أكاد أجزم اليوم، بأن العلاقات المصرية الايرانية متجهة الى مزيد من التوتر قريبا رغم كل قنوات الاتصال. وأكاد أجزم أنه في القمة العربية التي تستضيفها " شرم الشيخ" في 28 و 29 الجاري، ستطرح القاهرة معاهدة الدفاع العربي المشترك. وأكاد أجزم أننا سنرى قريبا مستشارين مصريين وربما قوات مصرية عند الحدود السعودية اليمنية. فماذا عن ايران ؟
لاحظوا التالي :
في خطاباته الاولى بعد توليه الرئاسة، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي: ان " امن الخليج من أمن مصر" وانه لو احتاجنا اشقاؤنا فان الوصول اليهم سيكون " مسافة السكة " . طبعا لم يكن الكلام عن فلسطين آنذاك لأنه بعد خطابه بفترة قصيرة دمَّرت اسرائيل غزة وقتلت اطفالها وابرياءها، وكأنها بذلك تحدد للسيسي ان مسافة السكة ليست صوب فلسطين. في حينه كانت العلاقة المصرية مع حماس سيئة الى درجة تمنى فيها مصريون تدمير حماس ، كما تمنى سوريون قبلهم وذلك بتهمة ان حماس متورطة في الشأنين السوري والمصري. حماس تنفي وتقول قدموا دليلا .
أليوم تُصدر وزارة الخارجية المصرية بيانا تقول فيه : ان مصر " لا يمكن أن تقبل أو تسمح بالمساس بالأمن القومي العربي وخاصة أمن الخليج واعتبار أمن منطقة الخليج هو خط أحمر بالنسبة لمصر " ... لماذا مثلا منطقة الخليج فقط وليس سورية او العراق او لبنان او ليبيا او اليمن هما خط أحمر ؟ لو شمل البيان هذه الدول دون تخصيص الخليج لفهمنا أكثر الحرص المصري على كل الدول العربية خصوصا ان الشعوب العربية تحب مصر وتريد لها استعادة دور كبير . فمن المقصود ؟ ايران ؟
سبق هذا التصريح بايام قليلة ، قمة اقتصادية في مصر، حصدت من خلالها القاهرة مساعدات وعقودا بمليارات الدولارت. صحتين على الشعب المصري فهو بحاجة فعلا للعون العربي بدلا من العون الأميركي المُذل. لكن كان لافتا ان هذه المساعدات تدفقت بالرغم من تسريب كلام عن السيسي مسيء لدول الخليج.
سبق التصريح والمساعدات، فتح مصر أبوابها واسعة لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين . لنا أن نتخيل العقول الاميركية التي صفقت في الكونغرس طويلا ووقوفا لمجرم الحرب بنيايمن نتنياهو، كيف حركت آلتها السياسية والاعلامية للضغط على صناع القرار في اميركا وعند حلفائها. كان الهدف هو احتواء مصر كي لا تجنح كثيرا صوب روسيا، لان في جنوحها ما سيساعد محور المقاومة الحليف لروسيا ، بدءا بسورية وصولا الى ايران .
ايران التي تشعر بأنها المعنية أكثر من غيرها بتصريحات " الخط الاحمر " المصرية، سارعت أمس للقول على لسان مساعد وزير الخارجية الايرانية للشؤون العربية والافريقية حسين امير عبد اللهيان " أن مجلس التعاون بإمكانه أن يقدم دعمًا حقيقيًا للحوار الوطني اليمني- اليمني للحد من الاعمال الارهابية " . يبدو ان طهران التقطت تماما الاشارة المصرية . نعم اليمن هو المثير للقلق. لا بد من وقف زحف الحوثيين، وكسر شوكتهم حتى ولو تحول اليمن الى ما نشهده اليوم من بؤر للتفجيرات والارهاب المرشح للتصاعد أكثر بحيث يصبح قريبا للنموذج الصومالي .
لا داعي لذكر كل التصريحات الايرانية والسعودية حول اليمين. نكتفي بأمرين، اولهما حين نقلت دول الخليج سفاراتها الى عدن، فتحت ايران خطا جويا مع صنعاء. وحين شارف الحوثيون على الاستيلاء على الوضع السياسي كاملا بعد وضع الرئيس عبد ربه منصور هادي في الاقامة الجبرية التي فر منها صوب عدن ( على الارجح بغض طرف من الحوثيين ) ، وضعت السعودية شرطا يستهدف ايران قبل غيرها مفاده: لا بد من عقد حوار وطني في السعودية .
مع تفاقم التطورات اليمنية حيث الفقير يقتل الفقير على موائد الآخرين، كانت قوات التحالف الشعبي والجيش العراقي يتقدمان في داعش، والجيش السوري وحليفه حزب الله يتقدمان في سورية، والاتفاق الايراني الغربي يتقدم سريعا نحو انفراج ما. كل هذا مثير لقلق كبير عند خصوم ايران .
لنتذكر ان سيطرة الحوثيين على صنعاء ، تزامن مع سيطرة داعش على الموصل وطرقها على ابواب بغداد. ربما حصل الامر بالصدفة لكن الأكيد اننا كنا في العاصمتين العراقية واليمنية في لحظة ارتفاع حرارة المواجهة الدبلوماسية الايرانية السعودية .

ماذا يعني كل ذلك ؟
يعني ان السعودية تريد مصر الى جانبها في مرحلة تشعر بأن ايران التي سيتعزز دورها كثيرا بعد التوقيع على الاتفاق مع الغرب، او حتى بدون التوقيع عليه، تخطت الخطوط الحمر المقبولة.

من المهم في لحظة مفصلية كهذه، ان يدرس الرئيس السيسي جيدا خطواته، فهو مطوق ايضا ببؤر نار كثيرة، واتضح من الموقف السلبي لمجلس الامن من المشروع المصري للتدخل العسكري في ليبيا، واتضح أيضا من محاولة اعادة تعويم الاخوان المسلمين، ان السيسي نفسه في دائرة الخطر .
لو يلعب السيسي دور الوساطة بين السعودية وايران، ويساهم في تقريب البلدين، فأنه لا شك سيجعل مصر اطفائيا ناجحا جدا لبؤر النار الملتهبة في كل شبر من هذا الوطن العربي، وسيساهم في تخفيف الضغط التركي عن مصر قبل غيرها ، أما الاصطفاف في محور ضد محور، فهو لا شك سيزيد الصراعات في المنطقة .

ماذا سيختار السيسي؟ مسافة السكة صوب المواجهة، او صوب الوساطة ؟

 

  • فريق ماسة
  • 2015-03-21
  • 7358
  • من الأرشيف

مصر ايران، هل صارت المواجهة " مسافة السكة ؟

أكاد أجزم اليوم، بأن العلاقات المصرية الايرانية متجهة الى مزيد من التوتر قريبا رغم كل قنوات الاتصال. وأكاد أجزم أنه في القمة العربية التي تستضيفها " شرم الشيخ" في 28 و 29 الجاري، ستطرح القاهرة معاهدة الدفاع العربي المشترك. وأكاد أجزم أننا سنرى قريبا مستشارين مصريين وربما قوات مصرية عند الحدود السعودية اليمنية. فماذا عن ايران ؟ لاحظوا التالي : • في خطاباته الاولى بعد توليه الرئاسة، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي: ان " امن الخليج من أمن مصر" وانه لو احتاجنا اشقاؤنا فان الوصول اليهم سيكون " مسافة السكة " . طبعا لم يكن الكلام عن فلسطين آنذاك لأنه بعد خطابه بفترة قصيرة دمَّرت اسرائيل غزة وقتلت اطفالها وابرياءها، وكأنها بذلك تحدد للسيسي ان مسافة السكة ليست صوب فلسطين. في حينه كانت العلاقة المصرية مع حماس سيئة الى درجة تمنى فيها مصريون تدمير حماس ، كما تمنى سوريون قبلهم وذلك بتهمة ان حماس متورطة في الشأنين السوري والمصري. حماس تنفي وتقول قدموا دليلا . • أليوم تُصدر وزارة الخارجية المصرية بيانا تقول فيه : ان مصر " لا يمكن أن تقبل أو تسمح بالمساس بالأمن القومي العربي وخاصة أمن الخليج واعتبار أمن منطقة الخليج هو خط أحمر بالنسبة لمصر " ... لماذا مثلا منطقة الخليج فقط وليس سورية او العراق او لبنان او ليبيا او اليمن هما خط أحمر ؟ لو شمل البيان هذه الدول دون تخصيص الخليج لفهمنا أكثر الحرص المصري على كل الدول العربية خصوصا ان الشعوب العربية تحب مصر وتريد لها استعادة دور كبير . فمن المقصود ؟ ايران ؟ • سبق هذا التصريح بايام قليلة ، قمة اقتصادية في مصر، حصدت من خلالها القاهرة مساعدات وعقودا بمليارات الدولارت. صحتين على الشعب المصري فهو بحاجة فعلا للعون العربي بدلا من العون الأميركي المُذل. لكن كان لافتا ان هذه المساعدات تدفقت بالرغم من تسريب كلام عن السيسي مسيء لدول الخليج. • سبق التصريح والمساعدات، فتح مصر أبوابها واسعة لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين . لنا أن نتخيل العقول الاميركية التي صفقت في الكونغرس طويلا ووقوفا لمجرم الحرب بنيايمن نتنياهو، كيف حركت آلتها السياسية والاعلامية للضغط على صناع القرار في اميركا وعند حلفائها. كان الهدف هو احتواء مصر كي لا تجنح كثيرا صوب روسيا، لان في جنوحها ما سيساعد محور المقاومة الحليف لروسيا ، بدءا بسورية وصولا الى ايران . • ايران التي تشعر بأنها المعنية أكثر من غيرها بتصريحات " الخط الاحمر " المصرية، سارعت أمس للقول على لسان مساعد وزير الخارجية الايرانية للشؤون العربية والافريقية حسين امير عبد اللهيان " أن مجلس التعاون بإمكانه أن يقدم دعمًا حقيقيًا للحوار الوطني اليمني- اليمني للحد من الاعمال الارهابية " . يبدو ان طهران التقطت تماما الاشارة المصرية . نعم اليمن هو المثير للقلق. لا بد من وقف زحف الحوثيين، وكسر شوكتهم حتى ولو تحول اليمن الى ما نشهده اليوم من بؤر للتفجيرات والارهاب المرشح للتصاعد أكثر بحيث يصبح قريبا للنموذج الصومالي . • لا داعي لذكر كل التصريحات الايرانية والسعودية حول اليمين. نكتفي بأمرين، اولهما حين نقلت دول الخليج سفاراتها الى عدن، فتحت ايران خطا جويا مع صنعاء. وحين شارف الحوثيون على الاستيلاء على الوضع السياسي كاملا بعد وضع الرئيس عبد ربه منصور هادي في الاقامة الجبرية التي فر منها صوب عدن ( على الارجح بغض طرف من الحوثيين ) ، وضعت السعودية شرطا يستهدف ايران قبل غيرها مفاده: لا بد من عقد حوار وطني في السعودية . • مع تفاقم التطورات اليمنية حيث الفقير يقتل الفقير على موائد الآخرين، كانت قوات التحالف الشعبي والجيش العراقي يتقدمان في داعش، والجيش السوري وحليفه حزب الله يتقدمان في سورية، والاتفاق الايراني الغربي يتقدم سريعا نحو انفراج ما. كل هذا مثير لقلق كبير عند خصوم ايران . • لنتذكر ان سيطرة الحوثيين على صنعاء ، تزامن مع سيطرة داعش على الموصل وطرقها على ابواب بغداد. ربما حصل الامر بالصدفة لكن الأكيد اننا كنا في العاصمتين العراقية واليمنية في لحظة ارتفاع حرارة المواجهة الدبلوماسية الايرانية السعودية . ماذا يعني كل ذلك ؟ يعني ان السعودية تريد مصر الى جانبها في مرحلة تشعر بأن ايران التي سيتعزز دورها كثيرا بعد التوقيع على الاتفاق مع الغرب، او حتى بدون التوقيع عليه، تخطت الخطوط الحمر المقبولة. من المهم في لحظة مفصلية كهذه، ان يدرس الرئيس السيسي جيدا خطواته، فهو مطوق ايضا ببؤر نار كثيرة، واتضح من الموقف السلبي لمجلس الامن من المشروع المصري للتدخل العسكري في ليبيا، واتضح أيضا من محاولة اعادة تعويم الاخوان المسلمين، ان السيسي نفسه في دائرة الخطر . لو يلعب السيسي دور الوساطة بين السعودية وايران، ويساهم في تقريب البلدين، فأنه لا شك سيجعل مصر اطفائيا ناجحا جدا لبؤر النار الملتهبة في كل شبر من هذا الوطن العربي، وسيساهم في تخفيف الضغط التركي عن مصر قبل غيرها ، أما الاصطفاف في محور ضد محور، فهو لا شك سيزيد الصراعات في المنطقة . ماذا سيختار السيسي؟ مسافة السكة صوب المواجهة، او صوب الوساطة ؟  

المصدر : سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة