دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا تزال أصداء تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أدلى به في مقابلة مع قناة "سي. بي. إس نيوز"، في 15 آذار 2015، في مدينة شرم الشيخ، حول "استعداد الولايات المتحدة الأميركية للتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد"، تتفاعل بحيوية في الأروقة الدبلوماسية والسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
اللافت في هذه المعمعة الإعلامية أن ردود الأفعال على كلام كيري "المفاجئ وغير المألوف"، جاءت من الجهات الأميركية الرسمية نفسها، ومن حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة في أوروبا والشرق الأوسط، وكذلك من خصومها ومناهضيها، على حدّ سواء. وتوزعت تلك الردود بين المنتقدة والمستغربة والمستنكرة، وبين المباركة والداعمة، إلا أنها كانت جميعها تواقة، وما زالت، لفكّ شيفرة ولغز تلك اللغة الدبلوماسية التي أخرج الوزير كيري بها مبادرته، علما بأنه لا يتميز بالبراعة والحنكة والمهارة الدبلوماسية، طبقا للمصادر الأميركية نفسها.
وبصرف النظر عن مضمون كلمات كيري،ينبغي القول إنها، مع ما واكبها من توضيحات وتبريرات من قبل ممثلي الإدارة الأميركية ووزارة خارجيتها بالتحديد، تدخل بكل جدارة التاريخ السياسي كنموذج ساطع للدبلوماسية الأميركية "الميكيافيلية"، المتعجرفة، المتسلّطة والمصابة بمرض "التفوق والفرادة" العضال الذي تعاني منه السياسة الأميركية بصورة مزمنة. وبالفعل، نجحت الإدارة الأميركية في إشغال العالم بتصريحاتها المتضاربة، واضعة إياه في حالة استنفار وترقّب بانتظار الخطوات المحتملة من قبل هذه الإدارة إزاء الأزمة السورية. ولهذا السبب انهالت الاستفسارات والتساؤلات على المسؤولين فيها، لكي يوضحون ذلك "اللغز" الذي يظن بعض المراقبين أنه مجرّد "زلة لسان" أو "هفوة كلامية" أو "سوء فهم" لدى الوزير كيري، فيما يعتقد بعضهم الآخر بأن رأس الدبلوماسية الأميركي يمتلك ناصية كلامه ويعي ماذا يقول، وما توضيحات الخارجية الأميركية سوى وضع النقاط على الحروف والكشف عما لم ينطق به كيري بخصوص الرئيس الأسد.
الخارجية الأميركية تتراجع عن تصريحات كيري بشأن التفاوض مع الأسد
باعتقادنا، أن اللغز الرئيسي في حديث كيري يكمن في عدم ذكره للموقف الأميركي المعتاد أن الأسد "فقد شرعيته وعليه أن يرحل… ولا مكان له في العملية السياسية في سوريا". ولو ذكر ذلك كيري في حديثه، لما أثيرت كل تلك الضجة. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا هو، ماذا تريد واشنطن، فعلا، من الرئيس الأسد في المرحلة الراهنة، أي مع دخول الحرب الدموية المدمرة في سوريا عامها الخامس؟ هل هي فقدت الأمل في إلحاق الهزيمة به، ما أرغمها على الموافقة على الجلوس معه إلى طاولة المفاوضات؟ أم أنها مستمرة في مخططاتها للنيل منه والقضاء عليه، من خلال استخدام شتى القوى المعارضة المعتدلة منها والمتشددة بمن فيها تنظيم "داعش" و"النصرة"؟ علما بأن التنظيمين الأخيرين استدرجا بأيديهما النار من كل الجهات، ومنها قوات التحالف الدولي، على أنفسهما. يمكن البحث عن الإجابة على هذا السؤال في مجموعة العوامل المؤثرة في صياغة قرارات الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط في هذا الظرف أو ذاك.
إن أكثر ما يبعث على القلق هو أن الإدارة الأميركية تتعامل مع الأزمة السورية باعتبارها جزءا منها، وليست كونها جهة خارجية يفترض منها أن تساهم في تقريب مواقف الأطراف السورية المتنازعة لإنهاء الصراع وتحقيق التسوية السياسية الكفيلة بضمان استقلال وسيادة ووحدة أراضي الدولة السورية، ومنع التدخل الخارجي في شؤونها، وقطع دابر الإرهاب، وإشاعة الديمقراطية والعدالة والتعددية السياسية في نظام الحكم، طبقا لما يتطلع إليه أصدقاء سوريا الحقيقيون، وفي مقدمتهم روسيا، التي ترعى لديها مفاوضات سياسية بين ممثلي السلطة والمعارضة، دون المشاركة فيها، وذلك بهدف تقريب المواقف والاتفاق على نقاط مشتركة علها تشكل منطلقا لبلوغ التسوية السياسية للأزمة. والأنكى من كل ذلك أن واشنطن تنصّب نفسها بنفسها الحكم في الأزمة، فهي تدعو من تشاء، ومتى تشاء، للتفاوض حول حلّ المشكلة. ولو افترضنا، أن الإدارة الأميركية جادة حاليا في التفاوض من أجل إرساء الحل السياسي في سوريا، فهذا يعني أنها كانت، حتى هذه اللحظة، بحاجة لسقوط 220 ألف قتيل، ونزوح وتهجير الملايين، وتدمير الاقتصاد، حتى تقدم على تلك الخطوة. مالذي كان يمنعها قبل من التدخل الإيجابي ذي النية الحسنة للمساعدة على وضع حد للحرب. لم يحدث ذلك، ولم يكن له أن يحدث لأن هذه الحرب هي حربها، وهي من نفخ في أوارها.
المصدر :
حسن جابر - سبوتنيك
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة