ما كانت «المحتجة» تكشف صدرها لو أن في هذي الجموع رجالا)

هكذا قررت نساء «فيمن» أن يعبّرن عن احتجاجهن أمام سفارة «آل سعود» في باريس على بدء سلطات «آل سعود» بتنفيذ عقوبة الجلد بحق الناشط «رائف البدوي»، الذي تلقى أول 50 من أصل 1000 جلدة، وتأجلت جولة جلده الثانية قبل أمس لأسبابٍ صحيةٍ. «رائف البدوي» المتهم بنشر الأفكار الليبرالية، وربما الديمقراطية أيضاً لا نعلم، تحديداً أن هذه الأفكار- رجسٌ من عمل الشيطان- لا يجب أن نسوق لها إلا لجلبها للشعب السوري، أما مجرد التغريد بها على مواقع التواصل الاجتماعي فهي «إساءةٌ للإسلام» تعرِّض صاحبها للجلد والسجن.

نطق الوزير الفرنسي السابق «برونو لو ماري» بالأمس في حديثه لـ«لوفيغارو» بالحقيقة كاملةٍ، لكنّ مشكلتهم أنهم لا ينطقون بالحقيقة إلا عندما يحملون لقب «وزير أو مسؤول سابق»، تماماً كما الكثير من الوزراء والمسؤولين في سورية فهم لا ينتبهون  إلى ضرورة مكافحة الفساد إلا بعد أن يحملوا لقب «سابق». «لوماري» أكد أنه يجب إعادة النظر بالعلاقات مع دول الشرق الأوسط التي تمول الإرهاب كقطر والسعودية والتي تشكل جميعها الذراع اليمنى للقاعدة، متسائلاً في ذات الوقت ما نفع وجود تركيا في الناتو إذا كانت لا تريد التعاون في مكافحة الإرهاب؟!

كلام «لوماري» قابله صمتٌ رسمي فرنسي حتى الآن، على الرغم من أن أوروبة بشكل عام باتت الآن على صفيحٍ ساخنٍ، لأن ارتدادات الهجوم وتداعياته أقوى من الهجوم بحد ذاته.

صمت هولاند وصمتت الحكومة الفرنسية، فلا أحد يريد أن يواجه مشيخات الإرهاب بإرهابهم، تحديداً أن هذا الصمت الغربي ليس بجديدٍ وهو وللمصادفة ملازم دائماً للصمت عن كل الحماقات التي ترتكبها الطغم التي تدير أمر الكيان الصهيوني.

غلّف الصمت حضورَ نتنياهو «مسيرة النواح الكاريكاتورية» يوم الأحد الماضي، اكتفى الفرنسيون بتسريب معلوماتٍ عن رفضهم بالأساس حضور نتنياهو، لكنّه أصرَّ على الحضور. هذا الكلام لا يبدو مقبولاً في دولةٍ ذات سيادة يحق لها رفض أن تستقبل من تشاء. كذلك الأمر لم تكن المشكلة في دعوات نتنياهو لليهود الفرنسيين بالذهاب  إلى فلسطين المحتلة، تحديداً أن عامل الجذب هذا لن ينفع مع من اعتاد الحياة في فرنسا، فهم ليسوا كاليهود الشرقيين أو القادمين من دول الاتحاد السوفييتي السابق وإفريقيا والذين ارتفعت أعدادهم في العقود الثلاثة الأخيرة لأن معظمهم ينحدر من دولٍ فقيرةٍ وربما أصابتها اضطرابات سياسية. من هنا تبدو تلك الدعوات بالوناتٍ لا أكثر أو نوعاً من الدخول في البازار الانتخابي منذ الآن، كما تزامنت هذه الدعوات مع قرار المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيقٍ بشأن جرائم الحرب ضد الفلسطينيين. إن كنا لا نثق أساساً بمحاكم كهذه ولا أسلوب عملها لأنها ليست أكثر من مجرد أداة، فإنَّ حديث نتنياهو عن اليهود الفرنسيين هو لسحب الحديث عن المحكمة الدولية من الواجهة الإعلامية لا أكثر. لكنَّ الأهم هو ما بات اليهود يطالبون به الآن وهو السماح لهم بالتسلح لأنهم حسب زعمهم عرضةٌ دائمةٌ للهجمات.

بالتأكيد أن هذا الطلب سيفتح الكثير من النقاشات في قادمات الأيام، لأنه ليس مجرد معلومة يتم تداولها وإنما هو طلبٌ عبّر عنه رئيس أكبر جمعية يهودية في أوروبة مطالباً المشرعين في بلجيكا وباقي الدول بسنِّ قانونٍ يُجيز لليهود حملَ السلاح لحماية أنفسهم لكونهم حسب تعبيره هدفاً دائماً للإرهاب. ألا يعني هذا الكلام أن أوروبة قد تكون مقبلةٌ على فوضى السلاح التي نعلم كيف ستبدأ لكنْ لا أحد يعرف كيف ستنتهي أبداً؛ فوضى عرقية ودينية وتسليحية تشبه الحالة اليوغسلافية في أوائل تسعينيات القرن الماضي. حتى لو لم يتم تشريع حمل السلاح، لكنَّ تكبير وهم الإرهاب سيعني ضمنياً نية الجميع حمل السلاح.

كذلك الأمر فقد اتضح وجود ثغرةٍ أمنيةٍ أوروبيةٍ مرتبطةٍ بالقدرة على جمع المعلومات عن تجارة السلاح، فإرهابيو «شارلي ايبدو» اشتروا سلاحهم «حسب المعلومات المتوافرة» من بلجيكا، وعبروا فيها حتى باريس. أما فيما يتعلق بمعلوماتٍ حول تنقلات الإرهابيين، فأردوغان يمارس سياسة الابتزاز أكثر منها التعاون، فلا يتعاطى كرجل دولةٍ بل هو مجرد زعيم عصابة، والتجربة أثبتت مؤخراً ذلك بالحديث عن انتقال الإرهابيّة «حياة بومدين»  إلى سورية عبر تركيا. قيادة «العدالة والتنمية» بررت زلّة لسان وزير الخارجية التركي والتي تلقفتها «بذكاءٍ» الخارجية السورية عن عبور «بومدين» عبر تركيا بأنّهم يفتحون الحدود من أجل خروج المواطنين السوريين الهاربين من الحرب حسب تعبيرهم، لكن ماذا عن دخول المواطنين غير السوريين بما فيهم الإرهابيون وكيف يتجاوزون الحدود من الجهة التركية؟

أيضاً، فإنَّ إصرار الفرنسيين تحديداً على عدم التعاون مع القيادة السورية بما يكفل تبادل المعلومات الأمنية لا يبدو بأنَّه يضر السوريين بقدر ما يُقلق أمن الفرنسيين، لكن الثنائي (فابيوس- هولاند) اللذين تبدو لديهما النزعة الثأرية ذاتها التي يمتلكها معظم حكام مشيخات النفط، باتا أشبه بذاك الراعي الذي باع بقرتين ليقاضي بثمنهما جاره بذريعة أن إحدى دجاجات جاره تدخل أرضه، فهل من تبدلٍ في المدى المنظور؟

بالشكل العام تقاسم الرئيس الأسد كرئيس دولةٍ هي النواة الراعية لمفهوم المقاومة مع السيد حسن نصر الله كقائد للمقاومة، كلٌّ على طريقته ومن موقعه توجيه الرسائل الخاصة والعامة. فالسيد نصر الله بمقابلته الأخيرة أزعج مشيخات النفط وأزعج الكيان الصهيوني؛ «هل هي صدفةٌ؟»، حتى إعلام الكيان الصهيوني يتحدث عن اهتمامٍ غير مسبوقٍ بهذه المقابلة ولأسبابٍ كثيرةٍ أهمها حديث الصواريخ أو يحقُ لنا القول «ما ظنت إسرائيل نفسها قد دمرته».

أما الرئيس الأسد بدا واثقاً من خلال حديثه لصحيفة «ليتيرارني نوفيني» التشيكية بأن الجميع الآن عاد لكلامه، حتى الحدث السوري كان غائباً عن الإعلام العالمي بشكلٍ كبير للمرة الأولى منذ ما يقارب الأربع سنوات، لولا اضطرار بعضهم لنقل تصريحات الأسد. ليست المشكلة بأن هناك أحداثاً تقدمت عليه بما فيها الإرهاب الذي ضرب أوروبا. لكنهم باتوا يعلمون أنه لم يعد لديهم شيء ليقولوه تحديداً إن محاولاتهم إخفاء شمس الحقيقة بالغربال باتت فاشلة، وكل ما قاله الأسد سابقاً بدأ يتجسد على أرض الواقع. قال الأسد كلُّ ما كان الإعلام الفرنسي على أقل تقديرٍ يتجاهله تحديداً لجهة التنديد بالعمل الإرهابي مع الاحتفاظ بحق الاختلاف مع سياسة الصحيفة.

الأسد بدا في كلامه للصحيفة أيضاً واثقاً أن كلَّ ما هو سيئ قد مرَّ، ولا يمكن أن يعيش المواطن السوري أوضاعاً أصعب من تلك التي عاشها في العام 2014، أي إن التأقلم بدا سمة وأسلوب حياةٍ بالنسبة للسوريين، فهل يستطيع الآخرون تحمل ما هو أسوأ؟

أعلن الأسد صراحة أن عملية إعادة الإعمار قد انطلقت، بل كان واضحاً أكثر من ذلك بتحديده بشكلٍ مباشر للدول التي سيكون مسموحٌ لها المشاركة في إعادة الإعمار. مما لاشك فيه أن دولاً كثيرةً كانت تُعد العدة لمرحلة ما بعد إعادة الإعمار، بل الأدق من ذلك أن هناك دولاً كانت تنتظر تعويضاً ولو لجزءٍ من خسائرها، بعد قيامها عمداً بتخفيض أسعار النفط، بما يُتاح لها من مكاسب في إعادة الاستثمار في سورية أو من خلال تحقيق طموحاتها بأحلامٍ وهميةٍ كحلم أوغلو مثلاً بأن يكون القطار الذي سيصل «غازي عنتاب» بحلب هو جزءٌ من عملية «تتريك» العاصمة الصناعية لسورية.

في الوقت الذي يعلن فيه الرجل الذي هللوا لقرب رحيله منذ الأسبوع الأول للحرب عن بدء إعادة الإعمار وامتلاكه من القرار السيادي الحر الذي يجعله يحدد المرفوضين من قبل «الشعب» قبل القيادة، فإنَّ هناك ملامح بدء تخريبٍ تلوح في الأفق في مناطق عدة من العالم.

ملامح التخريب تلك قد تبدأ بقيام أردوغان بتزوير التاريخ وتحويل ذكرى 24 نيسان من ذكرى مرتبطة بمجازر أجداده بحق الأرمن  إلى ذكرى معركة «غاليبولي»- التي تجمع المصادر التاريخية أنها بدأت يوم 25 نيسان- لكن لا أحد يعلم كيف ستنتهي. ففشل العثمانيين يوماً في اقتحام فيينا واندحارهم عند أسوراها قد لا يعني بالضرورة إخفاق حفيدهم بالوصول لكل أوروبا عبر إرهابيين يدعمهم، تحديداً إن الفكر الوهابي المدعوم قطرياً وسعودياً يشكل مخزوناً جيداً ضمن أوروبا ذاتها دون الحاجة لتنقل الإرهابيين. إنه تعديلٌ في إستراتيجية كل من داعش والنصرة، فكيف والأمر مرتبطٌ ضمنياً مع مصلحة من يروج لأهمية حمل السلاح دفاعاً عن النفس.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-01-17
  • 9861
  • من الأرشيف

أوروبا والصراع القادم: ماذا يعني إعلان الأسد بدء إعادة الإعمار؟

ما كانت «المحتجة» تكشف صدرها لو أن في هذي الجموع رجالا) هكذا قررت نساء «فيمن» أن يعبّرن عن احتجاجهن أمام سفارة «آل سعود» في باريس على بدء سلطات «آل سعود» بتنفيذ عقوبة الجلد بحق الناشط «رائف البدوي»، الذي تلقى أول 50 من أصل 1000 جلدة، وتأجلت جولة جلده الثانية قبل أمس لأسبابٍ صحيةٍ. «رائف البدوي» المتهم بنشر الأفكار الليبرالية، وربما الديمقراطية أيضاً لا نعلم، تحديداً أن هذه الأفكار- رجسٌ من عمل الشيطان- لا يجب أن نسوق لها إلا لجلبها للشعب السوري، أما مجرد التغريد بها على مواقع التواصل الاجتماعي فهي «إساءةٌ للإسلام» تعرِّض صاحبها للجلد والسجن. نطق الوزير الفرنسي السابق «برونو لو ماري» بالأمس في حديثه لـ«لوفيغارو» بالحقيقة كاملةٍ، لكنّ مشكلتهم أنهم لا ينطقون بالحقيقة إلا عندما يحملون لقب «وزير أو مسؤول سابق»، تماماً كما الكثير من الوزراء والمسؤولين في سورية فهم لا ينتبهون  إلى ضرورة مكافحة الفساد إلا بعد أن يحملوا لقب «سابق». «لوماري» أكد أنه يجب إعادة النظر بالعلاقات مع دول الشرق الأوسط التي تمول الإرهاب كقطر والسعودية والتي تشكل جميعها الذراع اليمنى للقاعدة، متسائلاً في ذات الوقت ما نفع وجود تركيا في الناتو إذا كانت لا تريد التعاون في مكافحة الإرهاب؟! كلام «لوماري» قابله صمتٌ رسمي فرنسي حتى الآن، على الرغم من أن أوروبة بشكل عام باتت الآن على صفيحٍ ساخنٍ، لأن ارتدادات الهجوم وتداعياته أقوى من الهجوم بحد ذاته. صمت هولاند وصمتت الحكومة الفرنسية، فلا أحد يريد أن يواجه مشيخات الإرهاب بإرهابهم، تحديداً أن هذا الصمت الغربي ليس بجديدٍ وهو وللمصادفة ملازم دائماً للصمت عن كل الحماقات التي ترتكبها الطغم التي تدير أمر الكيان الصهيوني. غلّف الصمت حضورَ نتنياهو «مسيرة النواح الكاريكاتورية» يوم الأحد الماضي، اكتفى الفرنسيون بتسريب معلوماتٍ عن رفضهم بالأساس حضور نتنياهو، لكنّه أصرَّ على الحضور. هذا الكلام لا يبدو مقبولاً في دولةٍ ذات سيادة يحق لها رفض أن تستقبل من تشاء. كذلك الأمر لم تكن المشكلة في دعوات نتنياهو لليهود الفرنسيين بالذهاب  إلى فلسطين المحتلة، تحديداً أن عامل الجذب هذا لن ينفع مع من اعتاد الحياة في فرنسا، فهم ليسوا كاليهود الشرقيين أو القادمين من دول الاتحاد السوفييتي السابق وإفريقيا والذين ارتفعت أعدادهم في العقود الثلاثة الأخيرة لأن معظمهم ينحدر من دولٍ فقيرةٍ وربما أصابتها اضطرابات سياسية. من هنا تبدو تلك الدعوات بالوناتٍ لا أكثر أو نوعاً من الدخول في البازار الانتخابي منذ الآن، كما تزامنت هذه الدعوات مع قرار المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيقٍ بشأن جرائم الحرب ضد الفلسطينيين. إن كنا لا نثق أساساً بمحاكم كهذه ولا أسلوب عملها لأنها ليست أكثر من مجرد أداة، فإنَّ حديث نتنياهو عن اليهود الفرنسيين هو لسحب الحديث عن المحكمة الدولية من الواجهة الإعلامية لا أكثر. لكنَّ الأهم هو ما بات اليهود يطالبون به الآن وهو السماح لهم بالتسلح لأنهم حسب زعمهم عرضةٌ دائمةٌ للهجمات. بالتأكيد أن هذا الطلب سيفتح الكثير من النقاشات في قادمات الأيام، لأنه ليس مجرد معلومة يتم تداولها وإنما هو طلبٌ عبّر عنه رئيس أكبر جمعية يهودية في أوروبة مطالباً المشرعين في بلجيكا وباقي الدول بسنِّ قانونٍ يُجيز لليهود حملَ السلاح لحماية أنفسهم لكونهم حسب تعبيره هدفاً دائماً للإرهاب. ألا يعني هذا الكلام أن أوروبة قد تكون مقبلةٌ على فوضى السلاح التي نعلم كيف ستبدأ لكنْ لا أحد يعرف كيف ستنتهي أبداً؛ فوضى عرقية ودينية وتسليحية تشبه الحالة اليوغسلافية في أوائل تسعينيات القرن الماضي. حتى لو لم يتم تشريع حمل السلاح، لكنَّ تكبير وهم الإرهاب سيعني ضمنياً نية الجميع حمل السلاح. كذلك الأمر فقد اتضح وجود ثغرةٍ أمنيةٍ أوروبيةٍ مرتبطةٍ بالقدرة على جمع المعلومات عن تجارة السلاح، فإرهابيو «شارلي ايبدو» اشتروا سلاحهم «حسب المعلومات المتوافرة» من بلجيكا، وعبروا فيها حتى باريس. أما فيما يتعلق بمعلوماتٍ حول تنقلات الإرهابيين، فأردوغان يمارس سياسة الابتزاز أكثر منها التعاون، فلا يتعاطى كرجل دولةٍ بل هو مجرد زعيم عصابة، والتجربة أثبتت مؤخراً ذلك بالحديث عن انتقال الإرهابيّة «حياة بومدين»  إلى سورية عبر تركيا. قيادة «العدالة والتنمية» بررت زلّة لسان وزير الخارجية التركي والتي تلقفتها «بذكاءٍ» الخارجية السورية عن عبور «بومدين» عبر تركيا بأنّهم يفتحون الحدود من أجل خروج المواطنين السوريين الهاربين من الحرب حسب تعبيرهم، لكن ماذا عن دخول المواطنين غير السوريين بما فيهم الإرهابيون وكيف يتجاوزون الحدود من الجهة التركية؟ أيضاً، فإنَّ إصرار الفرنسيين تحديداً على عدم التعاون مع القيادة السورية بما يكفل تبادل المعلومات الأمنية لا يبدو بأنَّه يضر السوريين بقدر ما يُقلق أمن الفرنسيين، لكن الثنائي (فابيوس- هولاند) اللذين تبدو لديهما النزعة الثأرية ذاتها التي يمتلكها معظم حكام مشيخات النفط، باتا أشبه بذاك الراعي الذي باع بقرتين ليقاضي بثمنهما جاره بذريعة أن إحدى دجاجات جاره تدخل أرضه، فهل من تبدلٍ في المدى المنظور؟ بالشكل العام تقاسم الرئيس الأسد كرئيس دولةٍ هي النواة الراعية لمفهوم المقاومة مع السيد حسن نصر الله كقائد للمقاومة، كلٌّ على طريقته ومن موقعه توجيه الرسائل الخاصة والعامة. فالسيد نصر الله بمقابلته الأخيرة أزعج مشيخات النفط وأزعج الكيان الصهيوني؛ «هل هي صدفةٌ؟»، حتى إعلام الكيان الصهيوني يتحدث عن اهتمامٍ غير مسبوقٍ بهذه المقابلة ولأسبابٍ كثيرةٍ أهمها حديث الصواريخ أو يحقُ لنا القول «ما ظنت إسرائيل نفسها قد دمرته». أما الرئيس الأسد بدا واثقاً من خلال حديثه لصحيفة «ليتيرارني نوفيني» التشيكية بأن الجميع الآن عاد لكلامه، حتى الحدث السوري كان غائباً عن الإعلام العالمي بشكلٍ كبير للمرة الأولى منذ ما يقارب الأربع سنوات، لولا اضطرار بعضهم لنقل تصريحات الأسد. ليست المشكلة بأن هناك أحداثاً تقدمت عليه بما فيها الإرهاب الذي ضرب أوروبا. لكنهم باتوا يعلمون أنه لم يعد لديهم شيء ليقولوه تحديداً إن محاولاتهم إخفاء شمس الحقيقة بالغربال باتت فاشلة، وكل ما قاله الأسد سابقاً بدأ يتجسد على أرض الواقع. قال الأسد كلُّ ما كان الإعلام الفرنسي على أقل تقديرٍ يتجاهله تحديداً لجهة التنديد بالعمل الإرهابي مع الاحتفاظ بحق الاختلاف مع سياسة الصحيفة. الأسد بدا في كلامه للصحيفة أيضاً واثقاً أن كلَّ ما هو سيئ قد مرَّ، ولا يمكن أن يعيش المواطن السوري أوضاعاً أصعب من تلك التي عاشها في العام 2014، أي إن التأقلم بدا سمة وأسلوب حياةٍ بالنسبة للسوريين، فهل يستطيع الآخرون تحمل ما هو أسوأ؟ أعلن الأسد صراحة أن عملية إعادة الإعمار قد انطلقت، بل كان واضحاً أكثر من ذلك بتحديده بشكلٍ مباشر للدول التي سيكون مسموحٌ لها المشاركة في إعادة الإعمار. مما لاشك فيه أن دولاً كثيرةً كانت تُعد العدة لمرحلة ما بعد إعادة الإعمار، بل الأدق من ذلك أن هناك دولاً كانت تنتظر تعويضاً ولو لجزءٍ من خسائرها، بعد قيامها عمداً بتخفيض أسعار النفط، بما يُتاح لها من مكاسب في إعادة الاستثمار في سورية أو من خلال تحقيق طموحاتها بأحلامٍ وهميةٍ كحلم أوغلو مثلاً بأن يكون القطار الذي سيصل «غازي عنتاب» بحلب هو جزءٌ من عملية «تتريك» العاصمة الصناعية لسورية. في الوقت الذي يعلن فيه الرجل الذي هللوا لقرب رحيله منذ الأسبوع الأول للحرب عن بدء إعادة الإعمار وامتلاكه من القرار السيادي الحر الذي يجعله يحدد المرفوضين من قبل «الشعب» قبل القيادة، فإنَّ هناك ملامح بدء تخريبٍ تلوح في الأفق في مناطق عدة من العالم. ملامح التخريب تلك قد تبدأ بقيام أردوغان بتزوير التاريخ وتحويل ذكرى 24 نيسان من ذكرى مرتبطة بمجازر أجداده بحق الأرمن  إلى ذكرى معركة «غاليبولي»- التي تجمع المصادر التاريخية أنها بدأت يوم 25 نيسان- لكن لا أحد يعلم كيف ستنتهي. ففشل العثمانيين يوماً في اقتحام فيينا واندحارهم عند أسوراها قد لا يعني بالضرورة إخفاق حفيدهم بالوصول لكل أوروبا عبر إرهابيين يدعمهم، تحديداً إن الفكر الوهابي المدعوم قطرياً وسعودياً يشكل مخزوناً جيداً ضمن أوروبا ذاتها دون الحاجة لتنقل الإرهابيين. إنه تعديلٌ في إستراتيجية كل من داعش والنصرة، فكيف والأمر مرتبطٌ ضمنياً مع مصلحة من يروج لأهمية حمل السلاح دفاعاً عن النفس.  

المصدر : فراس عزيز ديب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة