دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أصبحت المسألة السورية لب أزمة الإقليم ومحور تسويتها، فأمريكا كانت المستفيد الأول من الصراع في سورية، وإلى الآن مازالت تحشد طاقاتها وجهودها للإستفادة أكثر وأكثر، أما روسيا تعلم تماماً أهمية المرحلة القادمة من الصراع في سورية، وتأثيره على العلاقات بينهما، وعلى الرغم من إهتمامها في إستثمار الصراع، إلا أنها لا تهمل العمل على صياغة سيناريو مرض لمرحلة ما بعد الصراع، بحيث يدر عليها بالمنفعة الإقتصادية ويحول دون خسارتها لطموحاتها في المنطقة، هذا إضافة إلى الصراع الروسي الأمريكي، على فرض النفوذ والسيطرة، ومحاولة روسيا سحب البساط السوري من تحت الإدارة الأمريكية، بالنتيجة ما نراه يرتد سلباً على الشعب السوري و يزيد من همجية الصراع في المنطقة ويعقد من الأزمة أكثر.
لم تعرف سورية في تاريخها المعاصر وضعاً أكثر تعقيداً وتوتراً من الوضع الذي تمر به الآن، هو وضع متفجر معقد يسير نحو إحتمالات الإنفجار العام، ولكن إحتمالات أخرى قائمة، لا نستطيع الآن أن نحكم ما ستؤول إليه الأمور، لكننا نستطيع أن نستنج بأن أمريكا قادت التحالف الدولي وأرسلت بالتعاون مع أردوغان تركيا الآلاف من الجهاديين والمرتزقة، وأن دول الخليج أنفقت مبالغ كبيرة في حملات التمويل ضد سورية، طبعاً الهدف الأساسي هو إسقاط الدولة السورية، وهذا لم يحصل، فالدولة السورية ما زالت قائمة بفضل الدول الحليفة للنظام السوري.
كان الرئيس الروسي بوتين ينتظر الفرصة السانحة لتصفية حسابه مع أميركا يريد أن يثأر من محاولتها تطويق روسيا بتحريك بيادق حلف الأطلسي قرب حدودها ومن تشجيعها الثورات الملونة على أطراف الإتحاد الروسي، وتأجيج الأزمة الأوكرانية والعقوبات الأميركية والغربية عليها، بالإضافة الى خلق تنظيم داعش ونجاحها في إلغاء الحدود العراقية –السورية، فضلاً عن عودة الطائرات الأميركية الى أجواء العراق وسورية في مهمات قتالية، والعامل الذي لا يمكن تجاهله أيضاً هو هبوط أسعار النفط وتهاوي سعر صرف الروبل الروسي، فبوتين كان يحلم بهز ركائز صورة القوة العظمى الوحيدة وإنهاء عهد الغطرسة الأميركية، في هذا الإطار وجد في الأزمة السورية فرصته الذهبية، لن يسمح بتكرار المشهد الليبي، ولن يُمرر في مجلس الأمن ما يسمح بإعطاء ظلال من الشرعية لعملية اقتلاع النظام السوري، ثم إن سورية يمكن أن تكون فرصة لكسر الموجة الإسلامية, فرصة لإظهار حدود الدور الأميركي في المنطقة.
الحراك الروسي للحل في سورية اليوم يأخذ مداه وفاعليته في التواصل بين الدول المعنية، فروسيا تدعو لحوار سوري - سوري يبنى عليه في حال قرر فريقا الدولة والمعارضة الدخول في تسوية للأزمة السورية، فهذه المبادرة الروسية تسير بموازاة الطائرات الأميركية التي تقصف مواقع لداعش على الأراضي السورية، وهي محاولة لإيجاد تفاهم سياسي يقود الى التأثير على الأرض، وهي تتوافق مع الإتحاد الاوروبي الذي يعتمد نهج الدبلوماسية الروسية من أجل عقد مؤتمر يجمع المعارضة بالحكومة السورية، وإن " جنيف 1" هو أساس الحوار لكنه بحاجة لتعديلات الآن، بعد أن أصبح الإرهاب أولوية، وأن الحوار وحده هو الذي يجنب سورية الدمار والتقسيم والجيش السوري خط احمر.
إن التطورات ونتائجها الإيجابية أزعجت الدول التي راهنت على إسقاط النظام والقيادة في سورية وهذا ما لم يحدث، بل سقطت المعارضة "المسماة معتدلة" من جيش حر وغيرها من ميليشيات وأمراء في سورية، وباتت الكلمة الاولى للخليفة ابو بكرالبغدادي، وليس لأي طرف آخر، هذا مما أدى إلى تغيرات جوهرية إرتبطت بإنعكاس الصراع السوري على أمن المنطقة بأكملها، مما أدى الى تغير الموقف السعودي تجاه سورية الذي كان جزءاً من تغيرات مماثلة فى الإقليم، والكويت قبلت الطلب السوري بإعادة فتح سفارتها، وإجتمع مسؤول دبلوماسي وآخر أمني مع نائب الخارجية السورية فيصل المقداد بدمشق، ومنحت تأشيرات لثلاثة دبلوماسيين، ووفد عُماني التقى وزير الخارجية وليد المعلم فى دمشق، لبحث استئناف السفارات عملها، وتونس إفتتحت مكتباً بدمشق لمساعدة رعاياها الذين تورطوا فى الجهاد ويرغبون فى العودة، أما قطر فقد تمت وساطات لإستئناف علاقاتها بسورية، بمباركة إيرانية، منذ تعرضت علاقاتها بالسعودية للفتور، بعد الإطاحة بإخوان مصر، وذلك لتفكيك محور الرياض الدوحة الداعم الرئيسى للمعارضة السورية، كما أن تغير التوجهات نحو النظام السوري إمتد لتركيا وبعض الدول الأوروبية، فالشروط التركية الثلاثة لتفعيل مشاركتها فى حرب داعش "إقامة منطقة آمنة، حظر الطيران السوري، تدريب وتسليح المعارضة" والتى تستهدف إسقاط النظام ، لم تهتم بها أمريكا ولا الناتو لذلك تخلت أنقرة عن هذه الشروط، وفرنسا تراجعت عن موقفها الذى يعتبر الأسد جزءاً من المشكلة، وليس الحل، وأنه لا موضع له فى مستقبل سورية، وذلك بعد تزايد أعداد مواطنيها فى صفوف التنظيمات الإرهابية، مسؤولو المخابرات فى بلجيكا، إيطاليا، أسبانيا، وبريطانيا، وغيرهم توجهوا لدمشق لفتح قنوات تعاون، حتى المخابرات الأمريكية استأنفت إتصالاتها، أما إستقبالها الأخير لوفد الإئتلاف السوري المعارض بواشنطن، فقد حمل دلالات سلبية، إذ أخضعته للتفتيش الذاتي بالمطارات، ورسائلهم الأخيرة للإيرانيين تؤكد أن بقاء الأسد قد صار وراء ظهرهم.
سورية التي تحقق إنجازات مهمة في محاربة الإرهاب تعلم جيداً بأن تحقيق الأمن والإستقرار في سورية ووضع حد لخطر الإرهاب ينبع من خلال، أولاً: العمل الداخلي الذي يتحقق من خلال تحقيق مصالحة وطنية شاملة تغلق اي باب تستفيد منه االقوى المتطرفة من الداخل، ثانياً: العمل الخارجي الذي يتم بتعاون دولي شامل لمجابهة الإرهاب ، يبدأ بتجفيف مصادره البشرية والمادية والعقائدية، ثم قطع الطرق عليه لمنعه من الوصول إلى الميدان السوري أو العراقي وأن تبدأ الدول الإقليمية المجاورة لسورية بالقيام بهذا العمل خاصة تركيا التي تعتبر الجسر الرئيسي الذي يعبر عليه الإرهاب إلى العراق و سورية .
إذاً الكرة بكل وضوح فى ملعب الجيش السوري المتقدم نحو الأمام دون تردد، وإذا كانت هناك قوى إقليمية ودولية تتحرك لصالح المليشيات المتطرفة لإستمرار إنزلاق سورية فى بحيرات الدم، فالجيش السوري أيضاً لن يتحرك وحده من أجل الحفاظ على أمن سورية القومى، وضمان وحده وسلامة أراضيه، وبناء عليه، نرى أن الهجوم المعاكس الذي خطط له محور المقاومة في الآونة الأخيرة و دعمته فيه بشكل خاص روسيا، بدأ يحدث تغييراً جوهرياً في المشهد بحيث يعزل الإرهاب و يلزم الجميع بمواجهته وتكون سورية قد نجحت فيما أصرت عليه منذ الحظة الأولى عندما أعلنت أن لا حديث عن حل سياسي أو عملية إصلاحية إلا بعد الإقرار بوجود الإرهاب والإلتزام بمحاربته، وبإختصار شديد إنه المستبعد أن يغير أوباما من سياسته تجاه القضايا الدولية ونهجه العدواني وخطابه المناهض لسورية حتى نهاية فترة حكمه، فسياسته تثير إمتعاضاً ليس فقط لدى الأمريكيين وإنما لدى حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا التي تتكبد الخسائر الكبيرة، فدمشق هي الصخرة التى سوف تتحطم أمامها كافة مشروعات الدولة الدينية وأوهام الخلافة فى المنطقة العربية، من هنا لا بد من تدعيم الجهود السورية الأخيرة فى تقوية جسور التعاون الكامل بين دمشق وحلفاؤها في المنطقة، لمحاولة إيجاد الحلول ومواجهة التطرف والإرهاب الذي سيطال الجميع بدون إستثناء كونها حرب بالوكالة جمع من أجلها كل الأصولية والتطرف من كل حدب وصوب وزج بها في معركة إستنزاف سيحترق بنارها جميع الدول.
المصدر :
الدكتور خيام الزعبي- صحفي وكاتب أكاديمي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة