تعتبر السعودية و«إسرائيل» من أكثر المعترضين على توقيع الاتفاق النووي الأميركي ـ الإيراني، ولكلّ منهما أسبابها في الاعتراض،وقد سلكت السعودية كلّ الطرق والدروب ومارست كلّ أشكال الضغط في سبيل منع هذا الاتفاق، وحاولت رشوة الروس بمليارات الدولارات وبمشاريع اقتصادية ضخمة، كما كانت تحرّض فرنسا وتدفع لها الملايين من أجل أن تتصلب في المحادثات الدولية 5+1 . ولجأت المملكة إلى الحرد في المؤسسات الدولية، حين تخلت عن مقعدها غير الدائم في هيئة الأمم المتحدة العام الماضي، كما اعتذرت عن إلقاء كلمتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما اكتشفت أنّ أميركا بدأت محادثات مع إيران حول برنامجها النووي من دون علمها بوساطة عمانية.

 

أمّا «إسرائيل»، فقد كانت تملأ الدنيا صراخاً وعويلاً وتهديداً بأنها ستقوم، منفردة، بمهاجمة «إيران» لتدمير منشآتها النووية، وقامت بعدة عمليات تخريب في منشآت إيران النووية واغتالت عدداً من العلماء الإيرانيين في هذا المجال، وذهبت في إطار حملتها إلى ما هو أبعد من ذلك في تحدي الإدارة الأميركية، فقد ذهب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو قبيل فوزه في الانتخابات الأخيرة إلى واشنطن للتحريض ضدّ الاتفاق، فالقى خطابه في «الكونغرس» الأميركي رغماً عن إرادة الرئيس أوباما وحكومته الرافضة لهذا الخطاب.

 

يشكل الاعتراض على إبرام واشنطن اتفاقاً مع إيران في شأن البرنامج النووي، نقطة التقاء بين السعودية و«إسرائيل»، وقد كشفت الصحافة «الإسرائيلية» وقائع لقاء رئيس الموساد، تامير باردو ورئيس الاستخبارات العسكرية السعودية خالد الحميدان في الرياض في كانون الأول من العام الماضي، مشيرة إلى أنّ هدف اللقاء كان مناقشة تبعات توقيع الاتفاق، وكيفية تلافي الأخطار الناجمة عنه وماهية الخطوات الاستباقية الواجب اتخاذها والتعاون في شأنها، للحؤول دون وقوع النتائج الأشدّ خطراً، على مفهوم الأمن القومي لكلّ من تل أبيب والرياض.

 

تدرك أميركا تدرك جيداً أنّ السعودية و«إسرائيل» تشوشان وتحرضان، في شكل أساسي، على المحادثات الأميركية الإيرانية والتي دخلت مرحلة حاسمة في لوزان، بحيث بات التوقيع على الاتفاق بين الطرفين قريباً جداً. وقد منحت الأحداث الأخيرة في اليمن الأميركيين فرصة لتسويق هذا الاتفاق وتجاوز الاعتراضات السعودية ـ «الإسرائيلية» عليه، حيث أنّ ضجيج وصخب التدخل السعودي في اليمن، سيطغى على توقيع الاتفاق مع ايران، لذلك أعطت واشنطن الضوء الأخضر للسعودية لشنّ عملية عسكرية ضدّ الحوثيين، تحت غطاء مبرّرات ومسوغات الاستجابة لنداء الرئيس الهارب عبد ربه منصور هادي، ومنع سيطرة الحوثيين على البلاد، وهي مسوغات غير مقنعة، فالمعلومات المتوفرة تشير إلى أنّ قرار شنّ «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن، كان سابقاً لزحف الحوثيين على عدن، وفي هذا الإطار، قال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير إنّ هذه العملية هي نتاج محادثات سعودية أميركية ممتدة لشهور سابقة، وهذا ما اتضح من خلال الإعلان عن « عاصفة الحزم» السعودية من واشنطن.

 

شنت السعودية هذه الحرب العدوانية من أجل المحافظة على دورها الإقليمي، ومن أجل أن تبقى متحكمة في اليمن قراراً وسياسة وسلطة، كما هو الحال في لبنان وأكثر من بلد عربي وإسلامي، ومن أجل منع قيام حكومة أو سلطة في اليمن معادية للسعودية، تهدّد أمنها واستقرارها وتسيطر على الممرّات البحرية الناقلة لنفطها وبترولها باب المندب ، وكذلك حتى لا تكون إيران على حدودها، على اعتبار أنّ الحوثيين حلفاء طهران، لذلك تمثلت جائزة الترضية الأميركية للسعودية، بإعطائها الضوء الأخضر لشنّ هذا العدوان على اليمن، لكي تحفظ السعودية دورها الإقليمي ونفوذها في اليمن.

 

إذاً تخشى السعودية خسارة دورها الإقليمي أكثر من خشيتها امتلاك ايران للقنبلة النووية، فهي تعرف جيداً أنّ هذه القنبلة هي فقط من أجل خلق توازن رعب وحماية مصالح إيران ودورها ونفوذها في المنطقة، وليس من أجل استخدامها، وهي بفعل البترودولار قادرة، وبموافقة أميركية على شراء قنبلة نووية جاهزة من حليفتها باكستان.

 

إنّ تذرع السعودية بأنّ هدف «عاصفة الحزم» هو منع التمدّد الفارسي الشيعي، ليس صحيحاً، فقد تحالفت مع الشاه الإيراني السابق محمد رضا بهلوي وكان أوثق حلفائها، كذلك تحالفت مع الإمام يحيى الشيعي ضدّ عبدالله السلال السني في حرب اليمن في الستينات.

 

أما بالنسبة إلى «إسرائيل»، فهي تخشى، إلى حدّ الهوس، امتلاك أي دولة في المنطقة سلاحاً نووياً، يهدّد دورها ونفوذها، أو يشكل خطراً وجودياً عليها. لذلك فهي تعتبر أنّ منع امتلاك إيران لهذا السلاح ضمانة لاستمرار تفردها وهيمنتها وسيطرتها على المنطقة، ولكي تهضم الاتفاق الإيراني مع أميركا والغرب فهي في حاجة إلى جائزة ترضية أميركية، جائزة ستدفع من الحقوق الوطنية الفلسطينية، حيث ستغضّ واشنطن الطرف عن مواصلة «إسرائيل» توسعها الاستيطاني في الضفة الغربية وتهويدها للقدس، مع بقاء المفاوضات دائرة لعشر سنوات مقبلة أخرى، وما بين تقديم مبادرة أميركية وأخرى أوروبية، تكون «إسرائيل» قد أجهزت ليس على القدس وحسب، بل الضفة الغربية أيضاً، وقضت على آمال الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، عاصمتها القدس

 

 

  • فريق ماسة
  • 2015-04-03
  • 11230
  • من الأرشيف

جوائز ترضية أميركية للسعودية و«إسرائيل» ...مقابل النووي الإيراني

تعتبر السعودية و«إسرائيل» من أكثر المعترضين على توقيع الاتفاق النووي الأميركي ـ الإيراني، ولكلّ منهما أسبابها في الاعتراض،وقد سلكت السعودية كلّ الطرق والدروب ومارست كلّ أشكال الضغط في سبيل منع هذا الاتفاق، وحاولت رشوة الروس بمليارات الدولارات وبمشاريع اقتصادية ضخمة، كما كانت تحرّض فرنسا وتدفع لها الملايين من أجل أن تتصلب في المحادثات الدولية 5+1 . ولجأت المملكة إلى الحرد في المؤسسات الدولية، حين تخلت عن مقعدها غير الدائم في هيئة الأمم المتحدة العام الماضي، كما اعتذرت عن إلقاء كلمتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما اكتشفت أنّ أميركا بدأت محادثات مع إيران حول برنامجها النووي من دون علمها بوساطة عمانية.   أمّا «إسرائيل»، فقد كانت تملأ الدنيا صراخاً وعويلاً وتهديداً بأنها ستقوم، منفردة، بمهاجمة «إيران» لتدمير منشآتها النووية، وقامت بعدة عمليات تخريب في منشآت إيران النووية واغتالت عدداً من العلماء الإيرانيين في هذا المجال، وذهبت في إطار حملتها إلى ما هو أبعد من ذلك في تحدي الإدارة الأميركية، فقد ذهب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو قبيل فوزه في الانتخابات الأخيرة إلى واشنطن للتحريض ضدّ الاتفاق، فالقى خطابه في «الكونغرس» الأميركي رغماً عن إرادة الرئيس أوباما وحكومته الرافضة لهذا الخطاب.   يشكل الاعتراض على إبرام واشنطن اتفاقاً مع إيران في شأن البرنامج النووي، نقطة التقاء بين السعودية و«إسرائيل»، وقد كشفت الصحافة «الإسرائيلية» وقائع لقاء رئيس الموساد، تامير باردو ورئيس الاستخبارات العسكرية السعودية خالد الحميدان في الرياض في كانون الأول من العام الماضي، مشيرة إلى أنّ هدف اللقاء كان مناقشة تبعات توقيع الاتفاق، وكيفية تلافي الأخطار الناجمة عنه وماهية الخطوات الاستباقية الواجب اتخاذها والتعاون في شأنها، للحؤول دون وقوع النتائج الأشدّ خطراً، على مفهوم الأمن القومي لكلّ من تل أبيب والرياض.   تدرك أميركا تدرك جيداً أنّ السعودية و«إسرائيل» تشوشان وتحرضان، في شكل أساسي، على المحادثات الأميركية الإيرانية والتي دخلت مرحلة حاسمة في لوزان، بحيث بات التوقيع على الاتفاق بين الطرفين قريباً جداً. وقد منحت الأحداث الأخيرة في اليمن الأميركيين فرصة لتسويق هذا الاتفاق وتجاوز الاعتراضات السعودية ـ «الإسرائيلية» عليه، حيث أنّ ضجيج وصخب التدخل السعودي في اليمن، سيطغى على توقيع الاتفاق مع ايران، لذلك أعطت واشنطن الضوء الأخضر للسعودية لشنّ عملية عسكرية ضدّ الحوثيين، تحت غطاء مبرّرات ومسوغات الاستجابة لنداء الرئيس الهارب عبد ربه منصور هادي، ومنع سيطرة الحوثيين على البلاد، وهي مسوغات غير مقنعة، فالمعلومات المتوفرة تشير إلى أنّ قرار شنّ «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن، كان سابقاً لزحف الحوثيين على عدن، وفي هذا الإطار، قال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير إنّ هذه العملية هي نتاج محادثات سعودية أميركية ممتدة لشهور سابقة، وهذا ما اتضح من خلال الإعلان عن « عاصفة الحزم» السعودية من واشنطن.   شنت السعودية هذه الحرب العدوانية من أجل المحافظة على دورها الإقليمي، ومن أجل أن تبقى متحكمة في اليمن قراراً وسياسة وسلطة، كما هو الحال في لبنان وأكثر من بلد عربي وإسلامي، ومن أجل منع قيام حكومة أو سلطة في اليمن معادية للسعودية، تهدّد أمنها واستقرارها وتسيطر على الممرّات البحرية الناقلة لنفطها وبترولها باب المندب ، وكذلك حتى لا تكون إيران على حدودها، على اعتبار أنّ الحوثيين حلفاء طهران، لذلك تمثلت جائزة الترضية الأميركية للسعودية، بإعطائها الضوء الأخضر لشنّ هذا العدوان على اليمن، لكي تحفظ السعودية دورها الإقليمي ونفوذها في اليمن.   إذاً تخشى السعودية خسارة دورها الإقليمي أكثر من خشيتها امتلاك ايران للقنبلة النووية، فهي تعرف جيداً أنّ هذه القنبلة هي فقط من أجل خلق توازن رعب وحماية مصالح إيران ودورها ونفوذها في المنطقة، وليس من أجل استخدامها، وهي بفعل البترودولار قادرة، وبموافقة أميركية على شراء قنبلة نووية جاهزة من حليفتها باكستان.   إنّ تذرع السعودية بأنّ هدف «عاصفة الحزم» هو منع التمدّد الفارسي الشيعي، ليس صحيحاً، فقد تحالفت مع الشاه الإيراني السابق محمد رضا بهلوي وكان أوثق حلفائها، كذلك تحالفت مع الإمام يحيى الشيعي ضدّ عبدالله السلال السني في حرب اليمن في الستينات.   أما بالنسبة إلى «إسرائيل»، فهي تخشى، إلى حدّ الهوس، امتلاك أي دولة في المنطقة سلاحاً نووياً، يهدّد دورها ونفوذها، أو يشكل خطراً وجودياً عليها. لذلك فهي تعتبر أنّ منع امتلاك إيران لهذا السلاح ضمانة لاستمرار تفردها وهيمنتها وسيطرتها على المنطقة، ولكي تهضم الاتفاق الإيراني مع أميركا والغرب فهي في حاجة إلى جائزة ترضية أميركية، جائزة ستدفع من الحقوق الوطنية الفلسطينية، حيث ستغضّ واشنطن الطرف عن مواصلة «إسرائيل» توسعها الاستيطاني في الضفة الغربية وتهويدها للقدس، مع بقاء المفاوضات دائرة لعشر سنوات مقبلة أخرى، وما بين تقديم مبادرة أميركية وأخرى أوروبية، تكون «إسرائيل» قد أجهزت ليس على القدس وحسب، بل الضفة الغربية أيضاً، وقضت على آمال الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، عاصمتها القدس    

المصدر : راسم عبيدات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة