سوريا.. انقلاب المشهد (2011 ـ في ساحة حرب، مثل سوريا، لا توجد عوامل ثبات للمجموعات المسلحة، فقد أثبتت الوقائع، على مدى السنوات الأربع الماضية، أن البقاء هو لمن يستطيع الصمود بوجه التحولات السياسية والميدانية، وصياغة تحالفات مع باقي المجموعات. وربما هذا ما يفسر انهيار العديد من الكيانات المسلحة في السنة الرابعة من حمام الدم السوري.

 لا يمكن وضع ترتيب لأبرز المجموعات المسلحة بشكل دائم، فقبل سنة كان يكثر الحديث عن مجموعات مثل «جبهة ثوار سوريا» أو «حركة حزم»، التي تلقت دعماً إقليمياً وغربياً، وتؤدي دوراً كبيراً في المواجهات، قبل أن يصبح الفصيلان في خبر كان على يد «جبهة النصرة».

وباتت «جبهة النصرة» صاحبة الكلمة الأولى في الشمال، بداية من ريف إدلب وصولاً إلى غرب حلب، وذلك بعد الخسارة القاسية التي منيت بها في ريف دير الزور والرقة.

وبرغم انتشار مجموعات مثل «أحرار الشام» و «صقور الشام» و «جيش المجاهدين» و «حركة نور الدين الزنكي»، إلا أنها تنتشر بطريقة لا تثير الإشكاليات مع «النصرة». فـ «أحرار الشام» مثلاً شاركت «النصرة» في الهجمات على معسكرَي وادي الضيف والحامدية بريف إدلب، ووقفت على الحياد أمام «حرب الإلغاء» التي شنتها الجبهة ضد «ثوار سوريا» بزعامة جمال معروف، فيما التزمت «الجبهة الشامية»، التي تضم باقي الفصائل، سياسة النأي بالنفس وتسلمت من «حركة حزم» مواقعها في «الفوج 46» لتعود وتسلمها الى «النصرة».

وينسحب المشهد ذاته على ريف حماه الشمالي، مع انتشار أوسع لـ «أحرار الشام». أما ريف حمص، فبات على موعد مع تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» بشكل تدريجي، واستقطاب المقاتلين المحاصرين سابقاً في المدينة القديمة. فيما يتقاسم «النصرة» و «داعش» وبدرجة اقل، مجموعات من «الجيش الحر» في السيطرة على مناطق في القلمون، مع مفارقة تكمن في عدم الاقتتال بين «داعش» و «النصرة».

وفي ريف دمشق، تنقلب المعادلة، حيث يعتبر «جيش الإسلام» بزعامة زهران علوش، الحاكم بأمره في الغوطة الشرقية، بعد أن نجح في تشكيل «القيادة الموحدة» إلى جانب «أجناد الشام» و «فيلق الرحمن». كما تمكن من إنهاء وجود «جيش الأمة» واعتقال قياداته، مثل أبو علي خبية، فيما سلم عناصره أنفسهم الى الجيش السوري. ويتراجع دور «النصرة» في المنطقة، مع أنباء عن توتر بينهم وبين علوش.

أما في الجنوب، فتبسط مجموعات، مثل «الفيلق الأول» و «الجيش الأول»، سيطرتها على ريف درعا الشرقي والغربي، وهي في انتمائها تتبع الى «الجيش الحر وهيئة الأركان»، مقابل انتشار «النصرة» و «أحرار الشام» و «حركة المثنى» في ريف القنيطرة حتى الشريط الفاصل مع الجولان المحتل.

لماذا تراجع «الجيش الحر»؟

قبل ثلاث سنوات كان رهان الكثير من المعارضين على الكيان الوليد لدعمه وإسقاط النظام، فتشكلت عشرات الكتائب في طول البلاد وعرضها، بالتزامن مع وعود أطلقها «المجلس الوطني» آنذاك بتمويل أي كتيبة.

غير أن الصدمة الأولى كانت مع خسارة حي بابا عمرو في حمص في شباط العام 2011، فتراجعت شعبية الكثير منها لمصلحة «كتائب الفاروق» الاسم الأبرز في تلك المرحلة، بالإضافة إلى «ألوية أحفاد الرسول» التي كانت تتواجد في ريف دمشق ودرعا وحمص وإدلب ودير الزور.

لكن صعود التيارات الأكثر تشدداً وتنظيماً في آن واحد، كان ضربة إضافية أضعفت كيانات «الجيش الحر» بشكل كبير. يضاف إلى ذلك قرار العديد من الدول الداعمة فتح خطوط إمداد إلى فصائل بعينها، فالسعودية اختارت دعم «جيش الإسلام» وذهبت قطر إلى «لواء التوحيد» وفصائل أخرى، متجاهلة قيادات «الجيش الحر» كرياض الأسعد وسمير الشيخ ثم سليم إدريس و «هيئة الأركان»، قبل ان تسحب كبرى الفصائل الاعتراف بها، بل وشن هجمات ضد مقراتها كما حصل في شتاء العام 2014.

«أحرار الشام» ضمن خيارات جديدة.

وأحدثت «حركة أحرار الشام» ضجة كبيرة بسبب خياراتها، فهي تقترب من النهج السلفي لـ «جبهة النصرة»، من دون أن تعلن بيعتها لـ «القاعدة»، وبقيت إلى فترة طويلة تغازل التيار السلفي وتحظى بدعم كبار دعاة الخط «الجهادي»، قبل أن توقع على «ميثاق العمل الثوري وشكل الدولة» بطريقة أغضبت رفاق السلاح في الجبهة، قبل أن تواجه احد اكبر استحقاقاتها مع مقتل قيادات الصف الأول في انفجار في ريف ادلب خريف العام 2014.

ومن الواضح أن الحركة لم تعد كما كانت من ناحية النفوذ والسيطرة، إذ تكتفي بإدارة معبر باب الهوى على الحدود التركية. أما قرار وقوفها على الحياد أمام حرب «النصرة» وباقي الفصائل فيعود، بحسب مقربين منها، إلى أسباب شرعية ومنهجية تمنعهم من قتال «أخوة السلاح»، وتفرض عليهم العمل معاً في المعارك أو النأي عن الاقتتال الداخلي، وهو ما حدث سابقاً حتى مع «داعش» الذي هاجم ونكل بقيادات «أحرار الشام».

وتتوقع مصادر ميدانية أن تبقى الحركة على وضعها، حيث تقاتل على جبهات ريف حلب إلى جانب «النصرة» مبتعدة عن السيطرة والنفوذ، إلا إذا توقف الدعم وبالتالي ستتجه إلى الاندماج التام أو تتعرض لحرب إلغاء مشابهة لما جرى مع «حزم» و «ثوار سوريا».
  • فريق ماسة
  • 2015-03-20
  • 11531
  • من الأرشيف

سورية.. انقلاب المشهد (2011 ـ 2015)...المسلحون.. التحولات المستمرة

سوريا.. انقلاب المشهد (2011 ـ في ساحة حرب، مثل سوريا، لا توجد عوامل ثبات للمجموعات المسلحة، فقد أثبتت الوقائع، على مدى السنوات الأربع الماضية، أن البقاء هو لمن يستطيع الصمود بوجه التحولات السياسية والميدانية، وصياغة تحالفات مع باقي المجموعات. وربما هذا ما يفسر انهيار العديد من الكيانات المسلحة في السنة الرابعة من حمام الدم السوري.  لا يمكن وضع ترتيب لأبرز المجموعات المسلحة بشكل دائم، فقبل سنة كان يكثر الحديث عن مجموعات مثل «جبهة ثوار سوريا» أو «حركة حزم»، التي تلقت دعماً إقليمياً وغربياً، وتؤدي دوراً كبيراً في المواجهات، قبل أن يصبح الفصيلان في خبر كان على يد «جبهة النصرة». وباتت «جبهة النصرة» صاحبة الكلمة الأولى في الشمال، بداية من ريف إدلب وصولاً إلى غرب حلب، وذلك بعد الخسارة القاسية التي منيت بها في ريف دير الزور والرقة. وبرغم انتشار مجموعات مثل «أحرار الشام» و «صقور الشام» و «جيش المجاهدين» و «حركة نور الدين الزنكي»، إلا أنها تنتشر بطريقة لا تثير الإشكاليات مع «النصرة». فـ «أحرار الشام» مثلاً شاركت «النصرة» في الهجمات على معسكرَي وادي الضيف والحامدية بريف إدلب، ووقفت على الحياد أمام «حرب الإلغاء» التي شنتها الجبهة ضد «ثوار سوريا» بزعامة جمال معروف، فيما التزمت «الجبهة الشامية»، التي تضم باقي الفصائل، سياسة النأي بالنفس وتسلمت من «حركة حزم» مواقعها في «الفوج 46» لتعود وتسلمها الى «النصرة». وينسحب المشهد ذاته على ريف حماه الشمالي، مع انتشار أوسع لـ «أحرار الشام». أما ريف حمص، فبات على موعد مع تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» بشكل تدريجي، واستقطاب المقاتلين المحاصرين سابقاً في المدينة القديمة. فيما يتقاسم «النصرة» و «داعش» وبدرجة اقل، مجموعات من «الجيش الحر» في السيطرة على مناطق في القلمون، مع مفارقة تكمن في عدم الاقتتال بين «داعش» و «النصرة». وفي ريف دمشق، تنقلب المعادلة، حيث يعتبر «جيش الإسلام» بزعامة زهران علوش، الحاكم بأمره في الغوطة الشرقية، بعد أن نجح في تشكيل «القيادة الموحدة» إلى جانب «أجناد الشام» و «فيلق الرحمن». كما تمكن من إنهاء وجود «جيش الأمة» واعتقال قياداته، مثل أبو علي خبية، فيما سلم عناصره أنفسهم الى الجيش السوري. ويتراجع دور «النصرة» في المنطقة، مع أنباء عن توتر بينهم وبين علوش. أما في الجنوب، فتبسط مجموعات، مثل «الفيلق الأول» و «الجيش الأول»، سيطرتها على ريف درعا الشرقي والغربي، وهي في انتمائها تتبع الى «الجيش الحر وهيئة الأركان»، مقابل انتشار «النصرة» و «أحرار الشام» و «حركة المثنى» في ريف القنيطرة حتى الشريط الفاصل مع الجولان المحتل. لماذا تراجع «الجيش الحر»؟ قبل ثلاث سنوات كان رهان الكثير من المعارضين على الكيان الوليد لدعمه وإسقاط النظام، فتشكلت عشرات الكتائب في طول البلاد وعرضها، بالتزامن مع وعود أطلقها «المجلس الوطني» آنذاك بتمويل أي كتيبة. غير أن الصدمة الأولى كانت مع خسارة حي بابا عمرو في حمص في شباط العام 2011، فتراجعت شعبية الكثير منها لمصلحة «كتائب الفاروق» الاسم الأبرز في تلك المرحلة، بالإضافة إلى «ألوية أحفاد الرسول» التي كانت تتواجد في ريف دمشق ودرعا وحمص وإدلب ودير الزور. لكن صعود التيارات الأكثر تشدداً وتنظيماً في آن واحد، كان ضربة إضافية أضعفت كيانات «الجيش الحر» بشكل كبير. يضاف إلى ذلك قرار العديد من الدول الداعمة فتح خطوط إمداد إلى فصائل بعينها، فالسعودية اختارت دعم «جيش الإسلام» وذهبت قطر إلى «لواء التوحيد» وفصائل أخرى، متجاهلة قيادات «الجيش الحر» كرياض الأسعد وسمير الشيخ ثم سليم إدريس و «هيئة الأركان»، قبل ان تسحب كبرى الفصائل الاعتراف بها، بل وشن هجمات ضد مقراتها كما حصل في شتاء العام 2014. «أحرار الشام» ضمن خيارات جديدة. وأحدثت «حركة أحرار الشام» ضجة كبيرة بسبب خياراتها، فهي تقترب من النهج السلفي لـ «جبهة النصرة»، من دون أن تعلن بيعتها لـ «القاعدة»، وبقيت إلى فترة طويلة تغازل التيار السلفي وتحظى بدعم كبار دعاة الخط «الجهادي»، قبل أن توقع على «ميثاق العمل الثوري وشكل الدولة» بطريقة أغضبت رفاق السلاح في الجبهة، قبل أن تواجه احد اكبر استحقاقاتها مع مقتل قيادات الصف الأول في انفجار في ريف ادلب خريف العام 2014. ومن الواضح أن الحركة لم تعد كما كانت من ناحية النفوذ والسيطرة، إذ تكتفي بإدارة معبر باب الهوى على الحدود التركية. أما قرار وقوفها على الحياد أمام حرب «النصرة» وباقي الفصائل فيعود، بحسب مقربين منها، إلى أسباب شرعية ومنهجية تمنعهم من قتال «أخوة السلاح»، وتفرض عليهم العمل معاً في المعارك أو النأي عن الاقتتال الداخلي، وهو ما حدث سابقاً حتى مع «داعش» الذي هاجم ونكل بقيادات «أحرار الشام». وتتوقع مصادر ميدانية أن تبقى الحركة على وضعها، حيث تقاتل على جبهات ريف حلب إلى جانب «النصرة» مبتعدة عن السيطرة والنفوذ، إلا إذا توقف الدعم وبالتالي ستتجه إلى الاندماج التام أو تتعرض لحرب إلغاء مشابهة لما جرى مع «حزم» و «ثوار سوريا».

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة