هل فشلت المفاوضات؟ يبدو السؤال لمن يتابع المفاوضات عن كثب مفاجئاً بعض الشيء، إذّ أنه لا يعكس الجوّ العام الذي يعبّر عنه المفاوضون من الدول الستّ وإيران، وتحديداً إيران والولايات المتحدة.

الجميع يريد للجولة ان تستمر، وكونها الجولة الأخيرة، فالمنطق التفاوضي يدفع بمن بيدهم ناصية الأمور لعدم اللعب بتوصيفها، إنما المناورة بأيامها.

في البدء كان السقف الزمني للوصول إلى إتفاق يوم الثلاثين من حزيران/ يونيو، لكن الثلاثين جاء ومعه لم يأتِ الإتفاق فكان لزاماً التمديد حتى السابع من تموز/ يوليو الذي لا يبدو بعيداً جداً، حينها قيل إن الولايات المتحدة تريد إتفاقا قبل التاسع من تموز/ يوليو موعد إنعقاد الكونغرس الأميركي لكي لا يطول دراسة الإتفاق هناك والتصويت عليه إلى أكثر من 52 يوماً.

الآن ينتظر الجميع السابع من تموز/ يوليو لمعرفة ما إذا كان الطرفان الرئيسيان سينحوان بإتجاه التمديد، مفاوض إيراني قال لنا في معرض دردشة صباحية إن إيران غير معنية بأسقف زمنية إصطناعية، أي أنها في سبيل الوصول إلى إتفاق جيد مستعدة لتحرير السقف الزمني ولديها ما يكفي من وقت للإنتظار، لكن في إطار جولة أخيرة.

الأميركيون بدورهم تحدثوا على لسان مصدر دبلوماسي عن إستعدادهم للتمديد أيضاً، هم كذلك يقولون ذات الكلام عن رغبتهم في الوصول إلى إتفاق جيد،  وأن ذلك يستحق أن تمدد لأجله المفاوضات لأيام إضافية.

ذلك يعني أن الرئيس الأميركي سيغامر بسقف التاسع من تموز/ يوليو المرتبط بالكونغرس وجلساته، بل إنه سيغامر أيضا بالثلث المضمون له في مجلس النواب الأميركي والذي يسمح له عند فشل التصويت بإستخدام "الفيتو" الرئاسي.

الواقع أن الإيرانيين والأميركيين كلاهما يعمل على قاعدة "نحن مستعجلون، خذ وقتك" هذه القاعدة السحرية المتناقضة تلخّص ربما وضع المفاوضات اليوم، فالجميع يريد أن يثبت للآخر أنه يملك ما يكفي من وقت، وأن لعبة عضّ الأصابع بالإمكان أن تمتد لأسابيع دون أن يصرخ أي طرف أو حتى يعضّ على شفتيه.

هي حقاً مواجهة دبلوماسية يستخدم فيها الجميع كل ما أوتوا من قوة ودهاء وحنكة ومكر، فيها من الوهم ما يكفي لإقناع الجمهور بأنهم قاب قوسين من توقيع الإتفاق، وبعد لحظات تتضخم المسافة ويعم التشاؤم وتظهر للجميع سماء فيينا مسكونة بالغربان.

لن يحصل إتفاق بين أميركا وإيران بشكل خاص، وبين السداسية الدولية وإيران بشكل أعم دون تضحيات حقيقية، وربما مؤلمة، ولن يحصل إتفاق طالما ان هناك غربان تحوم حول"بالاس كوربغ" حيث تجري المفاوضات.

أميركا يجب أن تفكر في مصلحتها بالدرجة الأولى وكذلك إيران، التهديد الحقيقي اليوم هي "داعش" (الدولة) التي ترسم حدودها بدماء الآخرين وتثبت خريطتها بديل أمر واقع لـ "سايكس بيكو"، والتي إن تركت بينما أقطاب المنطقة والعالم يتصارعون ستتوسع وتتمدد وفي نهاية المطاف ستفرض على ما تبقى من دول في المنطقة خريطة جديدة ملونة بمعظمها بلون أسود قاتم.

  • فريق ماسة
  • 2015-07-04
  • 12418
  • من الأرشيف

أميركا وإيران: خذ وقتك، نحن مستعجلون!

هل فشلت المفاوضات؟ يبدو السؤال لمن يتابع المفاوضات عن كثب مفاجئاً بعض الشيء، إذّ أنه لا يعكس الجوّ العام الذي يعبّر عنه المفاوضون من الدول الستّ وإيران، وتحديداً إيران والولايات المتحدة. الجميع يريد للجولة ان تستمر، وكونها الجولة الأخيرة، فالمنطق التفاوضي يدفع بمن بيدهم ناصية الأمور لعدم اللعب بتوصيفها، إنما المناورة بأيامها. في البدء كان السقف الزمني للوصول إلى إتفاق يوم الثلاثين من حزيران/ يونيو، لكن الثلاثين جاء ومعه لم يأتِ الإتفاق فكان لزاماً التمديد حتى السابع من تموز/ يوليو الذي لا يبدو بعيداً جداً، حينها قيل إن الولايات المتحدة تريد إتفاقا قبل التاسع من تموز/ يوليو موعد إنعقاد الكونغرس الأميركي لكي لا يطول دراسة الإتفاق هناك والتصويت عليه إلى أكثر من 52 يوماً. الآن ينتظر الجميع السابع من تموز/ يوليو لمعرفة ما إذا كان الطرفان الرئيسيان سينحوان بإتجاه التمديد، مفاوض إيراني قال لنا في معرض دردشة صباحية إن إيران غير معنية بأسقف زمنية إصطناعية، أي أنها في سبيل الوصول إلى إتفاق جيد مستعدة لتحرير السقف الزمني ولديها ما يكفي من وقت للإنتظار، لكن في إطار جولة أخيرة. الأميركيون بدورهم تحدثوا على لسان مصدر دبلوماسي عن إستعدادهم للتمديد أيضاً، هم كذلك يقولون ذات الكلام عن رغبتهم في الوصول إلى إتفاق جيد،  وأن ذلك يستحق أن تمدد لأجله المفاوضات لأيام إضافية. ذلك يعني أن الرئيس الأميركي سيغامر بسقف التاسع من تموز/ يوليو المرتبط بالكونغرس وجلساته، بل إنه سيغامر أيضا بالثلث المضمون له في مجلس النواب الأميركي والذي يسمح له عند فشل التصويت بإستخدام "الفيتو" الرئاسي. الواقع أن الإيرانيين والأميركيين كلاهما يعمل على قاعدة "نحن مستعجلون، خذ وقتك" هذه القاعدة السحرية المتناقضة تلخّص ربما وضع المفاوضات اليوم، فالجميع يريد أن يثبت للآخر أنه يملك ما يكفي من وقت، وأن لعبة عضّ الأصابع بالإمكان أن تمتد لأسابيع دون أن يصرخ أي طرف أو حتى يعضّ على شفتيه. هي حقاً مواجهة دبلوماسية يستخدم فيها الجميع كل ما أوتوا من قوة ودهاء وحنكة ومكر، فيها من الوهم ما يكفي لإقناع الجمهور بأنهم قاب قوسين من توقيع الإتفاق، وبعد لحظات تتضخم المسافة ويعم التشاؤم وتظهر للجميع سماء فيينا مسكونة بالغربان. لن يحصل إتفاق بين أميركا وإيران بشكل خاص، وبين السداسية الدولية وإيران بشكل أعم دون تضحيات حقيقية، وربما مؤلمة، ولن يحصل إتفاق طالما ان هناك غربان تحوم حول"بالاس كوربغ" حيث تجري المفاوضات. أميركا يجب أن تفكر في مصلحتها بالدرجة الأولى وكذلك إيران، التهديد الحقيقي اليوم هي "داعش" (الدولة) التي ترسم حدودها بدماء الآخرين وتثبت خريطتها بديل أمر واقع لـ "سايكس بيكو"، والتي إن تركت بينما أقطاب المنطقة والعالم يتصارعون ستتوسع وتتمدد وفي نهاية المطاف ستفرض على ما تبقى من دول في المنطقة خريطة جديدة ملونة بمعظمها بلون أسود قاتم.

المصدر : الميادين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة