بعد حديث السيد الرئيس بشار الأسد لمجلة «باري ماتش» الفرنسية، علقت الـ«غراند إستراتيجي» على كلام الأسد حول أن الحرب على سورية ستطول بالقول: إنه كلام دقيق للغاية،

فالأميركيون يدعمون الفوضى، والأتراك يغذون النصرة ويتعاملون مع داعش، أمّا الأسد فهو مصر على عدم التنازل، والصراع مفتوح إلى أن يستشعر أطراف الصراع الأميركي والتركي والسعودي بخطر داعش، وهذه هي اللعبة الخطرة. لكن يتناسى الجميع أن هناك الكثير مما قاله الأسد سابقاً وقاله في هذا اللقاء يتحقق.

عندما قام الموساد «الإسرائيلي» باغتيال القيادي في حركة حماس «محمود المبحوح» في عام 2010، ورغم أن الجريمة نفذها أكثر من 26 إرهابياً من عدة جنسياتٍ، إلا أن أحفاد شخبوط احتاجوا ما يقارب الشهرين لإعلان تفاصيل الجريمة. اليوم، تدخل منقبة إلى حمام أحد المولات التجارية وتقوم بقتل مدرِّسةٍ أميركية، الأمر لم يحتج لأكثر من ساعاتٍ حتى كشفت الأجهزة هناك ملابسات الجريمة، والتي حسبما يتناقل الإعلام بأنها «مشاجرة». لا نعلم إن كانت هذه المشاجرة تشبه المشاجرات التي أدت لمقتل أميركي وجرح آخر بعد إطلاق النار على سيارتهم في محطة وقود في مدينة الرياض. كذلك الأمر لم يخرج علينا وزير خارجية مشيخة الإمارات «المحنك جداً» ليشرح لنا هل المشاجرة كانت على الأسبقية في دخول الحمامات، أم إنها مشاجرة فكرية لها ما لها من أبعاد وحسابات مستقبلية، لا يعترفون بها إلا عندما يصبح الاعتراف تحصيل حاصل، ولهم في ذلك تاريخ طويل فمتى سيتعظون ويقرؤون عبارة الأسد في حديثه الأخير بأن «الإرهاب هو أيديولوجيا وليس منظمات ولا هيكليات، والأيديولوجيا عابرة للحدود».

منذ انطلاق ربيع الدم العربي وبروز اسم شيخ الفتنة «يوسف القرضاوي» كـ«مفكر ثوري»، و«موزة المسند» كـ«جان دارك» المحرومين، سقط ما سقط من أبرياء، عملوا لتقسيم دولٍ وتفتيتِ منظومات. لكن هل توقعون أن يأتي اليوم الذي سيتحول فيه «يوسف القرضاوي» إلى مجرمٍ مطلوبٍ للإنتربول الدولي بجنسيتيه القطرية والمصرية؟

من كان يتوقع أن الولايات المتحدة التي تُفاخر بديمقراطيتها بين الأمم ستندلع فيها تظاهرات تطالب بإلغاء التمييز العنصري، في استعادةٍ للأحداث التي اندلعت منتصف القرن الماضي بعد مقاطعة السود لحافلات «المونتغمري» عقب الطلب من امرأةٍ سوداءٍ ترك مكانها لرجلٍ أبيض. لا نعلم، فربما تتطور المظاهرات لحد طلب المتظاهرين حماية من الناتو أو النجدة من داعش.

داعش، التي لم يتوقع الناخب الفرنسي الذي أسقط ورقته لانتخاب فرانسوا هولاند رئيساً، أن يصل ليومٍ يجد فيه رئيسه وقد قاربت شعبيته شعبية داعش.

حال الناخب الفرنسي الذي أسقط «الساركوزية السياسية» والمصدوم برئيسه وبشعبيته، قد يبدو مشابهاً لحال «الثوار» في مصر الذين أسقطوا نظام «حسني مبارك»، ليعود بعد أربع سنوات ويخرج من السجن بالبراءة. لا ندري فقد نجد جمال مبارك بعد سنواتٍ رئيساً لمصر، ويعود «حسن شحاتة» لتدريب المنتخب المصري، فالناخب المصري الذي أوصل محمد مرسي والإخوان يوماً إلى الرئاسة، قد يأتي بجمال مبارك رئيساً. بالتالي يحدث ما كان المصريون يريدون الهروب منه -على ذمة الجزيرة القطرية- بطريقةٍ سلميةٍ. بل إن مصر ما إن تنتقل من العباءة السعودية وتعود إلى العباءة القطرية فسنرى حكماً مشابهاً ببراءة «محمد مرسي» أيضاً.

كذلك الأمر بالنسبة للفرنسيين، فهم أسقطوا ساركوزي في الانتخابات السابقة، ويبدو أنه سيكون أهون الشرور في الانتخابات القادمة. وإنْ كنا نجزم من الآن أن هولاند إن استمر على هذا التدهور في شعبيته المرتبط بسياساته، فلن يتجاوز الدور الأول، فإنَّه من الصعب التكهن بنتيجة الدور الثاني التي قد تبدو مفتوحة بين عودة الساركوزية، أو اعتلاء اليمين المتطرف سدة الرئاسة للمرة الأولى.

من كان يصدق أن الشارع العربي الذي كان يتعاطى مع ما يقوله الزعيم الليبي الراحل «معمر القذافي» بالكثير من السخرية، سيعود لكلامه ويترحم عليه. ألف أعداؤه عنه كتاباً كاملاً بتمويلٍ قطري -باللغة الفرنسية- يتحدث عن علاقاته الغرامية، وهنا نعجب كيف وصلوا لأسرار غرف نومه، ولم يتمكنوا حتى الآن من الوصول لإثباتٍ وحيدٍ عن حقيقة اختفاء الإمام موسى الصدر ـ ولن يصلواـ.

ربما أن حديث الرئيس الأسد عن الربّان الذي لا يترك السفينة ينطبق على القذافي، فهو لم يهرب كما غيره في مشيخات النفط مطلع التسعينيات من القرن الماضي تاركاً شعبه لمصيرٍ يحكمه طموحات صدام الغبية. قالها القذافي منذ اليوم الأول: من أنتم؟ سخروا منه، والكل بات يكرر الآن السؤال ذاته، من هم؟

هم ذاتهم الذين مزقوا ليبيا، المنتشرون على حدودها مع الجزائر ومصر، وهم في حالة تأهبٍ للمهمة القادمة. هم ذاتهم من دمروا سورية واليمن، إنها آلة التدمير الذاتية التي استُخدمت بذكاءٍ وحنكةٍ، هم من عناهم الرئيس الأسد في حديثه الأخير لصحيفة «باري ماتش» بالقول: إنهم ولدوا من رحم الغزو الأميركي للعراق.

ليس مهماً التسمية، المهم الفكرة التي نجحت حتى الآن بتنفيذ الكثير من مهامها لكن حالت دونها عقبة وحيدة:

تتجسد هذه العقبة بقدرة الرئيس الأسد وبعد أربع سنوات من الحرب على سورية أن تتصدر عباراته مانشيتات الصحف ونشرات الأخبار العالمية، ليس لجهة الاستهزاء بشعبية هولاند فحسب «باعتبار أن الضرب بالميت حرام»، وإنما بتأكيد الكثير من النقاط التي وردت في اللقاء كما فعلت غراند ستراتيجي، فهل حقاً أنها صناعة التاريخ وهناك من لايزال يرى كل مايجري خلافاً «عائلياً»؟

من قال إن زمن التقاء «خليفة المسلمين» برأس الكنيسة لا يمكن أن يتحقق، فالبابا قابل «رجب طيب أردوغان» -الخليفة الفعلي لكل التنظيمات التي تدّعي العودة للدولة الإسلامية-. لا نعلم إن كانت المباحثات قد شملت مساعي إطلاق المطرانين المخطوفين «يوحنا إبراهيم» و«بولس يازجي»، لكنْ ما نعلمه أن أردوغان بات بأمس الحاجة لتلميع صورته ولو بصورةٍ تذكاريةٍ مع البابا، الذي بدا بحديثه عن التسامح كمن يعطي أردوغان صك براءةٍ. حال البابا يختلف تماماً عن حال بوتين الذي كان واضحاً وحاداً في السياسة، منفتحاً في الاقتصاد، فتصرف بوتين كان متطابقاً مع ما قاله الأسد من منطلق حاجة الدول ومصالح الشعوب: «القضية ليست علاقات شخصية، القضية هي علاقات بين الدول والمؤسسات، وهي علاقة مصالحٍ بين شعبين.. ». يبدو أن ما أراد بوتين إعطاءه لأردوغان من الناحية الاقتصادية، وتشبثه بمواقفه السياسية، هو درس في علاقة المصالح بين الشعوب، لأن الاستغاثة التي أطلقها وزير الخارجية البلغاري «بويكو بوريسوف» بعد اجتماعه برئيس المفوضية الأوروبية «جان كلود يونكر» وذلك بعد إعلان بوتين إلغاء مشروع نفط الجنوب، تثبت بالدليل القاطع أن روسيا مازالت قادرة على التأثير في اقتصاديات الدول الأوروبية مهما حاول البعض أن يفاخر بهبوط سعر الروبل نتيجة للعقوبات. فالروس قادرون على إيجاد البدائل، تحديداً إن اقتصادهم لا يعتمد فقط على تصدير النفط و«الكسبة».

كذلك الأمر فإن رفض الروس للكثير من المغريات الاقتصادية «الخليجية»، بعكس الأنظمة الحاكمة في كل من فرنسا وبريطانيا، يثبت أن صناعة التاريخ تكون ببناء المستقبل، والمستقبل لا تبنيه التحالفات مع داعمي الإرهاب، فالتحالف يختلف عن العلاقات بين الدول، تماماً كما يختلف حجم الدول في التأثير ببعضها البعض.

في لبنان مثلاً مازال هناك وزراء وقادة أحزاب يكررون عبارة «شكراً قطر»، مع العلم أن إعدام الجندي «محمد النزال» بالأمس تم بعد أقل من 24 ساعة على مغادرة ما يُسمى الوسيط القطري لبنان بعد أن التقى الخاطفين، وبعد أيام من الكمين الذي راح ضحيته عدد من الشهداء من الجيش اللبناني في جرود بعلبك، فهل بتنا نفهم الآن لماذا هناك من يصر على حرمان الجيش اللبناني من التسلح؟ لأنه ببساطة يريد للإرهاب أن يكون مواجهاً للمقاومة لا للجيش اللبناني، عندها فقط ستُزال المخاوف التي تتحدث عنها الصحافة العبرية، فمعاريف تتحدث عن إغراق حزب اللـه للكيان بالظلام، وغيرها يتحدث عن عدم جهوزية الجبهة الداخلية المنقسمة سياسياً في ظل الأزمة التي ضربت حكومة العدو لمثل هكذا حرب، فهل سيكون من العناوين القادمة المطروحة:

منْ كان يصدق أن حزب اللـه قادر فعلاً على احتلال الجليل؟

هكذا علمنا التاريخ، وهكذا زادهم التاريخ غباء، فنحن لم نتعلم من عناوين هذه الحرب فحسب، لكننا تعلمنا من عبارةٍ قالها الراحل حافظ الأسد منذ عقدين تتحقق بحذافيرها الآن: «لأنَّنا نأبى الذل ونرفض الاستسلام، نضحي اليوم ليهنأ أبناؤنا في الغد، ويؤدي جيلنا واجبه لتعيش الأجيال القادمة حرةً سيدةً في أرضها»، هل مازال هناك من يشك أنها لحظات صناعة التاريخ!

 

  • فريق ماسة
  • 2014-12-06
  • 12850
  • من الأرشيف

بين كوميديا «ربيع الدم» العربي وواقعية الأسد: هذا ما سيكتبه التاريخ

بعد حديث السيد الرئيس بشار الأسد لمجلة «باري ماتش» الفرنسية، علقت الـ«غراند إستراتيجي» على كلام الأسد حول أن الحرب على سورية ستطول بالقول: إنه كلام دقيق للغاية، فالأميركيون يدعمون الفوضى، والأتراك يغذون النصرة ويتعاملون مع داعش، أمّا الأسد فهو مصر على عدم التنازل، والصراع مفتوح إلى أن يستشعر أطراف الصراع الأميركي والتركي والسعودي بخطر داعش، وهذه هي اللعبة الخطرة. لكن يتناسى الجميع أن هناك الكثير مما قاله الأسد سابقاً وقاله في هذا اللقاء يتحقق. عندما قام الموساد «الإسرائيلي» باغتيال القيادي في حركة حماس «محمود المبحوح» في عام 2010، ورغم أن الجريمة نفذها أكثر من 26 إرهابياً من عدة جنسياتٍ، إلا أن أحفاد شخبوط احتاجوا ما يقارب الشهرين لإعلان تفاصيل الجريمة. اليوم، تدخل منقبة إلى حمام أحد المولات التجارية وتقوم بقتل مدرِّسةٍ أميركية، الأمر لم يحتج لأكثر من ساعاتٍ حتى كشفت الأجهزة هناك ملابسات الجريمة، والتي حسبما يتناقل الإعلام بأنها «مشاجرة». لا نعلم إن كانت هذه المشاجرة تشبه المشاجرات التي أدت لمقتل أميركي وجرح آخر بعد إطلاق النار على سيارتهم في محطة وقود في مدينة الرياض. كذلك الأمر لم يخرج علينا وزير خارجية مشيخة الإمارات «المحنك جداً» ليشرح لنا هل المشاجرة كانت على الأسبقية في دخول الحمامات، أم إنها مشاجرة فكرية لها ما لها من أبعاد وحسابات مستقبلية، لا يعترفون بها إلا عندما يصبح الاعتراف تحصيل حاصل، ولهم في ذلك تاريخ طويل فمتى سيتعظون ويقرؤون عبارة الأسد في حديثه الأخير بأن «الإرهاب هو أيديولوجيا وليس منظمات ولا هيكليات، والأيديولوجيا عابرة للحدود». منذ انطلاق ربيع الدم العربي وبروز اسم شيخ الفتنة «يوسف القرضاوي» كـ«مفكر ثوري»، و«موزة المسند» كـ«جان دارك» المحرومين، سقط ما سقط من أبرياء، عملوا لتقسيم دولٍ وتفتيتِ منظومات. لكن هل توقعون أن يأتي اليوم الذي سيتحول فيه «يوسف القرضاوي» إلى مجرمٍ مطلوبٍ للإنتربول الدولي بجنسيتيه القطرية والمصرية؟ من كان يتوقع أن الولايات المتحدة التي تُفاخر بديمقراطيتها بين الأمم ستندلع فيها تظاهرات تطالب بإلغاء التمييز العنصري، في استعادةٍ للأحداث التي اندلعت منتصف القرن الماضي بعد مقاطعة السود لحافلات «المونتغمري» عقب الطلب من امرأةٍ سوداءٍ ترك مكانها لرجلٍ أبيض. لا نعلم، فربما تتطور المظاهرات لحد طلب المتظاهرين حماية من الناتو أو النجدة من داعش. داعش، التي لم يتوقع الناخب الفرنسي الذي أسقط ورقته لانتخاب فرانسوا هولاند رئيساً، أن يصل ليومٍ يجد فيه رئيسه وقد قاربت شعبيته شعبية داعش. حال الناخب الفرنسي الذي أسقط «الساركوزية السياسية» والمصدوم برئيسه وبشعبيته، قد يبدو مشابهاً لحال «الثوار» في مصر الذين أسقطوا نظام «حسني مبارك»، ليعود بعد أربع سنوات ويخرج من السجن بالبراءة. لا ندري فقد نجد جمال مبارك بعد سنواتٍ رئيساً لمصر، ويعود «حسن شحاتة» لتدريب المنتخب المصري، فالناخب المصري الذي أوصل محمد مرسي والإخوان يوماً إلى الرئاسة، قد يأتي بجمال مبارك رئيساً. بالتالي يحدث ما كان المصريون يريدون الهروب منه -على ذمة الجزيرة القطرية- بطريقةٍ سلميةٍ. بل إن مصر ما إن تنتقل من العباءة السعودية وتعود إلى العباءة القطرية فسنرى حكماً مشابهاً ببراءة «محمد مرسي» أيضاً. كذلك الأمر بالنسبة للفرنسيين، فهم أسقطوا ساركوزي في الانتخابات السابقة، ويبدو أنه سيكون أهون الشرور في الانتخابات القادمة. وإنْ كنا نجزم من الآن أن هولاند إن استمر على هذا التدهور في شعبيته المرتبط بسياساته، فلن يتجاوز الدور الأول، فإنَّه من الصعب التكهن بنتيجة الدور الثاني التي قد تبدو مفتوحة بين عودة الساركوزية، أو اعتلاء اليمين المتطرف سدة الرئاسة للمرة الأولى. من كان يصدق أن الشارع العربي الذي كان يتعاطى مع ما يقوله الزعيم الليبي الراحل «معمر القذافي» بالكثير من السخرية، سيعود لكلامه ويترحم عليه. ألف أعداؤه عنه كتاباً كاملاً بتمويلٍ قطري -باللغة الفرنسية- يتحدث عن علاقاته الغرامية، وهنا نعجب كيف وصلوا لأسرار غرف نومه، ولم يتمكنوا حتى الآن من الوصول لإثباتٍ وحيدٍ عن حقيقة اختفاء الإمام موسى الصدر ـ ولن يصلواـ. ربما أن حديث الرئيس الأسد عن الربّان الذي لا يترك السفينة ينطبق على القذافي، فهو لم يهرب كما غيره في مشيخات النفط مطلع التسعينيات من القرن الماضي تاركاً شعبه لمصيرٍ يحكمه طموحات صدام الغبية. قالها القذافي منذ اليوم الأول: من أنتم؟ سخروا منه، والكل بات يكرر الآن السؤال ذاته، من هم؟ هم ذاتهم الذين مزقوا ليبيا، المنتشرون على حدودها مع الجزائر ومصر، وهم في حالة تأهبٍ للمهمة القادمة. هم ذاتهم من دمروا سورية واليمن، إنها آلة التدمير الذاتية التي استُخدمت بذكاءٍ وحنكةٍ، هم من عناهم الرئيس الأسد في حديثه الأخير لصحيفة «باري ماتش» بالقول: إنهم ولدوا من رحم الغزو الأميركي للعراق. ليس مهماً التسمية، المهم الفكرة التي نجحت حتى الآن بتنفيذ الكثير من مهامها لكن حالت دونها عقبة وحيدة: تتجسد هذه العقبة بقدرة الرئيس الأسد وبعد أربع سنوات من الحرب على سورية أن تتصدر عباراته مانشيتات الصحف ونشرات الأخبار العالمية، ليس لجهة الاستهزاء بشعبية هولاند فحسب «باعتبار أن الضرب بالميت حرام»، وإنما بتأكيد الكثير من النقاط التي وردت في اللقاء كما فعلت غراند ستراتيجي، فهل حقاً أنها صناعة التاريخ وهناك من لايزال يرى كل مايجري خلافاً «عائلياً»؟ من قال إن زمن التقاء «خليفة المسلمين» برأس الكنيسة لا يمكن أن يتحقق، فالبابا قابل «رجب طيب أردوغان» -الخليفة الفعلي لكل التنظيمات التي تدّعي العودة للدولة الإسلامية-. لا نعلم إن كانت المباحثات قد شملت مساعي إطلاق المطرانين المخطوفين «يوحنا إبراهيم» و«بولس يازجي»، لكنْ ما نعلمه أن أردوغان بات بأمس الحاجة لتلميع صورته ولو بصورةٍ تذكاريةٍ مع البابا، الذي بدا بحديثه عن التسامح كمن يعطي أردوغان صك براءةٍ. حال البابا يختلف تماماً عن حال بوتين الذي كان واضحاً وحاداً في السياسة، منفتحاً في الاقتصاد، فتصرف بوتين كان متطابقاً مع ما قاله الأسد من منطلق حاجة الدول ومصالح الشعوب: «القضية ليست علاقات شخصية، القضية هي علاقات بين الدول والمؤسسات، وهي علاقة مصالحٍ بين شعبين.. ». يبدو أن ما أراد بوتين إعطاءه لأردوغان من الناحية الاقتصادية، وتشبثه بمواقفه السياسية، هو درس في علاقة المصالح بين الشعوب، لأن الاستغاثة التي أطلقها وزير الخارجية البلغاري «بويكو بوريسوف» بعد اجتماعه برئيس المفوضية الأوروبية «جان كلود يونكر» وذلك بعد إعلان بوتين إلغاء مشروع نفط الجنوب، تثبت بالدليل القاطع أن روسيا مازالت قادرة على التأثير في اقتصاديات الدول الأوروبية مهما حاول البعض أن يفاخر بهبوط سعر الروبل نتيجة للعقوبات. فالروس قادرون على إيجاد البدائل، تحديداً إن اقتصادهم لا يعتمد فقط على تصدير النفط و«الكسبة». كذلك الأمر فإن رفض الروس للكثير من المغريات الاقتصادية «الخليجية»، بعكس الأنظمة الحاكمة في كل من فرنسا وبريطانيا، يثبت أن صناعة التاريخ تكون ببناء المستقبل، والمستقبل لا تبنيه التحالفات مع داعمي الإرهاب، فالتحالف يختلف عن العلاقات بين الدول، تماماً كما يختلف حجم الدول في التأثير ببعضها البعض. في لبنان مثلاً مازال هناك وزراء وقادة أحزاب يكررون عبارة «شكراً قطر»، مع العلم أن إعدام الجندي «محمد النزال» بالأمس تم بعد أقل من 24 ساعة على مغادرة ما يُسمى الوسيط القطري لبنان بعد أن التقى الخاطفين، وبعد أيام من الكمين الذي راح ضحيته عدد من الشهداء من الجيش اللبناني في جرود بعلبك، فهل بتنا نفهم الآن لماذا هناك من يصر على حرمان الجيش اللبناني من التسلح؟ لأنه ببساطة يريد للإرهاب أن يكون مواجهاً للمقاومة لا للجيش اللبناني، عندها فقط ستُزال المخاوف التي تتحدث عنها الصحافة العبرية، فمعاريف تتحدث عن إغراق حزب اللـه للكيان بالظلام، وغيرها يتحدث عن عدم جهوزية الجبهة الداخلية المنقسمة سياسياً في ظل الأزمة التي ضربت حكومة العدو لمثل هكذا حرب، فهل سيكون من العناوين القادمة المطروحة: منْ كان يصدق أن حزب اللـه قادر فعلاً على احتلال الجليل؟ هكذا علمنا التاريخ، وهكذا زادهم التاريخ غباء، فنحن لم نتعلم من عناوين هذه الحرب فحسب، لكننا تعلمنا من عبارةٍ قالها الراحل حافظ الأسد منذ عقدين تتحقق بحذافيرها الآن: «لأنَّنا نأبى الذل ونرفض الاستسلام، نضحي اليوم ليهنأ أبناؤنا في الغد، ويؤدي جيلنا واجبه لتعيش الأجيال القادمة حرةً سيدةً في أرضها»، هل مازال هناك من يشك أنها لحظات صناعة التاريخ!  

المصدر : الوطن / فراس عزيز ديب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة