المنحورون على شاطئ طرابلس، اكثر من 21. امهاتهم وزوجاتهم واطفالهم...؟ قرية العور في المنيا؟ الكنيسة القبطية؟ كل كنائس الشرق؟ المسلمون اولا؟ ؟ مصر كلها؟

يتمادى مشهد دماء العمال المظلومين عميقا وهو يختلط بموجات بحر طرابلس. المنحورون وهم يتمتمون للسيد المسيح في شهقاتهم الأخيرة من اجل خلاص لا يوجع، هل هذه سكاكين الرب؟!! يرشقون فحشنا الصامت والمتواطئ، على القتلة.

المقتولون كثر، والقتلة ليسوا قلة، ولم يولدوا لحظة الجريمة هذه. هم بيننا وفي عقولنا وكتبنا وبعض مساجدنا ورجال ديننا وفي بعض تاريخنا وافكارنا التي نخجل ــ او نأبى لا فرق ــ الاعتراف بوجودها.

المقتولون كثر. الدم يغطي وجوهنا في كل ارض عربية، وايادي بعضنا ملطخة، والسكين واحد من البصرة الى جبال الشعانبي في تونس، ويراد لمصر ان تكون المذبوحة عند الشاطئ الليبي، كما تذبح سوريا كل يوم.

مع فورة «الربيع العربي» قبل اربعة اعوام، كان يقال ان سوريا ليست مصر ولا تونس، وما جرى فيهما لن يتكرر في سوريا. كان المقصود «الثورة» على نظام. تبدى ان المرسوم للسوريين اكثر بشاعة وتدميرا. والذي كان قد كان، و «الربيع» صار عاصفة ضربت السوريين وبلادهم. من يجازف الآن بالقول إن مصر ليست سوريا؟

الغد يحمل تساؤلات ومخاوف لا تحصى. واذا كانت الحرب في سوريا، تمثّل التحدي الاكبر على الكيان العربي منذ احتلال فلسطين، فان تحول مصر الى «سوريا ثانية»- بمعنى اغراقها بالدم كسوريا - سيشكل ضربة لا قيامة بعدها لما تبقى للعرب من هوية ووجود.

ولهذا فإن المذبوحين عند بحر طرابلس، ليسوا مجرد ضحايا. مصر التي خرجت بالامس لقصف مواقع عصابات التكفير في درنة الليبية، امام منعطف تاريخي. حوار الاديان والحضارات كلها تحت انقاض برجي نيويورك منذ 11 ايلول، وجبال سنجار ومقابر الايزيديين وضحايا الزرقاوي في العراق وجنود الأمن المركزي في سيناء وعلى الحدود الليبية، وجثث المذبوحين في نهر العاصي ودير الزور وحلب. اما مواجهة الارهاب بالفكر والحوار، فمعركة ربما لن تكتب نهايتها قبل مئة عام.

ولهذا مجددا، فإن مصر امام منعطف تاريخي. رسوخ فكرة الدولة المركزية يعطيها حصانة لاشك، ويحول دون تحولها الى «سوريا ثانية»، لكن غراب التآمر ممكن ان يتكاثر حولها في مرحلة انتقالها السياسي الصعب. من كان يظن لوهلة ان حلب ستحترق كخراب البصرة؟ وأن دمشق ستطوّق بعصابات الحول الجهادي!؟

القتلة بيننا، وعلى مصر ان تبحث عن بقائها، سواء في سيناء او على حدودها الليبية او مواجهة تحديات الداخل، وليس امامها سوى ان تقاتل كما فعلت في درنة، لا كما يزين لها غزو اليمن! وأن تتولى قيادة حرب اقليمية على الارهاب، من بغداد الى سرت مرورا بدمشق، وبالتنسيق معها، بعد ان تتحرر قليلا من قيود الخليجيين، قناعة منها بان امنها القومي كما تؤكد تجاربها التاريخية، يبدأ من جبال طوروس مرورا ببلاد الشام. هذه، ربما، رسالة المذبوحين عند بحر طرابلس
  • فريق ماسة
  • 2015-02-16
  • 11326
  • من الأرشيف

مصر السورية......القتلة لم يولدوا لحظة الجريمة

 المنحورون على شاطئ طرابلس، اكثر من 21. امهاتهم وزوجاتهم واطفالهم...؟ قرية العور في المنيا؟ الكنيسة القبطية؟ كل كنائس الشرق؟ المسلمون اولا؟ ؟ مصر كلها؟ يتمادى مشهد دماء العمال المظلومين عميقا وهو يختلط بموجات بحر طرابلس. المنحورون وهم يتمتمون للسيد المسيح في شهقاتهم الأخيرة من اجل خلاص لا يوجع، هل هذه سكاكين الرب؟!! يرشقون فحشنا الصامت والمتواطئ، على القتلة. المقتولون كثر، والقتلة ليسوا قلة، ولم يولدوا لحظة الجريمة هذه. هم بيننا وفي عقولنا وكتبنا وبعض مساجدنا ورجال ديننا وفي بعض تاريخنا وافكارنا التي نخجل ــ او نأبى لا فرق ــ الاعتراف بوجودها. المقتولون كثر. الدم يغطي وجوهنا في كل ارض عربية، وايادي بعضنا ملطخة، والسكين واحد من البصرة الى جبال الشعانبي في تونس، ويراد لمصر ان تكون المذبوحة عند الشاطئ الليبي، كما تذبح سوريا كل يوم. مع فورة «الربيع العربي» قبل اربعة اعوام، كان يقال ان سوريا ليست مصر ولا تونس، وما جرى فيهما لن يتكرر في سوريا. كان المقصود «الثورة» على نظام. تبدى ان المرسوم للسوريين اكثر بشاعة وتدميرا. والذي كان قد كان، و «الربيع» صار عاصفة ضربت السوريين وبلادهم. من يجازف الآن بالقول إن مصر ليست سوريا؟ الغد يحمل تساؤلات ومخاوف لا تحصى. واذا كانت الحرب في سوريا، تمثّل التحدي الاكبر على الكيان العربي منذ احتلال فلسطين، فان تحول مصر الى «سوريا ثانية»- بمعنى اغراقها بالدم كسوريا - سيشكل ضربة لا قيامة بعدها لما تبقى للعرب من هوية ووجود. ولهذا فإن المذبوحين عند بحر طرابلس، ليسوا مجرد ضحايا. مصر التي خرجت بالامس لقصف مواقع عصابات التكفير في درنة الليبية، امام منعطف تاريخي. حوار الاديان والحضارات كلها تحت انقاض برجي نيويورك منذ 11 ايلول، وجبال سنجار ومقابر الايزيديين وضحايا الزرقاوي في العراق وجنود الأمن المركزي في سيناء وعلى الحدود الليبية، وجثث المذبوحين في نهر العاصي ودير الزور وحلب. اما مواجهة الارهاب بالفكر والحوار، فمعركة ربما لن تكتب نهايتها قبل مئة عام. ولهذا مجددا، فإن مصر امام منعطف تاريخي. رسوخ فكرة الدولة المركزية يعطيها حصانة لاشك، ويحول دون تحولها الى «سوريا ثانية»، لكن غراب التآمر ممكن ان يتكاثر حولها في مرحلة انتقالها السياسي الصعب. من كان يظن لوهلة ان حلب ستحترق كخراب البصرة؟ وأن دمشق ستطوّق بعصابات الحول الجهادي!؟ القتلة بيننا، وعلى مصر ان تبحث عن بقائها، سواء في سيناء او على حدودها الليبية او مواجهة تحديات الداخل، وليس امامها سوى ان تقاتل كما فعلت في درنة، لا كما يزين لها غزو اليمن! وأن تتولى قيادة حرب اقليمية على الارهاب، من بغداد الى سرت مرورا بدمشق، وبالتنسيق معها، بعد ان تتحرر قليلا من قيود الخليجيين، قناعة منها بان امنها القومي كما تؤكد تجاربها التاريخية، يبدأ من جبال طوروس مرورا ببلاد الشام. هذه، ربما، رسالة المذبوحين عند بحر طرابلس

المصدر : خليل حرب/السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة