دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
حذَّر الأمين العام للامم المتحدة قبل فترة من انقراض اللغة العربية لتنضم الى 300 لغة اخرى انقرضت في القرن الماضي.
لم ينتبه كثير من العرب الى التحذير، فهم كانوا غارقين بالتقاتل وتصفية الحسابات وبيع أنفسهم في أسواق النخاسة الاقليمية والدولية. كل يرفع شعارات ضد شعارات كصراع الديكة على مزبلة الحاضر . صار أصحاب الثقافة الضحلة والجاهلون بالتاريخ والحاضر يتفنون في استخدام كلمة " أعراب" كلما أرادوا شتم خصمهم بالسياسة، أو يشتمون العرب والعروبة وكأنهم هم جاؤوا من جبال الألب السويسرية او من ضفاف انهار السين والتايمز او شمال الاطلسي.
لقد أساء العرب الى انفسهم والى تاريخهم وحاضرهم مرات عديدة بأكثر مما أساء اليهم خصومهم واعداؤهم.
لم يعرف تاريخهم حقبة واحدة توحد فيها كل العرب. يجب ان نعترف بهذه الحقيقة المرة لكي نخرج من الاوهام الى الواقع . كانت الوحدة كذبة لظروف مرحلية . كانت بعض الشعارات الوحدوية مجرد أحلام خالية المشاريع وعديمة القدرة على التنفيذ عند البعض، او مجرد مطايا لركوبها صوب السلطات عند بعضهم الآخر. لو صدق قائد في عروبته وافكاره الوحدوية، سرعان ما كان يسقط بفعل أضاليل صحبه وحاشيته او مؤامرات خصومه فيستخدم العروبة قناعا براقا لنهجه الاقصائي.
من يقرأ الوثائق البريطانية لاربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، يستنتج بكثير من الشعور بالخجل كم كان الأمراء والحكام والرؤوساء وقادة العشائر والقبائل يتآمرون على بعضهم البعض، وكيف كانت بريطانيا وفرنسا تتلاعبان بهم قبيل رسم خرائط سايكس-بيكو. ومن يقرأ وثائق ويكيليكس او يعود الى الكتب الصادرة منذ نكبة فلسطين وما تلاها، يكتشف كيف كان قادة اسرائيل منذ التأسيس مرورا بغولدامئير وصولا الى الحكومات اللاحقة يرسلون حقائب المال لهذا المسؤول العربي او ذاك بغية شراء الذمم او شراء التآمر على مسؤول عربي آخر.
لا تزال صرخة القائد المقدسي والمجاهد العربي البطل عبد القادر الحسيني ترجِّع صداها حتى اليوم حين خذله العرب وعاد يستشهد في معركة القسطل في فلسطين . قال قبيل استشهاده : " انني ذاهب إلى القسطل وسأقتحمها وسأحتلها ولو أدى ذلك إلى موتي ، والله لقد سئمت الحياة وأصبح الموت أحب إلي من نفسي من هذه المعاملة التي تعاملنا بها الجامعة ، إنني أصبحت أتمنى الموت قبل أن أرى اليهود يحتلون فلسطين ، إن رجال الجامعة والقيادة يخونون فلسطين "
تكدس السلاح فوق السلاح في مستودعات العرب. مليارات الدولار دفعت لشراء سلاح أكله الصدأ. انعشت اسواقنا العربية مصانع الاسلحة في الغرب. ذهب معظم نفطنا ومال نفطنا الى المصارف الغربية. لو أن جزءا من هذا المال استثمر في السودان لما انفصل جنوبه بكل خيراته. نلوم اهل الجنوب السوداني لانهم انفصلوا وذهبوا صوب اسرائيل، وننسى اننا اهملناهم وقاتلناهم واقلقناهم اكثر حين توهم البعض وفي مقدمهم الدكتور حسن الترابي المفكر والسياسي الاسلامي السوداني بتصدير ثورته الاسلامة عبرهم صوب افريقيا. لو أن جزءا من هذا المال دفع لجزر القمر الجميلة الرائعة لتحولت الى منتجعات سياحية ومصدر للفواكه والاسماك والفرح بدلا من ان تنفصل احدى الجزر الاربع وتلتحق بفرنسا بسبب الفقر والاهمال والحزن . لو أن جزءا من هذا المال دفع لتعليم واطعام اهل اليمن لكان شعبه اليوم بما له من عراقة في الحضارة والثقافة والكرامة سدا منيعا يحمي ليس اليمن فقط وانما اليمن وجواره الخليجي بكامله بدلا من الخوف منه . لو ان حركة تحررية واحدة في هذا التاريخ العربي صدقت بالتزامها قبل مطلع التسعينيات لما وصلنا جاثمين على ركبنا نهدي اسرائيل في مدريد واوسولا وما تلاهما تطبيعا كاملا مقابل صفعات كاملة منها . تحولنا الى غنم والى هنود سمر، فتم اقتيادنا كالقطعان الى مؤتمرات الذل باسم وهم السلام.
رفعنا شعارات العروبة فبقيت شعارات. لم تبن على أي مشروع فعلي يحرر الفرد ويحسن حياته ويرفع من مستواه. هكذا سقط الكثير من العروبيين عند اغراء السلطة والمال. هكذا انهار شيوعيون ويساريون عند اول عروض مالية. هكذا صار العروبيون والعلمانيون والقوميون ملوك التنظير لتيارات اسلامية، او اعضاء في احزاب وحركات ذات اسس ومشاريع دينية محضة.
لم يحسن العروبيون طمأنة دول النفط، ولا احسنت دول النفط التقارب معهم، فغرق الاثنان بمشارع تصفوية، هذا يريد قلب الانظمة وذاك يريد قلب المشاريع. تأمر الجميع على الجميع، فبكت العروبة واهلها أوطانا كانت تحلم يوما ما بغد أجمل .
لم يحسن العروبيون طمأنة الاسلاميين، ولا احسن الاسلامييون تلقف العروبة . تأمرت العروبة والاسلام على بعضهما البعض فقتلا بعضيهما، بينما العروبيون المسيحيون الذين كانوا في طليعة النهضة العربية، وجدوا انفسهم غرباء او اهل ذمة وسط غابة من الاوهام.
هل انتبه احدنا الى الحروف المستخدمة بلغة التواصل الاجتماعي ؟. هل فكر احدنا بسبب استخدام حروف لاتينية لتخاطب عربي او مشاعر عربية عبر الواتس اب او تويتر او فايسبوك او غيرها من وسائل التواصل والتجسس؟. هل تأمل احدنا بنسبة القراءة عندنا وعند غيرنا؟ هل ثمة سبب لوجود ملايين الكتب الالكترونية باللغات الاجنبية بينما تقتصر لغتنا على تفسير الاحلام والابراج ومعلقات الشعر والكتب الاسلامية وكتب الطبخ؟. هل لا زلنا فعلا بحاجة لكتب تفسر احلامنا ونحن الذين قتلنا الاحلام وحطمنا عظامها على صخرة واقعنا المظلم ؟
الآن، يمكن القول اننا فعلا في الحضيض. ان كان ثمة فخاخا نصبت للعرب ليقتلوا احلامهم العربية على مطية الفتن المذهبية والطائفية ، فان الفخاخ نجحت وها هي تتسع للجميع. الآن صارت الساحة العربية مفتوحة على مصراعيها لاحلام امم اخرى ومشاريع اخرى.
لعل مصيبتنا اننا حلمنا كثيرا بالعروبة ولم نفعل شيئا لاجلها، لعلها كانت كذبة جملناها بشعارات خاوية، لعل لا شيء ينقذ هذه الأمة بعد اليوم الا حين نعترف بأن كل تاريخنا كان كذبة وعلينا ان نخترع حاضرنا لنؤسس لمستقبل يضعنا بين الامم لا ان يبقينا بيادق في لعبة الامم. ما لم نفعل ذلك فان اللغة ليست وحدها في طريق الانقراض وانما العرب بمجملهم سيتحولون الى هند سمر بدلا من الهنود الحمر وسيكون الكاوبوي المقبل متعدد الجنسيات .
لا استثني أحدا .
المصدر :
سامي كليب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة