في الوقت الذي لم تُدلِ فيه أيٌّ من الولايات المتحدة أو بريطانيا بموقف رسمي أو رأي في نتائج الانتخابات، قامت وسائل الإعلام والمعاهد الغربية بهذا الدور

خسر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الكثير بخسارة حزبه الغالبية في الانتخابات البرلمانية، ولكن الإعلام الغربي ربح مادة دسمة وموضوعاً قابلاً للتحليل والتعليق. البعض آثر التشفي من «السيّد المطلق»، والبعض الآخر فضّل التروّي والتحذير من انقلاب الموازين، بين ليلة وضحاها، في حال تمكُّن أردوغان من تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب «الحركة القومية» المتطرّف، أو حتى من إعادة الانتخابات البرلمانية.

وإن أجمع معظم المحلّلين، من أمثال إيشان ثارور في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، على أن أردوغان تلقى ضربة مدويّة فيما حقق الأكراد نصراً، إلا أن آخرين أعربوا عن تخوّفهم من أن تتّشح الفترة المقبلة بالكثير من الأخذ والرد، قبل التمكن من تأليف الحكومة وأيضاً بعدها. ولكن في الحالتين، المؤكد هو أن «ما بعد الانتخابات البرلمانية التركية، لن يكون كما قبلها».

ثارور نقل، من جهته، عن أحد الخبراء في الشأن التركي في «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية» قوله إن «السياسة التركية شهدت انفجاراً نووياً»، الأمر الذي تناوله الأستاذ المساعد في «جامعة مرمرة» بهلول أوزكان، بأسلوب آخر، في مقال في صحيفة «ذي هافنغتون بوست»، بعنوان «بداية النهاية لأردوغان». وفق أوزكان، تعني هذه الانتخابات «نهاية أحلام أردوغان في تغيير الدستور لتأسيس نظام رئاسي... من الآن وصاعداً، هو لن يكون الحاكم الوحيد في تركيا».

الكاتب لم يكتفِ بالتحذير من أن الأحزاب الأخرى الفائزة ــ أي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» و«الشعوب الديموقراطية» ــ قد تقوم بإعادة فتح التحقيق في اتهامات الفساد التي تطاول أعضاء بارزين في حزب «العدالة والتنمية»، بل أشار إلى أنها قد تطلب محاسبة أردوغان على أعمال غير دستورية أخرى قام بها، منها قمع الإعلام وبناء قصره الرئاسي الخاص بشكل غير قانوني وصرف مليارات الدولارات من المالية العامة، إضافة إلى وضع مصالحه وأعماله الخاصة فوق مصلحة المجتمع وعرقلة عمل النظام القضائي. باختصار، اعتبر الكاتب أن «أوقاتاً صعبة» تنتظر أردوغان، «الذي ــ نظرياً ــ من المفترض أن يبقى في المكتب (الرئاسي) حتى عام 2019».

 «الديموقراطية التركية كانت تحت ضغط هائل منذ فوز حزب العدالة والتنمية عام 2011»

ديفيد كينير رأى، أيضاً، في سياق تقرير في مجلة «فورين بوليسي»، أن الحزب التركي الحاكم تلقى ضربة، ولكنه لفت إلى أنه في الوقت الذي حقق فيه منافسوه انتصاراً مدوياً، يبقى أن حزب «الشعوب الديموقراطية سيواجه خطر عدم معرفته ما يجب القيام به لاحقاً».

كينير أشار إلى أن الحزب قد فاز بأصوات كافية بين الأتراك العلمانيين وغيرهم من الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى، ولكنه حذر من أن «مواصلة العلاقة بينه وبين هؤلاء ستكون ممكنة إذا استمرّ وقف إطلاق النار بين المقاتلين الأكراد والدولة التركية». كذلك، أشار الكاتب إلى أن حزب «العدالة والتنمية يبقى الأكبر في البلاد»، فبحسبه يبقى «الحزب التركي الوطني الوحيد والقادر على الفوز بأصوات انتخابية في مختلف نواحي تركيا».

أليف سكوت ارتأى، بدوره، التشفي من أردوغان في صحيفة «ذا غارديان»، فـ«هذا التصويت المدوي المطالب بالتغيير ــ لأول مرة منذ 13 عاماً ــ يعني أن الحزب المسمى العدالة والتنمية قد خسر غالبيته»، قال سكوت، مضيفاً أنه رغم أن «هناك أسئلة جدية يجب أن تطرح في ما يتعلق بمستقبل تركيا السياسي... ولكن أغنية واحدة تصدع في أذني، هي دينغ دونغ، الساحرة قد ماتت»، موضحاً أنه يتحدث عن الرئيس التركي، الذي قُضي على حلمه في «أن يصبح رئيساً تنفيذياً».

سكوت تطرق أيضاً إلى جانب أكثر حساسية بالنسبة إليه، وهو «أن تكون كاتباً في تركيا خلال السنوات الأخيرة»، والذي يعني بحسب ما يذكر «المراقبة الذاتية في الوقت الذي تقدّر فيه هؤلاء الأكثر شجاعة منك».

بالنسبة إلى كمال كيرشكي وميليس جينكيز في معهد «بروكينغز»، تعني نتائج الانتخابات البرلمانية «الإنقاذ الكردي للديموقراطية التركية»، ذلك أنها تعتبر «إشارة واعدة إلى أن الديموقراطية التركية ما زالت حية وجيدة».

شرح الخبيران أن «الديموقراطية التركية كانت تحت ضغط هائل منذ فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2011، بحصوله على نحو 50 في المئة من الأصوات»، ولكنهما حذرا في الوقت ذاته، من إمكانية أن يتمكن حزب «العدالة والتنمية» من تشكيل حكومة ائتلافية مع «أكثر الأحزاب تطرفاً» أي «الحركة القومية»، الأمر الذي قد يؤدي إلى رسم صورة سياسية مختلفة تماماً «يشوبها عدم الاستقرار السياسي والابتعاد أكثر عن الغرب... وأيضاً مأزق في مفاوضات السلام مع الأكراد، إذا لم يكن هناك تجدّد للقتال معهم».

كذلك، رأى كيرشكي وجينكيز أن توزيع المقاعد في الانتخابات البرلمانية يعكس، على نحو كبير، عدم رضى الرأي العام، «الأمر الذي قد يحمل تغييراً مهماً في السياسة الخارجية». وفق رؤيتهما، فإن «الرأي العام التركي يخاف من أن يؤدي التورّط في سوريا وسياسات حزب العدالة والتنمية التصادمية تجاه مصر وإسرائيل إلى زيادة الأوضاع سوءاً في المنطقة».

علاوة على ذلك، هناك نقطة أخرى مرتبطة بالسياسة الخارجية التركية آثر الخبيران الإشارة إليها، هي «التعاون مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في ما يتعلق بالتحديات الدولية»، والتي أظهرت استطلاعات الرأي دعماً أكبر لها.

وكغيرهما، أشار كيرشكي وجينكيز إلى أنّ «من الممكن أن يؤدي التشكيل البرلماني الجديد إلى مزيد من التدقيق في ادعاءات الفساد والقضايا المالية، ذلك أن أيام بناء قصور أكبر من قصور فرساي، لإيجاد حلّ لمشكلة الصراصير... قد انتهت».

  • فريق ماسة
  • 2015-06-08
  • 5261
  • من الأرشيف

الانتخابات التركية غرباً: انتهى بناء القصور!

في الوقت الذي لم تُدلِ فيه أيٌّ من الولايات المتحدة أو بريطانيا بموقف رسمي أو رأي في نتائج الانتخابات، قامت وسائل الإعلام والمعاهد الغربية بهذا الدور خسر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الكثير بخسارة حزبه الغالبية في الانتخابات البرلمانية، ولكن الإعلام الغربي ربح مادة دسمة وموضوعاً قابلاً للتحليل والتعليق. البعض آثر التشفي من «السيّد المطلق»، والبعض الآخر فضّل التروّي والتحذير من انقلاب الموازين، بين ليلة وضحاها، في حال تمكُّن أردوغان من تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب «الحركة القومية» المتطرّف، أو حتى من إعادة الانتخابات البرلمانية. وإن أجمع معظم المحلّلين، من أمثال إيشان ثارور في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، على أن أردوغان تلقى ضربة مدويّة فيما حقق الأكراد نصراً، إلا أن آخرين أعربوا عن تخوّفهم من أن تتّشح الفترة المقبلة بالكثير من الأخذ والرد، قبل التمكن من تأليف الحكومة وأيضاً بعدها. ولكن في الحالتين، المؤكد هو أن «ما بعد الانتخابات البرلمانية التركية، لن يكون كما قبلها». ثارور نقل، من جهته، عن أحد الخبراء في الشأن التركي في «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية» قوله إن «السياسة التركية شهدت انفجاراً نووياً»، الأمر الذي تناوله الأستاذ المساعد في «جامعة مرمرة» بهلول أوزكان، بأسلوب آخر، في مقال في صحيفة «ذي هافنغتون بوست»، بعنوان «بداية النهاية لأردوغان». وفق أوزكان، تعني هذه الانتخابات «نهاية أحلام أردوغان في تغيير الدستور لتأسيس نظام رئاسي... من الآن وصاعداً، هو لن يكون الحاكم الوحيد في تركيا». الكاتب لم يكتفِ بالتحذير من أن الأحزاب الأخرى الفائزة ــ أي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» و«الشعوب الديموقراطية» ــ قد تقوم بإعادة فتح التحقيق في اتهامات الفساد التي تطاول أعضاء بارزين في حزب «العدالة والتنمية»، بل أشار إلى أنها قد تطلب محاسبة أردوغان على أعمال غير دستورية أخرى قام بها، منها قمع الإعلام وبناء قصره الرئاسي الخاص بشكل غير قانوني وصرف مليارات الدولارات من المالية العامة، إضافة إلى وضع مصالحه وأعماله الخاصة فوق مصلحة المجتمع وعرقلة عمل النظام القضائي. باختصار، اعتبر الكاتب أن «أوقاتاً صعبة» تنتظر أردوغان، «الذي ــ نظرياً ــ من المفترض أن يبقى في المكتب (الرئاسي) حتى عام 2019».  «الديموقراطية التركية كانت تحت ضغط هائل منذ فوز حزب العدالة والتنمية عام 2011» ديفيد كينير رأى، أيضاً، في سياق تقرير في مجلة «فورين بوليسي»، أن الحزب التركي الحاكم تلقى ضربة، ولكنه لفت إلى أنه في الوقت الذي حقق فيه منافسوه انتصاراً مدوياً، يبقى أن حزب «الشعوب الديموقراطية سيواجه خطر عدم معرفته ما يجب القيام به لاحقاً». كينير أشار إلى أن الحزب قد فاز بأصوات كافية بين الأتراك العلمانيين وغيرهم من الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى، ولكنه حذر من أن «مواصلة العلاقة بينه وبين هؤلاء ستكون ممكنة إذا استمرّ وقف إطلاق النار بين المقاتلين الأكراد والدولة التركية». كذلك، أشار الكاتب إلى أن حزب «العدالة والتنمية يبقى الأكبر في البلاد»، فبحسبه يبقى «الحزب التركي الوطني الوحيد والقادر على الفوز بأصوات انتخابية في مختلف نواحي تركيا». أليف سكوت ارتأى، بدوره، التشفي من أردوغان في صحيفة «ذا غارديان»، فـ«هذا التصويت المدوي المطالب بالتغيير ــ لأول مرة منذ 13 عاماً ــ يعني أن الحزب المسمى العدالة والتنمية قد خسر غالبيته»، قال سكوت، مضيفاً أنه رغم أن «هناك أسئلة جدية يجب أن تطرح في ما يتعلق بمستقبل تركيا السياسي... ولكن أغنية واحدة تصدع في أذني، هي دينغ دونغ، الساحرة قد ماتت»، موضحاً أنه يتحدث عن الرئيس التركي، الذي قُضي على حلمه في «أن يصبح رئيساً تنفيذياً». سكوت تطرق أيضاً إلى جانب أكثر حساسية بالنسبة إليه، وهو «أن تكون كاتباً في تركيا خلال السنوات الأخيرة»، والذي يعني بحسب ما يذكر «المراقبة الذاتية في الوقت الذي تقدّر فيه هؤلاء الأكثر شجاعة منك». بالنسبة إلى كمال كيرشكي وميليس جينكيز في معهد «بروكينغز»، تعني نتائج الانتخابات البرلمانية «الإنقاذ الكردي للديموقراطية التركية»، ذلك أنها تعتبر «إشارة واعدة إلى أن الديموقراطية التركية ما زالت حية وجيدة». شرح الخبيران أن «الديموقراطية التركية كانت تحت ضغط هائل منذ فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2011، بحصوله على نحو 50 في المئة من الأصوات»، ولكنهما حذرا في الوقت ذاته، من إمكانية أن يتمكن حزب «العدالة والتنمية» من تشكيل حكومة ائتلافية مع «أكثر الأحزاب تطرفاً» أي «الحركة القومية»، الأمر الذي قد يؤدي إلى رسم صورة سياسية مختلفة تماماً «يشوبها عدم الاستقرار السياسي والابتعاد أكثر عن الغرب... وأيضاً مأزق في مفاوضات السلام مع الأكراد، إذا لم يكن هناك تجدّد للقتال معهم». كذلك، رأى كيرشكي وجينكيز أن توزيع المقاعد في الانتخابات البرلمانية يعكس، على نحو كبير، عدم رضى الرأي العام، «الأمر الذي قد يحمل تغييراً مهماً في السياسة الخارجية». وفق رؤيتهما، فإن «الرأي العام التركي يخاف من أن يؤدي التورّط في سوريا وسياسات حزب العدالة والتنمية التصادمية تجاه مصر وإسرائيل إلى زيادة الأوضاع سوءاً في المنطقة». علاوة على ذلك، هناك نقطة أخرى مرتبطة بالسياسة الخارجية التركية آثر الخبيران الإشارة إليها، هي «التعاون مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في ما يتعلق بالتحديات الدولية»، والتي أظهرت استطلاعات الرأي دعماً أكبر لها. وكغيرهما، أشار كيرشكي وجينكيز إلى أنّ «من الممكن أن يؤدي التشكيل البرلماني الجديد إلى مزيد من التدقيق في ادعاءات الفساد والقضايا المالية، ذلك أن أيام بناء قصور أكبر من قصور فرساي، لإيجاد حلّ لمشكلة الصراصير... قد انتهت».

المصدر : الماسة السورية / نادين شلق


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة