ليس في الموقف السياسي مكان للرغبات والتمنيات، فهو حساب دقيق للمعطيات والموازين، كما ليس فيه مكان للعواطف من نوع الشماتة والحنق والكيد والحقد،

بل هو نتاج الواقعية والاتزان والموضوعية. فالذين يكرهون سياسة سورية وقيادتها يفعلون ذلك ليس بسبب ضرر لحق ببلادهم من وراء سورية وقيادتها وسياساتها، بل لأنهم تموضعوا في ضفاف الشرق الأوسط الساخنة على ضفة تتضرّر وتصاب بالأذى من السياسة السورية، وهي الضفة «الإسرائيلية». وهذا على الأقلّ حال دول الغرب كلها بلا استثناء من فرنسا إلى أميركا، أما حال دول الجوار من العرب وغير العرب، خصوصاً الأتراك، فالأمر يتصل أيضاً في العمق بتباين خياراتهم مع سورية حول الموقف من «إسرائيل» بين الرهان على أميركا وحلولها وبين خيار المقاومة وموازين القوة.

- لذلك لا يناقش ما جرى ويجري في سورية من زاوية صحة أو عدم صحة القول بوجود أو عدم وجود الأسباب الداخلية، ولا بمثالية أو عدم مثالية نظام الحكم ومدى حاجته إلى الإصلاح، بل من زاويتين، هما، هل كان ممكناً للأزمة الداخلية أن تبلغ بسورية ما بلغت لولا مواقف الخارج التي استثمرت قدرات مالية وإعلامية واستخباراتية وعسكرية تكفي لتشكيل معطيات حرب عالمية أكبر من طاقة دول كبرى على التحمّل؟ والثانية، هل أنّ مواقف هذا الخارج العربي وغير العربي كانت انطلاقاً من البعد الداخلي السوري تعاطفاً مع الديمقراطية والإصلاح، أم لحساب مصالح ومواقف استثمرت هذا البعد كعنوان حتى صار تفصيلاً شكلياً يكاد لا يرى وتنعدم قيمته أمام حجم الحشد الخارجي من جهة، والتغيير الذي أدخله الاستنجاد بتنظيم «القاعدة» لرهان النصر على سورية من جهة أخرى؟

- وصلنا إلى حيث نحن، وليس موضوعنا القول، طابخ السمّ آكله، وهذه نتيجة أفعالكم، ومن لعب مع الوحش عليه تلقي عائد رهاناته الخاطئة، أو أنّ الأحداث أكدت ما سبق وقالته سورية مراراً ولم يسمع صوتها عن أنّ الإرهاب الذي يجلبونه إليها سيرتدّ عليهم، وأنّ جوهر الحرب في سورية هو الحرب مع الإرهاب. فكلّ هذا صحيح، لكنه يفيد في نقاش أخلاقي حول الصواب والخطأ، لكنه لا يغيّر في موازين الحرب.

- حيث نحن اليوم، الغرب ومَن معه في الحرب على سورية من عرب وغير عرب، لهم أسبابهم في العداء لها، وها هم يسلمون بأولوية الحرب على الإرهاب ويتلقّون ضربات هذا الإرهاب، ويسلمون بفشل رهاناتهم. وما جرى في أستراليا وتالياً على الحدود السعودية، وبحق مركز شرطة تركي، وصولاً إلى الكارثة التي حلت بفرنسا ومن هم أعظم منها وينتظر الكثير من البلدان التي صار واضحاً وصارت تسلّم أنها مستهدفة، يؤكد الطابع العالمي للحرب التي يخوضها الإرهاب والطابع العالمي الواجب للحرب عليه.

- ما نحن بصدده هو أنّ دول حلف الحرب على سورية التي تتحوّل إلى دول حلف حرب على الإرهاب لا تزال تعيش وهْم قدرتها على الجمع بين الحربين، فتتحدث عن تسليح معارضين سوريين، وتجمع مع مواقفها عن الحرب على الإرهاب اشتراطاتها بعدم وقف الحرب على سورية، فضلاً عن رفض التعاون مع دولتها وجيشها وقيادتها.

- لا نتوقع من قادة هذه الدول الذين ربطوا مصيرهم بمصير حربها على سورية أن تتغيّر عواطفهم ومشاعرهم، بل نريد مناقشة مدى واقعية نظرتهم وحساباتهم. ونطرح السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرح، هل يمكن الجمع واقعياً بين الحربين؟ هل يمكن تحشيد طاقات الشعوب والحكومات بعداوتين؟ هل تسمح مقدرات هذه الدول التي فشلت وهي تتعاون مع الإرهاب في تحقيق النصر على سورية، أن تنتصر عليها وهي تقاتل حليفها السابق إضافة لقتالها لسورية؟ والعكس هل يمكن للدول التي تفشل في قتالها للإرهاب أن تتحمّل فاتورة قتالها له وهي تدفع فاتورة قتالها لسورية؟

- الوقائع تقول إنّ الحرب على الإرهاب لا تستقيم إلا إذا صارت أولوية الحروب والسياسات، ولا تنجح في استنهاض طاقات أمم وشعوب ودول موزعة المشاعر بسبب ضبابية مواقف قادتها وتوزيع حربهم على جبهتين متقابلتين لا تجتمع المشاعر في الحرب عليهما. فالشيزوفرانيا لا تنتج انتصاراً، والوقائع تقول إنّ استنهاض الطاقات تحت شعار الحرب على الإرهاب أولوية عالمية تعني، وضع هذه الحرب معياراً وحيداً في رسم التحالفات والعداوات باستقامة ونزاهة. وهذا يعني أن تكون سورية الحليف الأول وفقاً لهذا المعيار. والوقائع تقول إنّ الحرب على الإرهاب ثقافة تعاون وأولويات، ونماذج حضارية متصارعة. فهل تستقيم الحرب على الإرهاب بنموذج السعودية الوهابية البلا دستور أو نموذج «إسرائيل» الدولة اليهودية، أو نموذج تركيا الإخوان المسلمين بين تحالف تحت الطاولة مع «داعش» و»النصرة»، والعضوية العلنية في الحلف الأطلسي. وهي نماذج يتغذى من حضورها ومشروعيتها مشروع الإرهاب وفقاً لمبدأ التناظر في الفيزياء كما في الجغرافيا والسياسة، أم يقاتل الإرهاب بنموذج دولة مدنية علمانية كحال سورية. فكيف سينتصر على الإرهاب من يقدم نموذجه للحرب عليه الأمثلة التركية والسعودية و»الإسرائيلية» كحلفاء، ويضع سورية في مقدم الأعداء؟

- العالم يلحس المبرد في الحرب على الإرهاب وسينزف كثيراً لأنّ الغباء والحقد والتعجرف معايير حاكمة قبل الحكمة والواقعية في تحديد ورسم السياسات.

  • فريق ماسة
  • 2015-01-08
  • 10902
  • من الأرشيف

على العالم أن يختار: الحرب على سورية أم على الإرهاب؟

  ليس في الموقف السياسي مكان للرغبات والتمنيات، فهو حساب دقيق للمعطيات والموازين، كما ليس فيه مكان للعواطف من نوع الشماتة والحنق والكيد والحقد، بل هو نتاج الواقعية والاتزان والموضوعية. فالذين يكرهون سياسة سورية وقيادتها يفعلون ذلك ليس بسبب ضرر لحق ببلادهم من وراء سورية وقيادتها وسياساتها، بل لأنهم تموضعوا في ضفاف الشرق الأوسط الساخنة على ضفة تتضرّر وتصاب بالأذى من السياسة السورية، وهي الضفة «الإسرائيلية». وهذا على الأقلّ حال دول الغرب كلها بلا استثناء من فرنسا إلى أميركا، أما حال دول الجوار من العرب وغير العرب، خصوصاً الأتراك، فالأمر يتصل أيضاً في العمق بتباين خياراتهم مع سورية حول الموقف من «إسرائيل» بين الرهان على أميركا وحلولها وبين خيار المقاومة وموازين القوة. - لذلك لا يناقش ما جرى ويجري في سورية من زاوية صحة أو عدم صحة القول بوجود أو عدم وجود الأسباب الداخلية، ولا بمثالية أو عدم مثالية نظام الحكم ومدى حاجته إلى الإصلاح، بل من زاويتين، هما، هل كان ممكناً للأزمة الداخلية أن تبلغ بسورية ما بلغت لولا مواقف الخارج التي استثمرت قدرات مالية وإعلامية واستخباراتية وعسكرية تكفي لتشكيل معطيات حرب عالمية أكبر من طاقة دول كبرى على التحمّل؟ والثانية، هل أنّ مواقف هذا الخارج العربي وغير العربي كانت انطلاقاً من البعد الداخلي السوري تعاطفاً مع الديمقراطية والإصلاح، أم لحساب مصالح ومواقف استثمرت هذا البعد كعنوان حتى صار تفصيلاً شكلياً يكاد لا يرى وتنعدم قيمته أمام حجم الحشد الخارجي من جهة، والتغيير الذي أدخله الاستنجاد بتنظيم «القاعدة» لرهان النصر على سورية من جهة أخرى؟ - وصلنا إلى حيث نحن، وليس موضوعنا القول، طابخ السمّ آكله، وهذه نتيجة أفعالكم، ومن لعب مع الوحش عليه تلقي عائد رهاناته الخاطئة، أو أنّ الأحداث أكدت ما سبق وقالته سورية مراراً ولم يسمع صوتها عن أنّ الإرهاب الذي يجلبونه إليها سيرتدّ عليهم، وأنّ جوهر الحرب في سورية هو الحرب مع الإرهاب. فكلّ هذا صحيح، لكنه يفيد في نقاش أخلاقي حول الصواب والخطأ، لكنه لا يغيّر في موازين الحرب. - حيث نحن اليوم، الغرب ومَن معه في الحرب على سورية من عرب وغير عرب، لهم أسبابهم في العداء لها، وها هم يسلمون بأولوية الحرب على الإرهاب ويتلقّون ضربات هذا الإرهاب، ويسلمون بفشل رهاناتهم. وما جرى في أستراليا وتالياً على الحدود السعودية، وبحق مركز شرطة تركي، وصولاً إلى الكارثة التي حلت بفرنسا ومن هم أعظم منها وينتظر الكثير من البلدان التي صار واضحاً وصارت تسلّم أنها مستهدفة، يؤكد الطابع العالمي للحرب التي يخوضها الإرهاب والطابع العالمي الواجب للحرب عليه. - ما نحن بصدده هو أنّ دول حلف الحرب على سورية التي تتحوّل إلى دول حلف حرب على الإرهاب لا تزال تعيش وهْم قدرتها على الجمع بين الحربين، فتتحدث عن تسليح معارضين سوريين، وتجمع مع مواقفها عن الحرب على الإرهاب اشتراطاتها بعدم وقف الحرب على سورية، فضلاً عن رفض التعاون مع دولتها وجيشها وقيادتها. - لا نتوقع من قادة هذه الدول الذين ربطوا مصيرهم بمصير حربها على سورية أن تتغيّر عواطفهم ومشاعرهم، بل نريد مناقشة مدى واقعية نظرتهم وحساباتهم. ونطرح السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرح، هل يمكن الجمع واقعياً بين الحربين؟ هل يمكن تحشيد طاقات الشعوب والحكومات بعداوتين؟ هل تسمح مقدرات هذه الدول التي فشلت وهي تتعاون مع الإرهاب في تحقيق النصر على سورية، أن تنتصر عليها وهي تقاتل حليفها السابق إضافة لقتالها لسورية؟ والعكس هل يمكن للدول التي تفشل في قتالها للإرهاب أن تتحمّل فاتورة قتالها له وهي تدفع فاتورة قتالها لسورية؟ - الوقائع تقول إنّ الحرب على الإرهاب لا تستقيم إلا إذا صارت أولوية الحروب والسياسات، ولا تنجح في استنهاض طاقات أمم وشعوب ودول موزعة المشاعر بسبب ضبابية مواقف قادتها وتوزيع حربهم على جبهتين متقابلتين لا تجتمع المشاعر في الحرب عليهما. فالشيزوفرانيا لا تنتج انتصاراً، والوقائع تقول إنّ استنهاض الطاقات تحت شعار الحرب على الإرهاب أولوية عالمية تعني، وضع هذه الحرب معياراً وحيداً في رسم التحالفات والعداوات باستقامة ونزاهة. وهذا يعني أن تكون سورية الحليف الأول وفقاً لهذا المعيار. والوقائع تقول إنّ الحرب على الإرهاب ثقافة تعاون وأولويات، ونماذج حضارية متصارعة. فهل تستقيم الحرب على الإرهاب بنموذج السعودية الوهابية البلا دستور أو نموذج «إسرائيل» الدولة اليهودية، أو نموذج تركيا الإخوان المسلمين بين تحالف تحت الطاولة مع «داعش» و»النصرة»، والعضوية العلنية في الحلف الأطلسي. وهي نماذج يتغذى من حضورها ومشروعيتها مشروع الإرهاب وفقاً لمبدأ التناظر في الفيزياء كما في الجغرافيا والسياسة، أم يقاتل الإرهاب بنموذج دولة مدنية علمانية كحال سورية. فكيف سينتصر على الإرهاب من يقدم نموذجه للحرب عليه الأمثلة التركية والسعودية و»الإسرائيلية» كحلفاء، ويضع سورية في مقدم الأعداء؟ - العالم يلحس المبرد في الحرب على الإرهاب وسينزف كثيراً لأنّ الغباء والحقد والتعجرف معايير حاكمة قبل الحكمة والواقعية في تحديد ورسم السياسات.

المصدر : البناء / ناصر قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة