دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من إستمع إلى تصريحات المُرشد الأعلى للثورة الإيرانيّة السيد علي خامنئي بشأن اليمن، والتي قال فيها إنّ "السعودية ستتضرّر وتخسر جراء عمليّاتها العسكرية ولن تكون منتصرة أبداً... وسيُمرَغ أنفها في التراب"، والتي ترافقت مع تقارير عن تحرّكات بحريّة عسكريّة إيرانيّة في خليج عدن وعلى خط تحرّك السفن عبر مضيق "باب المندب" الإستراتيجي، يعتقد للوهلة الأولى أنّ الحرب الإيرانيّة–السعودية المباشرة صارت على الأبواب، خاصة وأنّ عمليّة "عاصفة الحزم" العسكريّة مُستمرّة بقوّة في ظلّ محاولات حثيثة من السعودية لإشراك المزيد من الدول فيها، لا سيّما تلك التي تملك وحدات برّية كبيرة مثل باكستان. لكنّ إنطباع إقتراب الحرب المباشرة بين السعوديّة وإيران غير صحيح، أو على الأقلّ غير دقيق.
وفي هذا السياق، وبحسب مُحلّلين غربيّين إنّ قيام كل من طهران والرياض برفع سقف التهديدات المُتبادلة يهدف إلى منع الحرب المباشرة، وإلى تعزيز أوراق التفاوض، علماً أنّ الحركة الدبلوماسيّة في المنطقة ناشطة جداً. فعلى الخط الإيراني، قام وزير الخارجية محمد جواد ظريف بزيارة مهمّة جداً إلى باكستان حثّ فيها المسؤولين على عدم الإستجابة للدعوات السعوديّة بالإنضمام إلى أيّ عمليّة عسكريّة برّية ضد جماعة "أنصار الله" في اليمن، وهذا بالفعل ما حصل حيث صوّت البرلمان الباكستاني على بقاء باكستان محايدة إزاء الصراع في اليمن. وأجرى ظريف أكثر من إتصال مع مسؤولين كبار من تركيا ومن سلطنة عمان، طالباً منهم التدخّل مع باكستان، لإيجاد حلّ سلمي للأزمة في اليمن، إنطلاقاً من خطة تتكون من أربع نقاط إقترحتها طهران، وتنصّ على:
أوّلاً: الوقف الفوري لكلّ الغارات والأعمال العسكريّة من جانب كلّ الأطراف.
ثانياً: تقديم مساعدات طبّية وغذائيّة ومادية مختلفة وسريعة للشعب اليمني في مختلف المحافظات.
ثالثاً: إستضافة حوار وطني يجمع مختلف الأطراف اليمنيّين على أرض محايدة، مثل سلطنة عمان التي لم تشارك في عمليّة "عاصفة الحزم" كما باقي الدول الخليّجيّة.
رابعاً: المساعدة على تشكيل حكومة إئتلاف وطني لا تستثني أيّ طرف يمني.
وعملت إيران أيضاً التي حرصت على إستضافة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في طهران منذ بضعة أيّام على الرغم من إنتقاداته اللاذعة لها، على حثّه على عدم مُشاركة وحدات تركيّة برّية في المعركة أيضاً. وبحسب المحلّلين الغربيّين أنفسهم، إنّ إيران تعلم أنّ المملكة العربيّة السعودية التي تملك ثاني أقوى سلاح جوّي في المنطقة، بعد إسرائيل، تحتاج لقوّات برّية لإقصاء جماعة "أنصار الله" عن المدن والمناطق التي سيطروا عليها، كون عديد الجيش السعودي لا يسمح بذلك. لذلك تعمل طهران بجهد كبير لقطع الطريق على هذا الخيار، تارة عبر إطلاق تهديدات عالية السقف ضدّ أيّ جهة ستتورّط في الحرب ضدّ الحوثيّين، وطوراً عبر تقديم الإغراءات الإقتصادية والماليّة كما فعلت في محادثاتها مع القادة الأتراك والباكستانيّين. فهي وعدت هذين البلدين باستثمارات كبيرة بمجرّد رفع العقوبات، وبتسهيلات إقتصاديّة، وبعقود على مستوى النفط والغاز الإيراني بأسعار مُخفّضة، علماً أنّ تركيا تطمَح لأن تكون بوّابة صادرات إيران نحو الدول الأوروبية، وباكستان تحرص على الحفاظ على الإستقرار مع الجارة الإيرانية وعلى تأمين الظروف المناسبة لأفضل علاقات تبادل تجاري معها.
وفي مقابل الحراك الإيراني الدبلوماسي النشيط، والذي ترافق مع تحرّكات عسكريّة ومع تهديدات عالية السقف-كما سبق وذكرنا، وكذلك مع تمرير للأسلحة للحوثيّين عبر تهريبها من إريتريا، لا تجلس المملكة العربيّة السعوديّة مكتوفة الأيدي. وفي هذا السياق تقوم الرياض بمحاولات جدّية لتوسيع حجم التحالف الذي تقوده، وبتعزيز قدراته العسكريّة، لا سيّما الميدانية والبرّية منها، في الوقت الذي تواصل فيه الغارات على أهداف تابعة لجماعة "أنصار الله" ولقوى عسكريّة موالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ السعودية التي كانت مَوّلت في السابق البرنامج النووي الباكستاني، والتي كانت إسلام أباد قد ردّت لها الجميل عبر مشاركة قوّاتها في عمليّة "عاصفة الصحراء" في حقبة التسعينات من القرن الماضي، تريد من مشاركة دول حليفة لها وزن عسكري، الإستفادة من قوّات برّية قادرة على إحداث تغيير على الأرض، وفي الوقت نفسه الحصول على غطاء سياسي من دول إقليميّة فاعلة جداً. والسعودية التي تثق بوقوف كل من باكستان ومصر إلى جانبها سياسياً، عملت على تجاوز خلافاتها السابقة مع تركيا، على الزعامة الإقليميّة وفي ما خصّ جماعة "الإخوان المُسلمين"، حرصاً منها على تأمين أكبر حشد مُمكن بوجه إيران وحلفائها. وبما أنّ باكستان وتركيا تخشيان التورّط في أي حرب برّية، منعاً لإنزلاق الأمور إلى مُواجهة مباشرة مع إيران عبر حدودهما المشتركة معها، وتجنّباً لضرب الإستقرار الداخلي في كل من باكستان وتركيا في ظلّ وجود أقليّات شيعيّة كبيرة، وحساسيّات عرقيّة، وغيرها من المشاكل الداخليّة، فإنّهما أخذا على عاتقهما العمل على إستمالة المزيد من الدُول الإسلامية الكبيرة مثل إندونيسيا وماليزيا، بهدف حثّها على المشاركة في الضغوط الرامية إلى إنهاء الأزمة في اليمن عبر إيجاد تسوية ترضي كل الأطراف، وهنا تكمن المُشكلة الكبرى. فالسعودية ترفض بشدّة خطّة إيران للتسوية، وتُعارض أيّ تسوية إقليمية أو دوليّة لا تعيد الشرعيّة بشكل غير منقوص إلى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والأهمّ لا تؤمّن إنسحاب المُسلّحين الحوثيّين من مختلف المناطق اليمنية التي سيطروا عليها بقوّة السلاح، بالتنسيق مع قوّات الرئيس السابق صالح، وبدعم مباشر منها.
وإنطلاقاً من المُعطيات الحالية، يُمكن القول إنّ الحرب السعوديّة-الإيرانية المُباشرة ليست على الأبواب، لأنّ الوصول إلى هذه المرحلة الخطرة يتطلّب حصول مجموعة من التطوّرات الدراماتيكيّة ومن الإحتكاكات التدريجيّة والتصاعديّة، ولأنّ كل الأطراف المعنيّة تعلم علم اليقين أنّ أيّ معركة جدّية مباشرة ستكون كارثيّة على الإقتصاد العالمي، وستُدخل مجموعة من الدول على خط المواجهة التي يُمكن أن تدوم لفترة طويلة. لكنّ ضعف إحتمال المواجهة المباشرة-أقلّه في المدى المنظور، لا يعني أنّ أزمة اليمن ستنتهي قريباً، فالسعودية مُصمّمة على أنّ تكون أيّ تسوية للوضع هناك مبنيّة على توازن قوى غير مائل لخصومها، كما هي الحال راهناً. وبالتالي، المعركة ستستمرّ في الأيّام والأسابيع القليلة المقبلة لإيجاد توزان يسمح بجلوس الرئيس هادي والجهات التي تدعمه، من موقع قوّة على أيّ طاولة مفاوضات مُحتملة، وعندما تكون المعركة مفتوحة فإنّ كل الإحتمالات تبقى مفتوحة أيضاً!
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة