يجهد البعض في تشبيه عملية باريس الإرهابية التي ارتكبت بتاريخ 7 1 2015 ضد صحيفة «شارلي إيبدو»، بالهجوم الإرهابي الذي نفذ ضد برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 أيلول 2001، تشبيه يريدون منه القول إن العالم على عتبة مرحلة جديدة من الصراعات والمواجهات الدامية، مرحلة تستنسخ ما جرى في أفغانستان والعراق ثم لبنان وغزة من حروب شنت بقرار غربي صهيوأميركي، وخلصت إلى «الحريق العربي» الذي لا يزال يلهب المنطقة منذ أربع سنوات. من دون أن يحقق أهدافه، ما استدعى العودة إلى الحروب للخروج من الفشل. فما مدى صحة التشبيه ودقة التوقع هذا؟

قد تكون لهذا البعض أسبابه وقرائنه التي تقوده إلى التشبيه والتوقع المتقدم، ولكننا في تفحص للعملية وما استتبعها، وللبيئة الدولية القائمة اليوم نرانا نفكر في اتجاه آخر لا يتقبل هذا الطرح، خصوصاً أن هناك همساً يتردد مشككاً بما أعلن حول المرتكب الحقيقي لتلك العمليات الإرهابية.

فبالعودة إلى أن عملية أيلول 2001 نجدها تمت في ظل واقع دولي اختل فيه التوازن في العلاقات الدولية، وتقدمت فيه أميركا لقيادة العالم، في سياق مسار هجومي اعتمد استراتيجية القوة الصلبة وترجمت بفتح الجبهات واحتلال البلدان ومحاصرة هذا والتضييق على ذاك من دون أن تخشى رد فعل يعيق هجومها أو تكسره.

أما في عالم اليوم فإن أميركا ومعها الغرب لا تملك قدرات تمكنها من العودة إلى تلك الاستراتيجية بأي حال من الأحوال، لظروف تتعلق بها ذاتياً كما وللواقع المستجد في ظل المتغيرات في العلاقات الدولية التي اختلفت في شكل كبير عما كانت عليه يومها، متغيرات حصلت بعد إخفاق أميركا في تثبيت موقعها في قيادة العالم كما كانت تطمح وتشتهي، حيث برزت إلى المسرح الدولي قوى صاعدة، لا يقبل معظمها أن تكون أميركا هي المتربع على عرش قيادة العالم، مع أن أحداً منها لا يطمح للانفراد بتلك القيادة على غرار ما فعلت أميركا.

فإذا عطفنا ذلك على واقع فرنسا بذاتها وقدراتها العسكرية ومدى استجابة العالم لمطالبها نصل إلى تأكيد استبعاد استعادة مشهد ما بعد 11 أيلول 2001. ففرنسا تخبطت في مالي ولم تجد من يمد العون لها حتى من حلفائها الأطلسيين، وفرنسا التي كانت رأس حربة في ليبيا أخرجت منها من دون أن يصغي لصراخها أحد وعلى هذا الأساس يكون التفكير باستعادة فرنسية لمشهد ما بعد 11 أيلول 2001، أو حتى أميركيا ًودولياً، يكون تفكيراً منفصلاً عن الواقع وفقاً لما نعتقد، ويكون التمسك به والعمل بمقتضاه، نوعاً من هدر الوقت والانحراف عن الاتجاه الممكن أن تندفع فيه الأحداث مستقبلاً.

ومع هذا الاستبعاد لفكرة «الحرب المقبلة انتقاما لضحايا فرنسا» يطرح السؤال ما لذي ينتظر العالم بعد الجريمة وبعد التظاهرة الباريسية، ثم بعد اجتماع واشنطن الدولي المزمع عقده تحت شعار محاربة الإرهاب؟

عملاً بالمنطق نرى أنه من العبث البحث عما سيقع كرد فعل على الجريمة قبل أن يحدد المرتكب الحقيقي للعملية الإرهابية، فعلى ضوء ما يتوصل البحث إليه هنا تطرح الفرضيات حول التدابير الممكنة. نقول هذا بعد أن تضاربات الإعلانات حول تحديد المسؤول الحقيقي عن الجريمة، وما شاع من همس لا يشبه ما أعلن.

فإذا كانت الجريمة مجرد عمل إرهابي نفذته القاعدة أو إحدى مشتقاتها، فإن رد الفعل ومع استبعادنا للحروب، لن يتعدى ما اتخذ في بعض البلدان الأوروبية بعد التفجير الذي طاول محطات المترو أو المراكز التجارية فيها، مع تشدد أكثر في التدابير التي تضبط حركة الانتقال بين الدول وتبادل الاتصالات بين الأشخاص. أي بمعنى آخر حصر رد الفعل بتدابير وقائية دفاعية. أي خلافاً لرد الفعل الذي تبنى الهجوم واجتياح الدول.

أما إذا كان الفعل كما يهمس البعض أو يسرب في شكل حذر، ويقول إن أميركا أو «إسرائيل» أو كليهما معاً هما وراء هذا الهجوم، عندها يجب البحث عن بقية المخطط، لأن العملية تكون مجرد بداية فيه.

وبما أنه لا يمكن اعتبار هذه الفرضية خيالاً وهمياً خصوصاً إذا أعملنا القواعد التي تعتمد في التحقيق لكشف مرتكبي الجرائم، وأهمها قاعدة: «فتش عن المستفيد فتصل إلى المجرم إلا إذا حكم قانون الصدفة عندها يستبعد».

ففي جريمة باريس نجد أن أول المستفيدين منها «إسرائيل»، التي حصدت المكاسب بالجملة. مكاسب كان أولها تصدر نتنياهو تظاهرة باريس ضد الإرهاب والإرهابيين، وكأنه بهذه المشاركة الفاعلة يغسل يده وينظف سجل «إسرائيل» من الجرائم الإرهابية التي ارتكبتها ولا تزال ضد الفلسطينيين واللبنانيين وضد أي جهة ترى «إسرائيل» فيها تهديداً لمصالحها، حتى ولو كانت الأمم المتحدة قتل الكونت برنا دوت، وقصف مراكز الأمم المتحدة في قانا .

ولكن الأهم من هذا الكسب كان أمراً آخر طالما حلمت «إسرائيل» بتسويقه والعمل به، وهو فرض أمر واقع يجعل العالم يسلم بـ «يهودية دولة إسرائيل». عبارة تعني أن «إسرائيل» وطن كل يهود العالم فالشعب اليهودي بنظرهم واحد لا تقسمه الحدود السياسية، وأن الجنسية اليهودية تتقدم على الجنسية السياسية لأي من يهود الدنيا وبموجب هذا الأمر دعا نتنياهو يهود فرنسا إلى «العودة إلى وطنهم إسرائيل» حيث الأمن الذي باتوا يفتقدونه في فرنسا على حد قوله. ومن المهم جداً التوقف عند كلمة «عودة» التي استعملت بدل الهجرة في الوقت الذي يرفض فيه حق العودة للفلسطينيين، ثم كان طلبه الثاني بدفن اليهود الفرنسيين الأربعة الذين قتلوا في سياق العمليات الإرهابية في فرنسا، طلبه دفنهم في القدس حيث «وطنهم»، وهو بذلك وعطفاً على ما تقدم يضع موضع التنفيذ مقولة يهودية الدولة وبشكل عملي. ولا نغفل أخيراً ما سعت إليه «إسرائيل» بعد العملية من تحريض ضد الإسلام والجاليات الإسلامية في أوروبا وإطلاق مقولة «الإرهاب الإسلامي«. نستعرض هذه المكاسب من دون أن نطيل في استعراض الأسباب التي تدفع «إسرائيل» الآن لارتكاب هذه الجريمة في حال كانت هي المرتكبة.

وعلى الصعيد الأميركي ومع البرودة التي تعاملت بها أميركا مع الحدث بذاته والتظاهرة التي أعقبته، نرى أن أميركا انتزعت سريعاً من باريس فرصة الاستثمار الدولي للجريمة، وسارعت إلى الدعوة لانعقاد مؤتمر دولي في واشنطن للبحث في أسس ووسائل مكافحة الإرهاب، طبعاً مؤتمر يعقد خارج الأمم المتحدة، لأن لأميركا أهدافاً وخططاً لا تقبل بأن يكون شريكاً لها فيها أي من الأطراف الذين تصنفهم أعداء أو خصوماً أو حتى منافسين، وتريد أن يتحلق حولها فقط من يتلقى أوامرها وينصاع.

إن طرح هذه الفرضيات لا يتناقض مع حقيقة أن الأداة التنفيذية للجريمة هم فرنسيون ينتمون إلى «القاعدة» أو إحدى مشتقاتها بل إنه يعزز القول أن هذه المكونات داعش ومثيلاتها هي منتج أميركي صهيوني ينفذ في شكل مباشر أو غير مباشر ما تريده إحدى هاتين الدولتين أو كلاهما، ولذلك شهدنا كيف تم الإجهاز ميدانياً على الإرهابيين، وكان فرار الشخص الحي الوحيد المتبقي حياة زوجة أحد الإرهابيين إلى سورية عبر تركيا، ثم كان أخيراً انتحار المحقق الفرنسي الذي كلف بمتابعة القضية، كل ذلك كان برأينا لمنع التحقيق من تحديد المرتكب.

فان صحت هذه الفرضية تكون الجريمة الإرهابية تلك بمثابة الخطوة الأولى في مخطط تقوده أميركا ومعها «إسرائيل»، يستهدف أوروبا والمسلمين فيها في شكل خاص، من دون أن تستتبع ذلك حرب وجبهات كما بينا، أما فرنسا حيث كانت ميدان الجريمة لإطلاق المخطط فستشعر بأنها نالت نصيبها من التعويض المعنوي والدعم الدولي بتلك التظاهرة الموحدة في الشكل غير المتجانسة في المضمون، تظاهرة جمعت الخائف إلى المتألم إلى المنافق، إلى المستثمر، ويكون المسؤول الفرنسي على المستويين السياسي والأمني عبرها قد حجب مسؤوليته عن التقصير .

أما الأوربيون فقد لا يجدون في مواجهة ذلك إلا التشدد في التدابير الأمنية الوقائية والاحترازية بما يرفع الضمانات الأمنية لديهم مع تعقيد في بعض جوانب حياتهم، وفي شكل يترافق مع تسعير النزعة العنصرية ضد المسلمين في بعض المدن الأوروبية. وتبقى أميركا و«إسرائيل» في حلف استراتيجي يحصدون ما ينبت من سفك دماء الآخرين ما لم تكن يقظة تعطل مشاريعهما العدوانية.

  • فريق ماسة
  • 2015-01-14
  • 15873
  • من الأرشيف

جريمة باريس الإرهابية: تساؤلات وفرضيات ...بقلم د. أمين محمد حطيط

يجهد البعض في تشبيه عملية باريس الإرهابية التي ارتكبت بتاريخ 7 1 2015 ضد صحيفة «شارلي إيبدو»، بالهجوم الإرهابي الذي نفذ ضد برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 أيلول 2001، تشبيه يريدون منه القول إن العالم على عتبة مرحلة جديدة من الصراعات والمواجهات الدامية، مرحلة تستنسخ ما جرى في أفغانستان والعراق ثم لبنان وغزة من حروب شنت بقرار غربي صهيوأميركي، وخلصت إلى «الحريق العربي» الذي لا يزال يلهب المنطقة منذ أربع سنوات. من دون أن يحقق أهدافه، ما استدعى العودة إلى الحروب للخروج من الفشل. فما مدى صحة التشبيه ودقة التوقع هذا؟ قد تكون لهذا البعض أسبابه وقرائنه التي تقوده إلى التشبيه والتوقع المتقدم، ولكننا في تفحص للعملية وما استتبعها، وللبيئة الدولية القائمة اليوم نرانا نفكر في اتجاه آخر لا يتقبل هذا الطرح، خصوصاً أن هناك همساً يتردد مشككاً بما أعلن حول المرتكب الحقيقي لتلك العمليات الإرهابية. فبالعودة إلى أن عملية أيلول 2001 نجدها تمت في ظل واقع دولي اختل فيه التوازن في العلاقات الدولية، وتقدمت فيه أميركا لقيادة العالم، في سياق مسار هجومي اعتمد استراتيجية القوة الصلبة وترجمت بفتح الجبهات واحتلال البلدان ومحاصرة هذا والتضييق على ذاك من دون أن تخشى رد فعل يعيق هجومها أو تكسره. أما في عالم اليوم فإن أميركا ومعها الغرب لا تملك قدرات تمكنها من العودة إلى تلك الاستراتيجية بأي حال من الأحوال، لظروف تتعلق بها ذاتياً كما وللواقع المستجد في ظل المتغيرات في العلاقات الدولية التي اختلفت في شكل كبير عما كانت عليه يومها، متغيرات حصلت بعد إخفاق أميركا في تثبيت موقعها في قيادة العالم كما كانت تطمح وتشتهي، حيث برزت إلى المسرح الدولي قوى صاعدة، لا يقبل معظمها أن تكون أميركا هي المتربع على عرش قيادة العالم، مع أن أحداً منها لا يطمح للانفراد بتلك القيادة على غرار ما فعلت أميركا. فإذا عطفنا ذلك على واقع فرنسا بذاتها وقدراتها العسكرية ومدى استجابة العالم لمطالبها نصل إلى تأكيد استبعاد استعادة مشهد ما بعد 11 أيلول 2001. ففرنسا تخبطت في مالي ولم تجد من يمد العون لها حتى من حلفائها الأطلسيين، وفرنسا التي كانت رأس حربة في ليبيا أخرجت منها من دون أن يصغي لصراخها أحد وعلى هذا الأساس يكون التفكير باستعادة فرنسية لمشهد ما بعد 11 أيلول 2001، أو حتى أميركيا ًودولياً، يكون تفكيراً منفصلاً عن الواقع وفقاً لما نعتقد، ويكون التمسك به والعمل بمقتضاه، نوعاً من هدر الوقت والانحراف عن الاتجاه الممكن أن تندفع فيه الأحداث مستقبلاً. ومع هذا الاستبعاد لفكرة «الحرب المقبلة انتقاما لضحايا فرنسا» يطرح السؤال ما لذي ينتظر العالم بعد الجريمة وبعد التظاهرة الباريسية، ثم بعد اجتماع واشنطن الدولي المزمع عقده تحت شعار محاربة الإرهاب؟ عملاً بالمنطق نرى أنه من العبث البحث عما سيقع كرد فعل على الجريمة قبل أن يحدد المرتكب الحقيقي للعملية الإرهابية، فعلى ضوء ما يتوصل البحث إليه هنا تطرح الفرضيات حول التدابير الممكنة. نقول هذا بعد أن تضاربات الإعلانات حول تحديد المسؤول الحقيقي عن الجريمة، وما شاع من همس لا يشبه ما أعلن. فإذا كانت الجريمة مجرد عمل إرهابي نفذته القاعدة أو إحدى مشتقاتها، فإن رد الفعل ومع استبعادنا للحروب، لن يتعدى ما اتخذ في بعض البلدان الأوروبية بعد التفجير الذي طاول محطات المترو أو المراكز التجارية فيها، مع تشدد أكثر في التدابير التي تضبط حركة الانتقال بين الدول وتبادل الاتصالات بين الأشخاص. أي بمعنى آخر حصر رد الفعل بتدابير وقائية دفاعية. أي خلافاً لرد الفعل الذي تبنى الهجوم واجتياح الدول. أما إذا كان الفعل كما يهمس البعض أو يسرب في شكل حذر، ويقول إن أميركا أو «إسرائيل» أو كليهما معاً هما وراء هذا الهجوم، عندها يجب البحث عن بقية المخطط، لأن العملية تكون مجرد بداية فيه. وبما أنه لا يمكن اعتبار هذه الفرضية خيالاً وهمياً خصوصاً إذا أعملنا القواعد التي تعتمد في التحقيق لكشف مرتكبي الجرائم، وأهمها قاعدة: «فتش عن المستفيد فتصل إلى المجرم إلا إذا حكم قانون الصدفة عندها يستبعد». ففي جريمة باريس نجد أن أول المستفيدين منها «إسرائيل»، التي حصدت المكاسب بالجملة. مكاسب كان أولها تصدر نتنياهو تظاهرة باريس ضد الإرهاب والإرهابيين، وكأنه بهذه المشاركة الفاعلة يغسل يده وينظف سجل «إسرائيل» من الجرائم الإرهابية التي ارتكبتها ولا تزال ضد الفلسطينيين واللبنانيين وضد أي جهة ترى «إسرائيل» فيها تهديداً لمصالحها، حتى ولو كانت الأمم المتحدة قتل الكونت برنا دوت، وقصف مراكز الأمم المتحدة في قانا . ولكن الأهم من هذا الكسب كان أمراً آخر طالما حلمت «إسرائيل» بتسويقه والعمل به، وهو فرض أمر واقع يجعل العالم يسلم بـ «يهودية دولة إسرائيل». عبارة تعني أن «إسرائيل» وطن كل يهود العالم فالشعب اليهودي بنظرهم واحد لا تقسمه الحدود السياسية، وأن الجنسية اليهودية تتقدم على الجنسية السياسية لأي من يهود الدنيا وبموجب هذا الأمر دعا نتنياهو يهود فرنسا إلى «العودة إلى وطنهم إسرائيل» حيث الأمن الذي باتوا يفتقدونه في فرنسا على حد قوله. ومن المهم جداً التوقف عند كلمة «عودة» التي استعملت بدل الهجرة في الوقت الذي يرفض فيه حق العودة للفلسطينيين، ثم كان طلبه الثاني بدفن اليهود الفرنسيين الأربعة الذين قتلوا في سياق العمليات الإرهابية في فرنسا، طلبه دفنهم في القدس حيث «وطنهم»، وهو بذلك وعطفاً على ما تقدم يضع موضع التنفيذ مقولة يهودية الدولة وبشكل عملي. ولا نغفل أخيراً ما سعت إليه «إسرائيل» بعد العملية من تحريض ضد الإسلام والجاليات الإسلامية في أوروبا وإطلاق مقولة «الإرهاب الإسلامي«. نستعرض هذه المكاسب من دون أن نطيل في استعراض الأسباب التي تدفع «إسرائيل» الآن لارتكاب هذه الجريمة في حال كانت هي المرتكبة. وعلى الصعيد الأميركي ومع البرودة التي تعاملت بها أميركا مع الحدث بذاته والتظاهرة التي أعقبته، نرى أن أميركا انتزعت سريعاً من باريس فرصة الاستثمار الدولي للجريمة، وسارعت إلى الدعوة لانعقاد مؤتمر دولي في واشنطن للبحث في أسس ووسائل مكافحة الإرهاب، طبعاً مؤتمر يعقد خارج الأمم المتحدة، لأن لأميركا أهدافاً وخططاً لا تقبل بأن يكون شريكاً لها فيها أي من الأطراف الذين تصنفهم أعداء أو خصوماً أو حتى منافسين، وتريد أن يتحلق حولها فقط من يتلقى أوامرها وينصاع. إن طرح هذه الفرضيات لا يتناقض مع حقيقة أن الأداة التنفيذية للجريمة هم فرنسيون ينتمون إلى «القاعدة» أو إحدى مشتقاتها بل إنه يعزز القول أن هذه المكونات داعش ومثيلاتها هي منتج أميركي صهيوني ينفذ في شكل مباشر أو غير مباشر ما تريده إحدى هاتين الدولتين أو كلاهما، ولذلك شهدنا كيف تم الإجهاز ميدانياً على الإرهابيين، وكان فرار الشخص الحي الوحيد المتبقي حياة زوجة أحد الإرهابيين إلى سورية عبر تركيا، ثم كان أخيراً انتحار المحقق الفرنسي الذي كلف بمتابعة القضية، كل ذلك كان برأينا لمنع التحقيق من تحديد المرتكب. فان صحت هذه الفرضية تكون الجريمة الإرهابية تلك بمثابة الخطوة الأولى في مخطط تقوده أميركا ومعها «إسرائيل»، يستهدف أوروبا والمسلمين فيها في شكل خاص، من دون أن تستتبع ذلك حرب وجبهات كما بينا، أما فرنسا حيث كانت ميدان الجريمة لإطلاق المخطط فستشعر بأنها نالت نصيبها من التعويض المعنوي والدعم الدولي بتلك التظاهرة الموحدة في الشكل غير المتجانسة في المضمون، تظاهرة جمعت الخائف إلى المتألم إلى المنافق، إلى المستثمر، ويكون المسؤول الفرنسي على المستويين السياسي والأمني عبرها قد حجب مسؤوليته عن التقصير . أما الأوربيون فقد لا يجدون في مواجهة ذلك إلا التشدد في التدابير الأمنية الوقائية والاحترازية بما يرفع الضمانات الأمنية لديهم مع تعقيد في بعض جوانب حياتهم، وفي شكل يترافق مع تسعير النزعة العنصرية ضد المسلمين في بعض المدن الأوروبية. وتبقى أميركا و«إسرائيل» في حلف استراتيجي يحصدون ما ينبت من سفك دماء الآخرين ما لم تكن يقظة تعطل مشاريعهما العدوانية.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة