دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من دون سابق إنذار، أطل الارهابي الّذي ادّعى “التوبة” فضل شاكر على اللبنانيين، ليعلن عن “توبة” جديدة تعكس إنقلاباً على كل مواقفه السابقة، ومبشراً بـ”تسوية” لأوضاعه مع الدولة اللبنانية، بعد أن تحول إلى فار من وجه العدالة، على خلفية أحداث عبرا التي راح ضحيتها شهداء وجرحى من عناصر وضباط الجيش اللبناني، وكأن شيئاً لم يحدث بفضل تدخل بعض الشخصيات السياسية والمالية النافذة.
الفنان والداعية السابق الّذي أصبح ارهابيًّا، يريد العودة إلى كنف الدولة، والأخيرة لا تقصر في هذا المجال، وبحسب المؤشرات التي بدأت تظهر لا يبدو أن هناك الكثير من العراقيل التي ربما ستحول دون عودة صاحب الصوت الحنون إلى جمهوره، في وقت قريب، حتى ولو كانت “التسوية” المنتظرة تتطلب دخوله السجن لبعض الوقت، فالأمر يمكن أن يستخدمه كنوع من الدعاية التي ربما ستفيده بدل أن تضره.
إنطلاقاً من كلمات أغنيته الشهيرة، “خدني معك بالجو الحلو”، كانت الإطلالة التلفزيونية، من دون لحية توحي بالإلتزام الديني، لتشير إلى أن شاكر يريد فعلياً قطع طريق العودة إلى ماضيه القريب، وليذكر من “ما صدق نسيناه” بأنه الفنان الذي كان يستمتع العاشقون على أنغام أغانيه التي لا تزال عالقة في أذهانهم، ولكن مهلاً هل ما ارتكبه من جرائم يمكن أن يمر مرور الكرام، تحت ذريعة أنه لم يطلق النار على رجال المؤسسة العسكرية في أي مناسبة؟
من وجهة نظر مصادر متابعة، السعي إلى إعلان “البراءة” عبر وسائل الإعلام أمر مخزٍ، لا سيما إذا كان الأمر مرتبطاً بتدخلات من شخصيات كبيرة على علاقة به، لأن الإتهامات الموجهة إلى شاكر لا تتعلق بجرائم عادية بل إرهابية تمس بالأمن القومي والسلم الأهلي، وبالتالي كان على الجميع الخجل من التوسط له بدل المساعدة على تسريب الأنباء عن ذلك، وهناك الكثير من الأسئلة التي يجب أن توجّه حول فتح المنابر الإعلامية له، ليعلن فيها بكل وقاحة أنه لن يسلم نفسه إلا بعد حصول “التسوية”.
بالنسبة إلى هذه المصادر، “الفيلم” المركب على أعلى مستوى لا يتعلق بالشؤون القضائية، بل على العكس كان المقصود منه تهيئة الرأي العام لقبول “التسوية” المنتظرة، خصوصاً أن العمل عليها يجري منذ أشهر طويلة، وبالتالي ما يكشف عنه ليس إلا الخطوات العملية، التي تتطلبها لكي يكتب لها النجاح كما هو مخطط، ولا تستبعد المصادر عبر “النشرة” أن يستخدم في سياق الضغط على القضاء الذي سيكون له في نهاية المطاف الكلمة الفصل في هذا الملف.
لا مشكلة في إحتضان الدولة لأبنائها “الضالين”، هذا ما تؤكد عليه المصادر المتابعة، لا سيما بعد أن يعلنوا “التوبة”، لكن المشكلة في محاولة تبرئتهم من الجرائم التي قاموا بها، لا سيما إذا ما كان الدور الذي قاموا به خطير جداً، وتشدد على أن هذا الأمر ينطبق على الفنان “التائب” الذي لا يمكن التغاضي عن كل أفعاله السابقة.
وبغض النظر عن دوره خلال المعارك مع الجيش اللبناني في بلدة عبرا، ترى هذه المصادر أن ما قام به شاكر على مدى السنوات السابقة لا يمكن أن يمر مرور الكرام، لأنه الرجل الأخطر، بعد الإرهابي الفار من وجه العدالة أحمد الأسير، في العصابة المسلحة التي كانت تهدد الأمن والسلم الأهلي في منطقة الجنوب، خصوصاً أن المعلومات تتحدث عن قيامه بتأمين الأموال الطائلة، بالإضافة إلى رمزيته بالنسبة إلى البعض، حيث كان يلعب دوراً أساسياً في الترويج لمشروع إمام مسجد بلال بن رباح السابق من خلال تقديمه “نموذجاً” للشباب المؤمن على الإقتداء به.
قد تعتبر شريحة واسعة من المواطنين أن الخطر الأكبر يكمن في العناصر التي حملت السلاح، دون أن تتنبه إلى أن من حرضها هو المسؤول الأول عن الطريق الذي سلكته، وشاكر لم يكن مقصّراً في هذا المجال، ويمكن العودة إلى أرشيف تصاريحه التلفزيونية، طالما هو ينكر أن يكون مسؤولاً عما ورد على حساباته الرسمية على موقعي “تويتر” و”فيسبوك”، مع العلم أنه لم يعلن سابقاً عن الموضوع.
إنطلاقاً من هنا، تعتبر مصادر صيداوية، لـ”النشرة”، أن العمل على هكذا “تسوية” كان من المفترض أن يكون لحساب من يمكن تصنيفهم بـ”المغرر بهم”، أو الذين وقعوا في فخ الأسير نتيجة الإغراءات المالية، التي تتحمل الدولة اللبنانية المسؤولية الأساس عنها، على إعتبار أنها لم تهتم بأبنائها بالشكل المطلوب عبر المشاريع الإنمائية التي تغنيهم عن الأموال التي تأخذهم إلى طريق الموت المحتم، وتسأل: “ما هي مبررات ما قام به فضل شاكر في الفترة السابقة؟ هل كان بحاجة إلى الأموال أم لديه مشاكل إجتماعية واقتصادية؟”، لتجيب: “كان الرجل يوحي دائماً بأن ما يقوم به نابع عن قناعات شخصية لديه، ربما الصدمة التي حصلت دفعته ليعيد النظر بأفعاله”، لتؤكد أن هذا الأمر إيجابي إلا أن المطلوب أن يتم وفقاً لما تقتضيه العدالة والمصلحة الوطنية لا مصالح بعض الجهات.
وتشدد هذه المصادر على أن الحديث عن “التسوية” الحالية أمر جدي، لكنها توضح أنها ستفتح الباب أمام طرح الملف على الطاولة بشكل واسع من لمعالجة أوضاع الموقوفين، لا سيما أن جرائم بعضهم لا تقارن بتلك التهم التي من الممكن أن توجه إلى الفنان، وتذكر بأن الرجل الذي يقول أنه لم يطلق النار على عناصر وضباط الجيش كان من أكبر المحرضين على الفتنة، وبالتالي أفعاله كانت أخطر من حمل بندقية وإطلاق النار.
في المحصلة، لن يكون فضل شاكر، في حال نجاح “تسويته”، نموذجاً فجاً في الحياة السياسية اللبنانية، فهذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها مطلوباً من باب ليخرج من آخر، والعفو الصادر عن موقوفي أحداث الضنية أكبر دليل، ولكن ماذا علينا الإنتظار في المرحلة المقبلة من الطبقة السياسية الحاكمة؟ ربما في المستقبل سيطلب محاكمة عناصر الجيش على إنقاذ البلد من خطر عصابة الأسير.
المصدر :
ماهر الخطيب – النشرة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة