دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كاتب يومي في أهمّ يومية أردنية؛ غير أنه لا يحوز على قرّاء، اللهمّ أولئك المعنيين بالاطلاع على قيامه بالمهمة لهذا اليوم. بالأساس، كان الكاتب، الذي تعوزه الموهبة وسلامة اللغة رغم انتمائه لقبيلة عربية أردنية معروفة، ثوروياً من جماعة صلاح جديد، ثم أصبح فتحاوياً في بيروت، مقرباً من أبو عمار شخصياً؛ صفّق لاتفاقيات أوسلو ومعاهدة وادي عربة؛ وهو من دعاة «قومية» العلاقة بين أصدقاء إسرائيل؛ فما يزال يضع رجلاً في عمان وأخرى في رام الله، غير أنه قلبه كله مدلهٌ في حب آل سعود.
على رغم أنه تولى مناصب عليا في الدولة الأردنية، وعلى رغم كونه من المقربين من دوائر النظام، فإن أياً من المتابعين لا يأخذ كتاباته على محمل الجد؛ فهي أقرب إلى الهذيان والسباب غير المتقن، ولا يمكن حتى استشفاف مزاج أوساط الحكم من خلال كتاباته؛ غير أنني بتّ أخشى، مؤخراً، أن يكون هذيانه الأخير حول «مؤامرة الأسد وحزب الله وإيران على الأردن»، تعبيراً، أو أقله تضخيماً لهذيانات تنتاب أوساط القرار الأردني.
من المفهوم، بالطبع، أن يكون أنصار «وادي عربة» ــــ الذين يستغلّون الظروف الإقليمية الحالية، لتنفيذ صفقات العمر مع العدو الصهيوني، في المياه والطاقة الخ ــــ قلقين من حضور محور المقاومة في جنوب سوريا، ومرعوبين من تحوّل الجولان إلى منطقة عمليات للمقاومة، قرب الحدود الأردنية. كذلك، من المعقول أن تخشى أوساط أخرى من عودة وتدفق إرهابيي «النصرة» إلى شمالي الأردن، حالما يستكمل الجيش السوري عملياته في الجولان ودرعا. غير أنه من الجنون المحض أن يقلب البعثي الفتحاوي الثوروي القديم، الحقائق البسيطة، بحيث يصبح طرد الإرهابيين المرتبطين بالمشروع الإسرائيلي من جنوب سوريا، لصالح الجيش السوري والإيرانيين ومقاتلي حزب الله، «مؤامرة إيرانية ــــ إسرائيلية»، هدفها «تمكين الإسرائيليين من احتلال محافظة السويداء، بحيث يسيطر الجيش الإسرائيلي، على الحدود الأردنية ــــ السورية ــــ العراقية»!
ربما نأخذ هذا الهذيان بوصفه نصاً ديموغوجياً يصدر عن قومجي سابق، لتبرير الوقوف إلى جانب «النصرة» والعدو الصهيوني في مواجهة حلف المقاومة. لكن، دعونا ننظر إلى ما هو أخطر؛ أي أن ننظر إليه كـ «سقاط» (حيلة دفاعية ينسب فيها الفرد رغباته المحرمة والعدوانية الخ على آخرين، حتى يبرئ نفسه). الإسقاط ذاك، يشير إلى وجود مخطط يتصل بالسويداء تحديداً؛ خصوصاً أن الحلقة التحالفية بين الأطراف المعنية حول جبل العرب، مكتملة الأركان: وليد جنبلاط، و»النصرة»، والسعودية، وإسرائيل، والحزب الإسرائيلي في الأردن. باختصار، هناك ما ينبغي القيام به لتحصين السويداء، سياسياً وعسكرياً وأمنياً، بل هناك ما ينبغي التعجيل به: كسر الحلقة المركزية ــــ والأضعف معاً ــــ في المؤامرة، أعني وليد جنبلاط.
هل الحزام الأمني المأمول، إسرائيلياً، مع سوريا، ممكن، استراتيجياً، من خلال جماعات إرهابية مهددة المصير، ومن دون قاعدة اجتماعية راسخة، كـ «النصرة» وأخواتها، أم من خلال ترتيبات سياسية ــــ أمنية متجذّرة، مدعومة بإمارة انفصالية يحلم بها وليد بك؟
معركة حلف المقاومة في جنوب سوريا لها طابع استراتيجي بكل معنى الكلمة. فأولاً، إن القضاء على الإرهابيين في الجولان ودرعا، في حدّ ذاته، يشكل إغلاقاً لباب التدخل الأميركي ــــ الإسرائيلي ــــ السعودي عبر النظام الأردني في سوريا. صحيح أن عمليات الجيش السوري وحلفائه لا تزال موجهة ضد «النصرة» غربي درعا، وبهدف تحطيم الحزام الأمني الإسرائيلي، بينما تلجأ الجماعات المدارة من عمان في شرقي درعا إلى الانكفاء وتلافي المشاركة؛ ولكن المسألة، في الأخير، مسألة وقت، وعندها سيتم اغلاق الحدود الأردنية ــــ السورية، أمام التدخلات، ما عدا التسلل الجزئي. وثانياً، إن عمليات المقاومة في جبهة الجولان، ستقفز، بعد الخلاص من الإرهابيين، نحو استهداف الاحتلال الإسرائيلي في الجولان. وتنشيط هذه الجبهة بات، من النواحي السياسية والاقليمية والدولية والقانونية، ممكناً، ومن شأنه أن يغيّر معادلة الصراع العربي ــــ الإسرائيلي جذرياً؛ وثالثاً، سيكون لهذا التحوّل النوعي تأثير ضاغط على مجمل عملية السلام الأردنية ــــ الفلسطينية مع إسرائيل؛ ورابعاً، فإننا، على هذه الخلفية، سنفهم عمق أزمة الفوات التي تعيشها كل من فتح وحماس، العاجزتين، لأسباب مختلفة، عن الالتحاق بمحور المقاومة؛ كما نفهم استعجال عمّان على التوقيع على اتفاقية إذعان حول ناقل البحرين (الأحمر ــــ الميت)؛ فالاتفاقية ـ التي يتحمل الأردن أعباءها المالية والإنشائية وأخطارها الجيولوجية والبيئية، بينما تحصد إسرائيل 60 في المئة من منتجاتها المائية ــــ لا يمكن تفسيرها إلا على المستوى الجيوسياسي.
المصدر :
ناهض حتر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة