دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
السؤال الذي حملته نجاحات تنظيم «داعش» في الرمادي وتدمر، بعد احتكار واشنطن لقرار وقيادة الحرب على التنظيم وإمارته خلال عشرة شهور، هو هل يجب الأخذ بتبريرات الرئيس الأميركي باراك أوباما وتفهّمها، بقوله إنّ الخسارة تكتيكية، وإنّ وراءها أسباباً موضعية تتصل بطبيعة القوى التي كانت تتولى القتال هناك وموقف السكان ومشاعرهم تجاه الحكومة، ودعوته لمعالجة هذه الأسباب لاسترداد زمام المبادرة؟
كلام أوباما يحق للرئيس السوري بشار الأسد أن يقوله عن جسر الشغور وتدمر، ومواقع تقع في أيدي جبهة «النصرة» وتنظيم «داعش» في ظلّ حرب سنوات أربع تخوضها ضدّ سورية جبهة عالمية تضمّ تحالفاً عابراً للعالم، يضمّ الصهيونية العالمية والوهابية العالمية والدولة العابرة للقارات التي تحكم العالم، أميركا، وتنخرط فيها عشرات الدول، وتوظف لخدمتها عشرات أجهزة الاستخبارات ومئات الفضائيات والمنابر الإعلامية، وتنفق لها عشرات مليارات الدولارات، فلا يضير الأسد ولا ينال من انتصاراته أن تكون الحرب بينه وبين هذه الجبهة كرّ وفرّ وسجال، وأن يقول إنّ الخسارات تكتيكية مؤكداً ثقته بالنصر، أما أوباما الذي فرض للحرب على «داعش» معادلة قوامها هذه حربي ممنوع لمن ليس من ضمن التحالف الذي تقوده واشنطن أن يقترب من جبهات القتال فيها، ووضع في العراق شرطاً هو منع «الحشد الشعبي» من الشراكة حيث يقود التحالف الحرب، فسقطت الرمادي، وفي تدمر حيث سلاح الجو السوري مقيّد بالسعي لعدم التصادم مع طيران التحالف الذي تقوده واشنطن، حرصاً على تضييق مساحة جبهة الأعداء، تقدّم مسلحو «داعش» إلى تدمر من مناطق يسيطر على أجوائها الطيران الأميركي، ولم يحرك ساكناً.
في المقابل أظهر مقاتلو «داعش» و«النصرة» امتلاكهم سلاحاً أميركياً نوعياً تبيّن من تقارير استخبارية روسية، كما يؤكد مصدر ديبلوماسي رفيع، أنها سلمت لـ«داعش» و«النصرة» من مستودعات السعودية وقطر وتركيا والإمارات، وأنّ من يشرف على تشغيلها مئات ضباط الاستخبارات والخبراء وعناصر الكوماندوس من جيوش هذه الدول، وبدا أنّ الهجوم الذي شنّته وحدات «داعش» وما تحقق كان خلال الأسبوع الفائت المحور الأبرز لجولات حوار روسية ـ أميركية مكوكية بدأت بزيارة معاون وزير الخارجية الأميركي دانييل روبنشتاين إلى موسكو وتوجها اتصال هاتفي بين وزير الخارجية جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وعبّرت المواقف الروسية بعدها عن مضمون ما دار فيها بتأكيد معاون وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أنّ الأميركيين قد اقتنعوا أخيراً بأن لا بديل عن الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته، وأنّ سورية مهدّدة بالتحوّل إلى ليبيا أخرى وصومال آخر إذا بقي الاستهتار بالإنجازات التي يحققها الإرهاب في الجغرافيا السورية، وما قاله لافروف عن السعي الحثيث لوقف سريع للقتال في اليمن وتسريع الحلّ السياسي في سورية، وعن استعداد روسيا لتلبية كلّ طلبات العراق التسليحية، ما أوحى للمراقبين بالتساؤل عما إذا كانت واشنطن باتت بسبب إدراك أنّ أعباء هذه الحرب فوق قدرتها، قد قرّرت التنازل لموسكو عن قيادتها؟
واشنطن لا تريد أن تنتهي الحرب بنصر لـ«داعش» على رغم دورها في توليد التنظيم ورعايته في البدايات، وهي تعلم خطورة هذا النصر ولا تريد لحلفاء إيران في المنطقة التوسع والتمدّد بسبب دورهم الحتمي في حال السعي لتحقيق هذا النصر على «داعش» و«النصرة»، ولا تريد أن تتخاصم مع حلفائها الذين يشكلون مصدر دعم وقوة «داعش» و«النصرة» من السعودية وتركيا خصوصاً، بينما هي تعمل على تهدئة التوتر في علاقاتها بهم مع اقتراب موعد التوقيع على التفاهم النووي مع إيران.
المعلومات الواردة من موسكو تشير إلى تفاهم روسي أميركي على تولي موسكو تدعيم قدرات الجيش السوري وتخطي الأميركيين لعقدة النظر للجيش بخلفية شعاراتهم وخطاباتهم القديمة، فالدولة هي الجيش اليوم، وقائد الجيش هو الرئيس الأسد، ومن دون جيش قوي وموحد وبرئاسة الأسد لا سورية موحدة ولا نصر على الإرهاب، ولا مانع لدى روسيا من تولي التنسيق بين واشنطن وتحالفها من جهة مع التحالف المقابل الذي يضمّ طهران ودمشق وبغداد، لأنه من دون هذا التعاون والتنسيق لا يمكن الظفر بهذه الحرب، لكن شرط تحقق ذلك هو قيام واشنطن بالضغط على حلفائها لوقف الدور المزدوج في الحديث عن الحرب على الإرهاب وفي الوقت نفسه تقديم كلّ الرعاية والدعم للتنظيمات الإرهابية.
في لبنان لا يختلف الأمر كثيراً عن مشهد المنطقة، حيث لا تزال حرب القلمون حدثاً مستمراً، وتتقدّم عقدة عرسال وجرودها نحو الواجهة، بين وقائع التصعيد الذي سيذهب بالمنطقة للانفجار، بينما حلفاء واشنطن هم حلفاء السعودية وتركيا وهم حلفاء «النصرة» و«داعش»، كما في سورية والعراق، وبين معلومات متواترة تفتح ثغرة في الجدار المقفل تتحدث عن وساطة تركية لتأمين انسحاب مسلحي «النصرة»، في ظلّ معلومات عن اتصالات تجريها الاستخبارات التركية على خط العلاقة مع الأمن العام اللبناني من جهة ومع ضباط إيرانيين من جهة مقابلة.
عرسال قاعدة لوجستية عملانية لـ«النصرة»
يحكم الجيش السوري وحزب الله الطوق الداخلي على المسلحين من الجانب السوري، بينما يحكم الجيش اللبناني السيطرة على الحدود اللبنانية ويراقب المسلحين وتحركاتهم. ويستمر الجيش السوري في استهداف الفصائل المسلحة السورية عبر الطيران والصواريخ في شكل دوري وشبه يومي ضمن عمليات عادية، خصوصاً في الجرود القريبة من لبنان في عرسال، والجراجير، وفليطا، وعسال الورد وذلك بهدف منع المسلحين من التمدد .
وتؤكد مصادر أمنية لـ«البناء» «أن مجموعات من «جبهة النصرة» اتخذت من جرود عرسال وبعض أحيائها مقراً لها، وتتم معالجة عدد من جرحى «النصرة» في مستشفى ميداني يقع تحت منزل الشيخ مصطفى الحجيري أبو طاقية في عرسال، ويشرف على معالجة هؤلاء طبيب سوري من مواليد حلب يدعى محمود.ح سبق أن درس الطب في الاتحاد السوفياتي.
وشددت المصادر على «أن الوضع في عرسال شاذ، بالتالي تجب معالجته عبر دخول الجيش إلى البلدة واستكمال حزب الله المعركة في الجرود»، معتبرة «أن عرسال هي قاعدة لوجستية عملانية لجبهة النصرة وبقايا الجيش الحر، حيث تتواجد مخازن الذخيرة والمحاكم الميدانية والعمليات العسكرية والمستشفيات الميدانية، بالتالي تشكل القاعدة الأساسية لعمل جبهة النصرة في المنطقة».
وأكدت مصادر خاصة لـ «البناء أن الأتراك دخلوا على الخط وتجري مفاوضات يتولاها ضابط في الاستخبارات التركية مع جهات إيرانية لإيجاد ممر آمن لمسلحي «النصرة» في القلمون، مقابل إطلاق سراح الجنود اللبنانيين المخطوفين.
المصدر :
الماسة السورية / البناء
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة