نستغرب هذه الضجة التي دارت حول تصريح وزير الخارجية الامريكي جون كيري الذي اعلن فيه عزمه التفاوض مع الرئيس السوري بشار الاسد، واضطرار وزارة الخارجية الامريكية لاحقا الى اصدار بيان على لسان المتحدثة باسمها جنيفر باسكاي التي نفت هذه التصريحات بشكل غير مباشر، وقالت موضحة “ان الاسد بنفسه لن يكون ابدا طرفا في عملية السلام وانما ممثلون عنه”.

المثل الذي يقول “جاء يكحلها عماها”، ينطبق حرفيا على الادارة الامريكية والمتحدثة باسم وزارة خارجيتها، فمن الطبيعي ان يكون التفاوض مع ممثلين عن الرئيس السوري ونظامه في اي عملية تبحث التوصل الى حل سياسي للازمة السورية، فهل ذهب الرئيس السوري الى مؤتمر جنيف في نسخته الثانية، ام انه ارسل وزير خارجيته السيد وليد المعلم؟ وهل تفاوض كيري مع المرشد الاعلى للثورة الايرانية السيد علي خامنئي حول برنامج ايران النووي ام مع نظيره محمد جواد ظريف؟

انه الارتباك الامريكي في اوضح صوره، الارتباك في التعبير والمضمون في آن، لكن الثابت ان الادارة الامريكية انقلبت على حلفائها في الملف السوري، وغيرت اولوياتها، وباتت على قناعة بأن المخرج الوحيد من الازمة، هو التفاوض مع الرئيس السوري كرئيس شرعي، وكلاعب رئيسي في مواجهة “الدولة الاسلامية” والجماعات الاسلامية المتشددة الاخرى مثل “جبهة النصرة” و”احرار الشام” بعد ان فشلت في تشكيل “صحوات” سورية من ناحية، واقناع تركيا بالتدخل “ارضيا” لقتال هذه الجماعات.

***

ردة فعل الدول الاوروبية الغاضبة، والفرنسية والبريطانية منها خصوصا، على تصريحات الوزير كيري، ليست نابعة من معارضة هذه الدول لمسألة التفاوض مع الرئيس السوري، وانما لمفاجأتها بها، وعدم التنسيق مسبقا معها، الامر الذي وضعها في حرج كبير امام المعارضة السورية والدول العربية الاخرى التي تشاركها في دعمها السياسي والمالي.

المفاوضات تحت الطاولة تسير على قدم وساق بين ممثلين امريكيين وفرنسيين وبريطانيين مع نظرائهم السوريين، والتنسيق قائم على صعيد محاربة الارهاب في الجو وعلى الارض، من وراء ظهر المعارضة السورية وداعميها من المغلفين العرب الذين كانوا وما زالوا وسيظلون مثل الزوج المخدوع آخر من يعلم.

الولايات المتحدة الامريكية غيرت اولوياتها في سورية من اسقاط النظام الى اسقاط “الدولة الاسلامية”، مثلما بدأت في تغيير خريطة تحالفاتها الاستراتيجية ايضا في منطقة الشرق الاوسط، وباتت على وشك تتويج ايران الدولة الاقليمية العظمى التي ستكون محور سياستها الخارجية.

ما يؤكد على كل ما قلناه آنفا استثناء وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي اي ايه) يوم امس كلا من ايران وحزب الله من قائمة الدول والتنظيمات “الارهابية” التي تشكل مصدر الخطر على الولايات المتحدة الامريكية خلال عام 2015، بعد ان تربعتا عليها طوال السنوات الثلاثين الماضية (ايران) والعشرين الماضية “حزب الله”.

فمن الذي يدعم الرئيس الاسد بالمال والسلاح اليس ايران؟ ومن الذي يقاتل الى جانب قواته في اقليم القلمون وفي درعا والقنيطرة اليست قوات حزب الله التي حالت بدعمها العسكري هذا دون سقوط دمشق، ناهيك عن القلمون والقصير ومناطق عديدة من سورية؟

***

امريكا تخلت عن المعارضة السورية، وباعتها بثمن رخيص جدا، ومعها الدول الاوروبية، فاين مؤتمر جنيف، واين اصبحت منظومة اصدقاء الشعب السوري، وماذا حل بالاعتراف بالائتلاف الوطني المعارض كممثل للشعب السوري؟ والحكومة الانتقالية بصلاحيات كاملة؟ ومقعد سورية في الجامعة العربية والامم المتحدة؟

التخلي عن المعارضة السورية من قبل الولايات المتحدة ليس جديدا ولا مفاجئا، الم تتخل الولايات المتحدة عن حلفائها في فيتنام؟ الم تستخدم الجهاد الافغاني للانتقام من الاتحاد السوفيتي وهزيمته في افغانستان ثم غسلت يديها من جميع المجاهدين؟ الم تقذف بالرئيس حميد كرزاي في سلة القمامة التاريخية وتنخرط في مفاوضات مع حركة طالبان “الارهابية” وتفتح لها سفارة في الدوحة؟ الم تتخل عن كل وعودها للشعب الفلسطيني عن قيام دولة مستقلة على اساس حل الدولتين وتجميد الاستيطان وحولت منظمة التحرير من حركة مقاومة الى سلطة مهمشة ومتسولة؟

لن نستغرب ان يتفاوض كيري مع ممثلي الرئيس الاسد وليس الاسد نفسه مثلما تفاوضت بلاده مع كوريا الشمالية، وكوبا والصين وحركة الطالبان، ومثلما تفاوض الفرنسيون مع جبهة التحرير الجزائرية، والبريطانيون مع الجيش الجمهوري الايرلندي، وكل قادة حركات التحرير الافريقية والآسيوية.

الامريكان يقولون شيء اليوم ويلحسونه غدا، ولا عزاء لمن يراهن عليهم، ويطمئن لوعودهم، ويضع كل بيضه في سلتهم، من الضعفاء، والكلام هنا لكل “الجارات” العربيات، لعلهن يسمعن.

  • فريق ماسة
  • 2015-03-16
  • 15128
  • من الأرشيف

ماذا تعني ازالة “حزب الله” و”ايران” من قائمة الارهاب الامريكية فجأة؟

نستغرب هذه الضجة التي دارت حول تصريح وزير الخارجية الامريكي جون كيري الذي اعلن فيه عزمه التفاوض مع الرئيس السوري بشار الاسد، واضطرار وزارة الخارجية الامريكية لاحقا الى اصدار بيان على لسان المتحدثة باسمها جنيفر باسكاي التي نفت هذه التصريحات بشكل غير مباشر، وقالت موضحة “ان الاسد بنفسه لن يكون ابدا طرفا في عملية السلام وانما ممثلون عنه”. المثل الذي يقول “جاء يكحلها عماها”، ينطبق حرفيا على الادارة الامريكية والمتحدثة باسم وزارة خارجيتها، فمن الطبيعي ان يكون التفاوض مع ممثلين عن الرئيس السوري ونظامه في اي عملية تبحث التوصل الى حل سياسي للازمة السورية، فهل ذهب الرئيس السوري الى مؤتمر جنيف في نسخته الثانية، ام انه ارسل وزير خارجيته السيد وليد المعلم؟ وهل تفاوض كيري مع المرشد الاعلى للثورة الايرانية السيد علي خامنئي حول برنامج ايران النووي ام مع نظيره محمد جواد ظريف؟ انه الارتباك الامريكي في اوضح صوره، الارتباك في التعبير والمضمون في آن، لكن الثابت ان الادارة الامريكية انقلبت على حلفائها في الملف السوري، وغيرت اولوياتها، وباتت على قناعة بأن المخرج الوحيد من الازمة، هو التفاوض مع الرئيس السوري كرئيس شرعي، وكلاعب رئيسي في مواجهة “الدولة الاسلامية” والجماعات الاسلامية المتشددة الاخرى مثل “جبهة النصرة” و”احرار الشام” بعد ان فشلت في تشكيل “صحوات” سورية من ناحية، واقناع تركيا بالتدخل “ارضيا” لقتال هذه الجماعات. *** ردة فعل الدول الاوروبية الغاضبة، والفرنسية والبريطانية منها خصوصا، على تصريحات الوزير كيري، ليست نابعة من معارضة هذه الدول لمسألة التفاوض مع الرئيس السوري، وانما لمفاجأتها بها، وعدم التنسيق مسبقا معها، الامر الذي وضعها في حرج كبير امام المعارضة السورية والدول العربية الاخرى التي تشاركها في دعمها السياسي والمالي. المفاوضات تحت الطاولة تسير على قدم وساق بين ممثلين امريكيين وفرنسيين وبريطانيين مع نظرائهم السوريين، والتنسيق قائم على صعيد محاربة الارهاب في الجو وعلى الارض، من وراء ظهر المعارضة السورية وداعميها من المغلفين العرب الذين كانوا وما زالوا وسيظلون مثل الزوج المخدوع آخر من يعلم. الولايات المتحدة الامريكية غيرت اولوياتها في سورية من اسقاط النظام الى اسقاط “الدولة الاسلامية”، مثلما بدأت في تغيير خريطة تحالفاتها الاستراتيجية ايضا في منطقة الشرق الاوسط، وباتت على وشك تتويج ايران الدولة الاقليمية العظمى التي ستكون محور سياستها الخارجية. ما يؤكد على كل ما قلناه آنفا استثناء وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي اي ايه) يوم امس كلا من ايران وحزب الله من قائمة الدول والتنظيمات “الارهابية” التي تشكل مصدر الخطر على الولايات المتحدة الامريكية خلال عام 2015، بعد ان تربعتا عليها طوال السنوات الثلاثين الماضية (ايران) والعشرين الماضية “حزب الله”. فمن الذي يدعم الرئيس الاسد بالمال والسلاح اليس ايران؟ ومن الذي يقاتل الى جانب قواته في اقليم القلمون وفي درعا والقنيطرة اليست قوات حزب الله التي حالت بدعمها العسكري هذا دون سقوط دمشق، ناهيك عن القلمون والقصير ومناطق عديدة من سورية؟ *** امريكا تخلت عن المعارضة السورية، وباعتها بثمن رخيص جدا، ومعها الدول الاوروبية، فاين مؤتمر جنيف، واين اصبحت منظومة اصدقاء الشعب السوري، وماذا حل بالاعتراف بالائتلاف الوطني المعارض كممثل للشعب السوري؟ والحكومة الانتقالية بصلاحيات كاملة؟ ومقعد سورية في الجامعة العربية والامم المتحدة؟ التخلي عن المعارضة السورية من قبل الولايات المتحدة ليس جديدا ولا مفاجئا، الم تتخل الولايات المتحدة عن حلفائها في فيتنام؟ الم تستخدم الجهاد الافغاني للانتقام من الاتحاد السوفيتي وهزيمته في افغانستان ثم غسلت يديها من جميع المجاهدين؟ الم تقذف بالرئيس حميد كرزاي في سلة القمامة التاريخية وتنخرط في مفاوضات مع حركة طالبان “الارهابية” وتفتح لها سفارة في الدوحة؟ الم تتخل عن كل وعودها للشعب الفلسطيني عن قيام دولة مستقلة على اساس حل الدولتين وتجميد الاستيطان وحولت منظمة التحرير من حركة مقاومة الى سلطة مهمشة ومتسولة؟ لن نستغرب ان يتفاوض كيري مع ممثلي الرئيس الاسد وليس الاسد نفسه مثلما تفاوضت بلاده مع كوريا الشمالية، وكوبا والصين وحركة الطالبان، ومثلما تفاوض الفرنسيون مع جبهة التحرير الجزائرية، والبريطانيون مع الجيش الجمهوري الايرلندي، وكل قادة حركات التحرير الافريقية والآسيوية. الامريكان يقولون شيء اليوم ويلحسونه غدا، ولا عزاء لمن يراهن عليهم، ويطمئن لوعودهم، ويضع كل بيضه في سلتهم، من الضعفاء، والكلام هنا لكل “الجارات” العربيات، لعلهن يسمعن.

المصدر : راي اليوم/ عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة