دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يمثل عزمي بشارة مثالاً حيّاًّ عن مفاعيل تطبيق لعبة البلياردو في الاستخبارات والسياسة، تلك اللعبة التي تعتمد على دفع طابة بيضاء لطابات أخرى ملوّنة، لعبة يتقنها من يعرف كيف يصيب الهدف الأصلي بهدف بديل.هكذا إذا أرادت إسرائيل أن تسوّق لشخصية ما حتى تصل إلى أقصى تأثير في عالمنا العربي، فهي لن تختار إسرائيلياً مثل كوهين، ما دام لديها هدف يسهل تحقيقه على يد عربي.
فكيف يمكن لعربي أن يخلص تماماً لمشروع إسرائيلي هدفه تغيير تفكير مئات ملايين العرب؟ هل تملك إسرائيل القدرة؟؟
لا .. لكنها تملك فكرة، وتملك أدوات لتنفيذها، الفكرة هي خلق شخصية عربية جماعية من طنجة الخليج، لا ترى في الإسرائيلي عدواً له الأولوية، وتراه مستقبلاً صديقاً صدوقاً يعتمد عليه.
ليحصل ذلك تحتاج إسرائيل لمن يروج الفكرة، شخص كاريزماتي مثل عبد الناصر، وله شعبية كاسحة تستمع إلى ما يقول وتعمل به، لا عبد الناصر معاصر يقبل بالعمل لصالح إسرائيل؟؟ وأصلا لا عبد الناصر فعلاً في التأثير له وجود؟ إذاً تخلق إسرائيل مجموعة شخصيات قد يصلون إلى المئات، عملهم هو خلق دوائر من التأثير النسبي في محيطهم الشعبي، ويجري العمل على تضخيم تأثيرهم على الرأي العام العربي عامة والفلسطيني خاصة من خلال الإعلام.
أي إعلام يا ترى ؟؟ الإسرائيلي؟ فشل بسبب العداء العربي الفطري لكل إعلام إسرائيل، الإعلام الأميركي يا ترى؟ وتجربة الحرة ماثلة للعيان بفشلها وقلة تأثيرها.. ماذا عن قناة الجزيرة القطرية وقنوات مماثلة؟ ماذا عن ضرب طابة عزمي بشارة من قبل الإسرائيلي؟ فيعادي الصهاينة لفترة عقد ثم يعمل لمصلحتهم لخمسة عقود مقبلة بالتعاون مع أمير قطر وبإشراف أميركي وبتنظيم وترتيب عربي لآخرين يشبهون عزمي بشارة ولهم هدف واحد هو " تغيير تفكير الشعب العربي ليصبح العربي عربياً جديداً لا يرى في الإسرائيلي عدواً بل يرى في أعداء إسرائيل الجديين عدواً حقيقياً لهم." لو افترضنا السيناريو الذي مرّ ذكره هو خيال كاتب ،لا صحة له ولا علاقة له بالواقع، فهل يمكن لنا أن نتساءل:
-١- يحتل عزمي بشارة منصباً كبيراً في قطر فهو "مستشار خاص لأمير الدولة" وهو بالفعل الصديق الشخصي والرجل رقم واحد في حياة أمير قطر الحالي تميم بن حمد، الذي لا يمثل والده حمد أي أهمية في نفس ولده، مقارنة بتأثير عزمي على تميم ذاك.
-٢- وضع تميم بن حمد إمكانيات تساوي المليارات بتصرف مؤسسات يديرها عزمي بشارة، منها مراكز بحوث وصحيفة يعمل فيها مئات الموظفين بشكل يفيض مرات ومرات عن حاجتها الفعلية، ما يعني أن الهدف تجميع أكبر عدد من الصحفيين في مؤسسة قطرية لتصبح أشهر الأقلام العربية رهينة المال القطري.
وكذلك يملك عزمي مالاً يكفي لإدارة وتأسيس فضائية عربية في لندن، وليموّل مواقع بالعشرات في لبنان والعالم العربي، وكل منها بإدارة اسم مشهور ومعروف، وبعضهم يعمل مع عزمي ومع قطر لكن سراً، إذا كانت إمكانيات قطر التي غزت السياسة الفرنسية، وتمكنت من رشوة رئيسين للجمهورية في فرنسا وضعت بتصرف عزمي بشارة، فلماذا تفرّغ هذا المفكر لمحاربة الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصر الله حصراً؟؟ ولماذا لا همّ لديه إلا الترويج لمقولات ثورية، ولإصلاح عربي، ولثورات عربية؟ لكنه لم يقم بعمل جدي واحد يساهم من خلاله مالياً أو بحثياً أو سياسياً أو معرفياً أو إعلامياً في خدمة الشعب الفلسطيني.
إذا كان عزمي بشارة مع المقاومة في فلسطين وضد الديكتاتورية والشمولية والطائفية فلماذا يحارب بسيف قطر المالي والإعلامي أشرس أعداء إسرائيل؟ لماذا لا يعمل عزمي بشارة منذ بدأ الربيع العربي على إنشاء تنسيقيات فلسطينية في داخل فلسطين، لتثور ضد الاحتلال بالنضال السلمي؟ وبالحراك الشعبي وبالتظاهر وبالمشاركة الشعبية المسالمة؟
إذا كان عزمي بشارة مع الكفاح المسلح، فكم سفينة أسلحة أوقف الإسرائيليون وكانت مرسلة من عزمي لتسليح الشعب الفلسطيني بمال قطر وبتمويل من قطر؟
الفلسطيني الجديد عزمي بشارة يعمل بكد وجهد منذ ما يقارب السنوات الخمس, على تعميم حال العداء الشعبي العربي، السني تحديداً، ضد إيران وحزب الله وسورية وخصوصاً ضد الشيعة.
عزمي بشارة ينطق بكلام مفهوم من خلال برنامج فيصل القاسم لأنه من يضع التخطيط الإخباري لبرنامج القاسم وما يجب أن يقال فيه من مصطلحات، ولأن الرجل حافظ على أدبيات معينة في كلامه الشخصي والموقع باسمه إلا أنه في الفعل والواقع يمرر كلامه الحقيقي الذي يعنيه من خلال أسماء أخرى بينها" نغل" مصري إخوانجي يعمل كاتب واجهة لعزمي بشارة في صحيفة العربي الجديد... آخر ما كتبه عزمي باسم وائل قنديل في العربي الجديد يزعم أن "نصرالله اختار الوقوف مع نظام البراميل المتفجرة لا مع الشعب السوري" قبل أن نتساءل عمن قتل أكثر من الشعب السوري: سلاح قطر ومال قطر وإرهابيون مولتهم قطر في النصرة وداعش؟ أم براميل الطائرات السورية؟
وإن كان البرميل العشوائي مداناً، وإن كان قتل المدنيين جريمة، فكم مرة أدان عزمي بشارة داعش والنصرة وأمثالهما حين ذبحوا آلاف السوريين والعراقيين على شاشات مرئية؟؟ لا بل هل يجرؤ عزمي هذا على إدانة أمير قطر بالتساوي مع إدانته للرئيس السوري وللسيد نصرالله؟ لأن الحرب يقتل فيها من الطرفين بغض النظر هنا عن الفئة الباغية التي أشعلت الحرب.
لكن ألا يستحق مقتل عشرات آلاف المؤيدين ما بين عسكري ومدني على يد الإرهابيين، ألا يستحقون إدانة لمن قتلهم ظلماً وعدواناً؟ هل سمع عزمي بمذبحة المسيحيين في حمص؟ هل سمع بمذابح ضد السنة في الحولة التي قتل فيها الإرهابيون المسلحون من قطر والممولون منها عشرات المسلمين السنة؟
هل أدان عزمي بشارة إرهاب القاعدة ضد اللبنانيين والعراقيين وضد السوريين؟
ألا تمول قطر هؤلاء؟ ألا تسلحهم؟ ألم تدفع تكاليف تدريبهم ونقلهم من الشيشان وكازاخستان وأوروبا وتركيا إلى سورية؟
إذاً لدينا فلسطيني "يفكر" ولكنه حين يروج لأفكار عن الثورة يستثني تثوير الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل، وحين يمول صحافيين ليقاتلوا أنظمة بلادهم يستثني الصحافيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ولا يمولهم لينشؤوا مواقع تحارب حتى يثور الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال في أراضي ٤٨...
لدى عزمي بشارة إمكانيات إعلامية ومالية تفوق إمكانيات دولة من حجم مصر، ومع ذلك هو متفرغ بالكامل لمحاربة حزب الله وسورية وإيران، الأطراف الوحيدة التي لا تخجل من الإعلان عن نيتها تسليح الفلسطينيين أينما استطاعت. فهل يجرؤ أمير قطر على أن يرسل خرطوش لصيد العصافير إلى فلسطين, فضلاً عن الأسلحة أو الأموال للمقاومين؟
باعتراف حماس وقادتها العسكريين في الداخل" إيران وحزب الله هما مصدر التمويل الرئيس ومصدر الأسلحة الرئيس ومصدر القدرات التصنيعية الوحيد للسلاح ولرواتب المقاتلين" هل ذكر أياً منهم قطر؟
أبداً.. قطر هي قناة إسرائيل الفضائية الناجحة والذكية، هو إيلي كوهين العرب، لكن فكرة كوهين القطري أوسع واشمل.
هنا دولة تملك المليارات، تعمل برمتها جاسوساً لإسرائيل، وعاملاً منفذاً لمخططات إسرائيل في الإعلام والفكر والسياسة والأمن وعزمي جزء أساسي من هذا المشروع، صغر دوره أم كبر، فهو فلسطيني جديد، وربما هو الفلسطيني الجديد بنسخته الأصلية.
الرجل الذي حمل الجنسية الإسرائيلية لعقود أربعة، والذي انتمى أولاً إلى اليسار الصهيوني، المؤسس للدولة الصهيونية في فلسطين، عرفته جماهيرنا مفكراً وناشطاً سياسياً مسانداً لحزب الله وسورية، وعرفته صديقاً مقرباً من الرئيس السوري، ومن قيادات عروبية مقاومة في كل العالم العربي، سوق الإعلام السوري واللبناني المقاوم لعزمي بشارة بصفته "مفكراً عربياً" وبصفته "مقاوما من داخل الكيان ومن داخل الكنيست" وانتهى به الأمر خير مثال عن الفلسطيني الجديد الذي تحدث كينيث دايتون، عن خلقه على أنقاض الفلسطيني المقاوم.
فمن هو كيث دايتون هذا؟
وما هو الفلسطيني الجديد الذي استوحت منه قطر فكرة تسمية صحيفتها الدولية وقناتها المماثلة "بالعربي الجديد"؟
دايتون ونظرية الفلسطيني الجديد: شرح الكاتب السوري الكبير منير العكش، في كتابه البحثي إلهام "أميركا والإبادة الجماعية" كيف غير الأميركيون عقول ونفوس سكان البلاد الأصليين ،أو من تبقى حياً منهم بعد إبادة أغلبهم، فأخذ البيض في تحويل أطفال الهنود الحمر إلى نسخة في التفكير عن البيض وصار الهندي الجديد عدواً لسكان البلاد الأصليين لأنهم برابرة وموالون للبيض باسم التحضر والتمدن.
الكتاب الذي يعتبر"الوثيقة" ضد الإبادة الجماعية التي مارسها البيض في أميركا ضد أهل البلاد الأصليين, يمثل عرضاً وثائقياً عما فعلته إسرائيل أيضاً في أراضي الثمانية وأربعين. وإلا أين الثورة في فلسطين إذا كان كل العالم العربي قد تأثر بما أسموه ربيعاً؟ أما الفلسطيني الجديد، فمن تحدث أولاً عنه في العلن الفلسطيني هو الجنرال كيث دايتون ،الذي كان في تلك الفترة يتولى رسمياً وظيفة المنسق الأمني بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، وكان يقيم في تل أبيب ملحقاً بالسفارة الأميركية هناك.
عن نظرية دايتون كتب أحد المصريين في العام ٢٠١٠ هذه المراجعة لكتاب البروفيسور منير العكش المذكور اعلاه و الذي نستعيده كون ما فيه عرض لكتاب الدكتور العكش تبنى مضمونه فهمي هويدي في حينه ولكنه لم يلبث ان صار واحدا من العرب الجدد(فهمي هويدي اقصد) كشاهد من أهله على أنصار عزمي بشارة والكاتب هويدي منهم، فماذا قال فهمي هويدي في استعراضه لكتاب البروفيسور العكش "اميركا وثقافة الابادة الجماعية" علما ان فهمي هويدي صديق عزمي بشارة ومضمون وصف الفلسطيني الجديد يشبه تماما الدور الذي يقوم به " عزمي الجديد" ؟
" وظيفة كيث دايتون كانت هي الإشراف على تهيئة الأوضاع في الضفة الغربية، بحيث تتوافق تماماً مع الرغبات والمخططات الإسرائيلية وهى المهمة التي يحتل رأس أولوياتها تهدئة الهواجس الأمنية الإسرائيلية، من خلال خلق جيل من الفلسطينيين نافر من المقاومة ومتصالح مع الإسرائيليين. "
من هذه الزاوية يغدو الفلسطيني الجديد كائناً مسخاً يرى ما يراه الإسرائيلي ويفكر بما هي مصلحة الإسرائيلي، لأن تمام المصلحة الصهيونية يمثل له الأمن والأمان والاستقرار والاستفادة الشخصية والاجتماعية.
كانت مهمة الجنرال دايتون هي العمل على الإسراع بإنتاجه كي يتسلم الزمام ويريح بال الإسرائيليين. والجهد الذي يبذله يتوزع على دوائر ثلاث هي: سلطة الإدارة والأجهزة الأمنية والمواطنون العاديون.
ومن الواضح أن كل التركيز كان موجهاً إلى الدائرتين الأوليين لأن ترويض الفلسطيني العادي مهمة بالغة المشقة وتحتاج إلى وقت طويل.
إلى جانب الإعداد العسكري لأجهزة الأمن الفلسطينية كان دايتون يركز على الإعداد النفسي الذي يستهدف تغيير طريقة تفكير ذلك الجيل الجديد من الجنود ،الذين يعملون تحت قيادة ضباط سبقوهم في التعاون والتنسيق الأمني مع الإسرائيليين، وهذا التنسيق له هدفان أساسيان هما:
- ملاحقة عناصر المقاومة وإجهاض عملياتها.
- والحيلولة دون تصعيد التوتر بين الجماهير الفلسطينية وقوات الاحتلال.
الجندي الفلسطيني "الجديد" أصبح لا يتردد في تنفيذ تعليمات مطاردة أو خطف واغتيال المقاومين والضابط الجديد أصبح على تنسيق يومي مع الإسرائيليين، حتى تباهى الجنرال دايتون بأن التعاون بين الضباط الفلسطينيين ونظرائهم الإسرائيليين حقق نجاحاً كبيراً أثناء العدوان على غزة، لأنه ساعد على تهدئة الأمور في الضفة، لدرجة أن الضباط الفلسطينيين كانوا يطلبون من الإسرائيليين الاختفاء عن الأنظار لساعة أو ساعتين من بعض المواقع، كي تمر المظاهرات دون أن يستفزها وجودهم.
وذكر أن ذلك "التفاهم" حقق نتائج مدهشة في بيت لحم لدرجة أن القائدين الفلسطيني والإسرائيلي تبادلا ثقة أدت إلى رفع حظر التجول في المدينة رغم أنه مطبق في الضفة كلها منذ عام ٢٠٠٢، كما أنها سمحت للفلسطينيين بإدارة نقاط التفتيش الخاصة بهم لوقف عمليات التهريب.
عملية إنتاج الفلسطيني الجديد منزوع العداء لإسرائيل اعتمدت لها الولايات المتحدة ١٦١ مليون دولار، ويديرها الجنرال دايتون حقاً، ولكن بمساعدة فريق أمني من كندا والمملكة المتحدة وتركيا، أما معسكرات تأهيل أولئك الضباط والجنود فتتم في الأردن.
وهذا الفريق الأمني على صلة يومية مع فريق من رجال الشرطة الأوروبيين، الذين يساعدونهم في تنفيذ مخططهم. في ختام محاضرته قال دايتون إن الإسرائيليين مهتمون للغاية بعملية إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية، معتبرين أن نجاح جهود إنتاج الفلسطيني الجديد هو الضمان الحقيقي لاستقرار السلام في المنطقة.
(انتهى الاقتباس عن هويدي) كان هذا كلام دايتون عن الضفة الغربية فماذا فعلت إسرائيل في أراضي الثمانية وأربعين التي خرج منها عزمي بشارة؟ " وكان للإسرائيلي قدرة أكبر ووقت أطول لصناعة عزمي بشارة كما نراه الآن، خادماً للأهداف الإسرائيلية، لا كما رأيناه يوم كان الاحتلال يروج له على طريقة " اضربني يا إسرائيلي ليحبني المقاومون".
المصدر :
خضر عواركة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة