ربما قد نصدق يوماً أن ملك «آل سعود» قد حصل على شهادتي دكتوراه في أقل من ثلاثة أشهر بحنكته وسعة اطلاعه، لكن سيكون من الصعب علينا أن نصدق أن حالة من الإنسانية سقطت فجأة على الكونغرس الأميركي،

فقرر نشر تقريرٍ عن حالات التعذيب التي لم تتورط بها «السي آي إيه» فحسب، لكن تورطت بها دولٌ وحكوماتٌ ما زالت تقدم نفسها كراعٍ للحرية والديمقراطية عبر العالم. صحيح أن التقرير الأصلي قد بقي طَي الكتمان «نظرياً»، لكن الملخص الذي تم الإفراج عنه، قال كل ما يجب أن يُقال، ليبقى السؤال الأساس في ظل غياب رؤيةٍ حقيقيةٍ توضح لنا السبب الحقيقي لتوقيت نشر هذا التقرير:

هل تضمن التقرير مثلاً حالات التعذيب في «سجن أبو غريب» واستخدام «اليورانيوم المنضب» في الفلوجة، لدرجةٍ بات فيها ضحايا مثل هذا السلاح «يتساقطون حتى الآن» نتيجةً لتزايد عدد الأطفال الذين يُولدون بتشوهاتٍ خلقيةٍ ناتجةٍ عن استخدام مثل هذه الأنواع من السلاح؟. ربما هذا ماعناه «روبرت فيسك» في «الاندبندنت»، بأن العرب لم ينتظروا نشر هذا التقرير ليغضبوا باعتبارهم عاشوا هذه الوسائل من التعذيب، لكن على المتورطين أن ينتظروا غضب من تمت عمليات التعذيب باسمهم.

في المطلق يبدو انتظار غضب الشعوب الأوروبية على ما تقترفه حكوماتها من جرائم كمن انتظر النتائج المهمة التي ستخرج بها قمة ما يُسمى «مجلس التعاون الخليجي» في الدوحة.

عقدت مشيخات النفط قمتها الهزيلة التي روجوا لها على أنها قمة مصالحة، فأيُّ صلح لقضايا جوهرية ستحله «ساعتان فقط» من النقاشات بين مشيخاتٍ أكثر من نصف حكامها وممثليها في القمة بلغوا أرذل العمر؟

أراد «آل سعود» في القمة الترويج لفكرتين أساسيتين:

الفكرة الأولى هي «الاتحاد الخليجي» التي لا تعدو كونها نوعاً من الرتوش السياسي تشبه، إلى حدٍّ بعيدٍ، حديث البيان الختامي للقمة عن ما سموه (الارتياح لإعلان حقوق الإنسان لدول الخليج العربية!)، طرحوا الفكرة وهم يعلمون تماماً أنها كفكرة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، فكرةٌ مستحيلة التحقق.

الفكرة الثانية وهي الترويج لتشكيل «ناتو خليجي»، أرادوا في الشكل أن يدخلوا من الباب العريض عبر الحديث عن قوات تدخل والاستماتة لضم مصر لهذا التحالف.

بات سعي «آل سعود» واضحاً لاتحاد خليجي قوي تحت قيادتهم، يأتمر بأمرهم، فهل هو زمن الخوف من الآتِي؟ أم إنها الرغبة في بناء قوة توازي القوة الإيرانية بعد النجاح في الحصول على خدمات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالترغيب «العلني» تارةً عبر المساعدات المالية، أو الترهيب المبطن تارةً أخرى عبر تحريك الأذرع الإرهابية التي تحيط بمصر. لكنَّ المفاجأة أن قمة المصالحة انتهت بتساؤلاتٍ غريبة أهمها: لماذا رفضت عُمان استقبال القمة القادمة؟

مما لا شك فيه أن وسطية عمان في التعاطي مع الأحداث الجارية باتت لافتة للنظر، لدرجةٍ بدا فيها موقع عُمان الحالي وقدرتها على التعاطي مع جميع الأطراف من منطلق الاحترام هي بداية فعلية لتصدع طموحات «آل سعود»، حتى في إطارهم الضيق المُسمى «مجلس تعاون خليجياً». بدا واضحاً أهمية «الحياد» العماني، والثقة التي تتمتع بها عندما اختيرَت كمكانٍ لعقد المباحثات النووية بين إيران والغرب في مسقط، والتي كادت المباحثات فيها تصل إلى خواتيمها لولا تدخل نتنياهو ومن يدور في فلكه لإجهاضها أو حتى تأجيلها، كما اعترف هو شخصياً، مسوغاً ذلك بأن الإتفاق لا يُزيل الخطر عن «إسرائيل» والدول المرتابة من حصول إيران على السلاح النووي.

قد يبدو لنا أن كل ما جرى في عُمان هو بداية التفاهم (الإيراني الأميركي)، الذي بموجبه أطلقت روسيا مبادرتها للحل، فاستجابت لها القيادة السورية، بل إن الروس تحدثوا صراحةً عن تعهدهم بالعمل لعقد محادثات (سورية أميركية) إن لزم الأمر، فهل يريدوننا أن نصدق بأن الأمر لا يلزم؟. وإذا كان «ميخائيل بوغدانوف» جاهزاً للتوسط لعقد المحادثات، وإن اقتصرت على المستوى الأمني والتنسيق للحرب على «داعش»، إلا يعني أن الوساطة بين القيادة السورية والمعارضة «المقبولة» تحصيل حاصل، فلماذا جهدوا في تفسير ما أراده بوغدانوف من زيارته للأسد، ولم يستوعبوا عدم زيارته باقي الدول؟

 

ليس المهم أن تعرف ماذا حمل بوغدانوف للأسد، الأهم أن تحاول استقراء ذلك:

لم يكن من باب المصادفة أن تترافق الغارة الصهيونية الجديدة على سورية، مع استماتة تنظيم داعش لاقتحام مطار «دير الزُّور» العسكري، الذي ترافق مع حدثٍ آخرٍ لم يأخذ حقه إعلامياً للأسف»، وهو تفجير جامع «السلطانية الأثري» في حلب القديمة ومحاولة المسلحين العبور من خلاله باتجاه المدينة لمحاولة ضرب انتصارات الجيش العربي السوري في حلب، تحديداً أن الميدان وحده من يرسم ملامح التسوية، وهذا بدا واضحاً، بعكس ما يظن البعض بأن التسوية ستحدد خطوط الاشتباك الميدانية.

بدا واضحاً أن رفض المسلحين لمبادرة تجميد القتال كانت بداعي إعطاء المسلحين الفرصة الأخيرة على الأرض حتى لو كانت بمعاونةٍ «إسرائيلية» أقل ما يُقال عنها تشويشية، وأكثر ما يُقال عنها إنها أرادت التدخل حيث يريدها الآخرون أن تتدخل، لكن من هم الآخرون؟

قد يكون هؤلاء الآخرون هم الذين يسعون جاهدين لفرض مناطق عازلةٍ أو غاراتٍ ذكية تستهدف «داعش» والجيش السوري معاً، وهم يقفون حتى الآن عاجزين عن ذلك.

كذلك الأمر، هناك آخرون قد يكسبون من هذه الغارة على المدى الطويل، وهي إستراتيجية قد لا يدركها من ينظر للحدث في إطاره الضيق، بل يتقنها من يعي تماماً أن عدوه «أرعن». هناك من أقنع «إسرائيل» أن سلاحاً ما سيمر إلى حزب الله، ليس المهم أن تقتنع «إسرائيل» أن هناك سلاحاً يجب تدميره، الأهم أن تقتنع أنها دمرته وهنا بيت القصيد.

بالتأكيد، حاولت «إسرائيل» من خلال الضربة أن تحبط معنويات المواطن السوري، التي كانت قد ارتفعت بعد تقهقر داعش على أطراف «مطار دير الزور»، واقتراب قوات الجيش العربي كذلك من إحكام السيطرة عبر الطوق الذي سيُفرض على مدينة حلب، تحديداً أن مسافة قريبة باتت تفصل القوات عن «نبل» و«الزهراء» من جهة «تلجبين» مروراً بـ«حيان لكي نصل إلى هذه المقاربة علينا أن ندرك أن الكيان الصهيوني بات يعلم تماماً، وهي بمعظمها مساحات وأراضي زراعية خالية.

دائماً ما يكون التساؤل في الشارع السوري لماذا لا نرد؟ هل أننا لا نمتلك قدرات الرد؟ لكن هناك تجاهل وبشكل دائم لحقيقةٍ مهمة: لماذا قمنا بإسقاط طائرةٍ تركيةٍ حاولت فقط العبور عبر المياه الإقليمية السورية، على حين لم نقم بالرد على هذه الغارات «الإسرائيلية»؟

تساؤلٌ منطقيٌ، فهل هناك من يعي تماماً ماذا سيضرب الكيان الصهيوني؟ وكيف سيخيل له أنه دمر ما يمثل تهديداً لوجوده؟ لكي نصل لهذه المقاربة علينا أن ندرك أن الكيان الصهيوني بات يعلم تماماً أن الحل والخلاص السوري قد اقترب، فاللعب في الوقت الضائع بما لديه من معلومات أمرٌ جيدٌ ولكن دائماً ما تكون العبرة في الخواتم، تحديداً إذا ما أخذنا بالحسبان الحكمة التي تقول إن «صاحب الحاجة أرعن»، أليس عدونا بحاجةٍ دائمةٍ لما يظنه انتصارات «استخباراتية»!

ليس مهماً البحث فيما أراد بوغدانوف إيصاله للأسد فما حمله بوغدانوف قد يعلمه مستقبلاً من لم يستطع استقراؤه، أو على الأقل من لا يزال يصر ألا يرى كل ما يجري إلا من منظوره الضيق. لكي تكون الصورة أوضح، يجب عدم النظر فقط إلى إخفاق كل مساعي «آل سعود» وقطر في تدمير الدولة السورية، وإنْ اختلفوا في الوسائل، لكنّ الأهم هو الإخفاق في فرض أي من الآراء بسبب الترهل وقصور الرؤية وهذا الأمر لم يعد خافياً على أحد. وعليه، علينا أن نقرأ بعنايةٍ ما قاله مركز أبحاث الأمن القوميّ «الإسرائيليّ» بالأمس إن الترسانة الصاروخيّة لـ«آل سعود» يجب أن تُثير قلق «إسرائيل» لأن تغيّر نظام الحكم هناك سيُسرّب هذه الأسلحة الخطيرة لجهاتٍ تعادي «إسرائيل». إذاً إنه إقرار كامل بأن هذا السلاح موجود حالياً بيد الأصدقاء، والخوف من وقوعه بيد الأعداء، هي الصورة العكسية لما جرى في سورية، تحديداً أن تدمير الإرهابيين لرادارات الدفاع الجوي لم يكن سوى قرار «إسرائيلي»، فهل أن اللعب على خطورة وجود سلاح كهذا لدى نظامٍ «آل سعود» المترهل سيكون زاداً لهم في الأشهر القادمة؟

ربما.. تحديداً أن هناك من لا يزال يحصر طموحاته بألا يرى الأسد في السلطة، على حين خريطة التحالفات في المنطقة بالكامل على شفا إعادة الإنتاج، إنها «صناعة الغباء» التي أتقنتها «الأنظمة المترهلة» في التعاطي مع الشعوب العربية حتى باتوا هم ضحيتها.

  • فريق ماسة
  • 2014-12-13
  • 11428
  • من الأرشيف

بين تطورات الميدان ونضوج المبادرة الروسية

ربما قد نصدق يوماً أن ملك «آل سعود» قد حصل على شهادتي دكتوراه في أقل من ثلاثة أشهر بحنكته وسعة اطلاعه، لكن سيكون من الصعب علينا أن نصدق أن حالة من الإنسانية سقطت فجأة على الكونغرس الأميركي، فقرر نشر تقريرٍ عن حالات التعذيب التي لم تتورط بها «السي آي إيه» فحسب، لكن تورطت بها دولٌ وحكوماتٌ ما زالت تقدم نفسها كراعٍ للحرية والديمقراطية عبر العالم. صحيح أن التقرير الأصلي قد بقي طَي الكتمان «نظرياً»، لكن الملخص الذي تم الإفراج عنه، قال كل ما يجب أن يُقال، ليبقى السؤال الأساس في ظل غياب رؤيةٍ حقيقيةٍ توضح لنا السبب الحقيقي لتوقيت نشر هذا التقرير: هل تضمن التقرير مثلاً حالات التعذيب في «سجن أبو غريب» واستخدام «اليورانيوم المنضب» في الفلوجة، لدرجةٍ بات فيها ضحايا مثل هذا السلاح «يتساقطون حتى الآن» نتيجةً لتزايد عدد الأطفال الذين يُولدون بتشوهاتٍ خلقيةٍ ناتجةٍ عن استخدام مثل هذه الأنواع من السلاح؟. ربما هذا ماعناه «روبرت فيسك» في «الاندبندنت»، بأن العرب لم ينتظروا نشر هذا التقرير ليغضبوا باعتبارهم عاشوا هذه الوسائل من التعذيب، لكن على المتورطين أن ينتظروا غضب من تمت عمليات التعذيب باسمهم. في المطلق يبدو انتظار غضب الشعوب الأوروبية على ما تقترفه حكوماتها من جرائم كمن انتظر النتائج المهمة التي ستخرج بها قمة ما يُسمى «مجلس التعاون الخليجي» في الدوحة. عقدت مشيخات النفط قمتها الهزيلة التي روجوا لها على أنها قمة مصالحة، فأيُّ صلح لقضايا جوهرية ستحله «ساعتان فقط» من النقاشات بين مشيخاتٍ أكثر من نصف حكامها وممثليها في القمة بلغوا أرذل العمر؟ أراد «آل سعود» في القمة الترويج لفكرتين أساسيتين: الفكرة الأولى هي «الاتحاد الخليجي» التي لا تعدو كونها نوعاً من الرتوش السياسي تشبه، إلى حدٍّ بعيدٍ، حديث البيان الختامي للقمة عن ما سموه (الارتياح لإعلان حقوق الإنسان لدول الخليج العربية!)، طرحوا الفكرة وهم يعلمون تماماً أنها كفكرة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، فكرةٌ مستحيلة التحقق. الفكرة الثانية وهي الترويج لتشكيل «ناتو خليجي»، أرادوا في الشكل أن يدخلوا من الباب العريض عبر الحديث عن قوات تدخل والاستماتة لضم مصر لهذا التحالف. بات سعي «آل سعود» واضحاً لاتحاد خليجي قوي تحت قيادتهم، يأتمر بأمرهم، فهل هو زمن الخوف من الآتِي؟ أم إنها الرغبة في بناء قوة توازي القوة الإيرانية بعد النجاح في الحصول على خدمات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالترغيب «العلني» تارةً عبر المساعدات المالية، أو الترهيب المبطن تارةً أخرى عبر تحريك الأذرع الإرهابية التي تحيط بمصر. لكنَّ المفاجأة أن قمة المصالحة انتهت بتساؤلاتٍ غريبة أهمها: لماذا رفضت عُمان استقبال القمة القادمة؟ مما لا شك فيه أن وسطية عمان في التعاطي مع الأحداث الجارية باتت لافتة للنظر، لدرجةٍ بدا فيها موقع عُمان الحالي وقدرتها على التعاطي مع جميع الأطراف من منطلق الاحترام هي بداية فعلية لتصدع طموحات «آل سعود»، حتى في إطارهم الضيق المُسمى «مجلس تعاون خليجياً». بدا واضحاً أهمية «الحياد» العماني، والثقة التي تتمتع بها عندما اختيرَت كمكانٍ لعقد المباحثات النووية بين إيران والغرب في مسقط، والتي كادت المباحثات فيها تصل إلى خواتيمها لولا تدخل نتنياهو ومن يدور في فلكه لإجهاضها أو حتى تأجيلها، كما اعترف هو شخصياً، مسوغاً ذلك بأن الإتفاق لا يُزيل الخطر عن «إسرائيل» والدول المرتابة من حصول إيران على السلاح النووي. قد يبدو لنا أن كل ما جرى في عُمان هو بداية التفاهم (الإيراني الأميركي)، الذي بموجبه أطلقت روسيا مبادرتها للحل، فاستجابت لها القيادة السورية، بل إن الروس تحدثوا صراحةً عن تعهدهم بالعمل لعقد محادثات (سورية أميركية) إن لزم الأمر، فهل يريدوننا أن نصدق بأن الأمر لا يلزم؟. وإذا كان «ميخائيل بوغدانوف» جاهزاً للتوسط لعقد المحادثات، وإن اقتصرت على المستوى الأمني والتنسيق للحرب على «داعش»، إلا يعني أن الوساطة بين القيادة السورية والمعارضة «المقبولة» تحصيل حاصل، فلماذا جهدوا في تفسير ما أراده بوغدانوف من زيارته للأسد، ولم يستوعبوا عدم زيارته باقي الدول؟   ليس المهم أن تعرف ماذا حمل بوغدانوف للأسد، الأهم أن تحاول استقراء ذلك: لم يكن من باب المصادفة أن تترافق الغارة الصهيونية الجديدة على سورية، مع استماتة تنظيم داعش لاقتحام مطار «دير الزُّور» العسكري، الذي ترافق مع حدثٍ آخرٍ لم يأخذ حقه إعلامياً للأسف»، وهو تفجير جامع «السلطانية الأثري» في حلب القديمة ومحاولة المسلحين العبور من خلاله باتجاه المدينة لمحاولة ضرب انتصارات الجيش العربي السوري في حلب، تحديداً أن الميدان وحده من يرسم ملامح التسوية، وهذا بدا واضحاً، بعكس ما يظن البعض بأن التسوية ستحدد خطوط الاشتباك الميدانية. بدا واضحاً أن رفض المسلحين لمبادرة تجميد القتال كانت بداعي إعطاء المسلحين الفرصة الأخيرة على الأرض حتى لو كانت بمعاونةٍ «إسرائيلية» أقل ما يُقال عنها تشويشية، وأكثر ما يُقال عنها إنها أرادت التدخل حيث يريدها الآخرون أن تتدخل، لكن من هم الآخرون؟ قد يكون هؤلاء الآخرون هم الذين يسعون جاهدين لفرض مناطق عازلةٍ أو غاراتٍ ذكية تستهدف «داعش» والجيش السوري معاً، وهم يقفون حتى الآن عاجزين عن ذلك. كذلك الأمر، هناك آخرون قد يكسبون من هذه الغارة على المدى الطويل، وهي إستراتيجية قد لا يدركها من ينظر للحدث في إطاره الضيق، بل يتقنها من يعي تماماً أن عدوه «أرعن». هناك من أقنع «إسرائيل» أن سلاحاً ما سيمر إلى حزب الله، ليس المهم أن تقتنع «إسرائيل» أن هناك سلاحاً يجب تدميره، الأهم أن تقتنع أنها دمرته وهنا بيت القصيد. بالتأكيد، حاولت «إسرائيل» من خلال الضربة أن تحبط معنويات المواطن السوري، التي كانت قد ارتفعت بعد تقهقر داعش على أطراف «مطار دير الزور»، واقتراب قوات الجيش العربي كذلك من إحكام السيطرة عبر الطوق الذي سيُفرض على مدينة حلب، تحديداً أن مسافة قريبة باتت تفصل القوات عن «نبل» و«الزهراء» من جهة «تلجبين» مروراً بـ«حيان لكي نصل إلى هذه المقاربة علينا أن ندرك أن الكيان الصهيوني بات يعلم تماماً، وهي بمعظمها مساحات وأراضي زراعية خالية. دائماً ما يكون التساؤل في الشارع السوري لماذا لا نرد؟ هل أننا لا نمتلك قدرات الرد؟ لكن هناك تجاهل وبشكل دائم لحقيقةٍ مهمة: لماذا قمنا بإسقاط طائرةٍ تركيةٍ حاولت فقط العبور عبر المياه الإقليمية السورية، على حين لم نقم بالرد على هذه الغارات «الإسرائيلية»؟ تساؤلٌ منطقيٌ، فهل هناك من يعي تماماً ماذا سيضرب الكيان الصهيوني؟ وكيف سيخيل له أنه دمر ما يمثل تهديداً لوجوده؟ لكي نصل لهذه المقاربة علينا أن ندرك أن الكيان الصهيوني بات يعلم تماماً أن الحل والخلاص السوري قد اقترب، فاللعب في الوقت الضائع بما لديه من معلومات أمرٌ جيدٌ ولكن دائماً ما تكون العبرة في الخواتم، تحديداً إذا ما أخذنا بالحسبان الحكمة التي تقول إن «صاحب الحاجة أرعن»، أليس عدونا بحاجةٍ دائمةٍ لما يظنه انتصارات «استخباراتية»! ليس مهماً البحث فيما أراد بوغدانوف إيصاله للأسد فما حمله بوغدانوف قد يعلمه مستقبلاً من لم يستطع استقراؤه، أو على الأقل من لا يزال يصر ألا يرى كل ما يجري إلا من منظوره الضيق. لكي تكون الصورة أوضح، يجب عدم النظر فقط إلى إخفاق كل مساعي «آل سعود» وقطر في تدمير الدولة السورية، وإنْ اختلفوا في الوسائل، لكنّ الأهم هو الإخفاق في فرض أي من الآراء بسبب الترهل وقصور الرؤية وهذا الأمر لم يعد خافياً على أحد. وعليه، علينا أن نقرأ بعنايةٍ ما قاله مركز أبحاث الأمن القوميّ «الإسرائيليّ» بالأمس إن الترسانة الصاروخيّة لـ«آل سعود» يجب أن تُثير قلق «إسرائيل» لأن تغيّر نظام الحكم هناك سيُسرّب هذه الأسلحة الخطيرة لجهاتٍ تعادي «إسرائيل». إذاً إنه إقرار كامل بأن هذا السلاح موجود حالياً بيد الأصدقاء، والخوف من وقوعه بيد الأعداء، هي الصورة العكسية لما جرى في سورية، تحديداً أن تدمير الإرهابيين لرادارات الدفاع الجوي لم يكن سوى قرار «إسرائيلي»، فهل أن اللعب على خطورة وجود سلاح كهذا لدى نظامٍ «آل سعود» المترهل سيكون زاداً لهم في الأشهر القادمة؟ ربما.. تحديداً أن هناك من لا يزال يحصر طموحاته بألا يرى الأسد في السلطة، على حين خريطة التحالفات في المنطقة بالكامل على شفا إعادة الإنتاج، إنها «صناعة الغباء» التي أتقنتها «الأنظمة المترهلة» في التعاطي مع الشعوب العربية حتى باتوا هم ضحيتها.

المصدر : الوطن / فراس عزيز ديب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة