جددت سيطرة "جبهة النصرة" وحلفائها على مركز مدينة إدلب، المخاوف من أن يكون الشمال السوري على موعد مع سيناريو مشابه لما حدث في مدينة الرقة في آذار قبل عامين، حيث أدت سيطرة الفصائل المسلحة عليها، تحت شعار الثورة، إلى تسليمها لاحقاً إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"- "داعش"، الذي أقام فيها أول معقل له، وذلك قبل إعلانه "الخلافة" بعدة أشهر فقط.

ويأتي سقوط مدينة إدلب في أيدي فصائل، ينتهج غالبيتها النهج "القاعدي"، كي يعزز التكهنات بأن "جبهة النصرة"، أقوى هذه الفصائل، تسير بخطى ثابتة نحو تأسيس كيان خاص بها يوازي كيان "داعش" في المنطقة الشرقية. غير أن بعض الظروف والضغوط ستضطر "النصرة" إلى أن تفعل ذلك بأسلوب مختلف، من حيث عدم الإعلان عنه أو محاولة إشراك الفصائل الأخرى فيه.

ويمكن القول إن السيطرة على مدينة إدلب، التي باتت ثاني مركز محافظة يخرج عن سيطرة الحكومة السورية، جاءت تتويجاً لعدة خطوات اتخذتها "جبهة النصرة" منذ هزيمتها في دير الزور على يد "الدولة الإسلامية"، وهروب قياداتها ومقاتليها من هناك، ليتخذوا من بعض قرى ريف إدلب منطلقاً لهم في تنفيذ مخطط "الإمارة" الذي تحدث عنه زعيمهم أبو محمد الجولاني في رمضان الماضي في تسجيل مسرب لم يكن معداً للنشر.

وسعت "جبهة النصرة"، فور تمركزها في ريف إدلب، للتخلص من بعض الفصائل القوية، بغية تعزيز نفوذها في المنطقة، فبدأت بـ "جبهة ثوار سوريا" التي كان يقودها جمال معروف، ثم "حركة حزم". وباتت بعد القضاء عليهما تسيطر فعلياً على غالبية الريف الإدلبي، خاصة بعد اقتحام معسكري وادي الضيف والحامدية اللذين انسحب منهما الجيش السوري في كانون الأول الماضي نتيجة ضغط المعارك.

وبالتوازي مع تقدمها العسكري على الأرض سعت "جبهة النصرة" إلى إقامة مؤسسات خاصة بها، قضائية وإعلامية واجتماعية. وكان تأسيسها ما يسمى "دار القضاء" أبرز مؤشر على نيتها احتكار السلطة في تلك المناطق، لأن إقامته وتوزيع فروعه في البلدات والقرى كان ينطوي على عدم اعتراف بـ "الهيئة الإسلامية" التي كانت الفصائل الأخرى تتخذها ذراعاً قضائية لبسط نفوذها.

وفي تأكيد جزئي لما نشرته "السفير" سابقاً حول نية بعض الفصائل "القاعدية" تجميع نفسها والاتحاد ضمن كيان واحد، أعلن "جيش الفتح"، أمس الأول، وبعد ساعات فقط من سقوط مدينة إدلب أن "جيش الفتح ليس مجرد غرفة عمليات لقيادة المعركة، وإنما هو جيش متكامل له قيادته وعناصره"، مؤكداً أنه "سيواصل فتوحاته قريباً". مع العلم أن "جيش الفتح" تشكل منذ حوالي عشرة أيام تحضيراً لمعركة إدلب، وضم كلاً من "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" و "جند الأقصى" و "جيش السنة" و "فيلق الشام"، وقيل حينها إنه اسم لغرفة العمليات المشتركة التي تقود المعركة. ليأتي إعلانه اللاحق بأنه "جيش، وليس مجرد غرفة عمليات"، ليؤكد أن إدلب إنما سقطت في أيدي "القاعدة" وفصائلها، وأنه لا وجود لفصائل من "الجيش الحر". وعلى فرض وجودها فهي تعمل تحت قيادة الفصائل "القاعدية"، كما يؤكد أن سيناريو الرقة بات هو الأكثر احتمالاً.

وكان أبو عبيدة المدني، قائد "جيش المهاجرين والأنصار"، أعلن في شباط الماضي، عن قرب تشكيل تحالف يضم جميع الفصائل ذات التوجه السلفي "الجهادي"، وقد يكون تشكيل "جيش الفتح" خطوة تمهيدية تعقبها خطوات أخرى.

كما جاء مقتل أبو حفص المصري ليؤكد ما ذكرته "السفير" قبل أيام من أن "أحرار الشام" لا تزال برعاية زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري، حيث تشير المعلومات إلى أن أبا حفص، الذي كان أحد أبرز "الأمراء" الشرعيين في "حركة أحرار الشام" هو صديق قديم للظواهري وقاتل في أفغانستان لأكثر من 10 سنين، بل إن بعض قيادات الحركة أشارت إليه باعتباره أحد المؤسسين الـ 15 لتنظيم "القاعدة" في العام 1988، وهو ما يشير إلى الارتباط الوثيق بين "القاعدة" و"أحرار الشام"، خاصة أن المعلومات المتوفرة تؤكد وجود العشرات من أمثال أبي حفص في الكوادر القيادية للحركة.

يذكر أن غالبية "الأمراء الشرعيين" فيها هم من حملة الجنسية المصرية، وقد قتل عدد منهم في معركة إدلب الأخيرة، أبرزهم أبو البراء المصري وأبو عبيدة المصري بالإضافة إلى أبي حفص. واللافت أن أبي حفص المصري، واسمه مختار المكاوي، انضم إلى "حزب الحرية والعدالة"، الجناح السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر وعمل معه لعدة سنوات قبل مجيئه إلى سوريا والانضمام إلى صفوف الحركة التي زكّاها الظواهري نفسه، وهو ما يزيد من الشكوك حول حقيقة العلاقة بين "الإخوان" وتنظيم "القاعدة".

وبالرغم من أن تشكيل "جيش الفتح" يعني أن هذه الفصائل استطاعت تجاوز الخلافات التي نشأت بين "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" إبان التخطيط لاقتحام مطار أبو الضهور العسكري بريف إدلب، حيث رفضت "النصرة" آنذاك مشاركة أي فصيل آخر في هذه العملية التي بقيت خارج إطار التنفيذ حتى الآن، الأمر الذي فهم على أنه محاولة لاحتكار الغنائم والتفرد بالسيطرة وأدى إلى نشوء حساسيات بين الطرفين. إلا أن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال، أن هذه الخلافات قد انتهت فعلياً. إذ تفيد التجارب السابقة أن هذه الفصائل، التي تتقن إقامة التحالفات العسكرية في ما بينها، سرعان ما تقع في فخ الاختلاف على إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتها، وهو ما أدى في أحيان كثيرة إلى صراعات مسلحة بين بعضها البعض.

ومع ذلك، فإن معركة إدلب لم تنته بعد، وما زالت المحافظة مرشحة لمزيد من التصعيد والأعمال العسكرية، خاصة في ظل التهديد الجدي الذي بات يحيق في كل من بلدتي الفوعة وكفريا اللتين أصبحتا محاصرتين بشكل كامل من قبل فصائل "القاعدة"، ويهددهما مصير مماثل لمصير بلدتي نُبّل والزهراء بريف حلب اللتين تعانيان من الحصار منذ ثلاث سنوات.

وفي حال قررت الفصائل اقتحام هاتين البلدتين، فإن إدلب ستكون على موعد مع معارك محتدمة، لأن أهالي هاتين البلدتين سيكونون مضطرين للقتال حتى آخر نقطة دم نظراً لعدم وجود بديل آخر. كما أن الجيش السوري ما زال يسيطر على مدينتي أريحا وجسر الشغور وبعض المعسكرات والحواجز التي تؤمن له إمكانية التحرك ومحاولة استنزاف هذه الفصائل، لا سيما في ظل المعلومات المؤكدة حول وصول تعزيزات جديدة إلى بعض هذه المواقع. كما أن "ألوية الفرقان" أعلنت عن إطلاق معركة جديدة في الريف الجنوبي من جسر الشغور، وهو ما يؤكد أن إدلب ما تزال على خط النار.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-03-29
  • 11962
  • من الأرشيف

إدلب عاصمة "القاعدة" في سورية!

جددت سيطرة "جبهة النصرة" وحلفائها على مركز مدينة إدلب، المخاوف من أن يكون الشمال السوري على موعد مع سيناريو مشابه لما حدث في مدينة الرقة في آذار قبل عامين، حيث أدت سيطرة الفصائل المسلحة عليها، تحت شعار الثورة، إلى تسليمها لاحقاً إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"- "داعش"، الذي أقام فيها أول معقل له، وذلك قبل إعلانه "الخلافة" بعدة أشهر فقط. ويأتي سقوط مدينة إدلب في أيدي فصائل، ينتهج غالبيتها النهج "القاعدي"، كي يعزز التكهنات بأن "جبهة النصرة"، أقوى هذه الفصائل، تسير بخطى ثابتة نحو تأسيس كيان خاص بها يوازي كيان "داعش" في المنطقة الشرقية. غير أن بعض الظروف والضغوط ستضطر "النصرة" إلى أن تفعل ذلك بأسلوب مختلف، من حيث عدم الإعلان عنه أو محاولة إشراك الفصائل الأخرى فيه. ويمكن القول إن السيطرة على مدينة إدلب، التي باتت ثاني مركز محافظة يخرج عن سيطرة الحكومة السورية، جاءت تتويجاً لعدة خطوات اتخذتها "جبهة النصرة" منذ هزيمتها في دير الزور على يد "الدولة الإسلامية"، وهروب قياداتها ومقاتليها من هناك، ليتخذوا من بعض قرى ريف إدلب منطلقاً لهم في تنفيذ مخطط "الإمارة" الذي تحدث عنه زعيمهم أبو محمد الجولاني في رمضان الماضي في تسجيل مسرب لم يكن معداً للنشر. وسعت "جبهة النصرة"، فور تمركزها في ريف إدلب، للتخلص من بعض الفصائل القوية، بغية تعزيز نفوذها في المنطقة، فبدأت بـ "جبهة ثوار سوريا" التي كان يقودها جمال معروف، ثم "حركة حزم". وباتت بعد القضاء عليهما تسيطر فعلياً على غالبية الريف الإدلبي، خاصة بعد اقتحام معسكري وادي الضيف والحامدية اللذين انسحب منهما الجيش السوري في كانون الأول الماضي نتيجة ضغط المعارك. وبالتوازي مع تقدمها العسكري على الأرض سعت "جبهة النصرة" إلى إقامة مؤسسات خاصة بها، قضائية وإعلامية واجتماعية. وكان تأسيسها ما يسمى "دار القضاء" أبرز مؤشر على نيتها احتكار السلطة في تلك المناطق، لأن إقامته وتوزيع فروعه في البلدات والقرى كان ينطوي على عدم اعتراف بـ "الهيئة الإسلامية" التي كانت الفصائل الأخرى تتخذها ذراعاً قضائية لبسط نفوذها. وفي تأكيد جزئي لما نشرته "السفير" سابقاً حول نية بعض الفصائل "القاعدية" تجميع نفسها والاتحاد ضمن كيان واحد، أعلن "جيش الفتح"، أمس الأول، وبعد ساعات فقط من سقوط مدينة إدلب أن "جيش الفتح ليس مجرد غرفة عمليات لقيادة المعركة، وإنما هو جيش متكامل له قيادته وعناصره"، مؤكداً أنه "سيواصل فتوحاته قريباً". مع العلم أن "جيش الفتح" تشكل منذ حوالي عشرة أيام تحضيراً لمعركة إدلب، وضم كلاً من "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" و "جند الأقصى" و "جيش السنة" و "فيلق الشام"، وقيل حينها إنه اسم لغرفة العمليات المشتركة التي تقود المعركة. ليأتي إعلانه اللاحق بأنه "جيش، وليس مجرد غرفة عمليات"، ليؤكد أن إدلب إنما سقطت في أيدي "القاعدة" وفصائلها، وأنه لا وجود لفصائل من "الجيش الحر". وعلى فرض وجودها فهي تعمل تحت قيادة الفصائل "القاعدية"، كما يؤكد أن سيناريو الرقة بات هو الأكثر احتمالاً. وكان أبو عبيدة المدني، قائد "جيش المهاجرين والأنصار"، أعلن في شباط الماضي، عن قرب تشكيل تحالف يضم جميع الفصائل ذات التوجه السلفي "الجهادي"، وقد يكون تشكيل "جيش الفتح" خطوة تمهيدية تعقبها خطوات أخرى. كما جاء مقتل أبو حفص المصري ليؤكد ما ذكرته "السفير" قبل أيام من أن "أحرار الشام" لا تزال برعاية زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري، حيث تشير المعلومات إلى أن أبا حفص، الذي كان أحد أبرز "الأمراء" الشرعيين في "حركة أحرار الشام" هو صديق قديم للظواهري وقاتل في أفغانستان لأكثر من 10 سنين، بل إن بعض قيادات الحركة أشارت إليه باعتباره أحد المؤسسين الـ 15 لتنظيم "القاعدة" في العام 1988، وهو ما يشير إلى الارتباط الوثيق بين "القاعدة" و"أحرار الشام"، خاصة أن المعلومات المتوفرة تؤكد وجود العشرات من أمثال أبي حفص في الكوادر القيادية للحركة. يذكر أن غالبية "الأمراء الشرعيين" فيها هم من حملة الجنسية المصرية، وقد قتل عدد منهم في معركة إدلب الأخيرة، أبرزهم أبو البراء المصري وأبو عبيدة المصري بالإضافة إلى أبي حفص. واللافت أن أبي حفص المصري، واسمه مختار المكاوي، انضم إلى "حزب الحرية والعدالة"، الجناح السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر وعمل معه لعدة سنوات قبل مجيئه إلى سوريا والانضمام إلى صفوف الحركة التي زكّاها الظواهري نفسه، وهو ما يزيد من الشكوك حول حقيقة العلاقة بين "الإخوان" وتنظيم "القاعدة". وبالرغم من أن تشكيل "جيش الفتح" يعني أن هذه الفصائل استطاعت تجاوز الخلافات التي نشأت بين "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" إبان التخطيط لاقتحام مطار أبو الضهور العسكري بريف إدلب، حيث رفضت "النصرة" آنذاك مشاركة أي فصيل آخر في هذه العملية التي بقيت خارج إطار التنفيذ حتى الآن، الأمر الذي فهم على أنه محاولة لاحتكار الغنائم والتفرد بالسيطرة وأدى إلى نشوء حساسيات بين الطرفين. إلا أن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال، أن هذه الخلافات قد انتهت فعلياً. إذ تفيد التجارب السابقة أن هذه الفصائل، التي تتقن إقامة التحالفات العسكرية في ما بينها، سرعان ما تقع في فخ الاختلاف على إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتها، وهو ما أدى في أحيان كثيرة إلى صراعات مسلحة بين بعضها البعض. ومع ذلك، فإن معركة إدلب لم تنته بعد، وما زالت المحافظة مرشحة لمزيد من التصعيد والأعمال العسكرية، خاصة في ظل التهديد الجدي الذي بات يحيق في كل من بلدتي الفوعة وكفريا اللتين أصبحتا محاصرتين بشكل كامل من قبل فصائل "القاعدة"، ويهددهما مصير مماثل لمصير بلدتي نُبّل والزهراء بريف حلب اللتين تعانيان من الحصار منذ ثلاث سنوات. وفي حال قررت الفصائل اقتحام هاتين البلدتين، فإن إدلب ستكون على موعد مع معارك محتدمة، لأن أهالي هاتين البلدتين سيكونون مضطرين للقتال حتى آخر نقطة دم نظراً لعدم وجود بديل آخر. كما أن الجيش السوري ما زال يسيطر على مدينتي أريحا وجسر الشغور وبعض المعسكرات والحواجز التي تؤمن له إمكانية التحرك ومحاولة استنزاف هذه الفصائل، لا سيما في ظل المعلومات المؤكدة حول وصول تعزيزات جديدة إلى بعض هذه المواقع. كما أن "ألوية الفرقان" أعلنت عن إطلاق معركة جديدة في الريف الجنوبي من جسر الشغور، وهو ما يؤكد أن إدلب ما تزال على خط النار.  

المصدر : السفير /عبد الله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة