دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
باريس، المباعة الى قطر، لا تكف عن احتيالها في ما يتعلق بالشأن السوري. لكن البعض قد يسجل لها المثابرة الدؤوبة في ما بين «الاليزيه» والـ»كي دورسيه»، منذ ما قبل رئاسة الاشتراكي الشكل فرانسوا هولاند في ايار 2012، وخروج اليميني الديغولي نيكولا ساركوزي.
لم تجر باريس تعديلا يذكر على سياستها السورية، ونادرا ما ظهر تباين ولو شكلي في مواقف الرئاسة ووزارة الخارجية امام التعامل مع المعضلة المتمثلة بقدرة دمشق على البقاء. يستوي في ذلك كل من آلان جوبيه ولوران فابيوس. وقد اضافت باريس الان الى مناوراتها الكلامية، تعبيرا جديدا في ما يتعلق بالحرب السورية: «الضربات الملتبسة».
من فرنسا الساركوزية التي وقفت بقوة خلف الخديعة الديبلوماسية الشهيرة في مجلس الامن الدولي وصدور القرار رقم 1973 بفرض حظر جوي فوق ليبيا تحت مسمى حماية المدنيين، لتستخدم لاحقا من اجل اسقاط النظام الليبي، الى فرنسا الاشتراكية التي تتنقل الآن من طرح الى آخر بهدف إضعاف دمشق واستغلال ما يتاح من التواء وحبائل سياسية من اجل تحقيق ذلك.
لم تتعظ باريس برغم الخيبات المتتالية والتي كان ابرزها فضيحة ايلول 2013 عندما رفض البرلمان الفرنسي اقتراح المشاركة في الهجوم العسكري على سوريا الذي اندفع اليه فرانسوا هولاند، في مزايدة سياسية هوجاء على الادارة الاميركية والحلفاء الغربيين، بعد «الهجوم الكيميائي» في الغوطة.
من الدعوة الدائمة لضرب دمشق، الى اتهام النظام السوري في نيسان 2012 بالسعي الى «محو حمص عن الخريطة»، الى التناغم مع النوايا التركية والقطرية المحمومة لانشاء ما يسمى «الممرات الانسانية» بغرض اقامة مناطق حظر جوي، وصولا الان الى طرح فكرة «الضربات الملتبسة»، يريد وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس الاستفادة من الزخم السياسي والاعلامي اقليميا ودوليا، ضد «داعش»، وحرف الحرب الجوية المعلنة عليها ـــ برغم الملاحظات الكثيرة المريبة حولها ـــ لتستهدف اضعاف الجيش السوري ومناطق سيطرته.
يقول فابيوس في حديث اذاعي قبل ايام «نقول إن لدينا خصمين، داعش بالتأكيد والقاعدة، والسيد بشار الأسد الذي يمكنني القول إنه يغتنم الوضع لتحريك قواته...نقول إنه ينبغي أن تكون هناك ضربات نطلق عليها بالمصطلح العسكري اسم ضربات ملتبسة، والتي تسمح بدفع بشار الأسد الى التراجع، وان يكون هناك في شمال سوريا مناطق آمنة ليعيش فيها الشعب السوري بسلام».
يثير مصطلح «الضربات الملتبسة» اسئلة كثيرة، ويضع الرغبة الفرنسية هذه في تعارض واضح ـــ على الاقل حتى الان ـــ مع الهدف الاميركي المعلن كما عبر عنه رئيس هيئة الأركان الأميركية مارتن ديمبسي عندما قال قبل اسبوع، «مهمتي هي هزم داعش، وليس بناء دول أو إطاحة النظام السوري».
وكما بدا واضحا حتى الان، فان الطلعات الجوية الاميركية والسورية تداخلت مرات عدة وتزامنت في محطات عدة في تنفيذ الهجمات سواء في ارياف حلب او دير الزور والرقة والحسكة. الا ان الرغبة الفرنسية المتلاقية مع طموحات الاتراك والقطريين، واستطرادا الاسرائيليين، تراهن على ما هو خلاف ذلك: ان ينفذ الطيران الحربي للتحالف، ضربات على مواقع تطال مباشرة مصالح الجيش السوري ومواقعه ومناطق انتشاره وسيطرته.
بمعنى آخر، تريد فرنسا الاشتراكية حربا معلنة ـــ اوغير معلنة لا فرق - على دمشق، والمجازفة بكل ما يعنيه ذلك من خفة، بانهيار التفاهمات الاقليمية والدولية الدقيقة التي اتاحت صعود المقاتلات الاميركية بأمان الى السماء السورية لضرب «داعش» و»جبهة النصرة» وغيرهما.
وبينما قال تشاك هايغل كلمته المحرجة لادارته، قبل ايام من اجبار باراك اوباما له على التنحي من وزارة الدفاع، بان طيران التحالف يخدم بشكل او بآخر النظام السوري، فان ملامح الاستراتيجية الاميركية المبتغاة من الحرب الجوية، يطبقها كما يبدو حتى الان رئيس الاركان مارتن ديمبسي، لا أضغاث احلام فرانسوا هولاند ولا لوران فابيوس، المشاركة بلادهما بست طائرات فقط.
اما حلب التي غزاها مسلحو الخراب منذ عامين، ولم تحرك فرنسا اليمينية ولا الاشتراكية ساكنا، فان شعار حمايتها الان من «داعش والاسد»، لا يبدو أكثر من هذيان تركي ـــ فرنسي امام تقدم الطوق السوري حول المدينة... لتحريرها.
المصدر :
السفير/ خليل حرب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة