دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
وجهت سوريا دعوة جديدة إلى حليفها الروسي للتمدد في منطقة الشرق الأوسط، عبر توسيع رصيفها البحري الصغير في مدينة طرطوس، وتحويله إلى قاعدة، وذلك بالتزامن مع قيادة السعودية لتحالف جوي، بغطاء أميركي، ضد حركة «أنصار الله» في اليمن، وإن سبقه بساعات، خصوصا أن دمشق تفاجأت بالسرعة التي حصلت بها التطورات العسكرية في اليمن.
ورحب الرئيس السوري بشار الأسد، في لقاء مع مجموعة من الإعلاميين الروس الجمعة الماضي، «بكل تأكيد، بأي توسع للتواجد الروسي في شرق المتوسط، وتحديداً على الشواطئ وفي المرافئ السورية»، وذلك ردا على سؤال حول حجم رغبة دمشق في رؤية نشاط روسي أكبر في الشرق الأوسط.
ورأى الأسد أن «التواجد الروسي في أماكن مختلفة من العالم، بما فيها شرق البحر الأبيض المتوسط، ومرفأ طرطوس السوري، ضروري جداً، لخلق نوع من التوازن الذي فقده العالم بعد تفكك الاتحاد السوفياتي منذ أكثر من 20 عاماً».
ورحب الرئيس السوري بالتواجد الروسي في بلاده والمنطقة، قائلا: «بالنسبة لنا، كلما تعزز هذا التواجد في منطقتنا، كلما كان أفضل بالنسبة إلى الاستقرار في هذه المنطقة، لأن روسيا تلعب دورا مهماً في استقرار العالم».
وبالرغم من تزامن التصريحات مع العدوان الذي شنته قوات «التحالف» على اليمن، إلا أن الترحيب السوري ليس سوى تكرار لدعوة قديمة تعود إلى عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والذي كان يرى في وجود تمثيل عسكري روسي في سوريا في منطقة المتوسط، يساهم في تعزيز فكرة «توازن الرعب» مع إسرائيل وحليفها الأميركي.
وطرح الجانب السوري صيغا عدة للتعاون، من بينها ما تم الاتفاق عليه في العام 1980 بين البلدين، تحت مسمى «معاهدة الصداقة والتعاون والدفاع المشترك»، وجاء حينها كـ«جبهة ردع» بعد توقيع الرئيس المصري السابق أنور السادات اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل.
وعادت الفكرة مجدداً للأذهان مع الغزو الأميركي للعراق، حين بدت الشهوة الأميركية لتغيير وجه الشرق الأوسط منفلتة من أية اعتبارات عقلانية. وزار الأسد موسكو مرات عدة، ورغم أن هذا الأمر لم يتم طرحه علناً، إلا أن ديبلوماسيين ومسؤولين سوريين أكدوا، لـ«السفير»، أن سوريا أبدت رغبتها في توسيع التواجد الروسي في منطقة شرق المتوسط، وتحديدا عبر طرطوس، بحيث يتحول إلى تواجد عسكري محدود المعايير.
وسرت أخبار بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006 بأن الروس طرحوا أفكاراً لنشر منظومات صواريخ على سواحل المتوسط كنوع من «الردع الرمزي»، ثم تكررت الأقاويل حين أعلن عن مشروع «الدرع الصاروخي» لحلف شمال الأطلسي الذي كان مقررا نشره في دول مختلفة، بينها تركيا ودول أخرى محاذية لروسيا، فطرح ديبلوماسيون روس فكرة للعلن حينها عن نشر بطاريات صواريخ «أس 300» في شمال سوريا.
إلا أن الفكرة لم تتعد الضغط الإعلامي على خصوم روسيا في الميدان الدولي. ولم تُبدِ موسكو رغبة، كما لم تقدم رفضاً نهائياً للفكرة، علما أن رصيد موسكو المتبقي من أيام الاتحاد السوفياتي لا يتعدى هذا الرصيف البحري الصغير في طرطوس، بعد أن أخلت مواقعها البعيدة في كام ران في فيتنام، وفي جزيرة سقطرى في اليمن بعد العام 1991.
ولا يتفق الجانبان على التسمية حتى، علما أن القاعدة لا تتضمن قوة عسكرية ومعدات لوجستية، وتقتصر في نشاطها على عمليات الصيانة الفنية لسفن الأسطول الروسي خلال عبوره المتوسط كل أشهر عدة، في زيارات، بينها ما هو روتيني وما هو زيارات عمل. ورغم أن تاريخ بنائها يعود إلى العام 1971، فإنها لم تخضع سوى لعمليات تجديد حتى العام 2009، فاستبدلت «قطع صدئة، وتم رفع وتبديل 16 مرساة (تزن كل واحدة 50 طناً)، ومدت خطوط أنابيب للمياه العذبة، وغيرها من أعمال الصيانة والتحديث» وفق ما ذكرت وسائل إعلام روسية حينها.
إلا أن الحديث توقف، حتى العامين الأخيرين، حينما بانت الحاجة الفعلية لتعزيز الوجود الروسي في المتوسط في ظل استيقاظ الحرب الباردة. وفي آذار العام 2013 اكتشفت قوى الأمن السورية بالصدفة البحتة، أجهزة رصد وتجسس إسرائيلية متطورة للغاية على إحدى الجزر الصخرية المهجورة، على مسافة لا تبعد سوى مئات الأمتار عن شاطئ طرطوس، وكيلومترات معدودة عن الرصيف البحري الروسي.
وتزامن هذا الأمر مع قيام الجانبين نهاية العام ذاته بتوقيع صفقة هي الأكبر من نوعها بينهما، للتنقيب عن النفط في مياه الساحل السوري، بمساحة تغطي 2190 كيلومتراً مربعاً، وبطموحات اقتصادية، لاستخراج 2.5 مليار برميل نفط ونحو 8.5 تريليون قدم مكعب من احتياطات الغاز المثبتة، وفقا لما نشرته مجلة «اويل اند غاز» حينها.
ويمكن فهم الحاجة لحماية استثمار من هذا النوع، في حال ثبتت تقديراته، دون إهمال أهمية القضايا الأخرى، السياسية والعسكرية. لكن، تبقى هذه الآمال متوقفة على قرار موسكو السياسي، ورغبتها في التوسع والتشدد في حربها مع واشنطن.
ومنذ يومين أكد مسؤول عسكري روسي أن هذا الموضوع يحتاج إلى قرار من القيادة العليا. ونقلت مواقع روسية عن مصدر في هيئة الأركان العامة للقوات البحرية الروسية قوله إن «أي قرار لتحديث البنية التحتية لمركز الإمداد المادي والتقني الروسي في طرطوس لا يمكن أن يتم إلا بعد اتخاذ قرار سياسي بهذا الخصوص يجري بالتنسيق مع الجانب السوري»، موضحاً أن أي تحديث يجب أن يجري «بمراعاة الموقف السياسي والعسكري في منطقة البحر المتوسط»، وبالتالي «سيشمل تعزيز جميع أنواع حماية المشروع بما في ذلك الدفاع المضاد للجو وضد المخربين، وسيجري بالتنسيق مع الجانب السوري».
المصدر :
السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة