دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تاريخٌ جديد انطلق في الجمهورية التركية بعدما نجح الاستحقاق البرلماني في وضع حدٍّ لـ 13 عاماً من تفرّد «العدالة والتنمية» في الحكم. مؤشرات عدة أظهرت مبكراً أن الأحزاب الثلاثة المواجهة للحزب الحاكم ستحجز حيّزاً كبيراً في المشهد الداخلي، واضعةً شروطها الخاصة للمشاركة في السلطة، في ما يشبه إطلاق رصاصة الرحمة على جموح رجب طيب أردوغان
دخلت تركيا مرحلةً يسودها الغموض والترقب، بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية التي تستحقّ وصفها بـ«التاريخية». نجح الاستحقاق الذي وضع حدّاً لتفوّق حزب «العدالة والتنمية» بعد 13 عاماً من التفرّد بالحكم، بتدشين عصرٍ جديد، ولا سيما بعد تقويض جموح الرئيس رجب طيب أردوغان نحو الاستئثار بالسلطة.
وفي وقتٍ تتجه فيه الأنظار إلى مصير الحكومة التي يجب تشكيلها في غضون 45 يوماً، تزدحم الفرضيات والسيناريوات التي سترسم المرحلة المقبلة، في ظلّ ارتباك حزب «العدالة والتنمية» من الخسارة الكبيرة التي مني بها.
أولى إرهاصات المشهد التركي الجديد، تؤكد أن الأحزاب الثلاثة التي دخلت البرلمان، «الشعوب الديموقراطي» و«الحركة القومية» و«الشعب الجمهوري»، ستتمكن من حجز حيّزٍ كبير لها في الساحة السياسية بعدما تقلّص دور الحزب الحاكم الذي يبدو واضحاً أنه يواجه مأزقاً جديّاً في تشكيل حكومة جديدة.
وتفيد معلومات خاصة بـ«لأخبار» بأن الأحزاب الثلاثة، قد أبلغت رئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو بأنها على استعداد للدخول في ائتلاف حكومي معه بشروط ثلاثة:
أولاً، أن يقتنع أردوغان بممارسة صلاحيات الرئيس وفق ما ينص عليه الدستور التركي الذي جعل أرفع منصب في البلاد شرفياً.
ثانياً، أن يحوّل الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد في حكومته إلى المحاكمة.
ثالثاً، وقف دعم تركيا للمجموعات الإرهابية المسلّحة في سوريا.
وتفيد مصادر واسعة الاطلاع بأن داوود أوغلو سيطرح في اجتماع يعقده اليوم مع أردوغان هذه الشروط، وإن وافق رئيس الجمهورية عليها، تمضِ الأمور باتجاه حكومة ائتلافية، أما إذا رفضها فلا مناص من استقالة داوود أوغلو الذي كان قد وعد خلال الحملة الانتخابية بتقديم استقالته إذا خسر في العملية الاقتراعية.
أردوغان: رأي شعبنا فوق كل شيء آخر
وكان قد أُلغي اجتماع بين أردوغان وداوود أوغلو في اللحظة الأخيرة أمس، في أعقاب اجتماع للجنة المركزية للحزب الحاكم.
وفيما يزداد الحديث عن فرضية الاتجاه نحو انتخابات مبكرة، رجحها تصريح نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش الذي قال إن «فشل العدالة والتنمية في تشكيل حكومة ائتلافية سيطرح انتخابات مبكرة»، لا تستبعد المصادر هذا السيناريو، وإن كانت ترى مجموعة من المعوقات أمامها. أول هذه المعوقات هو كيفية إقناع أردوغان أعضاء «العدالة والتنمية» الفائزين بمقاعد برلمانية بالاستقالة، خصوصاً أن هؤلاء قد أنفقوا ملايين الليرات في مقابل المنصب الذي يمنحهم الحصانة وجوازاً دبلوماسياً خاصاً وراتب تقاعد لا يستحقونه إلا بعد أن يشغلوا النيابة عامين. أما المانع الثاني، فهو الدستور الذي ينصّ على وجوب أن يستشير رئيس الجمهورية رئيس البرلمان في غرض حلّه، على أن يكون مضمون هذه الاستشارة ملزماً. وبما أن البرلمان حديث الانتخاب ولا رئيس له، فإن الذي يتولى هذا المنصب عملياً هو العضو الأكبر سناً، وفي هذه الحال يكون الزعيم السابق لحزب «الشعب الجمهوري» دنيز بايكال، الذي لا شك في أنه لن يقبل بهذه الخطوة.
وبناءً على هذه المعطيات، ترى المصادر أن المخرج يكون في تحالف الخاسرين، «العدالة والتنمية» وحزب «الشعب الجمهوري»، بمباركةٍ أميركية. فلا شك في أن واشنطن استعادت قدرتها على التأثير بقوة في الساحة الداخلية التركية، بعدما ضعفت تلك القدرة مع سيطرة حزب أردوغان خلال السنوات الماضية على غالبية أجهزة الدولة، بدعمٍ كاسح من صناديق الاقتراع.
من جهة أخرى، وفي وقتٍ تهيمن فيه على حزب «العدالة والتنمية» أجواء الاضطراب والتضعضع، جرّاء النكسة الأخيرة، تشير المصادر المذكورة إلى أن الرئيس السابق عبد الله غول سيؤدي دوراً مركزياً في المرحلة المقبلة. فبعدما رفض أردوغان عودته إلى «العدالة والتنمية» عقب خروجه من قصر شنقايا، لا يزال غول يحظى بشعبية كبيرة في أوساط كوادر الحزب الإسلامي، كذلك فإنه يحظى باحترام واسع لدى جميع أطياف الطبقة السياسية التركية باعتباره أكثر اتزاناً من أردوغان وأكثر اعتدالا وأدباً. وعليه، تضيف المصادر، أن إعادة غول إلى رئاسة «العدالة والتنمية» ستفتح الكثير من الأبواب أمام أردوغان وحزبه، فيما يفتح استمرار استبعاده المجال أمام تصدعات وانشقاقات داخل هذا الحزب.
وكان لافتاً يوم أمس، خفض نبرة أردوغان الذي قال في أول تصريح بعد إعلان نتائج الانتخابات إن «رأي شعبنا فوق كل شيء آخر». وأضاف: «أعتقد أن النتائج التي لا تتيح لأي حزب أن يشكل حكومة من حزب واحد ستقيم تقويماً سليماً وواقعياً من جانب كل حزب»، داعياً الأحزاب إلى «التصرف بمسؤولية للحفاظ على استقرار البلاد». وخلال اجتماع قيادة «العدالة والتنمية» لبلورة خطة عمل ما بعد الخسارة، وصف داوود أوغلو الحزب الحاكم بأنه الفائز الواضح في الانتخابات البرلمانية، لكنه أضاف أن «القرار النهائي لشعبنا... إنه فوق كل شيء، ونحن سنعمل وفقاً لقراره»، مؤكداً في الوقت نفسه أن هذه الانتخابات أثبتت أن حزب العدالة والتنمية هو «العمود الفقري» لهذه البلاد. من جهته، تحدى نائب رئيس الوزراء التركي، بولنت أرينش، أحزاب المعارضة الثلاثة في البرلمان أن تحاول تشكيل حكومة ائتلافية، قائلاً إن حزب «العدالة والتنمية»، «مستعد لملء الفراغ إذا فشلت في تشكيل حكومة».
من جهةٍ أخرى، احتفى حزب «الشعوب الديموقراطي» بنجاحه في حصد 80 مقعداً في البرلمان للمرة الاولى. وعلق زعيم الحزب الكردي، صلاح الدين دميرتاش يوم أمس، على هذا الفوز بالقول: «نحن الشعب الذي يعاني من القمع في تركيا ويريد العدالة والسلام والحرية، قد حققنا انتصاراً كبيراً اليوم»، متعهداً بـ«تشكيل معارضة قوية وصادقة». بدوره، أكد زعيم حزب «الحركة القومية» دولت بهتشلي أن نتائج الانتخابات تشكّل «بداية النهاية لحزب العدالة والتنمية».
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة