في زمن الفتن، يصعب على المرء أن يكتب عن شخصية سياسية دون أن تنهال عليه الأقلام الدواعشية من الطرف الآخر، فكيف اذا كانت الكتابة عن شخصية خلافية كالسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي. أكاد أرى أمامي الآن وأنا اكتب هذه الزاوية امتعاض اؤلائك المطالبين منذ 4 سنوات بطرده من لبنان. بعض هؤلاء، لا بل قُل معظمهم، كانوا حتى قُبيل الازمة السورية يتقاطرون على هاتفه واستقبالاته ليسجلوا حضورهم وينشدوا الرضى الدمشقي. هل نذكر الاسماء ؟؟؟ هه. تعرفونها.

 أما وقد بقي السفير في لبنان ضد الرياح المحلية والضغوط الاقليمية ، تماما كما استمر الرئيس بشار الأسد ضد عواصف محلية واقليمية وكونية، فللبقاء أسبابه، لعلها جميعا مستندة الى شخصية هذا الدبلوماسي الدمث الأخلاق، المثقف، الشاعر، المنفتح على الحوار حتى مع الخصوم، المبتسم دائما رغم الحرائق، الأنيق اللسان والملبوس والتفكير.

في المحن والأزمات الكبرى، تبرز خصال قد تضمر في الأوقات العادية. من هذه الخصال، وفي مقدمها، أن علي عبد الكريم علي لم يكن يوما صداميا. لم يشتم يوما خصما ولا معارضا. حافظ على صلابة الموقف وعلى الخط السياسي السوري الحالي، لكنه زيَّنه بمرونة قلما عرفتها الدبلوماسية السورية الحديثة.

قدم نموذجا آخر للعمل السياسي. لو كان هذا النموذج حاضرا في العقود الماضية لربما تركت سورية خلفها حين غادر جيشها لبنان حلفاء واصدقاء حقيقيين، لا منتفعين تخلوا عنها عند أول منعطف. من تستطيع شراءه رخيصا سيبيعك بأرخص لمن يقدم له سعرا اعلى.

لبنان كان من أصعب وأقسى دول الجوار في الحرب الحالية الدائرة على أرض سورية وبدماء أهلها. أنقسم بين داعم للمعارضة ثم للمسلحين ثم للارهابيين، وبين مؤيد للنظام ومشارك في الحرب على المسلحين والارهابيين. تابع علي عبد الكريم علي كل التفاصيل الأمنية والسياسية، وشاهد الخطر والتقلبات والانحرافات وسخرية النأي بالنفسي، لكنه ولا مرة ،ولا مرة واحدة، تخلى عن مرونته وهدوئه وحكمة التعامل بروية مع كل مستجد.

السفير المحب للاعلام وحريته، وللفن وأهله، وللثقافة الأصيلة وتنويعاتها، يحفظ من الشعر جله، يلقيه بلغة عربية صافية، يُجمِّله بصوت رخيم صقله في تجربته الاعلامية السابقة على راس مؤسسات سورية له.

عمل علي عبد الكريم علي في مصر فصادق كبار كتابها ومثقفيها ، بعضهم لا يزال يزوره في بيروت حتى اليوم. عمل في الكويت في أحلك ظروفها، فنسج علاقات ود ومحبة وظف الكثير منها لاحقا لبلسلمة بعض جروح بلاده. أما هنا في لبنان، فيكاد لا يمر يوم دون ان يجمع من حوله نخبة من السياسيين او المثقفين او الاعلاميين، فيُشعرك بانك في بيتك، وان لك الحرية في أن تقول ما تريد طالما ما تقوله ينسجم مع شروط الاخلاق والتخاطب.مُدافع شرس عن الرئيس بشار الاسد، لكنه مرن شرس ايضا في تحديد مواضع الخلل الواجب تصحيحها في سورية .

لعل الدبلوماسية السورية وُفقت تماما بسفراء على غرار علي عبد الكريم علي او بذاك المجاهد في مجلس الامن بشار الجعفري الذي بُح صوته ليصد رياحا اطلسية كونية قبل ان يتبنى العالم ما كان يقدمه من صور وافلام حول ارهابيين جاؤوا من كل حدب وصوب يدمرون حضارة عريقة وبلدا عربيا صافيا جميلا بتراثه واهله، ليزروعا مكانه ظلامية وجهلا وتخلفا.

أما وقد صمدت سورية ضد معركة التدمير الممنهج في معركة التنافس الكوني على أرضها، فلا شك ان ثمة دبلوماسيين جنبوها ويلات كانت ستكون اكبر واخطر واقسى لو كانوا صداميين.

لعل مشهد الجموع الغفيرة التي ذهبت للتصويت للرئيس الاسد في السفارة في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، تكفي لمعرفة دورا حقيقيا لهذا السفير المثقف الموازن بين صلابة الموقف ولين التعبير عنه، والذي تدمع عيناه حزنا ان ذكر والده الشيخ الورع الحافظ عيون الشعر، أو تلمع عشقا لو ذكر بيتين نظمهما لزوجته الصامدة مع اولادهما في دمشق.

  • فريق ماسة
  • 2015-03-20
  • 12019
  • من الأرشيف

السفير السوري في لبنان: شاعر ..بكل شيء. ....بقلم سامي كليب

في زمن الفتن، يصعب على المرء أن يكتب عن شخصية سياسية دون أن تنهال عليه الأقلام الدواعشية من الطرف الآخر، فكيف اذا كانت الكتابة عن شخصية خلافية كالسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي. أكاد أرى أمامي الآن وأنا اكتب هذه الزاوية امتعاض اؤلائك المطالبين منذ 4 سنوات بطرده من لبنان. بعض هؤلاء، لا بل قُل معظمهم، كانوا حتى قُبيل الازمة السورية يتقاطرون على هاتفه واستقبالاته ليسجلوا حضورهم وينشدوا الرضى الدمشقي. هل نذكر الاسماء ؟؟؟ هه. تعرفونها.  أما وقد بقي السفير في لبنان ضد الرياح المحلية والضغوط الاقليمية ، تماما كما استمر الرئيس بشار الأسد ضد عواصف محلية واقليمية وكونية، فللبقاء أسبابه، لعلها جميعا مستندة الى شخصية هذا الدبلوماسي الدمث الأخلاق، المثقف، الشاعر، المنفتح على الحوار حتى مع الخصوم، المبتسم دائما رغم الحرائق، الأنيق اللسان والملبوس والتفكير. في المحن والأزمات الكبرى، تبرز خصال قد تضمر في الأوقات العادية. من هذه الخصال، وفي مقدمها، أن علي عبد الكريم علي لم يكن يوما صداميا. لم يشتم يوما خصما ولا معارضا. حافظ على صلابة الموقف وعلى الخط السياسي السوري الحالي، لكنه زيَّنه بمرونة قلما عرفتها الدبلوماسية السورية الحديثة. قدم نموذجا آخر للعمل السياسي. لو كان هذا النموذج حاضرا في العقود الماضية لربما تركت سورية خلفها حين غادر جيشها لبنان حلفاء واصدقاء حقيقيين، لا منتفعين تخلوا عنها عند أول منعطف. من تستطيع شراءه رخيصا سيبيعك بأرخص لمن يقدم له سعرا اعلى. لبنان كان من أصعب وأقسى دول الجوار في الحرب الحالية الدائرة على أرض سورية وبدماء أهلها. أنقسم بين داعم للمعارضة ثم للمسلحين ثم للارهابيين، وبين مؤيد للنظام ومشارك في الحرب على المسلحين والارهابيين. تابع علي عبد الكريم علي كل التفاصيل الأمنية والسياسية، وشاهد الخطر والتقلبات والانحرافات وسخرية النأي بالنفسي، لكنه ولا مرة ،ولا مرة واحدة، تخلى عن مرونته وهدوئه وحكمة التعامل بروية مع كل مستجد. السفير المحب للاعلام وحريته، وللفن وأهله، وللثقافة الأصيلة وتنويعاتها، يحفظ من الشعر جله، يلقيه بلغة عربية صافية، يُجمِّله بصوت رخيم صقله في تجربته الاعلامية السابقة على راس مؤسسات سورية له. عمل علي عبد الكريم علي في مصر فصادق كبار كتابها ومثقفيها ، بعضهم لا يزال يزوره في بيروت حتى اليوم. عمل في الكويت في أحلك ظروفها، فنسج علاقات ود ومحبة وظف الكثير منها لاحقا لبلسلمة بعض جروح بلاده. أما هنا في لبنان، فيكاد لا يمر يوم دون ان يجمع من حوله نخبة من السياسيين او المثقفين او الاعلاميين، فيُشعرك بانك في بيتك، وان لك الحرية في أن تقول ما تريد طالما ما تقوله ينسجم مع شروط الاخلاق والتخاطب.مُدافع شرس عن الرئيس بشار الاسد، لكنه مرن شرس ايضا في تحديد مواضع الخلل الواجب تصحيحها في سورية . لعل الدبلوماسية السورية وُفقت تماما بسفراء على غرار علي عبد الكريم علي او بذاك المجاهد في مجلس الامن بشار الجعفري الذي بُح صوته ليصد رياحا اطلسية كونية قبل ان يتبنى العالم ما كان يقدمه من صور وافلام حول ارهابيين جاؤوا من كل حدب وصوب يدمرون حضارة عريقة وبلدا عربيا صافيا جميلا بتراثه واهله، ليزروعا مكانه ظلامية وجهلا وتخلفا. أما وقد صمدت سورية ضد معركة التدمير الممنهج في معركة التنافس الكوني على أرضها، فلا شك ان ثمة دبلوماسيين جنبوها ويلات كانت ستكون اكبر واخطر واقسى لو كانوا صداميين. لعل مشهد الجموع الغفيرة التي ذهبت للتصويت للرئيس الاسد في السفارة في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، تكفي لمعرفة دورا حقيقيا لهذا السفير المثقف الموازن بين صلابة الموقف ولين التعبير عنه، والذي تدمع عيناه حزنا ان ذكر والده الشيخ الورع الحافظ عيون الشعر، أو تلمع عشقا لو ذكر بيتين نظمهما لزوجته الصامدة مع اولادهما في دمشق.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة