دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لو وضعنا كل من تركيا و"إسرائيل" في ميزانٍ لقياس الإرهاب والتآمر والدور التخريبي القائم في المنطقة منذ بدأ جورج بوش حربه "على الإرهاب" بُعيد أحداث 9\11 حتى اليوم، لوجدنا أنّ الكفة سترجح لصالح الدولة التركية العثمانية، ولوجدنا أيضاً أنّ "إسرائيل"، الشر المطلق، هي مجرد صبي مشاكس أمام عصابة اردوغان وحزبه الارهابي الذي ما انفك يعربد في المنطقة منذ حادثة حبس المياه الجارية في منابع نهري دجلة والفرات، الى إرساله 400 إرهابي وقوافل الأسلحة للتكفيريين في ريف حلب بالأمس، وما بينهما من مسلسل العربدة الذي لا ينتهي فصولًا.
فالصيت لـ"إسرائيل" والفعل لتركيا، والفارق بينهما أنّ أعداء "إسرائيل" في المنطقة وعلى رأسهم محور الممانعة، استطاع ان يُطوّر نُظُماً لردعها عبر المقاومة، وباتت "أم الارهاب" في المنطقة تخشى عدوتها الاولى أي المقاومة وتحسب لها ألف حساب حتى وصلت الى إتقان فن "ضبط النفس" و"الاحتفاظ بحق الرد"، بينما الأمر مختلف بالنسبة الى تركيا كل الاختلاف، والوقاحة التركية وصلت الى حدود بعيدة تفوقت بها على الوقاحة الامريكية والاسرائيلية حتى. ولطالما كانت فعالية اللوبي الصهيوني عالمياً، وتحكمه بسلاحي المال والإعلام العالميّين، مصدر قوة "إسرائيل" وبأسها، ولكن كيف ومن أين امتلكت تركيا عناصر القوى التي مكنتها من اللعب بسهولة في أوراق المنطقة، بل العالم؟
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نبحث عن تركيبة المصالح، بين تركيا والجوار، وبين تركيا والعالم العربي وبين الغرب، وللأسف، فإنّ نتائج البحث التي لا يتسع المقال لسردها، ستفضي الى أنّ مصالح من يقفون في المحور المعادي للمحور التركي أكبر بكثير من مصالح حلفاء تركيا كالكيان الصهيوني والولايات المتحدة وباقي دول الغرب. ولذلك، فإنّ الحديث عن إعلان موقف عدائي واضح ولاجم حيال تركيا وسياساتها التخريبية في منطقة غير ممكن الآن، وسيبقى خيار اللعب تحت الطاولة والمواجهة غير المباشرة هو الخيار الأقل كلفةً للمحور المعادي لأنقرة مما سيرتب على كل من سوريا وحزب الله، الجهتين الممانعتين اللتين تخوضان حرب الميدان، تحمّل دفع الأثمان الأعلى الى أقرب الأجلين.
لا شك أنّ دوائر القرار ضمن منظومة الممانعة في المنطقة وحلفها الممتد الى موسكو، يملك اجابات اكثر وضوحاً ورؤية من المراقب البعيد عن دوائر القرار تلك، ومن البديهي القول إنّ النظرة الشاملة للمشهد السياسي تختلف كلياً عن المشهد الضيق والمتأتي من قناعات ظرفية أو عاطفية، ولعل الرهانات التي يعول عليها ذلك المحور لم تنضج أو يأتي وقتها بعد، وفي كلام الرئيس الاسد وقائد المقاومة عن طول أمد المواجهة وعمق المؤامرة ما يشي بأنّ قادة هذه المواجهة يدركون جيداً حجم المعركة والوقت الذي تحتاجه لتحقيق النصر. ولعلّ أبرز تلك الرهانات هو ارتداد كرة النار الى مصادرها، تماماً كما بدأ يحدث في أكثر من بلد أوروبي وحتى عربي.
تركيا اليوم تدعم الإرهاب في أكثر من مكان، ولم نعد نحتاج الى دليل أوضح من تدخلها بالأمس في معركة ريف حلب الشمالي وإرسالها أكثر من 400 تكفيري والعديد من شحنات الأسلحة لكي نؤكد على هذا الدور، في وقتٍ وقعت فيه تركيا عبر مساعد وزير خارجيتها "مولود جاووش اوغلو" وسفيرالولايات المتحدة في انقرة اتفاقاً لتدريب وتجهيز من سمتهم "مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة". بمعنىً آخر، إنّ كل الحرص الذي أبدته تركيا إبّان مواجهة كوباني بعدم دعمها للاكراد خشية من وصول داعش الى حدودها، بددته باستدراج داعش الى عقر دارها بعدما أعلنت باتفاقها هذا الحرب على داعش عبر تدريب 2000 عنصر لمواجهة "داعش والنظام" بحسب التبرير لهذا التدريب وهذا الاتفاق.
في الوقت عينه، (كما نقلت صحيفة حرييت التركية) سربت المخابرات التركية تقريراً يشير الى أنّ نحو ثلاثة آلاف مقاتل من داعش دخلوا الى تركيا من حدودها الجنوبية بعد فشلهم في السيطرة على عين العرب، وهم يقيمون في أماكن آمنة في تركيا ويتحضّرون (بحسب التقرير) لشن هجمات على البعثات الدبلوماسية التي شاركت في الائتلاف الدولي ضد داعش، والذي سبّب لها خسارة معركة كوباني المصيرية، وقد جاء هذا التسريب متزامناً مع تصريحات وزارة الخارجية التركية التي اعربت عن عجز تركيا في لجم تدفق الارهابيين من العالم باتجهها بسبب تحكم المافيات العالمية التي عجزت تركيا عن مواجهتها.
من هنا، نجد أنّ تركيا دخلت مرحلة الخطر الحقيقي، وجاء الوقت لتدفع فواتيرها المستحقة، فالعالم الغربي الذي تخلص من كل تكفيرييه وجد في تركيا المقر والممر لهم، واردوغان الذي طمع بمصانع حلب ونفط العراق وسوريا وجد نفسه الآن أمام استحقاقٍ كبير هو تنظيف الفوضى التي خلّفها تآمره على سوريا واستغلاله "لربيع العرب". "إسرائيل" وقفت متفرجةً على الجيش السوري في درعا وهو يسحق إرهابييها بين القنيطرة ودرعا ولم تقدم لهم أي مساندة، بينما وجب على اردوغان ان يدرب "معارضة معتدلة" لمواجهة داعش التي دعمها وساندها، مما جعله يقع بين مطرقة داعش وسندان انتاج مسلحين جدد يحمونه منها.
امام هذه المشهدية، ليس أمام محمور الممانعة ومنظومتها من طهران الى موسكو إلّا أن تجلس قرب النهر، وتنتظر جثة عدوها تطفو على ماء ما كسبت ايديها في سنواتٍ اربع.
المصدر :
حسن غندور
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة