دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
زار قائد «جيش الإسلام» زهران علوش الرياض في العام 2013 للعمل على إفشال مؤتمر «جنيف 2»، والذي تطلب آنذاك إشعال الاقتتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، لسحب ورقة محاربة الإرهاب من يد الحكومة السورية... ولكن على من سيعلن علوش الحرب بعد زيارته الحالية إلى تركيا؟
مما لا شك فيه أن الزيارة التي قام بها علوش إلى تركيا لا أهمية لها ما لم توضع في سياق التطورات المحلية والإقليمية التي تمر بها سوريا والمنطقة، فهي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يزور فيها علوش تركيا. فقد سبق له القيام خلال الأعوام الماضية بزيارات عدة إليها، بل إنه في فترة من الفترات كان مقيماً هناك خشية أن تطاله عمليات الاغتيال التي كانت قد بدأت أواخر العام 2013، باستهداف العديد من قادة الفصائل المسلحة، وكان أبرزهم أبو خالد السوري.
غير أن الظروف الدقيقة التي يمر بها المشهد السوري، في هذه المرحلة، هي التي تعطي الزيارة الأخيرة هذه الأهمية.
وجاءت زيارة علوش إلى تركيا بعد ثلاثة أسابيع من انطلاق عملية «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية ضد «أنصار الله» وحلفائهم في اليمن، ومطالبة العديد من الفصائل المسلحة في سوريا بأن تمتد عمليات «العاصفة» إلى بلادهم لتساعدهم في إسقاط النظام السوري، معتمدين في ذلك على التقارب السعودي ـ التركي الأخير الذي قد يفسح في المجال لمثل هذا الاحتمال باعتقادهم.
كما أنها تأتي في ظل حملة الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها «جبهة النصرة» بخصوص فك ارتباطها مع تنظيم «القاعدة». وكان آخر تجليات هذه الحملة صدور بيانات جماعية من أهم فصائل جنوب سوريا ترفض فيه التعاون العسكري مع «النصرة» وتتبرأ من «الفكر التكفيري» الذي تتبناه. كذلك تزامنت الزيارة مع العديد من التطورات التي شهدتها الساحة السورية مؤخراً، وامتدت من الشمال إلى الجنوب، مثل التصعيد غير المسبوق في العلاقة بين «جيش الإسلام» من جهة و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» من جهة ثانية، خصوصاً في مخيم اليرموك على خلفية اقتحام «داعش» له، أو في الغوطة الشرقية التي وصل الأمر فيها إلى تجريد الكتائب التابعة إلى «الأحرار» من سلاحهم الثقيل والمتوسط والخفيف، وذلك بعد أن جرى اقتحام مقارهم في عربين وقتل البعض منهم واعتقال آخرين. ولم يعد خافياً أن سبب ذلك يتعلق بمحاولة زهران علوش تنصيب نفسه سيداً أوحد على الغوطة من دون أي منافس.
كما تزامنت الزيارة مع خبر مفاجئ تمثل في اتخاذ «الجبهة الشامية»، أو ما تبقى منها، قراراً بحلّ نفسها، علماً أنه لم يمضِ على تأسيسها سوى ثلاثة أشهر. وقد ترافق ذلك مع مساعي جادة تبذلها جهات داخلية وخارجية عدة، تستهدف محاولة تعويم «مجلس قيادة الثورة»، الذي تمّ تشكيله في تشرين الأول الماضي نتيجة اتفاق حوالي 100 فصيل مسلح (جميعها تنتمي إلى «الجيش الحر»)، ومن بينها وربما أهمها «جيش الإسلام» بالإضافة إلى غالبية الفصائل التي كانت منضوية تحت «الجبهة الشامية» مثل «جيش المجاهدين» و«نور الدين الزنكي». وقد بقي هذا المجلس منذ تأسيسه من دون أي دور على الأرض إلى أن سيطرت «جبهة النصرة» وحلفاؤها على مدينة إدلب في آذار الماضي، حيث تنبه البعض إلى وجوده ودعا إلى تفعيله. وأطلق نشطاء معارضون حملة تحت مسمى «مجلس قيادة الثورة يمثلنا». ومن المعروف أن القيادي في «جيش الإسلام» محمد علوش يشغل منصب رئيس المكتب السياسي في هذا المجلس.
وبحسب الصور الموزعة، فقد التقى زهران علوش في اسطنبول مع الشيخين أسامة الرفاعي وكريّم راجح، على هامش الاحتفالية التي أقامتها «رابطة خطباء الشام» الجمعة الماضي.
ولا يخلو هذا اللقاء من دلالات، فكلا الشيخين معروفان بتأييدهما لـ «الائتلاف السوري المعارض» والهيئات المنبثقة عنه، مثل «الحكومة الموقتة ورئاسة أركان الجيش الحر»، وهما في الأصل بعيدان عن السياسة ولم يمارسا أي نشاط من أنشطتها، بل كانا يكتفيان بممارسة الدعوة عبر «جماعة زيد»، التي تأسست في خمسينيات القرن الماضي ولم يكن لها أي أهداف سياسية. واستحوذت الجماعة بداية القرن الحالي على بعض الاهتمام الحكومي الرسمي، حيث أدى كبار المسؤولين السوريين الصلاة في أحد مساجدها في العام 2002 في إطار توجه حكومي للانفتاح على التيارات الإسلامية. وحتى مع بداية الأزمة، في العام 2011، كانت جماعة الشيخين تتخذ موقفاً وسطياً بين الحكومة وبين المتظاهرين، حتى أن الشيخ سارية الرفاعي خاطب السلطات، في أحد خطب الجمعة في آب 2011، أن «اتقوا الله في هؤلاء الذين أساؤوا لكم بالتظاهر». كما أن الشيخ أسامة الرفاعي كان أحد المشايخ الذين عفا عنهم الرئيس الراحل حافظ الأسد، وسمح لهم بالعودة إلى سوريا بعد خروجه منها في ثمانينيات القرن الماضي، وذلك بعد تعهده بحل «جماعة زيد» قبل أن تعاود نشاطها من جديد بعد ذلك بسنوات.
والأهم من كل ذلك أن كلا الشيخين معروفان بمناهضتهما لـ «جبهة النصرة» ومشروعها «القاعدي»، ويحرمّان الانتساب إليها أو القتال تحت رايتها، علاوة على أنهما ليسا من «جماعة الإخوان المسلمين».
ومن أبرز ما جاء في التصريحات الصحافية التي أدلى بها رئيس المكتب السياسي في «جيش الإسلام» محمد علوش، تعليقاً على الزيارة والأهداف منها، قوله إن «الزيارة تأتي بصدد توحيد جهود الثوار على الأرض السورية كافة، وليس فقط في ريف دمشق». ويعكس هذا التصريح وجود رغبة دفينة لدى زهران علوش بتوسيع نفوذه خارج ريف دمشق، والتمدد نحو الشمال والجنوب، ومثل هذا التمدد لن يكون بلا ثمن، وأول العقبات التي ستعترضه هو وجود «جبهة النصرة» في كلا المنطقتين.
كما كان لافتاً، أنه بالتزامن مع زيارة زهران علوش إلى تركيا، كان «المجلس العسكري في دمشق»، الذي تأسس مطلع نيسان الحالي بقيادة العقيد عمار النمر وانضم إلى «القيادة العامة للغوطة الشرقية» برئاسة زهران علوش، يعقد مؤتمراً صحافياً في مدينة دوما معقل الأخير رافعاً «علم الثورة»، وذلك للمرة الأولى منذ حوالي سنتين. ولا شك أن هذه الخطوة الشكلية تشير إلى وجود بوادر لدى علوش بالعودة إلى كنف «الأركان»، التي كان تخلى عنها قبل تأسيس «الجبهة الإسلامية» العام الماضي، وبالتالي تسمح بتتويجه عملياً زعيماً على «الجيش الحر» الموسوم بـ«الاعتدال». وربما تفسر هذه العودة المحتملة خطة رئيس «الائتلاف» خالد الخوجة لتشكيل «جيش وطني» يضم 60 ألف مسلح لمحاربة «داعش» أو «جبهة النصرة» التي كال الخوجة الاتهامات لها ووصفها بالإرهابية. وهذا يتلاقى مع تأكيد محمد علوش بأن زيارة تركيا ليس لها أي علاقة بما يجري الحديث عنه حول «عاصفة حزم» في سوريا.
المصدر :
عبد الله سليمان علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة