ينقل أحمد سيفير، كبير مستشاري الرئيس التركي السابق عبد الله غول، انه كان يعارض دائماً سياسة أردوغان - داود أوغلو، ولا سيما في سوريا ومصر. يقول إنهما كانا يتصرفان كما لو أنَّ أردوغان رئيس حكومة مصر وسوريا،

 أكثر منه رئيساً لحكومة تركيا، وداود أوغلو كما لو أنَّه وزير خارجية سوريا ومصر، أكثر من كونه وزيراً لخارجية تركيا. وينقل سيفير عن غول قوله إنَّ أردوغان وداود أوغلو، بذلك، كانا يعرِّضان مصالح تركيا للخطر، وأنهما فقدا إبرة القبان. وقد قال ذلك غول لداود أوغلو في وجهه.

كلام سيفير جاء في كتاب أحدث ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والشعبية، وخصوصاً داخل حزب «العدالة والتنمية». إذ إنَّ الكتاب الذي أسماه سيفير «12 عاماً مع عبدالله غول»، تضمَّن كماً كبيراً من المواقف التي لم تُعرف عن غول علناً، ولكنَّه قالها خلف الكواليس لكل من أردوغان وداود أوغلو، وكلّها تنتقد سلوكهما في العديد من القضايا.

الكتاب قوبل بانتقادات عنيفة من داخل حزب «العدالة والتنمية»، ووصفه النائب عن الحزب شامل طيار بأنَّه قنبلة يدوية ألقيت داخل الحزب. على اعتبار أنَّ الكتاب يعرِّي الخلافات بين قادة الحزب، وهنا آخر آلية بعدما تلقَّى الحزب ضربة قاصمة في الانتخابات الأخيرة تنتظر من يتحمل مسؤوليتها.

بطبيعة الحال، وجِّهت انتقادات لغول بأنَّه رغم انتقاداته غير العلنية، فإنَّه كان في النهاية يسير في ما كان يقرره أردوغان. وانتقاداته لم تحدث تغييرا في حينه. بل أكثر من ذلك، صادق غول، كرئيس للجمهورية، على أكثر القرارات غير الديموقراطية مثل الرقابة على الانترنت وتغيير قوانين القضاء. والذريعة أنَّ غول لم يكن يريد الاصطدام بأردوغان، فكان ذلك على حساب تعزيز الديموقراطية والعدالة.

معركة تل أبيض التي انتهت باندحار تنظيم «داعش» عن المدينة المختلطة من عرب وتركمان وأكراد، أعادت التذكير بما كان غول يعتبره أخطاء في سياسة أنقرة تجاه سوريا.

بل أكثر من ذلك، فإنَّ ردة فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على استيلاء الأكراد على تل أبيض، واعتبار ذلك تهديداً لتركيا، وأن على الآخرين أن يأخذوا في الاعتبار الحساسيات التركية، إنَّما تكرر تأكيد مسألتين:

الأولى هي أنَّ تركيا لا تقلق أبداً من وجود «داعش» على حدودها، بينما تقلق من وجود قوات الحماية الكردية. وهو ما يؤكِّد التحالف الوثيق بين سلطة حزب «العدالة والتنمية» و «داعش». ولن تغير الصور، التي حرصت أنقرة على نشرها لمن تقول إنَّهم عناصر من التنظيم لجأوا إلى تركيا وقد رفعت قوات الأمن أيديهم على الحائط لتفتيشهم واعتقالهم، صورة تركيا الداعمة لـ «داعش».

 

الثانية، أنَّ العقدة التركية لا تزال هي هي. أي العداء لكل ما هو كردي. وقد كرَّر أردوغان الخطأ نفسه، الذي ارتكبه سابقا في عين العرب (كوباني)، وتبشيره بأنَّها على وشك السقوط، في تل أبيض بقوله إنَّ الأكراد هناك باتوا تهديداً لتركيا.

في هذا السياق، يبرز الموقف الكاريكاتوري لرئيس الحكومة أحمد داود أوغلو الذي تحدث عن التنسيق بين النظام و «داعش» والقوات الكردية، بحيث دخلت القوات الكردية تل أبيض من دون مقاومة من «داعش» الذي أخلى عناصره من هناك. يقول داود أوغلو إنَّ النظام التقى مع «داعش» في منطقة في الحسكة على مقربة من منطقة فيها الأكراد، وأن التنسيق كان من أجل مهاجمة «داعش» لـ «الجيش السوري الحر» شرق إعزاز من أجل تشكيل شريط حدودي بين التنظيم والأكراد، على أن يقدم النظام الدعم الجوي، وبذلك استولى «داعش» على عشر قرى قرب إعزاز.

يريد داود أوغلو من ذلك أن يبعد الشبهات عن علاقة تركيا بـ «داعش» من جهة، وليقلل من أهمية هزيمة تركيا في تل أبيض. 

موقف أردوغان وداود أوغلو من الوضع في تل أبيض هو في الوقت نفسه رسالة إلى الداخل التركي وأحزاب المعارضة من أن التغيير تجاه سوريا لن يكون بمقدار ما يشتهون، وهو ما يجب أن يحفزهم على عدم القبول بتحالفات مع حزب «العدالة والتنمية»، إلَّا ضمن شروط ملزمة. ولكن هذا قد يحفز حزب الحركة القومية للاقتراب أكثر من «العدالة والتنمية» في ما خص «التهديد الكردي».

تطرح تطورات تل أبيض العديد من الأسئلة والتساؤلات المرتبطة بما يرسم للدور الكردي سواء في تركيا أو في سوريا، في خريطة الشرق الأوسط الجديدة.

السؤال الأول، هل ترتكب قوات الحماية الكردية عمليات تطهير عرقي في تل أبيض لتكون المدينة كانتوناً كردياً رابعاً يضاف إلى الجزيرة وكوباني وعفرين؟ الجواب هو أنَّ الأكراد، حتى الآن، لم يمارسوا أيّ نوع من التطهير العرقي في المناطق التي يسيطرون عليها منذ فترة طويلة. فلماذا يرتكبون هذا التطهير الآن الذي يتعارض كلياً مع طروحاتهم بشأن سوريا متعددة وديموقراطية؟

جواب آخر جاء على لسان صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري، وهو الحزب الأكبر المهيمن على المناطق الكردية في سوريا، في حديث مع صحيفة «راديكال» بقوله إنَّ هذه مجرد أكاذيب تروِّج لها تركيا لتأليب الرأي العام ضدّ الأكراد، ولتحرف الأنظار عن هزيمة حليفها «داعش». ووفقاً لتقارير أمنية تركية، فإنَّ الطائرات الأميركية هي التي مارست التطهير العرقي عبر قصفها لخمس قرى عربية في منطقة تل أبيض، فغادروها إلى تركيا لتصبح خالية من سكانها. أي إنَّ الأميركيين هم الذين يمارسون، بقوة القصف الجوي، سياسة تطهير المنطقة. وبالعودة إلى صالح مسلم، فإنَّه يقول إنَّ الباب مفتوح لعودة كل المهجرين، وأن قيادة المنطقة وإدارتها ستتشكَّل من كل القوى الموجودة على الأرض. بل يقول مسلم إنَّ المعابر الحدودية مع تركيا لن تكون بعهدة قواته فقط، بل ستكون بالشراكة مع قوى المعارضة الأخرى ومنهم «الجيش السوري الحر»، وذلك لطمأنة تركيا.

 

السؤال الثاني عمَّا إذا كان الأكراد يتجهون إلى تشكيل شريط كردي داخل سوريا على امتداد الحدود مع تركيا؟ الجواب بالنفي ليس واقعياً، والقرار الكردي لم يعد كردياً صافياً. فهم نجحوا في كوباني بفضل الدعم الجوي الأميركي، ونجحوا في تل أبيض أيضاً بفضل الدعم الجوي الأميركي. لذلك، فإنَّ توسيع رقعة سيطرتهم الحدودية تفوق قدراتهم العسكرية الذاتية وتحتاج إلى تحالفات متعددة. ومجرد ربط الكانتونات الثلاثة جغرافياً، أمر يحتاج بالتأكيد إلى قرار كبير. وهنا لن يقف الأكراد عند ما حقَّقوه حتى الآن، إذ سيعملون على الاتصال الجغرافي بالكانتون الثالث، أي عفرين، ودون ذلك مساحة جغرافية يسيطر عليها «داعش» وتشكل الشريان الوحيد لتسليح المعارضة إلى حلب شمالاً. وليس مستبعداً، وفقاً لهذا السيناريو، أن تمتدّ «الحرب الكردية» إلى الغرب.

وهذا ما أثار قلقاً تركياً بالغاً من تشكيل شريط حدودي داخل سوريا يسيطر عليه الأكراد بحماية أميركية لا تكون تركيا قادرة على التدخل فيه، وفي ما وراءه بفضل الحماية الأميركية لهذا الشريط العازل. وتبقى تركيا بالتالي خارج أيّ اتصال جغرافي مع المناطق العربية في العراق وفي سوريا، خصوصاً في حال تمَّت محاصرة واستئصال الوجود المعارض المدعوم من تركيا في إدلب وجسر الشغور بشكل أو بآخر.

ربما استفادت واشنطن من هزيمة أردوغان في الانتخابات الأخيرة، ليس فقط لإذلاله بل أيضاً لفرض خرائط جديدة على تركيا تعيدها إلى حجمها الطبيعي بل أصغر، بعدما تمادت في إظهار فائض قوة انكسر في النهاية. وهو ما يعتبره الإعلام المؤيد لأردوغان خطة لـ «محو» تركيا وإعادة حبسها داخل الأناضول. ولكن السؤال الأساسي الذي يعيد التذكير بمعارضة غول لسياسات أردوغان ـ داود أوغلو: لماذا كان على سلطة حزب «العدالة والتنمية» في الأساس أن تحرِّك نوازعها العثمانية وفق حسابات خاطئة، وأن تكابر بعد فشلها، فتمضي إلى المزيد من الرهانات العقيمة التي فاقمت الفشل ليتحوَّل إلى كارثة فعلية؟

 

  • فريق ماسة
  • 2015-06-20
  • 11022
  • من الأرشيف

تل أبيض: «إعادة تدوير» موقع تركيا!

 ينقل أحمد سيفير، كبير مستشاري الرئيس التركي السابق عبد الله غول، انه كان يعارض دائماً سياسة أردوغان - داود أوغلو، ولا سيما في سوريا ومصر. يقول إنهما كانا يتصرفان كما لو أنَّ أردوغان رئيس حكومة مصر وسوريا،  أكثر منه رئيساً لحكومة تركيا، وداود أوغلو كما لو أنَّه وزير خارجية سوريا ومصر، أكثر من كونه وزيراً لخارجية تركيا. وينقل سيفير عن غول قوله إنَّ أردوغان وداود أوغلو، بذلك، كانا يعرِّضان مصالح تركيا للخطر، وأنهما فقدا إبرة القبان. وقد قال ذلك غول لداود أوغلو في وجهه. كلام سيفير جاء في كتاب أحدث ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والشعبية، وخصوصاً داخل حزب «العدالة والتنمية». إذ إنَّ الكتاب الذي أسماه سيفير «12 عاماً مع عبدالله غول»، تضمَّن كماً كبيراً من المواقف التي لم تُعرف عن غول علناً، ولكنَّه قالها خلف الكواليس لكل من أردوغان وداود أوغلو، وكلّها تنتقد سلوكهما في العديد من القضايا. الكتاب قوبل بانتقادات عنيفة من داخل حزب «العدالة والتنمية»، ووصفه النائب عن الحزب شامل طيار بأنَّه قنبلة يدوية ألقيت داخل الحزب. على اعتبار أنَّ الكتاب يعرِّي الخلافات بين قادة الحزب، وهنا آخر آلية بعدما تلقَّى الحزب ضربة قاصمة في الانتخابات الأخيرة تنتظر من يتحمل مسؤوليتها. بطبيعة الحال، وجِّهت انتقادات لغول بأنَّه رغم انتقاداته غير العلنية، فإنَّه كان في النهاية يسير في ما كان يقرره أردوغان. وانتقاداته لم تحدث تغييرا في حينه. بل أكثر من ذلك، صادق غول، كرئيس للجمهورية، على أكثر القرارات غير الديموقراطية مثل الرقابة على الانترنت وتغيير قوانين القضاء. والذريعة أنَّ غول لم يكن يريد الاصطدام بأردوغان، فكان ذلك على حساب تعزيز الديموقراطية والعدالة. معركة تل أبيض التي انتهت باندحار تنظيم «داعش» عن المدينة المختلطة من عرب وتركمان وأكراد، أعادت التذكير بما كان غول يعتبره أخطاء في سياسة أنقرة تجاه سوريا. بل أكثر من ذلك، فإنَّ ردة فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على استيلاء الأكراد على تل أبيض، واعتبار ذلك تهديداً لتركيا، وأن على الآخرين أن يأخذوا في الاعتبار الحساسيات التركية، إنَّما تكرر تأكيد مسألتين: الأولى هي أنَّ تركيا لا تقلق أبداً من وجود «داعش» على حدودها، بينما تقلق من وجود قوات الحماية الكردية. وهو ما يؤكِّد التحالف الوثيق بين سلطة حزب «العدالة والتنمية» و «داعش». ولن تغير الصور، التي حرصت أنقرة على نشرها لمن تقول إنَّهم عناصر من التنظيم لجأوا إلى تركيا وقد رفعت قوات الأمن أيديهم على الحائط لتفتيشهم واعتقالهم، صورة تركيا الداعمة لـ «داعش».   الثانية، أنَّ العقدة التركية لا تزال هي هي. أي العداء لكل ما هو كردي. وقد كرَّر أردوغان الخطأ نفسه، الذي ارتكبه سابقا في عين العرب (كوباني)، وتبشيره بأنَّها على وشك السقوط، في تل أبيض بقوله إنَّ الأكراد هناك باتوا تهديداً لتركيا. في هذا السياق، يبرز الموقف الكاريكاتوري لرئيس الحكومة أحمد داود أوغلو الذي تحدث عن التنسيق بين النظام و «داعش» والقوات الكردية، بحيث دخلت القوات الكردية تل أبيض من دون مقاومة من «داعش» الذي أخلى عناصره من هناك. يقول داود أوغلو إنَّ النظام التقى مع «داعش» في منطقة في الحسكة على مقربة من منطقة فيها الأكراد، وأن التنسيق كان من أجل مهاجمة «داعش» لـ «الجيش السوري الحر» شرق إعزاز من أجل تشكيل شريط حدودي بين التنظيم والأكراد، على أن يقدم النظام الدعم الجوي، وبذلك استولى «داعش» على عشر قرى قرب إعزاز. يريد داود أوغلو من ذلك أن يبعد الشبهات عن علاقة تركيا بـ «داعش» من جهة، وليقلل من أهمية هزيمة تركيا في تل أبيض.  موقف أردوغان وداود أوغلو من الوضع في تل أبيض هو في الوقت نفسه رسالة إلى الداخل التركي وأحزاب المعارضة من أن التغيير تجاه سوريا لن يكون بمقدار ما يشتهون، وهو ما يجب أن يحفزهم على عدم القبول بتحالفات مع حزب «العدالة والتنمية»، إلَّا ضمن شروط ملزمة. ولكن هذا قد يحفز حزب الحركة القومية للاقتراب أكثر من «العدالة والتنمية» في ما خص «التهديد الكردي». تطرح تطورات تل أبيض العديد من الأسئلة والتساؤلات المرتبطة بما يرسم للدور الكردي سواء في تركيا أو في سوريا، في خريطة الشرق الأوسط الجديدة. السؤال الأول، هل ترتكب قوات الحماية الكردية عمليات تطهير عرقي في تل أبيض لتكون المدينة كانتوناً كردياً رابعاً يضاف إلى الجزيرة وكوباني وعفرين؟ الجواب هو أنَّ الأكراد، حتى الآن، لم يمارسوا أيّ نوع من التطهير العرقي في المناطق التي يسيطرون عليها منذ فترة طويلة. فلماذا يرتكبون هذا التطهير الآن الذي يتعارض كلياً مع طروحاتهم بشأن سوريا متعددة وديموقراطية؟ جواب آخر جاء على لسان صالح مسلم رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري، وهو الحزب الأكبر المهيمن على المناطق الكردية في سوريا، في حديث مع صحيفة «راديكال» بقوله إنَّ هذه مجرد أكاذيب تروِّج لها تركيا لتأليب الرأي العام ضدّ الأكراد، ولتحرف الأنظار عن هزيمة حليفها «داعش». ووفقاً لتقارير أمنية تركية، فإنَّ الطائرات الأميركية هي التي مارست التطهير العرقي عبر قصفها لخمس قرى عربية في منطقة تل أبيض، فغادروها إلى تركيا لتصبح خالية من سكانها. أي إنَّ الأميركيين هم الذين يمارسون، بقوة القصف الجوي، سياسة تطهير المنطقة. وبالعودة إلى صالح مسلم، فإنَّه يقول إنَّ الباب مفتوح لعودة كل المهجرين، وأن قيادة المنطقة وإدارتها ستتشكَّل من كل القوى الموجودة على الأرض. بل يقول مسلم إنَّ المعابر الحدودية مع تركيا لن تكون بعهدة قواته فقط، بل ستكون بالشراكة مع قوى المعارضة الأخرى ومنهم «الجيش السوري الحر»، وذلك لطمأنة تركيا.   السؤال الثاني عمَّا إذا كان الأكراد يتجهون إلى تشكيل شريط كردي داخل سوريا على امتداد الحدود مع تركيا؟ الجواب بالنفي ليس واقعياً، والقرار الكردي لم يعد كردياً صافياً. فهم نجحوا في كوباني بفضل الدعم الجوي الأميركي، ونجحوا في تل أبيض أيضاً بفضل الدعم الجوي الأميركي. لذلك، فإنَّ توسيع رقعة سيطرتهم الحدودية تفوق قدراتهم العسكرية الذاتية وتحتاج إلى تحالفات متعددة. ومجرد ربط الكانتونات الثلاثة جغرافياً، أمر يحتاج بالتأكيد إلى قرار كبير. وهنا لن يقف الأكراد عند ما حقَّقوه حتى الآن، إذ سيعملون على الاتصال الجغرافي بالكانتون الثالث، أي عفرين، ودون ذلك مساحة جغرافية يسيطر عليها «داعش» وتشكل الشريان الوحيد لتسليح المعارضة إلى حلب شمالاً. وليس مستبعداً، وفقاً لهذا السيناريو، أن تمتدّ «الحرب الكردية» إلى الغرب. وهذا ما أثار قلقاً تركياً بالغاً من تشكيل شريط حدودي داخل سوريا يسيطر عليه الأكراد بحماية أميركية لا تكون تركيا قادرة على التدخل فيه، وفي ما وراءه بفضل الحماية الأميركية لهذا الشريط العازل. وتبقى تركيا بالتالي خارج أيّ اتصال جغرافي مع المناطق العربية في العراق وفي سوريا، خصوصاً في حال تمَّت محاصرة واستئصال الوجود المعارض المدعوم من تركيا في إدلب وجسر الشغور بشكل أو بآخر. ربما استفادت واشنطن من هزيمة أردوغان في الانتخابات الأخيرة، ليس فقط لإذلاله بل أيضاً لفرض خرائط جديدة على تركيا تعيدها إلى حجمها الطبيعي بل أصغر، بعدما تمادت في إظهار فائض قوة انكسر في النهاية. وهو ما يعتبره الإعلام المؤيد لأردوغان خطة لـ «محو» تركيا وإعادة حبسها داخل الأناضول. ولكن السؤال الأساسي الذي يعيد التذكير بمعارضة غول لسياسات أردوغان ـ داود أوغلو: لماذا كان على سلطة حزب «العدالة والتنمية» في الأساس أن تحرِّك نوازعها العثمانية وفق حسابات خاطئة، وأن تكابر بعد فشلها، فتمضي إلى المزيد من الرهانات العقيمة التي فاقمت الفشل ليتحوَّل إلى كارثة فعلية؟  

المصدر : محمد نور الدين/ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة