أظن أنه تجمع لدينا في السنوات الماضية ما يكفي من المعطيات المؤكدة للدلالة والبرهان على أن القصدَ الرئيسي من «الثورات» التي عصفت في بلدان عربية بعينها، كان تحطيم هذه الأخيرة بما هي بالقوة نواة كيان وطني. بلغت هذه الثورات مستوى الفاجعة التي نزلت في تسعينيات القرن الماضي بالجزائر. وهي في ليبيا وسوريا واليمن تماثل الغزاة الأميركيين وحلفاءهم الأوروبيين في العراق وقطاع غزة همجية وحيوانية ووحشية. تحطمت المفارقة هي أن هذه الثورات القبيحة الآثمة، إنطلقت من البلدان الخليجية الأكثر تخلفا. كان العالم ولا يزال يـُعيّر العرب بالعادات والتقاليد المتبعة في هذه البلدان وبالقوانين المطبقة فيها، صار حكام العرب منذ هزيمتهم النكراء في حرب حزيران 1967، يقدمون الولاءات لشيوخها، نظراً للمنزلة التي نالها الأخيرون في قصور الرئاسة في أميركا وأوروبا، إستخذاءً أمام سمو الدولار النفطي !

ما أود قوله هنا هو أن آل سعود ومن هم على شاكلتهم، لم ينسوا في أغلب الظن، حقدهم وعداوتهم ضد الجمهوريات التي ظهرت في خمسينيات القرن الماضي في بلاد العرب. من المعروف أن الناصرية وكانت نموذجا عن هذه الجمهوريات، أقلقت وأرقت آل سعود الى درجة الهوس، بسبب السياسات التي طرحتها والشعارات التي رفعتها. تشهد على ذلك وقائع كثيرة لا مجال لذكرها هنا.

من البديهي ان هزيمة الجمهوريات العربية في حزيران 1967 لم تزعج آل سعود. لا سيما أن المهزومين فضلوا أسلوب المساومة على حرب التحرير الشعبية، واختاروا الإستسلام أمام آل سعود بانتظار «سنة الحسم» التي كان يعد بها الرئيس المصري أنور السادات. توفي جمال عبد الناصر في شهر أيلول 1970. أيلول الأسود الذي انكسرت أثناءه فصائل المقاومة الفلسطينية في عمان. من المحتمل انه لو لم تـُطرد هذه الأخيرة من عمان لما استسلمت بدورها لآل سعود ولما نـُفيت وهاجرت بالسفن سنة 1982 من بيروت.

نجمت عن هزيمة الجمهوريات العربية إشكالية يمكن تلخيصها بالتالي. انقبضت الجمهورية، فتخلت عن أطرافها وتوج رئيسها نفسه ملكاً. ولكن آل سعود رفضوأ قبوله في نقابة الملوك والأمراء ما لم تتوفر فيه الشروط المطلوبة أميركيا وأوروبيا. هذه الشروط معروفة!

جملة القول وقصاراه ان الجمهوريات في بلاد العرب، ترنحت بفعل الضربة التي تلقتها في حزيران 1967. فاستغبيت في العراق لأن حكامه كانوا أغبياء، وغـُدرت بالديمقراطية الإنتخابية في الجزائر، ونحرت حيثما عصفت ثورات الناتو، بسكين آل سعود والعثمانيين الجدد!

وحدهم السوريون ان هم أرادوا، يستطيعون إنقاذ سوريا. المناطق التي لا يدافع السوريون عنها ليست سورية، مثلما أن المناطق التي أخلاها مئات الآلاف من السوريين ليست سورية، طالما بقي سكانها في مخيمات اللاجئيين. لماذا يدافع الإنسان عن وطنه؟ ما الذي يبرر التضحية إلى حد الشهادة، ذودا عن الوطن؟ من هم السوريون الذين يدافعون عن سوريا اليوم ويخضبون أرضها بلون الدم؟ في المقابل من هم السوريون الذين يشحذون السكاكين استعدادا لتقطيع سوريا؟ إن من يحفظ أمانة ووصية الشهداء يرث الأرض التي يحررها ويزرعها ويبني عليها منزلا ومدرسة ومعملاً ومشفى. آن الأوان.. لتؤول سوريا إلى من يحفظ أمانة ووصية شهداء حرب الدفاع عن وجودها!.

  • فريق ماسة
  • 2015-05-01
  • 11378
  • من الأرشيف

السوريّون الذين يذودون عن سورية

أظن أنه تجمع لدينا في السنوات الماضية ما يكفي من المعطيات المؤكدة للدلالة والبرهان على أن القصدَ الرئيسي من «الثورات» التي عصفت في بلدان عربية بعينها، كان تحطيم هذه الأخيرة بما هي بالقوة نواة كيان وطني. بلغت هذه الثورات مستوى الفاجعة التي نزلت في تسعينيات القرن الماضي بالجزائر. وهي في ليبيا وسوريا واليمن تماثل الغزاة الأميركيين وحلفاءهم الأوروبيين في العراق وقطاع غزة همجية وحيوانية ووحشية. تحطمت المفارقة هي أن هذه الثورات القبيحة الآثمة، إنطلقت من البلدان الخليجية الأكثر تخلفا. كان العالم ولا يزال يـُعيّر العرب بالعادات والتقاليد المتبعة في هذه البلدان وبالقوانين المطبقة فيها، صار حكام العرب منذ هزيمتهم النكراء في حرب حزيران 1967، يقدمون الولاءات لشيوخها، نظراً للمنزلة التي نالها الأخيرون في قصور الرئاسة في أميركا وأوروبا، إستخذاءً أمام سمو الدولار النفطي ! ما أود قوله هنا هو أن آل سعود ومن هم على شاكلتهم، لم ينسوا في أغلب الظن، حقدهم وعداوتهم ضد الجمهوريات التي ظهرت في خمسينيات القرن الماضي في بلاد العرب. من المعروف أن الناصرية وكانت نموذجا عن هذه الجمهوريات، أقلقت وأرقت آل سعود الى درجة الهوس، بسبب السياسات التي طرحتها والشعارات التي رفعتها. تشهد على ذلك وقائع كثيرة لا مجال لذكرها هنا. من البديهي ان هزيمة الجمهوريات العربية في حزيران 1967 لم تزعج آل سعود. لا سيما أن المهزومين فضلوا أسلوب المساومة على حرب التحرير الشعبية، واختاروا الإستسلام أمام آل سعود بانتظار «سنة الحسم» التي كان يعد بها الرئيس المصري أنور السادات. توفي جمال عبد الناصر في شهر أيلول 1970. أيلول الأسود الذي انكسرت أثناءه فصائل المقاومة الفلسطينية في عمان. من المحتمل انه لو لم تـُطرد هذه الأخيرة من عمان لما استسلمت بدورها لآل سعود ولما نـُفيت وهاجرت بالسفن سنة 1982 من بيروت. نجمت عن هزيمة الجمهوريات العربية إشكالية يمكن تلخيصها بالتالي. انقبضت الجمهورية، فتخلت عن أطرافها وتوج رئيسها نفسه ملكاً. ولكن آل سعود رفضوأ قبوله في نقابة الملوك والأمراء ما لم تتوفر فيه الشروط المطلوبة أميركيا وأوروبيا. هذه الشروط معروفة! جملة القول وقصاراه ان الجمهوريات في بلاد العرب، ترنحت بفعل الضربة التي تلقتها في حزيران 1967. فاستغبيت في العراق لأن حكامه كانوا أغبياء، وغـُدرت بالديمقراطية الإنتخابية في الجزائر، ونحرت حيثما عصفت ثورات الناتو، بسكين آل سعود والعثمانيين الجدد! وحدهم السوريون ان هم أرادوا، يستطيعون إنقاذ سوريا. المناطق التي لا يدافع السوريون عنها ليست سورية، مثلما أن المناطق التي أخلاها مئات الآلاف من السوريين ليست سورية، طالما بقي سكانها في مخيمات اللاجئيين. لماذا يدافع الإنسان عن وطنه؟ ما الذي يبرر التضحية إلى حد الشهادة، ذودا عن الوطن؟ من هم السوريون الذين يدافعون عن سوريا اليوم ويخضبون أرضها بلون الدم؟ في المقابل من هم السوريون الذين يشحذون السكاكين استعدادا لتقطيع سوريا؟ إن من يحفظ أمانة ووصية الشهداء يرث الأرض التي يحررها ويزرعها ويبني عليها منزلا ومدرسة ومعملاً ومشفى. آن الأوان.. لتؤول سوريا إلى من يحفظ أمانة ووصية شهداء حرب الدفاع عن وجودها!.

المصدر : الديار/ ثريا عاصي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة