلالها الثقة السورية، وبالتالي يعمل السعوديين على إيجاد نوع من الخروقات الأمنية في سوريا، وربما يذهب السعوديين نحو التقارب مع حزب الله، لتقديم هدايا كالتي كانت قطر بصدد منحها لمسؤولي حزب الله من قبيل (سيارات مراقبة) وفق اتفاق المونديال، ومن ثم الذهاب نحو محاولة خرق المؤسسة العسكرية السورية، لكن هل يغيب عن دمشق مثل هذا الاحتمال، وهل يقدر السعوديين أصلاً على خرق مؤسسة أثبتت عقائديتها العسكرية إنها غير قابلة للخرق..؟.

 ويمكن القول إن الفشل الميداني في تحقيق ناتج حقيقي ومؤثر يسمح بخرق الدولة السورية، هو السبب بضرورة الذهاب نحو إعادة التخندق فيما يخص الملف السوري، وليس وعي بضرورة محاربة الإرهاب، ولا محاولة لتحقيق طموح الشعب السوري في التحول السياسي، ولا يمكن ربط التحول بالاتفاق النووي الإيراني بشكل مباشر، وإنما هو منجز سوري بحت، عملت دمشق على تأسيسه مستفيدة من دعم حلفاءها، ليكون زمن المتحولات الدولية في الملف السوري بفعل الريح السورية وحدها، وإن كانت روسيا تذهب نحو طرح تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، فإن ذلك لا يعني وجود قوات أمريكية أو سعودية ضمن قوام التحالف، وإنما المطلوب من المحور الأمريكي أن يكف عن دعم المسلحين في الداخل، مع إلزام كل من الأردن وتركيا وتيار المستقبل في لبنان، والكيان الإسرائيلي بوقف الدعم المباشر للمسلحين بالمال والسلاح والإعلام، على أن تترك هذه الميليشيات محصورة في سوريا بما يسمح للجيش السوري بالقضاء عليها، دون أن يخرج أي من الجهاديين منها حراً، فإما أن يقتل أو أن يسلم إلى دولته عبر السلطات السورية بعد إلقاء القبض عليه.

 وفيما يخص المبادرة الإيرانية، فلا يمكن القول إنها تؤسس لتقسيم سوريا (حتى فيدرالياً)، وإنما هي مبادرة ذات وجه أكثر قابلية للنقاش من قبل الغرب، على إنها ترضي غرور الدول المعادية لسوريا، ولن يكون ثمة دستور طائفي كما هو الحال في العراق أو لبنان، لكن سيكون ثمة ما يلزم دستورياً باحترام حقوق الأقليات، التي تضمنها الدولة السورية من خلال جملة قوانين أو ممارسات سيادية سورية يمكن وصفها بـ (الأعراف السيادية السورية)، لكن من الممكن أن تلغى المادة التي تنص على أن يكون رئيس الجمهورية السورية مسلماً، إضافة إلى تعديلات بسيطة لا يمكن أن تخرق السيادة السورية، أو أن تكون منتجة لدستور جديد، فالدستور السوري الذي غير في ظل الأزمة، يعتبر من الدساتير الأكثر ديمقراطية حول العالم، ويمكن وصفه بالدستور الأمثل والأكثر حيوية قياساً إلى دساتير الكثير من دول العالم.

 ويمكن القول إن السعوديين يغيرون جلودهم لتحقيق مطالب إسرائيلية مستقبلية في سوريا والمنطقة، مقابل ضمان بقاءهم في سدة الحدث الخليجي، وفي خارطة الحدث السياسي، في حين إن أمريكا تذهب نحو هذا التبدل مقابل مصالح إسرائيلية ستبحث عنها بطريق غير مباشر، في حين إن إسرائيل تريد إنهاء المبرر الميداني الذي يسمح بوصول حزب الله من خلال تدريبه لمجموعات من السوريين في منطقتي الجولان السوري المحتل والمحرر، والعودة إلى اتفاق فض الاشتباك، بدلاً من مستبقة الانتصار السوري الكبير في الجنوب خصوصاً، وفي بقية الجغرافية السورية عموماً.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-08-07
  • 8143
  • من الأرشيف

لماذا يبدل آل سعود جلودهم..؟ ...محمود عبد اللطيف

وزير الخارجية السوري وليد المعلم في العاصمة العمانية، الأنباء تتحدث عن لقاء سوري سعودي إيراني في مسقط، والحديث عن تبدلات في مسار العلاقة مع سوريا بالنسبة لأل سعود،  لم يزل مبكراً، فإن كانت المعطيات تفضي إلى وجود نية بالتحول في الملف السوري بالنسبة للسعوديين، إلا أن لعبة المصالح لا تحقق من الناحية العملية، والعلمية، مصلحة سعودية حقيقية في المرحلة الراهنة، لذا يمكن القول إن التطورات الأخيرة هي مقدمة لنقاشات قد تطول، حتى تصل إلى مرحلة النضوج التام، والخروج بمتغير سياسي واقعي وملموس.  فالواقع يقول إن العلاقة السعودية مع إسرائيل والتي خرجت إلى العلن، منهية زمن سريتها، لا تقبل أن يكون ثمة تقارب ما بين السعوديين ودمشق، كما إن علاقة التبعية المطلقة من آل سعود للإدارة الأمريكية تفرض القول إن السعودية لا تمتلك دوراً حقيقياً مستقلاً في أي من الملفات الإقليمية أو الدولية، فالدور الحقيقي للسعوديين خصوصاً والخليجيين عموماً، هو دور تنفيذي بحت، ولا يمكن له أن يخرج عن النص الأمريكي المكتوب للمطلق، وبناءاً على التنسيق المطلق ما بين الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي يمكن التأسيس لطرح جملة من التساؤولات التي تفرض نفسها لفهم استراتيجية كل محور خلال المرحلة القادمة.  في قطاع الطاقة، وهو الورقة الهامة بالنسبة للأمريكيين في المنطقة، يفهم الأمريكيون إنهم خارج حسابات الدولة السورية، وحليفتها إيران في زمن ما بعد الاتفاق النووي، أو ما بعد الأزمة السورية، لذا لابد للأمريكيين من بعض المماطلة لضمان استفادتهم من عقود الطاقة التي ستوقع لإعادة استثمار كل من السوقيين السورية والإيرانية، وبالتالي لا يمكن القول إن أي من الدول التي دعمت الإرهاب في الداخل السوري، ستكون ضمن الناتج الاقتصادي للحل السياسي السوري، ومن هذه النقطة يمكن القول إن الأمريكيون يبحثون عن بديل (صوري) لهم في هذا الحقل، ولا يمكن أن يكون المنطق الأمريكي يذهب نحو زج السعوديين في السوق السورية أو الإيرانية، فكلا الدولتين لن تقبل بذلك، وعلى هذا يمكن القول إن الحياد الذي لعبته كل من الكويت وسلطنة عمان، كان محسوباً لجهة اللعب على وتر هذا الحياد ليدخل السوق السورية، على إن الشركات التي ستدخل السوقين السورية أو الإيرانية، ستدفع عمولة يمكن وصفها بـ (الإتاوة) للأمريكي، ولا ريب في ذلك.  في الملف الأكثر أهمية بالنسبة للأمريكيين، يحضر، ملف أمن إسرائيل، الذي لا تقدر الإدارة الأمريكية أن تساوم عليه، وإن كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يحارب لإيصال الاتفاق النووي إلى مرحلة التنفيذ، فإنه يعرف أن رفض الإسرائيليين يأتي من كون ناتج الاتفاق في المنطقة سياسياً، سيكون جملة من التوافقات على إنهاء الملفات الساخنة، ولا يريد الإسرائيليون تهدأة الملف السوري إلا في حال واحدة، أن يضمن أمنها من خلال جملة من التطمينات التي لابد لها وأن تحضر على طاولة النقاش الأمريكي الإسرائيلي، وقد يكون هذه التطمينات في ظهرها جملة من المنح العسكرية والاقتصادية للكيان، لكن باطنها، سيكون توافق ما بين تل أبيب وواشنطن على تهدأة مؤقتة في المنطقة، وقد يكون (التطنيش) الأمريكي على إعادة بعث مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، وغض الطرف عن حركة الإستيطان، ومن ثم توافق على أن يكون ثمة مرحلة جديدة من الهجوم على سوريا سواء سياسياً، أو ميدانياً، فالحلم الإسرائيلي بإعادة تقسيم المنطقة وفق جغرافية عرقية ودينية تضمن لإسرائيل طبيعية الوجود في المنطقة، لا يمكن أن ينتهي بجرة قلم أمريكي، وعلى هذا، يمكن القول إن الدولة السورية التي تعي بإنها بحاجة إلى الهدوء وإنهاء الأزمة التي تعصف بالبلاد، تعي أيضاً، أن التحولات في المواقف هي تحولات مصالح لا أكثر، وتبدل مؤقت، قد يطول وقد يقصر، لكن إنهاء الأزمة اليوم بات مطلباً شعبياً ملحاً، ودمشق تعي أن بعض من الليونة مع الخارج لن يجبرها على تبدل المسار المرسوم للدولة السورية منذ تأسيسها الحديث، ولن يقوم الرئيس السوري بتقديم التنازلات بالمطلق، ذلك بكونه يعي إن إطالة أمد الأزمة لم يعد في مصلحة أحد..  في شق مهم من البحث عن أسباب التبدلات الدولية، لا يمكن إغفال موضوع التكلفة العالية التي صرفت على دعم وتمويل الميليشيات المسلحة في الداخل السوري، دون ناتج حقيقي على الأراضي السورية، فأن تسيطر التنظيمات جزء من الأراضي السورية ( سيطرة غير مطلقة بواقع استمرارية عمليات الجيش السوري)، فإن ذلك لا يعني إن الدولة قريبة من الانهيار، وقد لمس ذلك على أرض الواقع، وفي هذه النقطة تحديداً، لا يمكن إهمال نقطتين أساسيتين في سر التحول الكبير في مسار الحدث السوري من قبل أمريكا وحلفاءها، ومن قبل إسرائيل وإن لم يكن الأمر معلناً، وهو منعكسات معركة القلمون ومعركة الزبداني من جهة، ومعركة الجنوب السوري من جهة أخرى، إذ إن استعادة الجيش السوري والمقاومة اللبانية على القلمون والزبداني، سيعني اقتراب موعد إعادة نشر الدرع الصاروخية السورية المضادة للطيران، والصواريخ بعيدة المدى في القلمون بما يشكل سلاح ردع استراتيجي بديل عن الأسلحة الكيميائية التي تخلت عنها الحكومة السورية، كما إن إعلان الرئيس السوري بشار الأسد و الأمين العام لحزب الله لسقوط قواعد الاشتباك مع إسرائيل، سيجعل تل أبيب أن تكون مستعدة لانتشار خلايا المقاومة على امتداد الشريط الحدودي، بعد معركة الزبداني، فبوصلة المنطق العسكري، تشير إلى أن الضرورة العسكرية في مرحلة ما بعد الزبداني ستكون مركزة على تطيهر المنطقة المحاذية لشريط الفصل بين منطقتي الجولان السوري المحتل والمحرر، ولا يهمل الإسرائيليون في هذه النقطة تحديداً إعلان محور المقاومة عن بدء نقل التجربة إلى داخل الأراضي السورية المحتلة من خلال خلايا نائمة تابعة للمقاومة، ولا يهمل أيضاً أن المزاج الشعبي في تلك المناطق لم يدجن بما يجعل السوريين المقيمين تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي يتناسوا انتماءهم، وبالتالي وجب على تل أبيب التهدئة مقابل الحصول من أمريكا على تطمينات في هذا الإطار، بمعنى أن يكون ثمة قبول من الدولة السورية بأن يكون ثمة انتشار للجيش السوري فقط في تلك المنطقة، ووفقاً لاتفاق فض الاشتباك الذي ترعاه الأمم المتحدة منذ نهاية حرب تشرين في العام 1973، بمعنى أن تعود قوات الإندوف لتفصل ما بين المنطقتين، بما يضمن عدم وجود مقاتلي حزب الله في تلك المنطقة، وقد تناقش الدولة السورية هذا المطلب بطريقة غير مباشرة، وبكونها صاحبة اليد العليا في هذا الملف، سيكون من الطبيعي أن تفرض شروطها.  وﻷن السعوديين عرفوا أن محورية دورهم في المنظومة الخليجية القائمة على الأساس القبائلي هددت من قبل قطر نتيجة تقارب الأخيرة مع الحكومة الإسرائيلية، اتجهوا نحو هذا التنسيق، وعلى هذا يمكن البناء على إن إسرائيل أوعزت من خلال تقاربها مع الرياض، إلى آل سعود بأن يكونوا رأس الحربة في التبدل العالمي فيما يخص الملف السوري وهذا التوجيه الإسرائيلي سيكون قطعاً بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، إذ إن الصفقات العسكرية التي وقعت ما بين موسكو والرياض، لا يمكن أن تقبل بها أمريكا، إلا من باب أن السعوديون يدفعون ثمن خروج المحور الأمريكي من عنق الزجاجة السورية، غير إنه يمكن القول إن اتفاق كالذي وقعته أمريكا مع قطر مقابل حصول الأخيرة على حق استضافة مونديل 2022، قد يكرر هذه المرة ما بين الإسرائيليين مباشرة والكيان السعودي، على أن يطبق ضمن فترة طويلة من الزمن بعد أن يقوم السعوديين بجملة من الممارسات التي يكسبون من خلالها الثقة السورية، وبالتالي يعمل السعوديين على إيجاد نوع من الخروقات الأمنية في سوريا، وربما يذهب السعوديين نحو التقارب مع حزب الله، لتقديم هدايا كالتي كانت قطر بصدد منحها لمسؤولي حزب الله من قبيل (سيارات مراقبة) وفق اتفاق المونديال، ومن ثم الذهاب نحو محاولة خرق المؤسسة العسكرية السورية، لكن هل يغيب عن دمشق مثل هذا الاحتمال، وهل يقدر السعوديين أصلاً على خرق مؤسسة أثبتت عقائديتها العسكرية إنها غير قابلة للخرق..؟.  ويمكن القول إن الفشل الميداني في تحقيق ناتج حقيقي ومؤثر يسمح بخرق الدولة السورية، هو السبب بضرورة الذهاب نحو إعادة التخندق فيما يخص الملف السوري، وليس وعي بضرورة محاربة الإرهاب، ولا محاولة لتحقيق طموح الشعب السوري في التحول السياسي، ولا يمكن ربط التحول بالاتفاق النووي الإيراني بشكل مباشر، وإنما هو منجز سوري بحت، عملت دمشق على تأسيسه مستفيدة من دعم حلفاءها، ليكون زمن المتحولات الدولية في الملف السوري بفعل الريح السورية وحدها، وإن كانت روسيا تذهب نحو طرح تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، فإن ذلك لا يعني وجود قوات أمريكية أو سعودية ضمن قوام التحالف، وإنما المطلوب من المحور الأمريكي أن يكف عن دعم المسلحين في الداخل، مع إلزام كل من الأردن وتركيا وتيار المستقبل في لبنان، والكيان الإسرائيلي بوقف الدعم المباشر للمسلحين بالمال والسلاح والإعلام، على أن تترك هذه الميليشيات محصورة في سوريا بما يسمح للجيش السوري بالقضاء عليها، دون أن يخرج أي من الجهاديين منها حراً، فإما أن يقتل أو أن يسلم إلى دولته عبر السلطات السورية بعد إلقاء القبض عليه.  وفيما يخص المبادرة الإيرانية، فلا يمكن القول إنها تؤسس لتقسيم سوريا (حتى فيدرالياً)، وإنما هي مبادرة ذات وجه أكثر قابلية للنقاش من قبل الغرب، على إنها ترضي غرور الدول المعادية لسوريا، ولن يكون ثمة دستور طائفي كما هو الحال في العراق أو لبنان، لكن سيكون ثمة ما يلزم دستورياً باحترام حقوق الأقليات، التي تضمنها الدولة السورية من خلال جملة قوانين أو ممارسات سيادية سورية يمكن وصفها بـ (الأعراف السيادية السورية)، لكن من الممكن أن تلغى المادة التي تنص على أن يكون رئيس الجمهورية السورية مسلماً، إضافة إلى تعديلات بسيطة لا يمكن أن تخرق السيادة السورية، أو أن تكون منتجة لدستور جديد، فالدستور السوري الذي غير في ظل الأزمة، يعتبر من الدساتير الأكثر ديمقراطية حول العالم، ويمكن وصفه بالدستور الأمثل والأكثر حيوية قياساً إلى دساتير الكثير من دول العالم.  ويمكن القول إن السعوديين يغيرون جلودهم لتحقيق مطالب إسرائيلية مستقبلية في سوريا والمنطقة، مقابل ضمان بقاءهم في سدة الحدث الخليجي، وفي خارطة الحدث السياسي، في حين إن أمريكا تذهب نحو هذا التبدل مقابل مصالح إسرائيلية ستبحث عنها بطريق غير مباشر، في حين إن إسرائيل تريد إنهاء المبرر الميداني الذي يسمح بوصول حزب الله من خلال تدريبه لمجموعات من السوريين في منطقتي الجولان السوري المحتل والمحرر، والعودة إلى اتفاق فض الاشتباك، بدلاً من مستبقة الانتصار السوري الكبير في الجنوب خصوصاً، وفي بقية الجغرافية السورية عموماً.  

المصدر : الماسة السورية / عربي برس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة