لا يحتاج المراقب لأحوال المنطقة خلال سنوات عشر مضت إلى الكثير من التدقيق كي يلاحظ، أنه لا يكاد يوثق ويدوّن وقائع انحلال جيش دولة من دولها حتى تبدأ الهجمات تستهدف جيشاً آخر.

 وعلى مدى هذه السنوات مع بدء انهيار وانحلال الجيش العراقي على يد الحاكم الأميركي بول بريمر، حتى كان الجيش اللبناني والجيش السوري يصبحان هدفاً معلناً للاستهداف والتفكيك، انطلاقاً من القرار 1559. وما كتب الأميركيون علناً يفسّرون السيناريو المقرّر لتنفيذه، بوضع الجيش السوري أمام مهانة الانسحاب وعناد البقاء، فتتكاثر عليه الهجمات المبرمجة بِاسم الغضب الشعبي والشعارات التي تتخذ السيادة والاستقلال عنواناً، حتى يخرج مثخن الجراح مكسور الهيبة، وتكون بداية الانحلال والتشظي لجيش يحيا على المهابة وتحقيق النصر. ولولا قرار العودة إلى الديار لحماة الديار الذي اتخذه الرئيس بشار الأسد بصورة مبكرة، لكان السيناريو المرسوم حقق أهدافه. والسيناريو نفسه كان يلحظ آلية لضرب الجيش اللبناني وتفكيكه بتحميله أعباء تنفيذ الحلقة المتبقية من القرار 1559، أيّ نزع سلاح المقاومة، لتكون النتيجة دماراً شاملاً على الطرفين. ولولا حجم ودرجة الثقة والتشارك في الخيارات الكبرى بين مؤسّس الجيش اللبناني الحديث العماد إميل لحود وهو رئيس للجمهورية وبين قائد المقاومة لوقعت الواقعة، ولمّا تيقن صاحب السيناريو من الفشل أعدّ العدّة للحلقة التالية لذات الهدف، فكانت حرب تموز 2006 بالرهان على تدمير الثلاثة معاً، المقاومة والجيشان السوري واللبناني. ومع النصر الذي تحقق للمقاومة في تموز ومعها الجيشان السوري واللبناني، دخل المشروع الأشدّ خطورة حيّز التنفيذ، وعلى رأس أولويات الاستهداف تدمير الجيشين، اللذين يتعرّضان منذ خمس سنوات لأشرس أنواع الاستنزاف والاستهداف، بقدرات وإمكانات رصدت لتنظيمات مصنفة بالإرهاب، لكنها من ضمن ما رتب للحرب، تتموضع علناً وتتحرك علناً وتتموّل علناً وتتسلح علناً، من خزائن ومخازن دول يفترض أنها جزء من منظومة عالمية إقليمية للحرب على الإرهاب، في مشهد سوريالي عصيّ على التفسير، ويطرح في نهاية النفق مع الحملة على الجيوش ومخابراتها في البلدين، حلّ اسمه إعادة هيكلة وتكوين القوات المسلحة ومخابرات الجيش في كلّ من البلدين على قواعد جديدة.

- قد يروق للبعض ربط ما تعرّض له الجيش العراقي ويتعرّض له الجيشان السوري واللبناني، ويتشارك فيه الغرب والعرب، إلى الخيارات السياسية التي تتبناها هذه البلدان، وهي خيارات التمرّد على المشيئة الأميركية، بالنسبة للعراق وسورية ولبنان، ولأنها تبني مشروعاً للاستقلال والمقاومة في لبنان وسورية. لكن ما شهدته وتشهده المنطقة منذ خمسة أعوام يقول خلاف ذلك، فالجيش العراقي الجديد الناشئ في كنف الرعاية الأميركية، يتعرّض لأشرس حملة عسكرية من الإرهاب، بخلفية دعم تركية سعودية مباشرة من جهة، وحملات حرب نفسية مدمّرة من الجانب الأميركي تتضمّن التشكيك والتهوين وضرب المعنويات، والحرمان من السلاح والمعلومات الاستخبارية، والتواطؤ لتسليم المدن والمناطق التي يحميها الجيش للمجموعات الإرهابية.

 - يتواصل المشروع ذاته فيصير الجيش المصري موضوع حرب كاملة تقودها تركيا، بواسطة «داعش» و»الإخوان المسلمين»، تساندها تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان، حرب أميركية معلنة تتضمّن حملات إعلامية وحرب تشكيك وتقييد لكلّ محاولة صدّ لخطر الإرهاب، كما جرى مع إحباط مسعى مصر لقيادة حملة دولية لمواجهة «داعش» في ليبيا، ولا تنتهي بالعقوبات المالية ووقف المساعدات التقنية، وصولاً لوقف برامج الدعم والتعاون، والتهديد المتواصل بوقف المساعدة المالية للدولة المصرية، للضغط من أجل إبقاء الوضع رخواً والفوضى عارمة، ليتواصل الاستهداف بلا توقف.

 - في ليبيا واليمن جرى ويجري الشيء نفسه، فقد وضع الجيشان تحت منظار التصويب، ودمّر الجيش الليبي، وشنّت الحرب على الجيش اليمني، وكلّ منهما في حرب مفتوحة مع الإرهاب. وقبل أن تبدأ هذه الحرب في ليبيا كان الجيش الليبي قد جرى تدميره لتسرح «القاعدة» وتمرح، وفي ذروة هذه الحرب في اليمن، جرى الزجّ بقدرات السعودية النارية لتدمير مقدرات الجيش اليمني، واستهداف مطاراته وموانئه ومصانع سلاحه وذخيرته ومعدات سلاحَيْ الجو والبحر، بصورة يفقد فيها الجيشان ما تبقى من صفاتهما كجيشين نظاميين، ويصيران أقرب إلى الميليشيات.

 - مهما كان الشكل الذي ستنتهي إليه عاصفة الصحراء الثانية التي تخوضها واشنطن، ومهما كانت التسويات أو صيغ الخرائط والحكم الجديدة، أو صيغ الفوضى المفتوحة على القتل والخراب، فالشيء الأكيد أنّ المنطقة ستفيق ذات يوم وليس لدى العرب جيوش، فإنْ بقي لبعضهم قرار مستقلّ أعاد بناء جيشه، ومن فقد القرار المستقلّ لأنّ من تعهّد بناء الدولة والجيش من جديد هو من دمّر الدولة والجيش، سيكون كأنه بلا دولة ولا جيش.

 - في العراق وفي سورية وفي لبنان وفي اليمن، ما زالت الحرب تعجز عن تحقيق أهدافها، لذلك تكون الأولوية لحماية الجيوش من الضياع والتفكك، كمثل حماية الجغرافيا، فما نفع خوض معارك الحفاظ على مواقع في الجغرافيا إذا كان الهدف منها دمار بنى الجيوش، وما معنى ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة إنْ لم يكن هدفها الرئيسي هو حماية الجيوش، بحمل العبء معها وعنها، هذا ما يفسّر الكثير من الحرب النفسية في سورية والعراق ولبنان واليمن، للتهوين من صورة وقدرة الجيوش من جهة أو تعظيمها لتوريطها من جهة أخرى، وتستمرّ معها الحملات لتحييد المقاومة والحشد الشعبي والدفاع الوطني واللجان الثورية عن التشارك في حمل الأعباء الصعبة عن الجيوش، لأنّ المطلوب تسريع سقوطها، عبر التصويب المستمر على كلّ مشاركة لهذه الكيانات المقاومة في حمل العبء عن الجيوش.

 - في سورية والعراق واليمن ولبنان جيوش لن تسقط، ومقاومات لن تتخلى، وشعوب لن تخرج من الساحات، وفي إيران بقي الجيش بعافية، وبقيت للمقاومة قاعدة حصينة وشعب حاضن، ونلتقي بعد الثلاثين من حزيران.

  • فريق ماسة
  • 2015-05-27
  • 13754
  • من الأرشيف

من يريد العرب بلا جيوش؟ ...بقلم ناصر قنديل

 لا يحتاج المراقب لأحوال المنطقة خلال سنوات عشر مضت إلى الكثير من التدقيق كي يلاحظ، أنه لا يكاد يوثق ويدوّن وقائع انحلال جيش دولة من دولها حتى تبدأ الهجمات تستهدف جيشاً آخر.  وعلى مدى هذه السنوات مع بدء انهيار وانحلال الجيش العراقي على يد الحاكم الأميركي بول بريمر، حتى كان الجيش اللبناني والجيش السوري يصبحان هدفاً معلناً للاستهداف والتفكيك، انطلاقاً من القرار 1559. وما كتب الأميركيون علناً يفسّرون السيناريو المقرّر لتنفيذه، بوضع الجيش السوري أمام مهانة الانسحاب وعناد البقاء، فتتكاثر عليه الهجمات المبرمجة بِاسم الغضب الشعبي والشعارات التي تتخذ السيادة والاستقلال عنواناً، حتى يخرج مثخن الجراح مكسور الهيبة، وتكون بداية الانحلال والتشظي لجيش يحيا على المهابة وتحقيق النصر. ولولا قرار العودة إلى الديار لحماة الديار الذي اتخذه الرئيس بشار الأسد بصورة مبكرة، لكان السيناريو المرسوم حقق أهدافه. والسيناريو نفسه كان يلحظ آلية لضرب الجيش اللبناني وتفكيكه بتحميله أعباء تنفيذ الحلقة المتبقية من القرار 1559، أيّ نزع سلاح المقاومة، لتكون النتيجة دماراً شاملاً على الطرفين. ولولا حجم ودرجة الثقة والتشارك في الخيارات الكبرى بين مؤسّس الجيش اللبناني الحديث العماد إميل لحود وهو رئيس للجمهورية وبين قائد المقاومة لوقعت الواقعة، ولمّا تيقن صاحب السيناريو من الفشل أعدّ العدّة للحلقة التالية لذات الهدف، فكانت حرب تموز 2006 بالرهان على تدمير الثلاثة معاً، المقاومة والجيشان السوري واللبناني. ومع النصر الذي تحقق للمقاومة في تموز ومعها الجيشان السوري واللبناني، دخل المشروع الأشدّ خطورة حيّز التنفيذ، وعلى رأس أولويات الاستهداف تدمير الجيشين، اللذين يتعرّضان منذ خمس سنوات لأشرس أنواع الاستنزاف والاستهداف، بقدرات وإمكانات رصدت لتنظيمات مصنفة بالإرهاب، لكنها من ضمن ما رتب للحرب، تتموضع علناً وتتحرك علناً وتتموّل علناً وتتسلح علناً، من خزائن ومخازن دول يفترض أنها جزء من منظومة عالمية إقليمية للحرب على الإرهاب، في مشهد سوريالي عصيّ على التفسير، ويطرح في نهاية النفق مع الحملة على الجيوش ومخابراتها في البلدين، حلّ اسمه إعادة هيكلة وتكوين القوات المسلحة ومخابرات الجيش في كلّ من البلدين على قواعد جديدة. - قد يروق للبعض ربط ما تعرّض له الجيش العراقي ويتعرّض له الجيشان السوري واللبناني، ويتشارك فيه الغرب والعرب، إلى الخيارات السياسية التي تتبناها هذه البلدان، وهي خيارات التمرّد على المشيئة الأميركية، بالنسبة للعراق وسورية ولبنان، ولأنها تبني مشروعاً للاستقلال والمقاومة في لبنان وسورية. لكن ما شهدته وتشهده المنطقة منذ خمسة أعوام يقول خلاف ذلك، فالجيش العراقي الجديد الناشئ في كنف الرعاية الأميركية، يتعرّض لأشرس حملة عسكرية من الإرهاب، بخلفية دعم تركية سعودية مباشرة من جهة، وحملات حرب نفسية مدمّرة من الجانب الأميركي تتضمّن التشكيك والتهوين وضرب المعنويات، والحرمان من السلاح والمعلومات الاستخبارية، والتواطؤ لتسليم المدن والمناطق التي يحميها الجيش للمجموعات الإرهابية.  - يتواصل المشروع ذاته فيصير الجيش المصري موضوع حرب كاملة تقودها تركيا، بواسطة «داعش» و»الإخوان المسلمين»، تساندها تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان، حرب أميركية معلنة تتضمّن حملات إعلامية وحرب تشكيك وتقييد لكلّ محاولة صدّ لخطر الإرهاب، كما جرى مع إحباط مسعى مصر لقيادة حملة دولية لمواجهة «داعش» في ليبيا، ولا تنتهي بالعقوبات المالية ووقف المساعدات التقنية، وصولاً لوقف برامج الدعم والتعاون، والتهديد المتواصل بوقف المساعدة المالية للدولة المصرية، للضغط من أجل إبقاء الوضع رخواً والفوضى عارمة، ليتواصل الاستهداف بلا توقف.  - في ليبيا واليمن جرى ويجري الشيء نفسه، فقد وضع الجيشان تحت منظار التصويب، ودمّر الجيش الليبي، وشنّت الحرب على الجيش اليمني، وكلّ منهما في حرب مفتوحة مع الإرهاب. وقبل أن تبدأ هذه الحرب في ليبيا كان الجيش الليبي قد جرى تدميره لتسرح «القاعدة» وتمرح، وفي ذروة هذه الحرب في اليمن، جرى الزجّ بقدرات السعودية النارية لتدمير مقدرات الجيش اليمني، واستهداف مطاراته وموانئه ومصانع سلاحه وذخيرته ومعدات سلاحَيْ الجو والبحر، بصورة يفقد فيها الجيشان ما تبقى من صفاتهما كجيشين نظاميين، ويصيران أقرب إلى الميليشيات.  - مهما كان الشكل الذي ستنتهي إليه عاصفة الصحراء الثانية التي تخوضها واشنطن، ومهما كانت التسويات أو صيغ الخرائط والحكم الجديدة، أو صيغ الفوضى المفتوحة على القتل والخراب، فالشيء الأكيد أنّ المنطقة ستفيق ذات يوم وليس لدى العرب جيوش، فإنْ بقي لبعضهم قرار مستقلّ أعاد بناء جيشه، ومن فقد القرار المستقلّ لأنّ من تعهّد بناء الدولة والجيش من جديد هو من دمّر الدولة والجيش، سيكون كأنه بلا دولة ولا جيش.  - في العراق وفي سورية وفي لبنان وفي اليمن، ما زالت الحرب تعجز عن تحقيق أهدافها، لذلك تكون الأولوية لحماية الجيوش من الضياع والتفكك، كمثل حماية الجغرافيا، فما نفع خوض معارك الحفاظ على مواقع في الجغرافيا إذا كان الهدف منها دمار بنى الجيوش، وما معنى ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة إنْ لم يكن هدفها الرئيسي هو حماية الجيوش، بحمل العبء معها وعنها، هذا ما يفسّر الكثير من الحرب النفسية في سورية والعراق ولبنان واليمن، للتهوين من صورة وقدرة الجيوش من جهة أو تعظيمها لتوريطها من جهة أخرى، وتستمرّ معها الحملات لتحييد المقاومة والحشد الشعبي والدفاع الوطني واللجان الثورية عن التشارك في حمل الأعباء الصعبة عن الجيوش، لأنّ المطلوب تسريع سقوطها، عبر التصويب المستمر على كلّ مشاركة لهذه الكيانات المقاومة في حمل العبء عن الجيوش.  - في سورية والعراق واليمن ولبنان جيوش لن تسقط، ومقاومات لن تتخلى، وشعوب لن تخرج من الساحات، وفي إيران بقي الجيش بعافية، وبقيت للمقاومة قاعدة حصينة وشعب حاضن، ونلتقي بعد الثلاثين من حزيران.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة