افادت اوساط سياسية بان حديث وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن «اضطرار» واشنطن إلى التفاوض مع الرئيس السوري،

يشكل نقطة انعطاف مهمة في مسار الأزمة السورية، وبطريقة اخرى تحمل ذات المعنى، جاء على لسان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون برينان، الذي قال إن واشنطن وحلفاءها قلقون من تفكك الدولة وسقوطها بيد الجماعات المسلحة المتطرفة. لم يكن هذا التحول متوقعا قبل الثالث والعشرين من أيلول الماضي، يوم بدأ سلاح الجو الأميركي عملياته فوق الأراضي السورية، لكنه منطقي تماما هذا اليوم، لأن واشنطن لم تعد مجرد حليف للمعارضة أو راعياً لمؤتمر جنيف، بل أضحت شريكا مباشرا في الحرب.

وتتابع الاوساط انه ازاء هذا التغيير المفاجىء وربما قد يكون مؤقتاً وفي مثل هذا التوقيت من قبل الولايات المتحدة ازاء سوريا له عدة اسباب جوهرية :

- اولا: فشل الضربات الجوية الاميركية في القضاء على «الدولة الاسلامية» والجماعات الاسلامية المتشددة الاخرى ووقف تمددها، وانهيار فصائل المعارضة السورية «المعتدلة» الممولة من قبل واشنطن في المقابل، وما استسلام حركة «حزم» التي اسستها المخابرات المركزية وسلحتها، امام هجوم جبهة النصرة، في منطقة حلب، وحل نفسها وكوادرها الا اعترافا بالهزيمة، انضم بعضهم اما الى النصرة او الجبهة الشامية او القاء السلاح والذهاب الى مخيمات اللجوء في تركيا, احد الامثلة في هذا المضمار.

- ثانيا: صمود الجيش السوري طوال السنوات الاربع الماضية، واتساع دائرة الحاضنة الشعبية للنظام داخل سورية وخارجها بسبب اليأس من حسم الامر لصالح المعارضة وشعور سوريين كثر بأنهم تعرضوا لخديعة كبرى من قبل اميركا وحلفائها، وانعكاس ذلك في عودة عشرات الآلاف منهم الى بلادهم او انفضاضهم عن المعارضة، او التزام الحياد يأسا من الاثنين.

- ثالثا: الدعم المفتوح والامتناهي لكل من روسيا وايران و«حزب الله» للنظام السوري ماليا وعسكريا وبشريا، وارسال كل من ايران وحزب الله قوات و«مستشارين» للقتال في صفوف النظام ضد المعارضة في وسط سورية وغربها وجنوبها، مما ادى الى منع سقوط النظام، ووقف تقدم معارضيه باتجاه العاصمة وطرق الامداد الرئيسية الى الشمال وساحله خاصة.

- رابعا: توصل واشنطن ودول غربية وعربية اخرى الى قناعة بأن البديل للنظام السوري في حال سقوطه هو الفوضى الدموية، والفراغ السياسي الذي ستملأه حتما الجماعات الاسلامية المتشددة، وجاءت هذه القناعة من خلال مراقبة الاوضاع المتدهورة في ليبيا بعد اطاحة النظام الليبي، وتدمير مؤسساته الامنية والعسكرية والسياسية، والاخطار التي ترتبت على ذلك لعدم وجود البديل القوي الذي يمكن ان يملأ الفراغ، فليبيا شهدت انتخابات حرة ونزيهة مرتين، ولكنها لم تؤد الى قيام حكم رشيد وقوي يسيطر على البلاد ويحقق الاستقرار فيها، والشيء نفسه يقال عن كل من اليمن والعراق، ولعل الاستثناء الوحيد كان تونس، ويعود ذلك الى اسباب ليس هنا مجال شرحها.

- خامسا: اقتراب واشنطن من توقيع اتفاق نووي مع ايران يؤدي الى رفع العقوبات الاقتصادية عنها، والتعاون معها في مواجهة «الدولة الاسلامية»، وربما الاعتراف بها كقوة اقليمية كبرى حليفة في المنطقة، والتحالف مع ايران ورفع الحصار عنها لا يبدو منطقيا في ظل العداء لسورية حليف ايران الاوثق ومواصلة دعم المعارضة لاطاحة نظامها، فاذا امطرت امريكا على ايران فبّشر دمشق وحزب الله بالمطر الغزير.

وتشير الاوساط الى ان الولايات المتحدة أضحت شريكا مباشرا في الصراع، وهي تدعو لمفاوضات مع دمشق بينما ترفض الاعتراف بدور للجماعات التي تعتبرها متطرفة، رغم أنها تقوم بمعظم الجهد العسكري للمعارضة. في الوقت نفسه يشهد العراق نوعا من تفاهم ميداني بين واشنطن وطهران، قد يمثل نموذجا لتفاهم سياسي بين واشنطن وموسكو في سوريا. بعبارة أخرى، فإن الساحة السورية تشهد تحولا جذريا في المواقف، سيؤدي دون شك إلى تحول ارتدادي في صفوف المعارضة، قد يكون تجسيده الأبرز هو ظهور اصطفاف جديد، يضم بشكل رئيسي دعاة التفاوض مع النظام مثل معارضة الداخل وهيئة التنسيق وتيار الشيخ معاذ الخطيب الذي ترأس «الائتلاف الوطني السوري» أواخر 2012.

وتغمز الاوساط بالقول بانه من الآن وصاعدا يمكن اختبار صدق النوايا والاقوال الاميركية تجاه الاوضاع في سوريا ومعرفة هل ان الاميركيين جادون في تغيير مواقفهم ازاء سوريا ام هناك مخططات وأجندات أخرى تدور في رأس اصحاب القرار في البيت الأبيض؟

 

  • فريق ماسة
  • 2015-03-21
  • 4485
  • من الأرشيف

الأسباب الجوهريّة لتغيير موقف أميركا إزاء سورية

افادت اوساط سياسية بان حديث وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن «اضطرار» واشنطن إلى التفاوض مع الرئيس السوري، يشكل نقطة انعطاف مهمة في مسار الأزمة السورية، وبطريقة اخرى تحمل ذات المعنى، جاء على لسان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون برينان، الذي قال إن واشنطن وحلفاءها قلقون من تفكك الدولة وسقوطها بيد الجماعات المسلحة المتطرفة. لم يكن هذا التحول متوقعا قبل الثالث والعشرين من أيلول الماضي، يوم بدأ سلاح الجو الأميركي عملياته فوق الأراضي السورية، لكنه منطقي تماما هذا اليوم، لأن واشنطن لم تعد مجرد حليف للمعارضة أو راعياً لمؤتمر جنيف، بل أضحت شريكا مباشرا في الحرب. وتتابع الاوساط انه ازاء هذا التغيير المفاجىء وربما قد يكون مؤقتاً وفي مثل هذا التوقيت من قبل الولايات المتحدة ازاء سوريا له عدة اسباب جوهرية : - اولا: فشل الضربات الجوية الاميركية في القضاء على «الدولة الاسلامية» والجماعات الاسلامية المتشددة الاخرى ووقف تمددها، وانهيار فصائل المعارضة السورية «المعتدلة» الممولة من قبل واشنطن في المقابل، وما استسلام حركة «حزم» التي اسستها المخابرات المركزية وسلحتها، امام هجوم جبهة النصرة، في منطقة حلب، وحل نفسها وكوادرها الا اعترافا بالهزيمة، انضم بعضهم اما الى النصرة او الجبهة الشامية او القاء السلاح والذهاب الى مخيمات اللجوء في تركيا, احد الامثلة في هذا المضمار. - ثانيا: صمود الجيش السوري طوال السنوات الاربع الماضية، واتساع دائرة الحاضنة الشعبية للنظام داخل سورية وخارجها بسبب اليأس من حسم الامر لصالح المعارضة وشعور سوريين كثر بأنهم تعرضوا لخديعة كبرى من قبل اميركا وحلفائها، وانعكاس ذلك في عودة عشرات الآلاف منهم الى بلادهم او انفضاضهم عن المعارضة، او التزام الحياد يأسا من الاثنين. - ثالثا: الدعم المفتوح والامتناهي لكل من روسيا وايران و«حزب الله» للنظام السوري ماليا وعسكريا وبشريا، وارسال كل من ايران وحزب الله قوات و«مستشارين» للقتال في صفوف النظام ضد المعارضة في وسط سورية وغربها وجنوبها، مما ادى الى منع سقوط النظام، ووقف تقدم معارضيه باتجاه العاصمة وطرق الامداد الرئيسية الى الشمال وساحله خاصة. - رابعا: توصل واشنطن ودول غربية وعربية اخرى الى قناعة بأن البديل للنظام السوري في حال سقوطه هو الفوضى الدموية، والفراغ السياسي الذي ستملأه حتما الجماعات الاسلامية المتشددة، وجاءت هذه القناعة من خلال مراقبة الاوضاع المتدهورة في ليبيا بعد اطاحة النظام الليبي، وتدمير مؤسساته الامنية والعسكرية والسياسية، والاخطار التي ترتبت على ذلك لعدم وجود البديل القوي الذي يمكن ان يملأ الفراغ، فليبيا شهدت انتخابات حرة ونزيهة مرتين، ولكنها لم تؤد الى قيام حكم رشيد وقوي يسيطر على البلاد ويحقق الاستقرار فيها، والشيء نفسه يقال عن كل من اليمن والعراق، ولعل الاستثناء الوحيد كان تونس، ويعود ذلك الى اسباب ليس هنا مجال شرحها. - خامسا: اقتراب واشنطن من توقيع اتفاق نووي مع ايران يؤدي الى رفع العقوبات الاقتصادية عنها، والتعاون معها في مواجهة «الدولة الاسلامية»، وربما الاعتراف بها كقوة اقليمية كبرى حليفة في المنطقة، والتحالف مع ايران ورفع الحصار عنها لا يبدو منطقيا في ظل العداء لسورية حليف ايران الاوثق ومواصلة دعم المعارضة لاطاحة نظامها، فاذا امطرت امريكا على ايران فبّشر دمشق وحزب الله بالمطر الغزير. وتشير الاوساط الى ان الولايات المتحدة أضحت شريكا مباشرا في الصراع، وهي تدعو لمفاوضات مع دمشق بينما ترفض الاعتراف بدور للجماعات التي تعتبرها متطرفة، رغم أنها تقوم بمعظم الجهد العسكري للمعارضة. في الوقت نفسه يشهد العراق نوعا من تفاهم ميداني بين واشنطن وطهران، قد يمثل نموذجا لتفاهم سياسي بين واشنطن وموسكو في سوريا. بعبارة أخرى، فإن الساحة السورية تشهد تحولا جذريا في المواقف، سيؤدي دون شك إلى تحول ارتدادي في صفوف المعارضة، قد يكون تجسيده الأبرز هو ظهور اصطفاف جديد، يضم بشكل رئيسي دعاة التفاوض مع النظام مثل معارضة الداخل وهيئة التنسيق وتيار الشيخ معاذ الخطيب الذي ترأس «الائتلاف الوطني السوري» أواخر 2012. وتغمز الاوساط بالقول بانه من الآن وصاعدا يمكن اختبار صدق النوايا والاقوال الاميركية تجاه الاوضاع في سوريا ومعرفة هل ان الاميركيين جادون في تغيير مواقفهم ازاء سوريا ام هناك مخططات وأجندات أخرى تدور في رأس اصحاب القرار في البيت الأبيض؟  

المصدر : ماري حدشيتي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة