وردني سؤال بالبريد الإلكتروني من قارئ مضمونه (الإدارة الأميركية تدعو لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب في أواخر شباط 2015... ألم يسبق للإدارة الأميركية أن رفضت دعوة سورية لعقد مثل هذا المؤتمر في ثمانينيات القرن الماضي؟) نعم إن سورية أول من طالب بعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب. حيث طلب الرئيس الراحل حافظ الأسد، في ثمانينيات القرن الماضي، من المجتمع الدولي عقد هذا المؤتمر... مُنَبهّاً إلى خطورة ظاهرة التطرف، والإرهاب على مستقبل الحضارة، والإنسانية... وسجل التاريخ، يومها، معارضة إدارة الولايات المتحدة الأميركية ورفضها الشديد لدعوة سورية هذه. الوقائع، اليوم، تشير إلى أن جرائم الإرهاب التكفيري تتحمل مسؤوليتها الدول والجهات التي ساهمت في إيجاد هذا الإرهاب، ودعمته، ومَولته، واحتضنت الإرهابيين وسهلت مرورهم وإدخالهم إلى سورية، والعراق... وفي مقدمة هؤلاء؛ داعمو الإرهاب في الغرب (الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا). وممولو الإرهاب (السعودية وقطر)... ومن استقبل، وسهل مرور إدخال المرتزقة الإرهابيين (حكومة أردوغان التركية العثمانية)... هؤلاء جميعاً يتحملون مسؤولية ما اقترفه ويقترفه الإرهابيون من جرائم قتل وذبح واغتصاب... في سورية، والعراق، وفي العالم.

 قراءة تاريخية متأنية اليوم وبعد ما يقارب ثلاثة عقود من السياسات، والحروب الأميركية العدوانية، العَبثية؛ ذات الطابع الاستعراضي الدونكيشوتي على امتداد هذه الفترة الزمنية المملوءة بالفوضى، والدمار، والقتل... توضح؛ أنه سبق لواشنطن وبالتنسيق مع بعض حلفائها (المملكة السعودية)؛ أن قامت، في ثمانينيات القرن الماضي؛ بإعداد وتدريب الجهاديين، وأرسلتهم إلى (أفغانستان) بهدف إسقاط نظام كابول القريب من الاتحاد السوفييتي يومها... وكانت النتيجة أن أفغانستان أصبحت مقراً لتصدير الإرهابيين إلى العالم... وحدثت تفجيرات أيلول 2001 في عهد جورج بوش الابن، الذي شن حربين عَبثيتين في أفغانستان والعراق، وبشر بحلم الشرق الأوسط الجديد لنشر ما سماه قيم الحرية والديمقراطية لحماية أمن إسرائيل، وإبقائها الدولة القوية المهيمنة، وتقسيم وتفتيت الدول العربية وإضعافها، ونشر الفوضى الخلاقة التي بشرت بها وزيرة خارجيته (ك. رايس)..... وأعلنت سورية موقفاً صريحاً ضد الغزو الأميركي للعراق... وجاء بعده أوباما ليظهر بدايةً مرونة في التعامل مع العالم العربي في النصف الأول من ولايته، ولكن سرعان ما تراجع ليعتمد مشروع الشرق الأوسط الجديد بالصيغة الإسرائيلية... وجاء ما سمي الربيع العربي كحاضنة للإخوان المسلمين وأخواتهم من التنظيمات الإرهابية بزعامة أردوغان العثماني الحاقد على طموحات العالم العربي بالنهوض والتقدم، والراغب بالثأر من السوريين... وتحول هذا الربيع إلى خريف أسود، لتدمير مؤسسات بعض الدول العربية... وأصبحت ليبيا مرتعاً لعصابات إرهابية تنفيذاً وتصديراً... وانهارت تجربة الإخوان المسلمين في مصر لتبدأ حرب الإرهابيين ضد الجيش المصري... وانتقاماً من سورية ومواقفها الوطنية والقومية الدولة والشعب... تم تصدير عشرات الآلاف من الإرهابيين ا إلى سورية من ثمانين دولة؛ بهدف تدمير الدولة السورية بمؤسساتها ورموزها وقامت الحكومة التركية الأردوغانية... بتسهيل وتشجيع مرور الإرهابيين المرتزقة إلى سورية... واليوم بدأ الغرب (الأميركي الأوروبي) يتلقى ردات فعل وتبعات سياساته لتشجيع الإرهاب في العالم،... الأعمال الإرهابية التي شهدتها فرنسا في النصف الأول من شهر كانون الثاني 2015 تؤكد صحة ذلك... لقد كانت سورية سباقة في مطالبة المجتمع الدولي لعقد مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب في ثمانينيات القرن العشرين، لكن واشنطن رفضت هذه الدعوة يومها.. واشنطن تدعو اليوم لعقد مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب في أواخر شهر شباط القادم! كيف يمكن للإدارة الأميركية وحلفائها أن تدعم الإرهاب وأن توفر مظلة سياسية لعقد مثل هذا المؤتمر، بعد هذه المسيرة الطويلة من احتضان الإرهاب ودعم مموليه... إنها مفارقة غريبة وهل يمكن لعاقل أن يصدق...؟ واشنطن وحلفاؤها الغربيون والإقليميون أتراكاً وعرباً يدّعون محاربة الإرهاب في العراق ويقومون بعمليات استعراضية لمكافحة الإرهاب، في حين يدعمون هذا الإرهاب بشكل مباشر وغير مباشر في سورية... الإرهاب يُواجَه بأعمال قتالية مباشرة وهو أشبه بالأورام السرطانية (لا تعالج بشقها أو إزالة جزء منها بل باستئصالها كلياً). هذا ما حدث في أفغانستان.. العالم يدفع اليوم ثمن سياسات فاشلة لسياسيين قصيري نظر في الغرب.. إدارة أوباما المترددة، الفاشلة، سحبت قواتها من العراق لتترك فراغاً يملؤه الإرهابيون مستغلين النزاعات المذهبية التي أشعلها وأججها الأميركيون أصلاً... هناك فرق في المعالجة بين مواجهة الإرهابيين القتلة بالقوة العسكرية المسلحة، وبين مكافحة الإرهاب التي هي مسؤولية دولية يجب أن تتم بأساليب فكرية، وإيديولوجية؛ عبر قنوات الثقافة، والمعرفة، والاقتصاد، وتحسين مستوى المعيشة، وتبادل المعلومات على المستوى الدولي بين البلدان المعنية.

المجتمع الدولي مدعو اليوم لعمل دولي جماعي جاد، وحازم لمحاربة الإرهاب، ومكافحته في إطار مجلس الأمن... وليس بإجراءات، وعمليات استعراضية؛ تجميلية كالتي يمارسها ما سمي التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين... أخيراً أقول للسائل نعم كانت سورية أول من طالب المجتمع الدولي بعقد مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب، وسورية مستمرة في حربها على هذه الأمة.

  • فريق ماسة
  • 2015-01-27
  • 5820
  • من الأرشيف

من طالب المجتمع الدولي بمكافحة الإرهاب؟ ....د. قحطان السيوفي

وردني سؤال بالبريد الإلكتروني من قارئ مضمونه (الإدارة الأميركية تدعو لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب في أواخر شباط 2015... ألم يسبق للإدارة الأميركية أن رفضت دعوة سورية لعقد مثل هذا المؤتمر في ثمانينيات القرن الماضي؟) نعم إن سورية أول من طالب بعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب. حيث طلب الرئيس الراحل حافظ الأسد، في ثمانينيات القرن الماضي، من المجتمع الدولي عقد هذا المؤتمر... مُنَبهّاً إلى خطورة ظاهرة التطرف، والإرهاب على مستقبل الحضارة، والإنسانية... وسجل التاريخ، يومها، معارضة إدارة الولايات المتحدة الأميركية ورفضها الشديد لدعوة سورية هذه. الوقائع، اليوم، تشير إلى أن جرائم الإرهاب التكفيري تتحمل مسؤوليتها الدول والجهات التي ساهمت في إيجاد هذا الإرهاب، ودعمته، ومَولته، واحتضنت الإرهابيين وسهلت مرورهم وإدخالهم إلى سورية، والعراق... وفي مقدمة هؤلاء؛ داعمو الإرهاب في الغرب (الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا). وممولو الإرهاب (السعودية وقطر)... ومن استقبل، وسهل مرور إدخال المرتزقة الإرهابيين (حكومة أردوغان التركية العثمانية)... هؤلاء جميعاً يتحملون مسؤولية ما اقترفه ويقترفه الإرهابيون من جرائم قتل وذبح واغتصاب... في سورية، والعراق، وفي العالم.  قراءة تاريخية متأنية اليوم وبعد ما يقارب ثلاثة عقود من السياسات، والحروب الأميركية العدوانية، العَبثية؛ ذات الطابع الاستعراضي الدونكيشوتي على امتداد هذه الفترة الزمنية المملوءة بالفوضى، والدمار، والقتل... توضح؛ أنه سبق لواشنطن وبالتنسيق مع بعض حلفائها (المملكة السعودية)؛ أن قامت، في ثمانينيات القرن الماضي؛ بإعداد وتدريب الجهاديين، وأرسلتهم إلى (أفغانستان) بهدف إسقاط نظام كابول القريب من الاتحاد السوفييتي يومها... وكانت النتيجة أن أفغانستان أصبحت مقراً لتصدير الإرهابيين إلى العالم... وحدثت تفجيرات أيلول 2001 في عهد جورج بوش الابن، الذي شن حربين عَبثيتين في أفغانستان والعراق، وبشر بحلم الشرق الأوسط الجديد لنشر ما سماه قيم الحرية والديمقراطية لحماية أمن إسرائيل، وإبقائها الدولة القوية المهيمنة، وتقسيم وتفتيت الدول العربية وإضعافها، ونشر الفوضى الخلاقة التي بشرت بها وزيرة خارجيته (ك. رايس)..... وأعلنت سورية موقفاً صريحاً ضد الغزو الأميركي للعراق... وجاء بعده أوباما ليظهر بدايةً مرونة في التعامل مع العالم العربي في النصف الأول من ولايته، ولكن سرعان ما تراجع ليعتمد مشروع الشرق الأوسط الجديد بالصيغة الإسرائيلية... وجاء ما سمي الربيع العربي كحاضنة للإخوان المسلمين وأخواتهم من التنظيمات الإرهابية بزعامة أردوغان العثماني الحاقد على طموحات العالم العربي بالنهوض والتقدم، والراغب بالثأر من السوريين... وتحول هذا الربيع إلى خريف أسود، لتدمير مؤسسات بعض الدول العربية... وأصبحت ليبيا مرتعاً لعصابات إرهابية تنفيذاً وتصديراً... وانهارت تجربة الإخوان المسلمين في مصر لتبدأ حرب الإرهابيين ضد الجيش المصري... وانتقاماً من سورية ومواقفها الوطنية والقومية الدولة والشعب... تم تصدير عشرات الآلاف من الإرهابيين ا إلى سورية من ثمانين دولة؛ بهدف تدمير الدولة السورية بمؤسساتها ورموزها وقامت الحكومة التركية الأردوغانية... بتسهيل وتشجيع مرور الإرهابيين المرتزقة إلى سورية... واليوم بدأ الغرب (الأميركي الأوروبي) يتلقى ردات فعل وتبعات سياساته لتشجيع الإرهاب في العالم،... الأعمال الإرهابية التي شهدتها فرنسا في النصف الأول من شهر كانون الثاني 2015 تؤكد صحة ذلك... لقد كانت سورية سباقة في مطالبة المجتمع الدولي لعقد مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب في ثمانينيات القرن العشرين، لكن واشنطن رفضت هذه الدعوة يومها.. واشنطن تدعو اليوم لعقد مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب في أواخر شهر شباط القادم! كيف يمكن للإدارة الأميركية وحلفائها أن تدعم الإرهاب وأن توفر مظلة سياسية لعقد مثل هذا المؤتمر، بعد هذه المسيرة الطويلة من احتضان الإرهاب ودعم مموليه... إنها مفارقة غريبة وهل يمكن لعاقل أن يصدق...؟ واشنطن وحلفاؤها الغربيون والإقليميون أتراكاً وعرباً يدّعون محاربة الإرهاب في العراق ويقومون بعمليات استعراضية لمكافحة الإرهاب، في حين يدعمون هذا الإرهاب بشكل مباشر وغير مباشر في سورية... الإرهاب يُواجَه بأعمال قتالية مباشرة وهو أشبه بالأورام السرطانية (لا تعالج بشقها أو إزالة جزء منها بل باستئصالها كلياً). هذا ما حدث في أفغانستان.. العالم يدفع اليوم ثمن سياسات فاشلة لسياسيين قصيري نظر في الغرب.. إدارة أوباما المترددة، الفاشلة، سحبت قواتها من العراق لتترك فراغاً يملؤه الإرهابيون مستغلين النزاعات المذهبية التي أشعلها وأججها الأميركيون أصلاً... هناك فرق في المعالجة بين مواجهة الإرهابيين القتلة بالقوة العسكرية المسلحة، وبين مكافحة الإرهاب التي هي مسؤولية دولية يجب أن تتم بأساليب فكرية، وإيديولوجية؛ عبر قنوات الثقافة، والمعرفة، والاقتصاد، وتحسين مستوى المعيشة، وتبادل المعلومات على المستوى الدولي بين البلدان المعنية. المجتمع الدولي مدعو اليوم لعمل دولي جماعي جاد، وحازم لمحاربة الإرهاب، ومكافحته في إطار مجلس الأمن... وليس بإجراءات، وعمليات استعراضية؛ تجميلية كالتي يمارسها ما سمي التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين... أخيراً أقول للسائل نعم كانت سورية أول من طالب المجتمع الدولي بعقد مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب، وسورية مستمرة في حربها على هذه الأمة.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة