كلما لاحت في الأفق بارقة أمل بمساعٍ جدية وجديدة لإنتاج حلّ سياسي مقبول ومعقول للأزمة في سورية، ازدادت المعارضات تخبطاً وتشرذماً وفقداناً للرؤية والتوازن والوزن.

وفي معرض الجهود الروسية الأخيرة وإمكانية عقد لقاء في موسكو أواخر هذا الشهر، وصلت هذه المعارضات بكلّ مكوناتها وأطيافها وألوان ارتباطاتها المعلنة والمخفية إلى حالٍ لا تُحسد عليها بعد أن تحوّلت إلى كرة أو كرات تتقاذفها أرجل قوى خارجية آخر همِّها وهمومها، بل واهتماماتها وقف شلالات الدم السوري ولجم سعير الحرب العدوانية الإرهابية على سورية التي أكلت الأخضر واليابس، ولا يُعرف لها نهاية قريبة أو منظورة.

المضحك المبكي في حال المعارضات السورية، أن ليس لديها شيء تعطيه، وتريد أن تأخذ كلّ شيء، والخارجية منها لا تملك إلا ورقة الاستقواء بالخارج وتريد أوراق التحكم بالداخل الذي يرفضها ويزدريها وينبذها جملة وتفصيلاً وفعلاً وواقعاً، وقد قتلتها أحلام الجلوس على كراسي الحكم، وفتك بها شبقُ الوصول إلى السلطة، فافتقدت أيّ برنامج سياسي أو مشروع وطني وأصابها مرض التوحُّد، فلم تعد تعرف إلا ترديد أسطوانة مشروخة، كالببغاء، عن تنحي الرئيس وإسقاط النظام، تلك الأسطوانة التي لم يَعُد يسمعها أحد، حتى من أوحى لها بها، والأنكى من ذلك أنها تكبِّر وتضخِّم المطالب وتزيد الشروط، من خلال ما سُمي «خارطة طريق» أو «وثيقة تفاهم» بين طرفين من المعارضة، لا تعدُّ في أحسن الأحوال أكثر من وثيقة بين المفلس وخائب الرجاء.

إنّ وثيقة التفاهم بين هيئة التنسيق والائتلاف وثيقة تفليسة لفريقين لم يبقَ لديهما ما يقولانه بعد أربع سنوات من عمر الأحداث في سورية، سوى تكرار عبارات لا تمتُّ إلى الواقع بصلة، فرهاناتهما سقطت وانكشف أمرهما بعد أن لعبا منذ البداية دور المسوِّق للحرب الإرهابية على الشعب السوري التي ألبسوها لبوس «الثورة»، وكانوا غطاء لاستمرار أعمال القتل والإجرام. وليس خافياً أنّ هيئة التنسيق راهنت على ورقة ما يسمى «الجيش الحر» الذي فاق غيره من العصابات الإرهابية في ارتكاب الفظائع، حتى أنه مدّ يده للعدو «الإسرائيلي» في الجولان وتحالف مع «جبهة النصرة» و«داعش» وبايعهما جهاراً نهاراً وذاب فيهما مؤخراً، ولم يبقَ له أي أثر يُذكر.

أما ما يُسمى الائتلاف، فهو عبارة عن خلطة وتركيبة عجيبة جمعتها استخبارات تركية وقطرية وسعودية، وفي الدرجة الأولى الاستخبارات الأميركية، وتضم شراذم متناحرة على المكاسب المالية وشخصيات فاشلة فقدت صلاحياتها بعد أن اشتراها من صنعها بحفنة من الدولارات وأسكنها في فنادق الخمسة نجوم، لتجد نفسها على الحائط بعد أن احترقت ورقة رهانها الأساسية بالاستقواء بالخارج لإيصالها على دباباته إلى كراسي الحكم في دمشق. ولم تخفِ تلك الشراذم علاقاتها بالكيان الصهيوني وزيارة متزعمين بارزين فيها «إسرائيل» أمثال اللبواني وغيره، من أجل فتح معسكرات تدريب هناك بإشراف الاستخبارات «الإسرائيلية»، وهي ما فتئت تشيد وتمتدح الأعمال الإجرامية لـ«داعش» و«النصرة» وكلّ التنظيمات الإرهابية الأخرى، فكان حصادها على الصعيد السياسي والشعبي مزيداً من التقزز منها.قامت هيئة التنسيق والائتلاف بالتفاهم على وثيقة في القاهرة قبل مؤتمر جنيف، لكنّ الأخير أدار ظهره لها حين شعر بأنه مدعوم أكثر من قبل قوى خارجية مثل أميركا وتركيا، فكال الاتهامات للهيئة وأعضائها واعتبرهم عملاء للنظام ولم يقبل حضورهم إلى مؤتمر جنيف 2، لا في الجولة الأولى ولا الثانية، متوهِّماً أنه سوف يستأثر بكعكة السلطة وحده، لكنه عندما رجع بخفي حنين من جنيف 2 واصفرَّت أوراقه وانفضت عنه الدول التي سُميت زوراً وبهتاناً «أصدقاء الشعب السوري»، عاد كالتاجر المفلس إلى دفاتره العتيقة. وهكذا كان حال هيئة التنسيق، إذاً عاد الفريقان المفلسان إلى الوثيقة القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب، وحاولوا إحياءها، لكن بعد فوات الأوان

  • فريق ماسة
  • 2015-01-07
  • 10718
  • من الأرشيف

أزمة المعارضات ومعارضات الأزمة!

كلما لاحت في الأفق بارقة أمل بمساعٍ جدية وجديدة لإنتاج حلّ سياسي مقبول ومعقول للأزمة في سورية، ازدادت المعارضات تخبطاً وتشرذماً وفقداناً للرؤية والتوازن والوزن. وفي معرض الجهود الروسية الأخيرة وإمكانية عقد لقاء في موسكو أواخر هذا الشهر، وصلت هذه المعارضات بكلّ مكوناتها وأطيافها وألوان ارتباطاتها المعلنة والمخفية إلى حالٍ لا تُحسد عليها بعد أن تحوّلت إلى كرة أو كرات تتقاذفها أرجل قوى خارجية آخر همِّها وهمومها، بل واهتماماتها وقف شلالات الدم السوري ولجم سعير الحرب العدوانية الإرهابية على سورية التي أكلت الأخضر واليابس، ولا يُعرف لها نهاية قريبة أو منظورة. المضحك المبكي في حال المعارضات السورية، أن ليس لديها شيء تعطيه، وتريد أن تأخذ كلّ شيء، والخارجية منها لا تملك إلا ورقة الاستقواء بالخارج وتريد أوراق التحكم بالداخل الذي يرفضها ويزدريها وينبذها جملة وتفصيلاً وفعلاً وواقعاً، وقد قتلتها أحلام الجلوس على كراسي الحكم، وفتك بها شبقُ الوصول إلى السلطة، فافتقدت أيّ برنامج سياسي أو مشروع وطني وأصابها مرض التوحُّد، فلم تعد تعرف إلا ترديد أسطوانة مشروخة، كالببغاء، عن تنحي الرئيس وإسقاط النظام، تلك الأسطوانة التي لم يَعُد يسمعها أحد، حتى من أوحى لها بها، والأنكى من ذلك أنها تكبِّر وتضخِّم المطالب وتزيد الشروط، من خلال ما سُمي «خارطة طريق» أو «وثيقة تفاهم» بين طرفين من المعارضة، لا تعدُّ في أحسن الأحوال أكثر من وثيقة بين المفلس وخائب الرجاء. إنّ وثيقة التفاهم بين هيئة التنسيق والائتلاف وثيقة تفليسة لفريقين لم يبقَ لديهما ما يقولانه بعد أربع سنوات من عمر الأحداث في سورية، سوى تكرار عبارات لا تمتُّ إلى الواقع بصلة، فرهاناتهما سقطت وانكشف أمرهما بعد أن لعبا منذ البداية دور المسوِّق للحرب الإرهابية على الشعب السوري التي ألبسوها لبوس «الثورة»، وكانوا غطاء لاستمرار أعمال القتل والإجرام. وليس خافياً أنّ هيئة التنسيق راهنت على ورقة ما يسمى «الجيش الحر» الذي فاق غيره من العصابات الإرهابية في ارتكاب الفظائع، حتى أنه مدّ يده للعدو «الإسرائيلي» في الجولان وتحالف مع «جبهة النصرة» و«داعش» وبايعهما جهاراً نهاراً وذاب فيهما مؤخراً، ولم يبقَ له أي أثر يُذكر. أما ما يُسمى الائتلاف، فهو عبارة عن خلطة وتركيبة عجيبة جمعتها استخبارات تركية وقطرية وسعودية، وفي الدرجة الأولى الاستخبارات الأميركية، وتضم شراذم متناحرة على المكاسب المالية وشخصيات فاشلة فقدت صلاحياتها بعد أن اشتراها من صنعها بحفنة من الدولارات وأسكنها في فنادق الخمسة نجوم، لتجد نفسها على الحائط بعد أن احترقت ورقة رهانها الأساسية بالاستقواء بالخارج لإيصالها على دباباته إلى كراسي الحكم في دمشق. ولم تخفِ تلك الشراذم علاقاتها بالكيان الصهيوني وزيارة متزعمين بارزين فيها «إسرائيل» أمثال اللبواني وغيره، من أجل فتح معسكرات تدريب هناك بإشراف الاستخبارات «الإسرائيلية»، وهي ما فتئت تشيد وتمتدح الأعمال الإجرامية لـ«داعش» و«النصرة» وكلّ التنظيمات الإرهابية الأخرى، فكان حصادها على الصعيد السياسي والشعبي مزيداً من التقزز منها.قامت هيئة التنسيق والائتلاف بالتفاهم على وثيقة في القاهرة قبل مؤتمر جنيف، لكنّ الأخير أدار ظهره لها حين شعر بأنه مدعوم أكثر من قبل قوى خارجية مثل أميركا وتركيا، فكال الاتهامات للهيئة وأعضائها واعتبرهم عملاء للنظام ولم يقبل حضورهم إلى مؤتمر جنيف 2، لا في الجولة الأولى ولا الثانية، متوهِّماً أنه سوف يستأثر بكعكة السلطة وحده، لكنه عندما رجع بخفي حنين من جنيف 2 واصفرَّت أوراقه وانفضت عنه الدول التي سُميت زوراً وبهتاناً «أصدقاء الشعب السوري»، عاد كالتاجر المفلس إلى دفاتره العتيقة. وهكذا كان حال هيئة التنسيق، إذاً عاد الفريقان المفلسان إلى الوثيقة القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب، وحاولوا إحياءها، لكن بعد فوات الأوان

المصدر : البناء /د. تركي صقر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة