القلم في الحرب ليس ريشة للرسم وليس رحما لولادة ذراري الكلام .. بل هو بنّاء يبني قلاعا .. كل كلمة يشيّدها تنهض مثل القلعة .. وتبقى ولاتزول ..من دخلها هو آمن .. كمن دخل الكعبة .. ومن خرج منها وقع في الحفر ..

 

وكل قلم يكتب دون أن يبني قلاعا انما يحفر حفرا وأوكارا لكلمات تعوي وجمل تنبح ..فادخلوا قلاع الكلام لتكونوا آمنين واهجروا الحفر وسكان الحفر وكلاب الحفر ..

 

هذا زمن نجوب فيه أرضا مليئة بالأوكار والعواء لأن مثقفي العواء لايجيدون بناء القلاع بل حفر الوجار والمغاور والأوكار .. وفي هذا الزمن الصعب لامجال الا لبناء القلاع .. ومن يتهيب بناء القلاع يعش أبدا بين حفر الكلام ليسمع نباح الكلاب التي تحاول نهشه .. كلاب "نوبل" التي تنبح وكلاب التويتر التي تعوي وتنتشر على طرفي البحر الأحمر .. ويسمع عواؤها ونباحها من قناة السويس الى باب المندب ..

 

ليس مايفصل بين باب المندب وقناة السويس انهدام البحر الأحمر الذي يشبه خندقا عظيما يفصل بين الجزيرة العربية وافريقيا .. بل ان هذا الجسد الطويل الممشوق للبحر الاحمر الذي يبلغ عمره ملايين السنين ليس اليوم هو مايفصل بين المضيق والقناة ..

مايفصل بين المضيق والقناة هو زمن عمره خمسون سنة فقط .. هو زمن يفصل بين عبورين .. عبور قناة السويس .. وعبور مضيق باب المندب من قبل نفس الجيش .. القناة تشرفت بالعبور العظيم في حرب أكتوبر 73 الذي حققه الجيش المصري وتحدى بالعبور ارادة الطبيعة وارادة البشر معا .. فيما لم يحظ المضيق يوما الا بعبور القراصنة ..

 

لايقدر عقل أن يتخيل كيف أن جيشا عبر قناة السويس وحقق معجزة عسكرية ضد خط بارليف يفكر في أن يدخل في مغامرة عبور لابطولة فيها ولافروسية ضد خط "الحوثيين" الفقراء .. ليبدل البطولة والأبطال ويقف مع القراصنة ليباهي بفتوحات القراصنة .. شتان مابين البحرين بحر السويس وبحر المندب .. وشتان مابين الجيشين .. جيش عبور السويس وجيش عبور باب المندب .. وشتان مابين خط بارليف الأمس وخط بارليف اليوم !! ..وشتان مابين مسافة السكة بالأمس ومسافة السكة اليوم !!..

 

في العبور الأول كان الخصم اسرائيل والغرب وكان الحليف هو سورية والهدف تحرير ارض مصرية .. وأما عبور اليوم فالخصم فيه فقراء اليمن وبسطاؤه .. والحليف فيه عائلة آل سعود .. وبنيامين نتنياهو .. ومضارب آل نهيان .. والهدف هو حماية أمراء فاسدين وأسرة فاسدة ..

 

وليس الذل في هذا النزوح لخطوط العبور من الشمال الى الجنوب آلاف الكيلومترات بل الذل أن يستعين الاعلام المصري بفتاوى وتحريض ضد الفقراء في اليمن ليجعلهم يهددون أمن العالم وأمن (أمراء النفط) وبحجة حماية سنة النبي من شيعته .. لكن أكثر ذل هو ان يستعين الاعلام المصري والجيش المصري بفتاوى مراهقة مسطحة فيها بلاهة اسمها توكل كرمان التي تهدد الحوثيين وتستأسد عليهم بالجيش المصري الذي عبر السويس يوما وقهر بارليف؟؟ بل وتهدد كرمان السيد حسن نصرالله بالجيش المصري الذي سيضيع اليوم بين نوبل توكل كرمان وبورصة ريم العنزي التي تنقل لنا أخبار بورصة الموت وأسعار الجنود المصريين البخسة كأسعار الأسهم والتي تقول بكل نذالة بأن الجيش المصري جيش من المرتزقة .. وثمنه بخس جدا ..

 

في كلام كرمان تختلط المهانة بالفكاهة .. وفي أسعار الجنود المصريين الذين هم ابناء جيل العبور واحفادهم يمتزج الذل بالقهر والسخرية بالملهاة .. فهل يحتاج جيش العبور العظيم الى مساندة توكل كرمان وريم العنزي وانتحاريي دحام العنزي وتوفيق عكاشة صاحب الشبشب؟؟ هل هذا العبور يجعل مصريا واحدا أو جنديا مصريا يحس بالفخر؟؟ هل يقبل من يعبر خط بارليف أن ينشغل باقتحام خط عبد المالك الحوثي وشعب اليمن البائس الذي ليس لديه من تقنيات بارليف وتعقيداته سوى أكياس الطحين وأجساد الاطفال الفقراء الذين لايشبههم شيء سوى أطفال لبنان وغزة وليبيا والعراق .. نفس القاتل ونفس المجرم ونفس الطائرات ونفس العدو ونفس الحلفاء الذين كانوا ناتو أطلسي علني وناتو عربي سري واسرائيل علنا .. وجامعة عربية سرا وعلنا .. واليوم تتبدل الأدوار الى .. ناتو عربي علني .. وناتو أطلسي سري .. واسرائيل علنا .. وجامعة عربية سرا وعلنا ..

 

الشعب المصري والجيش المصري يتعرضان لضغط نفسي كبير وضغط ديني ومذهبي خطر جدا تقوده السعودية ولكن السعودية لاتعبأ ولاتكترث طالما أنها ستجد أن ذلك سيدفع بالمصريين لتغيير جهة العبور من قناة السويس الى باب المندب نحو الحوثيين .. ومن ثم الى العبور نحو ايران لاحقا .. الا أن الحماقة السعودية لم تعد لها حدود فالمزاج المصري الشعبي ومزاج الجيش المصري ليس بنفس الحماس لتنفيذ العبور والقيادة المصرية تمشي بحذر شديد رغم البيانات الصاخبة .. فالتحالف السعودي مع مصر هو تحالف ليس منطقيا لأنه لايصح فيه الا وصف ارنولد توينبي لولادة دولة اسرائيل بأنه "ضد التاريخ وضد الجغرافيا وضد المنطق .. وسيزول ان عاجلا أو آجلا" .. وهذه بالضبط طبيعة العلاقة والتحالف المصري السعودي .. أي ضد التاريخ وضد الجغرافيا وضد المنطق ..

 

وكثير من المثقفين المصريين فهموا الوضع اليمني وصاروا يجاهرون بالصوت العالي ..بأن هذه الحرب عبثية وجريمة لاتشرف الا القراصنة:

 

https://www.youtube.com/watch?t=616&v=jS9t0inPj8g

 

حتى هذه اللحظة لايبدو السعوديون قادرين على معرفة الورطة التي تورطوا فيها التي لن ينقذهم منها منقذ .. ويريدون ان يجروا الجيش المصري تحديدا لدفع ضريبة التهور دما ..

 

ولكن مايلفت الأنظار هذه الأيام هو أن السعودية صارت تضرب في كل الاتجاهات .. فهي تتحرك في اليمن وهي تتحرك في الشمال السوري وتتحالف مع تركيا وتتحرك في الجنوب السوري متحالفة مع اسرائيل والاردن .. وتبدو وكأنها تتقدم وتنتصر بأذرعها الارهابية في الساحات السورية والعراقية واليمنية .. الا أن هذه أول مرة تخرج فيها المملكة عن الصمت الخبيث الذي التزمته منذ وجودها .. والبعض يعتقد ان ذلك مرده الى ثقة بالنفس بعد سقوط الأعداء واحدا بعد الآخر .. وتفردها في الساحة بعد انهيار القوى التي كانت تخيفها وتردعها أو على الاقل اصابتها بجراح مثخنة .. ولكن المنطق يقول بأن خروج المملكة عن سياسة اللعب خلف الكواليس الى اللعب على المنصة يشير الى أن المملكة تجد انها لم تعد في مأمن وانها بدأت تتحرك خوفا على نفسها من شيء تستشعره وتقارير مخيفة استخباراتية عن شيء ما قادم .. والا فانها بقيت ملتزمة الهدوء وبقيت من سكان الكواليس ..

 

التحركات السعودية متخبطة جدا وتقول بأنها متوترة جدا .. فتحركاتها تضطرها الى صناعة تحالفات غير منطقية أخرى ومتنافرة وتحمل خطورة كبيرة عليها .. فمثلا رغم أن التحالف التركي السعودي يبدو متناغما ظاهريا لكنه لايمكن ان يكون طبيعيا على الاطلاق .. فصحيح أن الدولتين يجمعهما العداء للقومية العربية وللكتلة العربية المهمة الرئيسية الفاعلة بين بغداد ودمشق والقاهرة التي تشكل محرك الشرق العربي .. وهما تلتقيان في التحالف المصيري مع الناتو والغرب ضد اعداء مشتركين في روسيا وايران سورية .. ولكن بينهما حاجز الثقة المتبادل العميق التاريخي لأن العثمانية أرادت دوما الحاق الشرق كله وكل مكوناته باستانبول فيما لاتجد الوهابية السعودية نفسها في مزاج الذوبان مع العثمانية التي ان انتصرت صارت زعيمة العالم الاسلامي السني متكئة على تاريخها العثماني الذي يمنحها دوما الحجة القوية أمام اي مشروع اسلامي لتزعمه .. وستنافسها شاءت ام ابت على صناعة القرار الاسلامي اذا ذابت كتلة الثقل بين دمشق وبغداد والقاهرة ..

 

وبالرغم من أن السعودية لم تقصر في محاولة اسقاط الدولة السورية والحاقها بفلكها وزرع ظاهرة الحريرية السياسية عبر طائف سوري استماتت من أجله الا أن هذا الهيجان والسعار السياسي والميداني يطرح اسئلة قوية لتفسيره .. وفي بعض التفاصيل يبدو ان السعوديين توفرت لهم منذ فترة معلومات يقينية أن ايران قد أنجزت الاتفاق النووي مع الغرب وأن الاعلان عنه صار مسألة وقت .. ولكن ماأثار السعوديين جدا هو أن الصفقة لم تتطرق الى اثمان اقليمية وملحقات للاتفاق في سورية العراق واليمن ..الايرانيون رفضوا ذلك وفق كل المعلومات المتاحة .. ولانعرف ان كان الايرانيون قد نحجوا في عقد اتفاق تاريخي تخلت اميريكا بموجبه عن العائلة السعودية تجلى بقول أوباما بأن مايجب أن يخشاه الحكام الخليجيون هو شعوبهم نفسها .. كتحذير من التطاول على الاتفاق النووي بل قال أحدهم بأن الصفقة قد تكون فيها تطمينات لايران بتفكيك منظومة الأسرة السعودية دون تغيير مصالح وتواجد اميريكا في السعودية مقابل تفكيك المنظومة النووية العسكرية (المحتملة) الايرانية .. فجنت السعودية .. وتريد اطلاق الجنون في كل المنطقة وهدم المعبد ..

مايمكن استنتاجه أن هناك عبورا آخر يتم هذه الأيام .. عبورا نحو مرحلة جديدة ستتغير فيها موازين وتتحرك فيها رمال .. وكل عبور يتلوه نصر ..

 

منذ خمسين عاما عبر المصريون قناة السويس وعبر السوريون خط آلون في الجولان .. وعبرت المنطقة كلها مع الجيشين الى مرحلة جديدة .. واليوم تعبر المنطقة كلها عبر مضيق باب المندب نحو عهد جديد .. العابرون الجدد ليسوا مصريين هذه المرة .. بل هم الحوثيون الثوار .. وفقراء اليمن وشبابه .. وربما تنتهي الاسرة السعودية التي لعبت بالملك والشرق قرنا كاملا وتخرج من ثقب باب المندب .. الثقب الذي عبثت به ولن تقدر على رتقه .. فسبحان من رتق مابين البحر الأحمر والبحر الأبيض في سيناء ليكون التحام الشام ومصر .. وفتق مضيق باب المندب .. لتخرج منه الخبائث ..

 

  • فريق ماسة
  • 2015-04-08
  • 10676
  • من الأرشيف

من عبور السويس الى عبور باب المندب .. ونباح توكل كرمان

القلم في الحرب ليس ريشة للرسم وليس رحما لولادة ذراري الكلام .. بل هو بنّاء يبني قلاعا .. كل كلمة يشيّدها تنهض مثل القلعة .. وتبقى ولاتزول ..من دخلها هو آمن .. كمن دخل الكعبة .. ومن خرج منها وقع في الحفر ..   وكل قلم يكتب دون أن يبني قلاعا انما يحفر حفرا وأوكارا لكلمات تعوي وجمل تنبح ..فادخلوا قلاع الكلام لتكونوا آمنين واهجروا الحفر وسكان الحفر وكلاب الحفر ..   هذا زمن نجوب فيه أرضا مليئة بالأوكار والعواء لأن مثقفي العواء لايجيدون بناء القلاع بل حفر الوجار والمغاور والأوكار .. وفي هذا الزمن الصعب لامجال الا لبناء القلاع .. ومن يتهيب بناء القلاع يعش أبدا بين حفر الكلام ليسمع نباح الكلاب التي تحاول نهشه .. كلاب "نوبل" التي تنبح وكلاب التويتر التي تعوي وتنتشر على طرفي البحر الأحمر .. ويسمع عواؤها ونباحها من قناة السويس الى باب المندب ..   ليس مايفصل بين باب المندب وقناة السويس انهدام البحر الأحمر الذي يشبه خندقا عظيما يفصل بين الجزيرة العربية وافريقيا .. بل ان هذا الجسد الطويل الممشوق للبحر الاحمر الذي يبلغ عمره ملايين السنين ليس اليوم هو مايفصل بين المضيق والقناة .. مايفصل بين المضيق والقناة هو زمن عمره خمسون سنة فقط .. هو زمن يفصل بين عبورين .. عبور قناة السويس .. وعبور مضيق باب المندب من قبل نفس الجيش .. القناة تشرفت بالعبور العظيم في حرب أكتوبر 73 الذي حققه الجيش المصري وتحدى بالعبور ارادة الطبيعة وارادة البشر معا .. فيما لم يحظ المضيق يوما الا بعبور القراصنة ..   لايقدر عقل أن يتخيل كيف أن جيشا عبر قناة السويس وحقق معجزة عسكرية ضد خط بارليف يفكر في أن يدخل في مغامرة عبور لابطولة فيها ولافروسية ضد خط "الحوثيين" الفقراء .. ليبدل البطولة والأبطال ويقف مع القراصنة ليباهي بفتوحات القراصنة .. شتان مابين البحرين بحر السويس وبحر المندب .. وشتان مابين الجيشين .. جيش عبور السويس وجيش عبور باب المندب .. وشتان مابين خط بارليف الأمس وخط بارليف اليوم !! ..وشتان مابين مسافة السكة بالأمس ومسافة السكة اليوم !!..   في العبور الأول كان الخصم اسرائيل والغرب وكان الحليف هو سورية والهدف تحرير ارض مصرية .. وأما عبور اليوم فالخصم فيه فقراء اليمن وبسطاؤه .. والحليف فيه عائلة آل سعود .. وبنيامين نتنياهو .. ومضارب آل نهيان .. والهدف هو حماية أمراء فاسدين وأسرة فاسدة ..   وليس الذل في هذا النزوح لخطوط العبور من الشمال الى الجنوب آلاف الكيلومترات بل الذل أن يستعين الاعلام المصري بفتاوى وتحريض ضد الفقراء في اليمن ليجعلهم يهددون أمن العالم وأمن (أمراء النفط) وبحجة حماية سنة النبي من شيعته .. لكن أكثر ذل هو ان يستعين الاعلام المصري والجيش المصري بفتاوى مراهقة مسطحة فيها بلاهة اسمها توكل كرمان التي تهدد الحوثيين وتستأسد عليهم بالجيش المصري الذي عبر السويس يوما وقهر بارليف؟؟ بل وتهدد كرمان السيد حسن نصرالله بالجيش المصري الذي سيضيع اليوم بين نوبل توكل كرمان وبورصة ريم العنزي التي تنقل لنا أخبار بورصة الموت وأسعار الجنود المصريين البخسة كأسعار الأسهم والتي تقول بكل نذالة بأن الجيش المصري جيش من المرتزقة .. وثمنه بخس جدا ..   في كلام كرمان تختلط المهانة بالفكاهة .. وفي أسعار الجنود المصريين الذين هم ابناء جيل العبور واحفادهم يمتزج الذل بالقهر والسخرية بالملهاة .. فهل يحتاج جيش العبور العظيم الى مساندة توكل كرمان وريم العنزي وانتحاريي دحام العنزي وتوفيق عكاشة صاحب الشبشب؟؟ هل هذا العبور يجعل مصريا واحدا أو جنديا مصريا يحس بالفخر؟؟ هل يقبل من يعبر خط بارليف أن ينشغل باقتحام خط عبد المالك الحوثي وشعب اليمن البائس الذي ليس لديه من تقنيات بارليف وتعقيداته سوى أكياس الطحين وأجساد الاطفال الفقراء الذين لايشبههم شيء سوى أطفال لبنان وغزة وليبيا والعراق .. نفس القاتل ونفس المجرم ونفس الطائرات ونفس العدو ونفس الحلفاء الذين كانوا ناتو أطلسي علني وناتو عربي سري واسرائيل علنا .. وجامعة عربية سرا وعلنا .. واليوم تتبدل الأدوار الى .. ناتو عربي علني .. وناتو أطلسي سري .. واسرائيل علنا .. وجامعة عربية سرا وعلنا ..   الشعب المصري والجيش المصري يتعرضان لضغط نفسي كبير وضغط ديني ومذهبي خطر جدا تقوده السعودية ولكن السعودية لاتعبأ ولاتكترث طالما أنها ستجد أن ذلك سيدفع بالمصريين لتغيير جهة العبور من قناة السويس الى باب المندب نحو الحوثيين .. ومن ثم الى العبور نحو ايران لاحقا .. الا أن الحماقة السعودية لم تعد لها حدود فالمزاج المصري الشعبي ومزاج الجيش المصري ليس بنفس الحماس لتنفيذ العبور والقيادة المصرية تمشي بحذر شديد رغم البيانات الصاخبة .. فالتحالف السعودي مع مصر هو تحالف ليس منطقيا لأنه لايصح فيه الا وصف ارنولد توينبي لولادة دولة اسرائيل بأنه "ضد التاريخ وضد الجغرافيا وضد المنطق .. وسيزول ان عاجلا أو آجلا" .. وهذه بالضبط طبيعة العلاقة والتحالف المصري السعودي .. أي ضد التاريخ وضد الجغرافيا وضد المنطق ..   وكثير من المثقفين المصريين فهموا الوضع اليمني وصاروا يجاهرون بالصوت العالي ..بأن هذه الحرب عبثية وجريمة لاتشرف الا القراصنة:   https://www.youtube.com/watch?t=616&v=jS9t0inPj8g   حتى هذه اللحظة لايبدو السعوديون قادرين على معرفة الورطة التي تورطوا فيها التي لن ينقذهم منها منقذ .. ويريدون ان يجروا الجيش المصري تحديدا لدفع ضريبة التهور دما ..   ولكن مايلفت الأنظار هذه الأيام هو أن السعودية صارت تضرب في كل الاتجاهات .. فهي تتحرك في اليمن وهي تتحرك في الشمال السوري وتتحالف مع تركيا وتتحرك في الجنوب السوري متحالفة مع اسرائيل والاردن .. وتبدو وكأنها تتقدم وتنتصر بأذرعها الارهابية في الساحات السورية والعراقية واليمنية .. الا أن هذه أول مرة تخرج فيها المملكة عن الصمت الخبيث الذي التزمته منذ وجودها .. والبعض يعتقد ان ذلك مرده الى ثقة بالنفس بعد سقوط الأعداء واحدا بعد الآخر .. وتفردها في الساحة بعد انهيار القوى التي كانت تخيفها وتردعها أو على الاقل اصابتها بجراح مثخنة .. ولكن المنطق يقول بأن خروج المملكة عن سياسة اللعب خلف الكواليس الى اللعب على المنصة يشير الى أن المملكة تجد انها لم تعد في مأمن وانها بدأت تتحرك خوفا على نفسها من شيء تستشعره وتقارير مخيفة استخباراتية عن شيء ما قادم .. والا فانها بقيت ملتزمة الهدوء وبقيت من سكان الكواليس ..   التحركات السعودية متخبطة جدا وتقول بأنها متوترة جدا .. فتحركاتها تضطرها الى صناعة تحالفات غير منطقية أخرى ومتنافرة وتحمل خطورة كبيرة عليها .. فمثلا رغم أن التحالف التركي السعودي يبدو متناغما ظاهريا لكنه لايمكن ان يكون طبيعيا على الاطلاق .. فصحيح أن الدولتين يجمعهما العداء للقومية العربية وللكتلة العربية المهمة الرئيسية الفاعلة بين بغداد ودمشق والقاهرة التي تشكل محرك الشرق العربي .. وهما تلتقيان في التحالف المصيري مع الناتو والغرب ضد اعداء مشتركين في روسيا وايران سورية .. ولكن بينهما حاجز الثقة المتبادل العميق التاريخي لأن العثمانية أرادت دوما الحاق الشرق كله وكل مكوناته باستانبول فيما لاتجد الوهابية السعودية نفسها في مزاج الذوبان مع العثمانية التي ان انتصرت صارت زعيمة العالم الاسلامي السني متكئة على تاريخها العثماني الذي يمنحها دوما الحجة القوية أمام اي مشروع اسلامي لتزعمه .. وستنافسها شاءت ام ابت على صناعة القرار الاسلامي اذا ذابت كتلة الثقل بين دمشق وبغداد والقاهرة ..   وبالرغم من أن السعودية لم تقصر في محاولة اسقاط الدولة السورية والحاقها بفلكها وزرع ظاهرة الحريرية السياسية عبر طائف سوري استماتت من أجله الا أن هذا الهيجان والسعار السياسي والميداني يطرح اسئلة قوية لتفسيره .. وفي بعض التفاصيل يبدو ان السعوديين توفرت لهم منذ فترة معلومات يقينية أن ايران قد أنجزت الاتفاق النووي مع الغرب وأن الاعلان عنه صار مسألة وقت .. ولكن ماأثار السعوديين جدا هو أن الصفقة لم تتطرق الى اثمان اقليمية وملحقات للاتفاق في سورية العراق واليمن ..الايرانيون رفضوا ذلك وفق كل المعلومات المتاحة .. ولانعرف ان كان الايرانيون قد نحجوا في عقد اتفاق تاريخي تخلت اميريكا بموجبه عن العائلة السعودية تجلى بقول أوباما بأن مايجب أن يخشاه الحكام الخليجيون هو شعوبهم نفسها .. كتحذير من التطاول على الاتفاق النووي بل قال أحدهم بأن الصفقة قد تكون فيها تطمينات لايران بتفكيك منظومة الأسرة السعودية دون تغيير مصالح وتواجد اميريكا في السعودية مقابل تفكيك المنظومة النووية العسكرية (المحتملة) الايرانية .. فجنت السعودية .. وتريد اطلاق الجنون في كل المنطقة وهدم المعبد .. مايمكن استنتاجه أن هناك عبورا آخر يتم هذه الأيام .. عبورا نحو مرحلة جديدة ستتغير فيها موازين وتتحرك فيها رمال .. وكل عبور يتلوه نصر ..   منذ خمسين عاما عبر المصريون قناة السويس وعبر السوريون خط آلون في الجولان .. وعبرت المنطقة كلها مع الجيشين الى مرحلة جديدة .. واليوم تعبر المنطقة كلها عبر مضيق باب المندب نحو عهد جديد .. العابرون الجدد ليسوا مصريين هذه المرة .. بل هم الحوثيون الثوار .. وفقراء اليمن وشبابه .. وربما تنتهي الاسرة السعودية التي لعبت بالملك والشرق قرنا كاملا وتخرج من ثقب باب المندب .. الثقب الذي عبثت به ولن تقدر على رتقه .. فسبحان من رتق مابين البحر الأحمر والبحر الأبيض في سيناء ليكون التحام الشام ومصر .. وفتق مضيق باب المندب .. لتخرج منه الخبائث ..  

المصدر : نارام سرجون


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة