نشر الباحث جاسم السلامي الذي يكتب في دوريات ومواقع أجنبية في مواضيع عسكرية تتعلّق بالشرق الأوسط، تقريراً في موقع Medium يشرح تفاصيل الغارات الاسرائيلية على دمشق في السابع من الشهر الجاري. وبالاعتماد على الصور التي التقطت للغارات، ومسار الطائرات والصواريخ المُعترضة، صار بالإمكان، بحسب السلامي، رسم مخطط تقريبي لما جرى، وللتكتيكات التي اتبعها سلاح الجو الاسرائيلي.

دخل تشكيلان إسرائيليان سماء سوريا من الشرق، أي من الأجواء اللبنانية، الساعة الرابعة ظهراً، وكان كل تشكيلٍ مكوّن من طائرتي «اف-15» تحلقان على نحو متباعد عن بعضهما بعضا، وكانت هناك مسافة كبيرة بين زوجي الطائرات ايضاً. يرجّح الباحث أنّ الطائرات كانت تبثّ موجات تشويش قوية لمنع رادارات الانذار السورية من تعقّبها بدقة.

 

التشويش (jamming) الذي يقوم على بث اشارة رادارية قوية «تُعمي» رادار العدو عبر تقليد اشارته أو اغراقه بنبضات رادارية كثيفة قد يمنع تتبّع الطائرات وتوجيه الصواريخ ضدها، ولكنّه يفضح وجودها ايضاً. أجهزة الاستشعار السورية كانت على الأرجح قادرة على معرفة الاتجاه العام لبث التشويش، ما يمكّن الطواقم السورية من معرفة مكان وجود الطائرات المعادية، ولكن ضمن هامش خطأ كبير. هكذا، تقدر الدفاعات الجوية على توجيه بطاريات الصواريخ للبحث عن مقاتلات العدو ضمن «صندوق جوي» ، واستعمال الوسائل البصرية أو الرادارات لتحديد مكانها ومواجهتها. تباعد الطائرتين ضمن كل تشكيل، وتباعد التشكيلين عن بعضهما بعضا، كان –بحسب السلامي– مقصوداً بغية تصعيب رصد موقع الطائرات؛ فحين تمتزج موجات التشويش بعضها ببعض، ويزداد عرض الموجة، يزداد هامش الخطأ، ما يوفّر للطائرات المغيرة وقتاً أطول قبل أن تكشفها الطواقم الأرضية وتتعامل معها.

على الرغم من التشويش، تمكّنت بطارية «بوك ام2» متمركزة في مطار المزّة، وهي منظومة متحركة ومتوسطة المدى ومن أحدث الأسلحة التي حصل عليها الجيش السوري من روسيا بعد عام 2007، من اطلاق صاروخين باتجاه الزوج الأول من الطائرات، حالما اقترب من تخوم دمشق من الجنوب، وهو يطير من الغرب باتجاه الشرق. هنا، قامت الطائرات الاسرائيلية فوراً بانعطاف قويّ باتجاه الشمال، وانطلقت بسرعة كبيرة لترمي صواريخها، ثمّ تنعطف، مجدداً، غرباً الى داخل أجواء لبنان.

حين تُستعمل صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، يشرح الكاتب، فهي تُطلق باتجاه المنطقة العامة التي يُتوقّع أن تكون فيها الطائرات بحسب مسارها، حيث تفتح الصواريخ، بعد طيرانها الى النقطة المحددة، أنظمة التوجيه فيها لتبحث عن الهدف. فكان التكتيك الاسرائيلي يقوم على تضليل الصواريخ عبر مناورة الطائرات التي جعلت صواريخ الـ«بوك» تتجه الى منطقة مختلفة ولا تجد أهدافها. ضربت الغارة الأولى أهدافاً في المطار الشراعي في منطقة الديماس.

الزوج الثاني من الطائرات الإسرائيلية تلى الغارة الأولى مباشرة، فدخل الأجواء السورية متجها مباشرة صوب دمشق، حيث أطلق صواريخ بعيدة المدى والتفّ بسرعة عائداً أدراجه. انطلق هنا ايضاً صاروخان في وجه الطائرات، على الأرجح من منظومة «سام 3»، ولكنهما لم يكونا موجهين ضد الطائرات بل ضد الصواريخ التي أطلقتها، فأصاب أحدها قذيفة «بوباي 2» اسرائيلية موجّهة، أُسقطت وعُرضت صور حطامها في مواقع اعلامية سورية. امّا باقي الذخائر، فقد ضربت معدات موجودة قرب مدرج مطار دمشق الدولي.

يتبيّن من هذه التفاصيل أنّ الغارة كانت مدروسة بدقّة، وانطوت على مجازفة حقيقية، وخاصة انها جرت في وضح النهار، وكانت من الحالات القليلة التي واجهت فيها الطائرات الاسرائيلية خطر صواريخ دفاع جوي حديثة، وجّهت ضدها مباشرة، وكان من الممكن لنتيجة المواجهة – نظرياً – أن تكون مختلفة ومكلفة لإسرائيل.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-12-16
  • 13398
  • من الأرشيف

رواية مفصّلة للغارة الإسرائيلية على دمشق

نشر الباحث جاسم السلامي الذي يكتب في دوريات ومواقع أجنبية في مواضيع عسكرية تتعلّق بالشرق الأوسط، تقريراً في موقع Medium يشرح تفاصيل الغارات الاسرائيلية على دمشق في السابع من الشهر الجاري. وبالاعتماد على الصور التي التقطت للغارات، ومسار الطائرات والصواريخ المُعترضة، صار بالإمكان، بحسب السلامي، رسم مخطط تقريبي لما جرى، وللتكتيكات التي اتبعها سلاح الجو الاسرائيلي. دخل تشكيلان إسرائيليان سماء سوريا من الشرق، أي من الأجواء اللبنانية، الساعة الرابعة ظهراً، وكان كل تشكيلٍ مكوّن من طائرتي «اف-15» تحلقان على نحو متباعد عن بعضهما بعضا، وكانت هناك مسافة كبيرة بين زوجي الطائرات ايضاً. يرجّح الباحث أنّ الطائرات كانت تبثّ موجات تشويش قوية لمنع رادارات الانذار السورية من تعقّبها بدقة.   التشويش (jamming) الذي يقوم على بث اشارة رادارية قوية «تُعمي» رادار العدو عبر تقليد اشارته أو اغراقه بنبضات رادارية كثيفة قد يمنع تتبّع الطائرات وتوجيه الصواريخ ضدها، ولكنّه يفضح وجودها ايضاً. أجهزة الاستشعار السورية كانت على الأرجح قادرة على معرفة الاتجاه العام لبث التشويش، ما يمكّن الطواقم السورية من معرفة مكان وجود الطائرات المعادية، ولكن ضمن هامش خطأ كبير. هكذا، تقدر الدفاعات الجوية على توجيه بطاريات الصواريخ للبحث عن مقاتلات العدو ضمن «صندوق جوي» ، واستعمال الوسائل البصرية أو الرادارات لتحديد مكانها ومواجهتها. تباعد الطائرتين ضمن كل تشكيل، وتباعد التشكيلين عن بعضهما بعضا، كان –بحسب السلامي– مقصوداً بغية تصعيب رصد موقع الطائرات؛ فحين تمتزج موجات التشويش بعضها ببعض، ويزداد عرض الموجة، يزداد هامش الخطأ، ما يوفّر للطائرات المغيرة وقتاً أطول قبل أن تكشفها الطواقم الأرضية وتتعامل معها. على الرغم من التشويش، تمكّنت بطارية «بوك ام2» متمركزة في مطار المزّة، وهي منظومة متحركة ومتوسطة المدى ومن أحدث الأسلحة التي حصل عليها الجيش السوري من روسيا بعد عام 2007، من اطلاق صاروخين باتجاه الزوج الأول من الطائرات، حالما اقترب من تخوم دمشق من الجنوب، وهو يطير من الغرب باتجاه الشرق. هنا، قامت الطائرات الاسرائيلية فوراً بانعطاف قويّ باتجاه الشمال، وانطلقت بسرعة كبيرة لترمي صواريخها، ثمّ تنعطف، مجدداً، غرباً الى داخل أجواء لبنان. حين تُستعمل صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، يشرح الكاتب، فهي تُطلق باتجاه المنطقة العامة التي يُتوقّع أن تكون فيها الطائرات بحسب مسارها، حيث تفتح الصواريخ، بعد طيرانها الى النقطة المحددة، أنظمة التوجيه فيها لتبحث عن الهدف. فكان التكتيك الاسرائيلي يقوم على تضليل الصواريخ عبر مناورة الطائرات التي جعلت صواريخ الـ«بوك» تتجه الى منطقة مختلفة ولا تجد أهدافها. ضربت الغارة الأولى أهدافاً في المطار الشراعي في منطقة الديماس. الزوج الثاني من الطائرات الإسرائيلية تلى الغارة الأولى مباشرة، فدخل الأجواء السورية متجها مباشرة صوب دمشق، حيث أطلق صواريخ بعيدة المدى والتفّ بسرعة عائداً أدراجه. انطلق هنا ايضاً صاروخان في وجه الطائرات، على الأرجح من منظومة «سام 3»، ولكنهما لم يكونا موجهين ضد الطائرات بل ضد الصواريخ التي أطلقتها، فأصاب أحدها قذيفة «بوباي 2» اسرائيلية موجّهة، أُسقطت وعُرضت صور حطامها في مواقع اعلامية سورية. امّا باقي الذخائر، فقد ضربت معدات موجودة قرب مدرج مطار دمشق الدولي. يتبيّن من هذه التفاصيل أنّ الغارة كانت مدروسة بدقّة، وانطوت على مجازفة حقيقية، وخاصة انها جرت في وضح النهار، وكانت من الحالات القليلة التي واجهت فيها الطائرات الاسرائيلية خطر صواريخ دفاع جوي حديثة، وجّهت ضدها مباشرة، وكان من الممكن لنتيجة المواجهة – نظرياً – أن تكون مختلفة ومكلفة لإسرائيل.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة