قبل كل شيء, فلتغفر لي قارئي العزيز إن أنا استخدمت و لأول مرّة مفردات لطالما اعتبرت أنها تلوّث الألسن إن هي لامستها بلا حذر,

 

دعه  يرتوي....

 

 و إن استحضرتُ مصطلحاتٍ تقتل خلايا العقول الضعيفة حال احتكاكها بها, تماماً كما يفتك وباء الإيبولا بجلد و لحم الإنسان إن عرف إليه طريقاً..

 

لكنّي أعلم أن من يقرأ هذه الكلمات يتمتع بالمناعة الكافية بالضرورة, لأن أصحاب العقول الضعيفة قد أصيبوا بالعدوى مسبقاً فنحن نعيش في منطقة لم تترك أوبئة الجهل و الطائفية و التعصّب شبراً من جسدها إلا و اجتاحته , و لم ينج منها إلا أصحاب الضمائر و القلوب و العقول المحصنّة..

 

قال أحدهم ساخراً: إن أردت أن يحارب العرب إسرائيل..قل لهم أنها تشيّعت!!

 

في الحقيقة إن أخطر أكذوبة يمكن للإنسان العاقل أن يصدقها هي ما تروّجه محميّات الخليج من أن عداءها لإيران و لحزب الله سببه أنهما ( شيعة )! تماماً كمن يصدق أن عداءهم للـ ( النظام السوري ) سببه تعاطفهم مع ( السنّة في سورية )!! فمن يصدق ذلك يمنحهم في الوقت عينه أصالة الانتماء لمذهب السنّة و الجماعة .. و إن اعتبرهم مخطئين في توجهاتهم!

فالإيرانيون- الشيعة - كانوا " أحباب اللهِ و عبادَهُ الخليجيّون " عندما كان الشاه ( مرضيّاً ) عليه أمريكياً !! و لو نهض السيد خامنئي اليوم و أعلن أنه براء من حلف المقاومة و أنه سيعيد فتح السفارة الصهيونية في طهران لرأيتم حكام الخليج يبايعونه زعيماً للمنطقة على الفور! و لو قرر السيد نصر الله تسليم سلاح المقاومة و التخلّي عن فكرة " تحرير فلسطين " لرأيتم سعود الفيصل و صبيه سعدو يطالبون بتعديل اتفاق الطائف حتى يتسنى لسماحته تولي منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية , و لأموا الصلاة خلفه في كلّ جمعة! و للبس القرضاوي و العريفي و من لفّ لفّهم.. العمامة السوداء!!

لكن على الجانب الآخر من البحر الأحمر, سيجد من يمعن النظر اليوم في محيّا أبي الهول, أنه غاضبٌ ,مكشّرٌ عن أنيابه, متأهبٌ للقفز بعيداً _ فوق فلسطين _ ليصل إلى اليمن و الخليج .. فالرئيس الجديد يؤمن أن " أمن الخليج من أمن مصر" !!

و كأن بلاد كنعان التي يحتلها الصهاينة منذ 67 عاماً تقع في القارة القطبية الجنوبية .. لا أسفل ذقن أبي الهول و بين قدميه!

 

هل باتت إسرائيل كلّها " شبحية " بالكامل حتى اختفت من على شاشات الرادار المصرية؟

 

يبدو أننا لم نستطع إلى اليوم استيعاب حجم الكارثة التي تسببت بها كامب ديفيد ! فهي لم تحطم طوق النار الذي كان يلف عنق إسرائيل فقط, ولم تشق الصف العربي المهلهل أساساً و حسب, بل إني لا أدري أيهما أخطر بالفعل.. معاهدة كامب ديفيد بحد ذاتها؟ أم تلك الأجيال من المصريين التي تعتبرها " انتصاراً" و تنظر إلى ما اقترفه السادات على أنه " دهاء"!

لا أظن اني كنت الوحيد الذي قُرعت صافرات الإنذار لديه لغياب فلسطين التام عن حناجر الثوار المصريين و لافتاتهم في الـ25 من يناير!؟

و الأدهى من ذلك ربما أن نشوء تلك الأجيال ( الكامب ديفيدية ) رافقه ظهور مدرسة سياسية مصرية تنظر إلى السياسة على أنها ( تجارة) و ( سمسرة ) .. من تاجر (السياسة) الأول أنور السادات إلى تاجر الشنطة حسني مبارك , مروراً بتاجر " الدين" مرسي , وصولاً إلى تاجر " البندقية " عبد الفتاح السيسي!

فالأخير قد قرّر على ما يبدو تأجير بندقية الجيش المصري لدشاديش الخليج حتى تستقوي بها على " البعبع " الإيراني مقابل ملء خزينته بما يكفي من الدولارات! و كأننا نتحدث هنا عن مرتزقة " بلاك ووتر" الامريكية.. لا عن جيش يعرف تاريخه العريق العدو قبل الصديق!

و التصريحات التي يطلقها مسؤولوه تشي بأن المنطقة ستدخل مواجهة ضارية طرفاها محميّات الخليج و مصر من جهة و إيران و حلفاؤها من جهة أخرى, مواجهة التقط مؤشراتها الإعلام المصري ليباشر على الفور قصفاً إعلامياً تمهيدياً بهدف شيطنة الدور الإيراني في المنطقة,و طمعاً في مزيد من التمويل السعو-إماراتي له!! و من يتابع الفضائيات المصرية اليوم لن يجد فرقاً كبيراً بينها و بين قنوات كوصال و صفا! بعد أن اكتفت بالتشبه بالـ" الجزيرة " و الـ" العربية" طوال السنوات الماضية فقط إن كان الخبر آتياً من سورية!

لا أدري حقيقة ما هي نوعية كتب التاريخ التي قرأها هؤلاء, أو حتى إن كانوا قد قرأوا أي شيء عن تاريخ منطقتهم!

 

عبد الفتاح السيسي الذي رأى فيه كثيرون ملامح " عبد الناصر " جديد عندما أطاح بصديق شيمون بيريز , لم يعد معنياً بإرضائهم كما توحي توجهاته, فلا هو بصدد تحدّي الإمبريالية على الإطلاق, ولا هو بساع للوحدة مع سورية ( أو حتى يمتلك الجرأة للتقرب منها ) , ولا فرائص مضائق تيران بمرتعدة خوفاً منه! لا بل إن "جِزَم" جنوده التي كانت أشرف من تاج الملك سعود في زمن عبد الناصر باتت مع من ينتعلها اليوم رهن إشارة الملك سلمان و ..." مسافة السكّة" في عهده!

حتى تقرّبه من روسيا بدأنا نلمس انه لم يكن أكثر من " حركات دلع " الغاية منها إثارة غيرة الحبيب الامريكي فتدفعه لإظهار حجم أكبر من الدعم السياسي و العسكري , و "فركة" أذن لبراميل الخليج أن: زيدوا سخاءكم و إلا..!!

التجربة الناصرية الوحيدة التي أراه قريباً من تكرارها هي التدخل في اليمن! مع فارق جوهري و هو أن السيسي يريد اليوم لعب دور مشابه لدور شاه إيران الداعم للوهابية السعودية أثناء حرب اليمن في حين تلعب إيران دوراً مشابهاً لدور مصر عبد الناصر فيها! من كان ليصدّق؟

 

قد يقول البعض أننا نقسو على الرجل بأحكام ربما هي سابقة لأوانها, فهو لا زال يحاول تثبيت اركان حكمه فوق صفيح داخلي ساخن في حين أن الحصافة السياسية تقتضي ألا يستعدي من يمدَّ لهُ يد العون و أن يتّقي شرّ قوى إقليمية و دولية لن تدعه بسلام إن هو أظهر و لو نزراً يسيراً من التعاطف مع ما تمرّ به دمشق!

لهؤلاء, و أخص بالذكر منهم الكتّاب و الإعلاميين السوريين, أذكّرهم بما قال الرئيس الأسد رداً على تصريح جون كيري الأخير: " "مازلنا نستمع لتصريحات وعلينا أن ننتظر الأفعال"! أما السيسي - إذا ما أهملنا ما يقال عن قنوات خلفية مفتوحة بينه و بين دمشق - فلم يجرؤ على الإدلاء و لو بتصريح يدين فيه الإرهاب الذي تتعرض له سورية تحت مسمى ( ثورة ) ! فما هي الأفعال المنتظرة منه؟

لكن أليس هو من أطلق لقب " حكيم العرب" على المومياء السعودي؟

أليس هو من كسر كل الأعراف الديبلوماسية و أهرق كرامتها عندما جلس في حضرة ملك الرمال السابق على متن طائرة الأخير بطريقة كان ليعتبرها سفير أي دولة في العالم إهانة ! فما بالكم بمن يرأس دولة كبيرة ذات ثقل سياسي و ديموغرافي و عسكري كمصر؟

ألم يكن هو حاكم مصر الفعلي عندما أصرّت على المشاركة في مؤتمر ( أعداء سورية ) في باريس الذي ضم ممثلين عن 11 دولة فقط العام الماضي بعد أن كانوا أكثر من 120 دولة في ذات المؤتمر عام 2012 ؟

إن كنتم تعتبرون ما سبق " حصافة سياسة " فلا أدري حقيقة ما هو تعريف " النفاق" برأيكم إذاً!!

 

و لأننا لا نجيد النفاق, و لأننا نؤمن أن مكانة مصر الكبيرة لا يليق بها تحويلها إلى مجرّد تابع أو شركة أمن خاصة, سأقول لك ما لا يجرؤ من هم حولك على تذكيرك به:

التبعية لآل سعود لا تختلف في شيء عن التبعية لآل ثاني يا " سيادة الرئيس"! فالعائلتان تتنافسان بقوة على المركز الأول في الخيانة و دعم الإرهاب و السعي لتحقيق مصالح إسرائيل!

و أمن مصر القومي الذي تراه خلف كثبان الظلام.. حماه رجال الجيش العربي السوري بدمائهم و أرواحهم و دافعوا عنه بدفاعهم عن جناح الأمة الشرقي , ولولاهم لكنت و كان جناح الأمة الغربي الآن في مكان آخر!

أما رمسيس الثاني يا سيادة الرئيس فهو لم يواجه "الحوثيين" كما يوسوس لك قرن الشيطان... بل الحيثيين! و قادش التي دارت فيها معركة الدفاع عن أمن مصر قبل 3200 سنة لا تقع في نجد و لا هي بالقرب من " أبو ظبي" بل هو ذات التل الذي سَحقت قواتُنا المسلحة فوقه قبائلَ الإرهاب الصهيو-وهابي قبل أن تؤمّن بوابة سورية الشرقية في ما يمكن وصفه بمعركة ( قادش الثالثة )!

و الجيش ( السعودي ) يا " فخامة الرئيس" لم يكن هو من اقتحم خط آلون على الجبهة الشرقية في حرب تشرين ( أكتوبر ), و لم يكن ضباطه و أفراده من نزفوا الدماء إلى جانب أشقائهم في الجيش المصري في مواجهة إسرائيل ! بل هو ذات الجيش و ذات الضباط و الأفراد الذين يحاربهم آل سعود اليوم في القنيطرة و الغوطة و درعا و حلب و دير الزور!

 

إن كنت حقاً تريد الدفاع عن أمن مصر القومي يا سيدي , فها هو الجيش العربي السوري يمد لك يده, لكن تذكّر.. أن كل يوم يمر عليك و أنت في أحضان أمراء الجهل و الظلام بألف مما يعدّ أبناءُ بلاد الشام و الرافدين لأن الزمن في شبه الجزيرة العربية توقّف منذ بثّ محمد بن عبدالوهاب فيها أولى سمومه , و أن الاستمرار باللعب على الحبال هو استمرار في السقوط الحر إلى قعر الهاوية.

 

هل تنفع الذكرى يا ترى؟ أم أن الأوان قد فات؟

 

في شهر حزيران من العام الماضي كتبت على صفحتي:

 

"رغم جرعة التفاؤل التي بثها تخلصه من الاخوان المسلمين في عروق من يحلمون بعودة مصر للعب دورها القومي , و رغم الاحتفاء المعلن الذي يبديه الإعلام السوري به منذ سطوع نجمه و حتى انتخابه رئيساً , و بالرغم من أن الكثيرين توسموا فيه صفات ناصر جديد ...إلا أني و لأسباب عديدة أقول و أحذّر:

 

الرئيس عبد الفتاح السيسي هو " صبي " آل سعود الجديد في المنطقة ......حتى يثبت العكس!"

 

و اليوم أخشى ما أخشاه أنه لن يفعل! ... كم أتمنى أن أكون مخطئاً!

 

ختاماً فليسمح لي صاحب المقولة التي ابتدات بها المقال أن أصححها له:

 

" الأعراب" لن يقاتلوا إسرائيل إن تشيّعت.. بل سيتشيّعون معها!

 

  • فريق ماسة
  • 2015-03-24
  • 5211
  • من الأرشيف

أبو الهول في المزاد العلني.. مصر من تاجر الدِّين إلى تاجر البندقية!؟

قبل كل شيء, فلتغفر لي قارئي العزيز إن أنا استخدمت و لأول مرّة مفردات لطالما اعتبرت أنها تلوّث الألسن إن هي لامستها بلا حذر,   دعه  يرتوي....    و إن استحضرتُ مصطلحاتٍ تقتل خلايا العقول الضعيفة حال احتكاكها بها, تماماً كما يفتك وباء الإيبولا بجلد و لحم الإنسان إن عرف إليه طريقاً..   لكنّي أعلم أن من يقرأ هذه الكلمات يتمتع بالمناعة الكافية بالضرورة, لأن أصحاب العقول الضعيفة قد أصيبوا بالعدوى مسبقاً فنحن نعيش في منطقة لم تترك أوبئة الجهل و الطائفية و التعصّب شبراً من جسدها إلا و اجتاحته , و لم ينج منها إلا أصحاب الضمائر و القلوب و العقول المحصنّة..   قال أحدهم ساخراً: إن أردت أن يحارب العرب إسرائيل..قل لهم أنها تشيّعت!!   في الحقيقة إن أخطر أكذوبة يمكن للإنسان العاقل أن يصدقها هي ما تروّجه محميّات الخليج من أن عداءها لإيران و لحزب الله سببه أنهما ( شيعة )! تماماً كمن يصدق أن عداءهم للـ ( النظام السوري ) سببه تعاطفهم مع ( السنّة في سورية )!! فمن يصدق ذلك يمنحهم في الوقت عينه أصالة الانتماء لمذهب السنّة و الجماعة .. و إن اعتبرهم مخطئين في توجهاتهم! فالإيرانيون- الشيعة - كانوا " أحباب اللهِ و عبادَهُ الخليجيّون " عندما كان الشاه ( مرضيّاً ) عليه أمريكياً !! و لو نهض السيد خامنئي اليوم و أعلن أنه براء من حلف المقاومة و أنه سيعيد فتح السفارة الصهيونية في طهران لرأيتم حكام الخليج يبايعونه زعيماً للمنطقة على الفور! و لو قرر السيد نصر الله تسليم سلاح المقاومة و التخلّي عن فكرة " تحرير فلسطين " لرأيتم سعود الفيصل و صبيه سعدو يطالبون بتعديل اتفاق الطائف حتى يتسنى لسماحته تولي منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية , و لأموا الصلاة خلفه في كلّ جمعة! و للبس القرضاوي و العريفي و من لفّ لفّهم.. العمامة السوداء!! لكن على الجانب الآخر من البحر الأحمر, سيجد من يمعن النظر اليوم في محيّا أبي الهول, أنه غاضبٌ ,مكشّرٌ عن أنيابه, متأهبٌ للقفز بعيداً _ فوق فلسطين _ ليصل إلى اليمن و الخليج .. فالرئيس الجديد يؤمن أن " أمن الخليج من أمن مصر" !! و كأن بلاد كنعان التي يحتلها الصهاينة منذ 67 عاماً تقع في القارة القطبية الجنوبية .. لا أسفل ذقن أبي الهول و بين قدميه!   هل باتت إسرائيل كلّها " شبحية " بالكامل حتى اختفت من على شاشات الرادار المصرية؟   يبدو أننا لم نستطع إلى اليوم استيعاب حجم الكارثة التي تسببت بها كامب ديفيد ! فهي لم تحطم طوق النار الذي كان يلف عنق إسرائيل فقط, ولم تشق الصف العربي المهلهل أساساً و حسب, بل إني لا أدري أيهما أخطر بالفعل.. معاهدة كامب ديفيد بحد ذاتها؟ أم تلك الأجيال من المصريين التي تعتبرها " انتصاراً" و تنظر إلى ما اقترفه السادات على أنه " دهاء"! لا أظن اني كنت الوحيد الذي قُرعت صافرات الإنذار لديه لغياب فلسطين التام عن حناجر الثوار المصريين و لافتاتهم في الـ25 من يناير!؟ و الأدهى من ذلك ربما أن نشوء تلك الأجيال ( الكامب ديفيدية ) رافقه ظهور مدرسة سياسية مصرية تنظر إلى السياسة على أنها ( تجارة) و ( سمسرة ) .. من تاجر (السياسة) الأول أنور السادات إلى تاجر الشنطة حسني مبارك , مروراً بتاجر " الدين" مرسي , وصولاً إلى تاجر " البندقية " عبد الفتاح السيسي! فالأخير قد قرّر على ما يبدو تأجير بندقية الجيش المصري لدشاديش الخليج حتى تستقوي بها على " البعبع " الإيراني مقابل ملء خزينته بما يكفي من الدولارات! و كأننا نتحدث هنا عن مرتزقة " بلاك ووتر" الامريكية.. لا عن جيش يعرف تاريخه العريق العدو قبل الصديق! و التصريحات التي يطلقها مسؤولوه تشي بأن المنطقة ستدخل مواجهة ضارية طرفاها محميّات الخليج و مصر من جهة و إيران و حلفاؤها من جهة أخرى, مواجهة التقط مؤشراتها الإعلام المصري ليباشر على الفور قصفاً إعلامياً تمهيدياً بهدف شيطنة الدور الإيراني في المنطقة,و طمعاً في مزيد من التمويل السعو-إماراتي له!! و من يتابع الفضائيات المصرية اليوم لن يجد فرقاً كبيراً بينها و بين قنوات كوصال و صفا! بعد أن اكتفت بالتشبه بالـ" الجزيرة " و الـ" العربية" طوال السنوات الماضية فقط إن كان الخبر آتياً من سورية! لا أدري حقيقة ما هي نوعية كتب التاريخ التي قرأها هؤلاء, أو حتى إن كانوا قد قرأوا أي شيء عن تاريخ منطقتهم!   عبد الفتاح السيسي الذي رأى فيه كثيرون ملامح " عبد الناصر " جديد عندما أطاح بصديق شيمون بيريز , لم يعد معنياً بإرضائهم كما توحي توجهاته, فلا هو بصدد تحدّي الإمبريالية على الإطلاق, ولا هو بساع للوحدة مع سورية ( أو حتى يمتلك الجرأة للتقرب منها ) , ولا فرائص مضائق تيران بمرتعدة خوفاً منه! لا بل إن "جِزَم" جنوده التي كانت أشرف من تاج الملك سعود في زمن عبد الناصر باتت مع من ينتعلها اليوم رهن إشارة الملك سلمان و ..." مسافة السكّة" في عهده! حتى تقرّبه من روسيا بدأنا نلمس انه لم يكن أكثر من " حركات دلع " الغاية منها إثارة غيرة الحبيب الامريكي فتدفعه لإظهار حجم أكبر من الدعم السياسي و العسكري , و "فركة" أذن لبراميل الخليج أن: زيدوا سخاءكم و إلا..!! التجربة الناصرية الوحيدة التي أراه قريباً من تكرارها هي التدخل في اليمن! مع فارق جوهري و هو أن السيسي يريد اليوم لعب دور مشابه لدور شاه إيران الداعم للوهابية السعودية أثناء حرب اليمن في حين تلعب إيران دوراً مشابهاً لدور مصر عبد الناصر فيها! من كان ليصدّق؟   قد يقول البعض أننا نقسو على الرجل بأحكام ربما هي سابقة لأوانها, فهو لا زال يحاول تثبيت اركان حكمه فوق صفيح داخلي ساخن في حين أن الحصافة السياسية تقتضي ألا يستعدي من يمدَّ لهُ يد العون و أن يتّقي شرّ قوى إقليمية و دولية لن تدعه بسلام إن هو أظهر و لو نزراً يسيراً من التعاطف مع ما تمرّ به دمشق! لهؤلاء, و أخص بالذكر منهم الكتّاب و الإعلاميين السوريين, أذكّرهم بما قال الرئيس الأسد رداً على تصريح جون كيري الأخير: " "مازلنا نستمع لتصريحات وعلينا أن ننتظر الأفعال"! أما السيسي - إذا ما أهملنا ما يقال عن قنوات خلفية مفتوحة بينه و بين دمشق - فلم يجرؤ على الإدلاء و لو بتصريح يدين فيه الإرهاب الذي تتعرض له سورية تحت مسمى ( ثورة ) ! فما هي الأفعال المنتظرة منه؟ لكن أليس هو من أطلق لقب " حكيم العرب" على المومياء السعودي؟ أليس هو من كسر كل الأعراف الديبلوماسية و أهرق كرامتها عندما جلس في حضرة ملك الرمال السابق على متن طائرة الأخير بطريقة كان ليعتبرها سفير أي دولة في العالم إهانة ! فما بالكم بمن يرأس دولة كبيرة ذات ثقل سياسي و ديموغرافي و عسكري كمصر؟ ألم يكن هو حاكم مصر الفعلي عندما أصرّت على المشاركة في مؤتمر ( أعداء سورية ) في باريس الذي ضم ممثلين عن 11 دولة فقط العام الماضي بعد أن كانوا أكثر من 120 دولة في ذات المؤتمر عام 2012 ؟ إن كنتم تعتبرون ما سبق " حصافة سياسة " فلا أدري حقيقة ما هو تعريف " النفاق" برأيكم إذاً!!   و لأننا لا نجيد النفاق, و لأننا نؤمن أن مكانة مصر الكبيرة لا يليق بها تحويلها إلى مجرّد تابع أو شركة أمن خاصة, سأقول لك ما لا يجرؤ من هم حولك على تذكيرك به: التبعية لآل سعود لا تختلف في شيء عن التبعية لآل ثاني يا " سيادة الرئيس"! فالعائلتان تتنافسان بقوة على المركز الأول في الخيانة و دعم الإرهاب و السعي لتحقيق مصالح إسرائيل! و أمن مصر القومي الذي تراه خلف كثبان الظلام.. حماه رجال الجيش العربي السوري بدمائهم و أرواحهم و دافعوا عنه بدفاعهم عن جناح الأمة الشرقي , ولولاهم لكنت و كان جناح الأمة الغربي الآن في مكان آخر! أما رمسيس الثاني يا سيادة الرئيس فهو لم يواجه "الحوثيين" كما يوسوس لك قرن الشيطان... بل الحيثيين! و قادش التي دارت فيها معركة الدفاع عن أمن مصر قبل 3200 سنة لا تقع في نجد و لا هي بالقرب من " أبو ظبي" بل هو ذات التل الذي سَحقت قواتُنا المسلحة فوقه قبائلَ الإرهاب الصهيو-وهابي قبل أن تؤمّن بوابة سورية الشرقية في ما يمكن وصفه بمعركة ( قادش الثالثة )! و الجيش ( السعودي ) يا " فخامة الرئيس" لم يكن هو من اقتحم خط آلون على الجبهة الشرقية في حرب تشرين ( أكتوبر ), و لم يكن ضباطه و أفراده من نزفوا الدماء إلى جانب أشقائهم في الجيش المصري في مواجهة إسرائيل ! بل هو ذات الجيش و ذات الضباط و الأفراد الذين يحاربهم آل سعود اليوم في القنيطرة و الغوطة و درعا و حلب و دير الزور!   إن كنت حقاً تريد الدفاع عن أمن مصر القومي يا سيدي , فها هو الجيش العربي السوري يمد لك يده, لكن تذكّر.. أن كل يوم يمر عليك و أنت في أحضان أمراء الجهل و الظلام بألف مما يعدّ أبناءُ بلاد الشام و الرافدين لأن الزمن في شبه الجزيرة العربية توقّف منذ بثّ محمد بن عبدالوهاب فيها أولى سمومه , و أن الاستمرار باللعب على الحبال هو استمرار في السقوط الحر إلى قعر الهاوية.   هل تنفع الذكرى يا ترى؟ أم أن الأوان قد فات؟   في شهر حزيران من العام الماضي كتبت على صفحتي:   "رغم جرعة التفاؤل التي بثها تخلصه من الاخوان المسلمين في عروق من يحلمون بعودة مصر للعب دورها القومي , و رغم الاحتفاء المعلن الذي يبديه الإعلام السوري به منذ سطوع نجمه و حتى انتخابه رئيساً , و بالرغم من أن الكثيرين توسموا فيه صفات ناصر جديد ...إلا أني و لأسباب عديدة أقول و أحذّر:   الرئيس عبد الفتاح السيسي هو " صبي " آل سعود الجديد في المنطقة ......حتى يثبت العكس!"   و اليوم أخشى ما أخشاه أنه لن يفعل! ... كم أتمنى أن أكون مخطئاً!   ختاماً فليسمح لي صاحب المقولة التي ابتدات بها المقال أن أصححها له:   " الأعراب" لن يقاتلوا إسرائيل إن تشيّعت.. بل سيتشيّعون معها!  

المصدر : سن تسو السوري


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة