ما كان حرباً مع أخوين من «جهاد» فرنسي مسلح قاده شريف وسعيد كواشي، لم يكن سوى بداية التحديات، أو بكلمة أخرى، بداية نقل ساحة الحرب مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش» وتنظيم «القاعدة» إلى قلب أكبر «الدول الإسلامية الأوروبية»،

والتي تضم سبعة ملايين مسلم، على ما التقطه بدقة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي قال للفرنسيين من الاليزيه «لقد تعرضنا لهجوم لمدة ثلاثة أيام، ولكن التهديدات لم تنته بعد».

وهو ما أكده أيضا وزير الداخلية برنار كازنوف فور التوقف عن إطلاق النار، وإسعاف الجرحى، ورفع جثث القتلى أمام الكاميرات، من أن «الأحداث التي نعيشها تظهر اتساع التحديات التي نواجهها»، ما يعني بوضوح أن البلاد تواجه احتمال تعرضها لهجمات أخرى، وان حالة الطوارئ القصوى ستمتد، خصوصا أن الشبكة الأوسع للأخوين كواشي، والتي تضم 25 عضواً، وقد جنّداها منذ العام 2005، لا تزال على الأرجح تعمل في سوريا أو العراق، أو فرنسا. وكان أحد قادتها أبو بكر حكيم، الذي سجن في سوريا وفرنسا وتونس، قبل إطلاق سراحه منذ عامين، قد ظهر مجددا في شريط لـ«داعش» في سوريا ، يدعو إخوته إلى «الجهاد».

ويبدو أن الأوروبيين بأجمعهم باتوا يشعرون بأن الحدث الفرنسي، لم يكن سوى اختبار لاحتمال عودة العمليات الإرهابية، وإشارة قوية لتجدد نشاط الشبكات «الجهادية» في شكلها الأعنف، بعد أن رفدتها ساحات «الجهاد» السوري والعراقي بالخبرة والتمويل، والتصميم المطلوب لاستعادة الحرب. وليس رمزياً، أن يشارك زعماء أوروبا في تظاهرة الوحدة ضد الإرهاب غدا في باريس، اذ ستسير إلى جانب هولاند وقادة الأحزاب الفرنسية، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورؤساء وزراء اسبانيا ماريانو راخوي، وبريطانيا ديفيد كاميرون، وايطاليا ماتيو رانزي، ورئيس الاتحاد الأوروبي، ورئيس وزراء بلجيكا.

وكانت قوة خاصة من الدرك قد صرعت الأخوين كواشي في بلدة دومارتان شمال شرق باريس، اللذين خرجا من مخبئهما للقتال، والموت «طلبا للشهادة» على ما قالاه رداً على نداءات بتسليم نفسيهما، وجهتها الشرطة إلى الأخوين اللذين كانا قد ارتكبا مجزرة حقيقية في قلب العاصمة باريس، وأرديا بدم بارد قبل يومين عشرة صحافيين عزل، وشرطيين في مقر صحيفة «شارلي ايبدو».

وبالتزامن مع ذلك، كانت قوة مماثلة تقتحم في الوقت ذاته عند عصر أمس، متجراً يهودياً احتجز فيه اميدي كوليبالي، ونصير الشقيقين في رحلة «جهادهما»، عدة رهائن. وعندما هدأ الرصاص، نقلت سيارات الإسعاف جثة كوليبالي، الذي بادأ الدرك بإطلاق النار، وصرع أربعة من الرهائن، قبل أن تصرعه رصاصات المهاجمين.

ويبدو النجاح نسبيا، إذ استطاعت الشرطة إنهاء المطاردة الدموية، لكنها لم تستطع الوصول إلى أي من المهاجمين الثلاثة حيا، لفهم ما كانت تعد له مجموعات أخرى، بعد أن استنتج المحققون متأخرين أن كوليبالي، الذي كان قد قتل شرطية سير في مونروج جنوب باريس، لم يكن سوى عنصر آخر في خلية كواشي النائمة.

وتدور الأسئلة حول الثغرات الكبيرة السياسية والأمنية التي دخل منها ثلاثة جهاديين فرنسيين، إلى قلب أكبر عواصم أوروبا ثلاثة أيام متتالية، ونشروا الذعر فيها، وعمموا أجواء حرب حقيقية لم تشهدها فرنسا منذ نصف قرن، قبل أن تتمكن الشرطة من قتلهم. واضطرت البلاد إلى نشر قوة من تسعة آلاف جندي ودركي لتعقبهم، وقتلهم.

ولن تكون فرنسا نفسها، في الأيام المقبلة، ما كانت عليه قبل «شارلي ايبدو»، لان الثغرة الأمنية التي فتحها «الجهاديون» لا تزال مشرعة، وقد تتسع. إذ يبدو التقصير في معالجة المعلومات حول الأخوين كواشي كبيراً. وكشف مسؤول في المخابرات اليمنية أن سعيد كواشي زار اليمن في العام 2009، ودرس الشريعة في جامعة الإمام في صنعاء، وعاد إليها في العام 2011، ليلتقي أنور العولقي قبل وقت قليل من تصفية طائرة أميركية له في أيلول من ذلك العام.

وكان العولقي، الأميركي - اليمني على صلة بالمجموعة التي نفذت هجمات نيويورك في أيلول العام 2001. وكان سعيد كواشي نفسه قد أبلغ رجلا أجبره على ترك سيارته في طريق الفرار، أن يقول للإعلام إن «القاعدة في اليمن هي من قام بعملية شارلي ايبدو».

وليس واضحا إلى الآن لماذا لم تعمد الشرطة الفرنسية إلى توقيف الأخوين كواشي، لا سيما أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (اف بي ايه)، تقول إنها وضعتهما على لائحة بياناتها السرية لمكافحة الإرهاب. وتقول مصادر أمنية أوروبية إن الأخوين كواشي، بعد عودتهما من اليمن، التزما الهدوء، ولم يقوما بأي نشاطات تثير الشبهات، حتى اليومين الماضيين.

وقد يشهد الداخل الفرنسي المزيد من التصدع حول عشرة في المئة من الفرنسيين يدينون بالإسلام، وقد تتسع الأزمة المدينية، والعلاقة مع التجمعات العربية في ضواحي المدن الكبرى في فرنسا، إذا ما لم يتوقف خطاب كراهية الإسلام، والذي كانت رسوم «شارلي ايبدو» جزءا من عملية تسعيره.

واستبق هولاند ارتفاع الخطاب المعادي بالقول، في خطابه المتلفز، «انه لا علاقة لمن ارتكبوا الجرائم بالمسلمين في فرنسا». وحاول الرئيس الفرنسي إبعاد زعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن، من تظاهرة الوحدة الوطنية، بعدم إشراكها في لجنة التحضير، رغم استقباله لها في الاليزيه، في إطار التشاور مع قادة الأحزاب الفرنسية الكبرى. لكن زعيمة اليمين المتطرف ستكون أول الرابحين من «الذعر» الذي شارك الإعلام الفرنسي بتوزيع صوره، ومن هجرة «الجهاديين» الفرنسيين المعاكسة، من ساحات «الجهاد» إلى فرنسا.

وليس واضحا حتى الآن ما ستثيره «شهادة» الأخوين كواشي من ردود فعل، لدى شبان الضواحي الذين يملكون سيرة تهميش اجتماعي وإفقار وبطالة وأزمة هوية، مشابهة لسيرة الأخوين كواشي. ولن تعرف ردود الفعل داخل الإسلام الفرنسي عموما الذي لم ينتظر مقتلة «شارلي ايبدو» كي يواجه أجواء مشابهة لما عرفه الإسلام الأميركي، من تضييق بعد هجمات أيلول 2001. إذ إن السجال حول قدرة الإسلام على الاندماج، وتقييد مظاهره ورموزه في الحيز العام، وفي المدرسة، بدأ مطلع الألفية الثانية بسلسلة من القوانين التي منعت الحجاب المدرسي، والنقاب وغيره.

وتبدو السياسة الخارجية الفرنسية مسؤولة عن دخول العنف إلى الاحتجاج الإسلامي الفرنسي بطريقة غير مباشرة. وكانت السياسة الفرنسية الخارجية قد اتسمت بالخفة في التعامل مع الملف السوري، بتقليل أهمية «الجهاديين» الفرنسيين وغيرهم في سوريا.

وبخلاف الولايات المتحدة التي وضعت «جبهة النصرة» على لائحة الإرهاب، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، في مؤتمر «أصدقاء سوريا» في مراكش قبل عامين، إن «النصرة تقوم بعمل جيد».

ويشكو رئيس المخابرات الفرنسية السابق برنار سكارواسيني من العمى الذي يضرب الأجهزة الأمنية الفرنسية، إذ ترفض تركيا التعاون، وتونس لا يمكن الاعتماد على أجهزتها، والجزائر بعيدة، وقد توقف التعاون مع سوريا.

وتشكل الشبكة التي كشفت مقتلة «شارلي ايبدو» الجزء الظاهر من جبل جليد «الجهاد» الأوروبي والفرنسي، إذ قال سفير للاتحاد الأوروبي، لـ «السفير»، إن التقديرات الحالية لـ «جهاديي» أوروبا في سوريا تصل إلى خمسة آلاف مقاتل.

وكان الرهان على قرب سقوط الرئيس بشار الأسد في بداية الأزمة السورية، يخفف من مخاطر تشكل بؤرة إرهابية تهدد أوروبا على تخومها الجنوبية في تركيا. لكن بقاء الجيش السوري في مواقعه، وتحول «الجهاديين» عنصراً رئيسياً في المواجهة، بل وصعود دور الشبكات الأوروبية في «الجهاد» السوري، واكتسابهم خبرة قتالية كبيرة، قدم الأخوين كواشي عينة منها، خلط الحسابات. والأرجح أن جماعات إسلامية «جهادية»، في فرنسا وأوروبا، أصبحت قادرة على تقديم بديل من الاحتجاج السلمي بشكل أوسع من الماضي، بفضل تجربتها السورية، والعراقية.

  • فريق ماسة
  • 2015-01-09
  • 10673
  • من الأرشيف

فرنسا ما قبل «شارلي ايبدو» لن تكون فرنسا نفسها بعد «شارلي ايبدو».؟.

ما كان حرباً مع أخوين من «جهاد» فرنسي مسلح قاده شريف وسعيد كواشي، لم يكن سوى بداية التحديات، أو بكلمة أخرى، بداية نقل ساحة الحرب مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش» وتنظيم «القاعدة» إلى قلب أكبر «الدول الإسلامية الأوروبية»، والتي تضم سبعة ملايين مسلم، على ما التقطه بدقة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي قال للفرنسيين من الاليزيه «لقد تعرضنا لهجوم لمدة ثلاثة أيام، ولكن التهديدات لم تنته بعد». وهو ما أكده أيضا وزير الداخلية برنار كازنوف فور التوقف عن إطلاق النار، وإسعاف الجرحى، ورفع جثث القتلى أمام الكاميرات، من أن «الأحداث التي نعيشها تظهر اتساع التحديات التي نواجهها»، ما يعني بوضوح أن البلاد تواجه احتمال تعرضها لهجمات أخرى، وان حالة الطوارئ القصوى ستمتد، خصوصا أن الشبكة الأوسع للأخوين كواشي، والتي تضم 25 عضواً، وقد جنّداها منذ العام 2005، لا تزال على الأرجح تعمل في سوريا أو العراق، أو فرنسا. وكان أحد قادتها أبو بكر حكيم، الذي سجن في سوريا وفرنسا وتونس، قبل إطلاق سراحه منذ عامين، قد ظهر مجددا في شريط لـ«داعش» في سوريا ، يدعو إخوته إلى «الجهاد». ويبدو أن الأوروبيين بأجمعهم باتوا يشعرون بأن الحدث الفرنسي، لم يكن سوى اختبار لاحتمال عودة العمليات الإرهابية، وإشارة قوية لتجدد نشاط الشبكات «الجهادية» في شكلها الأعنف، بعد أن رفدتها ساحات «الجهاد» السوري والعراقي بالخبرة والتمويل، والتصميم المطلوب لاستعادة الحرب. وليس رمزياً، أن يشارك زعماء أوروبا في تظاهرة الوحدة ضد الإرهاب غدا في باريس، اذ ستسير إلى جانب هولاند وقادة الأحزاب الفرنسية، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورؤساء وزراء اسبانيا ماريانو راخوي، وبريطانيا ديفيد كاميرون، وايطاليا ماتيو رانزي، ورئيس الاتحاد الأوروبي، ورئيس وزراء بلجيكا. وكانت قوة خاصة من الدرك قد صرعت الأخوين كواشي في بلدة دومارتان شمال شرق باريس، اللذين خرجا من مخبئهما للقتال، والموت «طلبا للشهادة» على ما قالاه رداً على نداءات بتسليم نفسيهما، وجهتها الشرطة إلى الأخوين اللذين كانا قد ارتكبا مجزرة حقيقية في قلب العاصمة باريس، وأرديا بدم بارد قبل يومين عشرة صحافيين عزل، وشرطيين في مقر صحيفة «شارلي ايبدو». وبالتزامن مع ذلك، كانت قوة مماثلة تقتحم في الوقت ذاته عند عصر أمس، متجراً يهودياً احتجز فيه اميدي كوليبالي، ونصير الشقيقين في رحلة «جهادهما»، عدة رهائن. وعندما هدأ الرصاص، نقلت سيارات الإسعاف جثة كوليبالي، الذي بادأ الدرك بإطلاق النار، وصرع أربعة من الرهائن، قبل أن تصرعه رصاصات المهاجمين. ويبدو النجاح نسبيا، إذ استطاعت الشرطة إنهاء المطاردة الدموية، لكنها لم تستطع الوصول إلى أي من المهاجمين الثلاثة حيا، لفهم ما كانت تعد له مجموعات أخرى، بعد أن استنتج المحققون متأخرين أن كوليبالي، الذي كان قد قتل شرطية سير في مونروج جنوب باريس، لم يكن سوى عنصر آخر في خلية كواشي النائمة. وتدور الأسئلة حول الثغرات الكبيرة السياسية والأمنية التي دخل منها ثلاثة جهاديين فرنسيين، إلى قلب أكبر عواصم أوروبا ثلاثة أيام متتالية، ونشروا الذعر فيها، وعمموا أجواء حرب حقيقية لم تشهدها فرنسا منذ نصف قرن، قبل أن تتمكن الشرطة من قتلهم. واضطرت البلاد إلى نشر قوة من تسعة آلاف جندي ودركي لتعقبهم، وقتلهم. ولن تكون فرنسا نفسها، في الأيام المقبلة، ما كانت عليه قبل «شارلي ايبدو»، لان الثغرة الأمنية التي فتحها «الجهاديون» لا تزال مشرعة، وقد تتسع. إذ يبدو التقصير في معالجة المعلومات حول الأخوين كواشي كبيراً. وكشف مسؤول في المخابرات اليمنية أن سعيد كواشي زار اليمن في العام 2009، ودرس الشريعة في جامعة الإمام في صنعاء، وعاد إليها في العام 2011، ليلتقي أنور العولقي قبل وقت قليل من تصفية طائرة أميركية له في أيلول من ذلك العام. وكان العولقي، الأميركي - اليمني على صلة بالمجموعة التي نفذت هجمات نيويورك في أيلول العام 2001. وكان سعيد كواشي نفسه قد أبلغ رجلا أجبره على ترك سيارته في طريق الفرار، أن يقول للإعلام إن «القاعدة في اليمن هي من قام بعملية شارلي ايبدو». وليس واضحا إلى الآن لماذا لم تعمد الشرطة الفرنسية إلى توقيف الأخوين كواشي، لا سيما أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (اف بي ايه)، تقول إنها وضعتهما على لائحة بياناتها السرية لمكافحة الإرهاب. وتقول مصادر أمنية أوروبية إن الأخوين كواشي، بعد عودتهما من اليمن، التزما الهدوء، ولم يقوما بأي نشاطات تثير الشبهات، حتى اليومين الماضيين. وقد يشهد الداخل الفرنسي المزيد من التصدع حول عشرة في المئة من الفرنسيين يدينون بالإسلام، وقد تتسع الأزمة المدينية، والعلاقة مع التجمعات العربية في ضواحي المدن الكبرى في فرنسا، إذا ما لم يتوقف خطاب كراهية الإسلام، والذي كانت رسوم «شارلي ايبدو» جزءا من عملية تسعيره. واستبق هولاند ارتفاع الخطاب المعادي بالقول، في خطابه المتلفز، «انه لا علاقة لمن ارتكبوا الجرائم بالمسلمين في فرنسا». وحاول الرئيس الفرنسي إبعاد زعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن، من تظاهرة الوحدة الوطنية، بعدم إشراكها في لجنة التحضير، رغم استقباله لها في الاليزيه، في إطار التشاور مع قادة الأحزاب الفرنسية الكبرى. لكن زعيمة اليمين المتطرف ستكون أول الرابحين من «الذعر» الذي شارك الإعلام الفرنسي بتوزيع صوره، ومن هجرة «الجهاديين» الفرنسيين المعاكسة، من ساحات «الجهاد» إلى فرنسا. وليس واضحا حتى الآن ما ستثيره «شهادة» الأخوين كواشي من ردود فعل، لدى شبان الضواحي الذين يملكون سيرة تهميش اجتماعي وإفقار وبطالة وأزمة هوية، مشابهة لسيرة الأخوين كواشي. ولن تعرف ردود الفعل داخل الإسلام الفرنسي عموما الذي لم ينتظر مقتلة «شارلي ايبدو» كي يواجه أجواء مشابهة لما عرفه الإسلام الأميركي، من تضييق بعد هجمات أيلول 2001. إذ إن السجال حول قدرة الإسلام على الاندماج، وتقييد مظاهره ورموزه في الحيز العام، وفي المدرسة، بدأ مطلع الألفية الثانية بسلسلة من القوانين التي منعت الحجاب المدرسي، والنقاب وغيره. وتبدو السياسة الخارجية الفرنسية مسؤولة عن دخول العنف إلى الاحتجاج الإسلامي الفرنسي بطريقة غير مباشرة. وكانت السياسة الفرنسية الخارجية قد اتسمت بالخفة في التعامل مع الملف السوري، بتقليل أهمية «الجهاديين» الفرنسيين وغيرهم في سوريا. وبخلاف الولايات المتحدة التي وضعت «جبهة النصرة» على لائحة الإرهاب، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، في مؤتمر «أصدقاء سوريا» في مراكش قبل عامين، إن «النصرة تقوم بعمل جيد». ويشكو رئيس المخابرات الفرنسية السابق برنار سكارواسيني من العمى الذي يضرب الأجهزة الأمنية الفرنسية، إذ ترفض تركيا التعاون، وتونس لا يمكن الاعتماد على أجهزتها، والجزائر بعيدة، وقد توقف التعاون مع سوريا. وتشكل الشبكة التي كشفت مقتلة «شارلي ايبدو» الجزء الظاهر من جبل جليد «الجهاد» الأوروبي والفرنسي، إذ قال سفير للاتحاد الأوروبي، لـ «السفير»، إن التقديرات الحالية لـ «جهاديي» أوروبا في سوريا تصل إلى خمسة آلاف مقاتل. وكان الرهان على قرب سقوط الرئيس بشار الأسد في بداية الأزمة السورية، يخفف من مخاطر تشكل بؤرة إرهابية تهدد أوروبا على تخومها الجنوبية في تركيا. لكن بقاء الجيش السوري في مواقعه، وتحول «الجهاديين» عنصراً رئيسياً في المواجهة، بل وصعود دور الشبكات الأوروبية في «الجهاد» السوري، واكتسابهم خبرة قتالية كبيرة، قدم الأخوين كواشي عينة منها، خلط الحسابات. والأرجح أن جماعات إسلامية «جهادية»، في فرنسا وأوروبا، أصبحت قادرة على تقديم بديل من الاحتجاج السلمي بشكل أوسع من الماضي، بفضل تجربتها السورية، والعراقية.

المصدر : السفير /محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة