دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
خرجت إسرائيل عن طورها في الأشهر الأخيرة لإثبات أن خطر تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» ـــ «داعش»، أقل بكثير من الخطر النووي الإيراني. ويبدو أنها لم تفلح في إقناع العالم، وخصوصا الولايات المتحدة بذلك، لأن القوى الكبرى واصلت التفاوض مع إيران وانطلقت لمحاربة «داعش» خلافا لما تريد إسرائيل.
وطوال الوقت كانت إسرائيل تبدي قلقها من احتمال التوصل لاتفاق بين القوى العظمى وإيران، لأنها كانت تعتبر أن كل اتفاق سيكون سيئاً، جرّاء انطلاق الدول الغربية من التسليم بحق طهران في تخصيب اليورانيوم بحدود معيّنة.
وبعد أن تم الاتفاق على تأجيل مهلة المحادثات إلى تموز المقبل، تنفست إسرائيل الصعداء، ورأت نصف الكأس الفارغ: إيران والقوى العظمى لم تتوصل إلى اتفاق وهذا أمر مرض، كأضعف الإيمان.
وقد أشار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى ذلك بوضوح، في مقابلته مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، حين قال إن النتيجة الحالية لتمديد المفاوضات أفضل، معرباً عن أمله باستمرار الضغط الغربي على إيران. وأوضح أن «واقع عدم التوصل راهناً إلى اتفاق يشكّل فرصة لمواصلة الضغط الاقتصادي الذي أظهر أنه الأمر الوحيد الذي جلب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات». ودعا إلى «الاستمرار في العقوبات وتشديدها»، معلنا أن إسرائيل تراقب عن كثب ما يجري و»تحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن نفسها».
ولا يختلف المعلّقون الإسرائيليون في ما بينهم حول أن تمديد المفاوضات أمر مريح، لأنه منع إبرام «اتفاق سيء». وحسب المعلق العسكري لموقع «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاي فإن «إيران لا يمكنها، في الوضع الراهن، توسيع منظومة أجهزة الطرد المركزي، وزيادة كمية اليورانيوم المخصّب لمستوى 3.5 إلى 5 في المئة التي تنتجها، وتخصيب يورانيوم لمستوى مشع، فيما بقي عبء العقوبات على حاله. هذا أهون الشرّين».
وكانت الأسابيع الأخيرة طافحة بالقلق في إسرائيل من احتمال تحقيق اختراق، والتوصل إلى اتفاق مع طهران. وكلما كان منسوب التفاؤل في الدهاليز الديبلوماسية الدولية يرتفع، كان معدل القلق الإسرائيلي يزداد بشكل واضح. وهكذا فإن الساعات الأخيرة من لقاءات الغرب مع إيران في فيينا كانت شديدة الحرج في إسرائيل تحسبا من وقوع المحظور والتوصل إلى اتفاق.
وقبل يومين من تمديد المفاوضات ألمح نتنياهو إلى القلق الإسرائيلي من المباحثات، معلنا «تفضيل عدم التوصل إلى اتفاق على التوصل لاتفاق يكون سيئا، ويهدد سلام الإنسانية». كما أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أفصحت عن قلقها من المفاوضات، خصوصا أنها كانت تعلم برغبة الأميركيين في التوصل إلى اتفاق متدرّج، تُلغى بموجبه بعض العقوبات المفروضة على إيران. وقال مسؤول إسرائيلي إن «الوضع الاقتصادي في إيران بالغ السوء، ولذلك فإنهم يريدون إزالة العقوبات، والإدارة الأميركية تعلم أن الكونغرس لن يسمح لها بالتوقيع على اتفاق شامل، بل متدرّج، ولذلك فإنها ترفض اتفاقا من هذا النوع».
ورغم معرفة الإسرائيليين بأن الأميركيين يحرصون على تحقيق المصالح الإسرائيلية، ويصرّون على مواصلة فرض العقوبات، إلا أنهم ينتقدون بشدة إدارة الأميركيين للمفاوضات، ويرون أنها تركّز على وقف المشروع النووي العسكري. ويقول مسؤول أمني إسرائيلي إن «الإيرانيين يتحدثون عن 9 آلاف جهاز طرد مركزي في حين يتحدث الأميركيون عن 4500 جهاز، وهذا لا يغير شيئا، لأن ذلك يضفي مشروعية على مشروعهم»، ولهذا السبب فإن الإسرائيليين يؤمنون أن كل اتفاق يمكن التوصل إليه مع إيران هو بالضرورة «اتفاق سيء».
ومع ذلك ثمة في إسرائيل من يؤمنون بأن عدم التوصل إلى اتفاق كان جيداً، لأنه يعني أن الأميركيين لا يزالون يأخذون مصالح كل من إسرائيل والسعودية بالحسبان. وإسرائيل ودول عربية تبدي قلقا من احتمال امتلاك إيران قدرة نووية يمكن أن تستغلها لاحقا لإنتاج سلاح نووي يزعزع الاستقرار الإقليمي ويغير الوضع الإستراتيجي في كل المنطقة.
عموما لا تزال إسرائيل، رغم قلة خياراتها الفعلية، تلوّح باستخدام القوة ضد إيران في حال عدم التوصل إلى اتفاق جيد. وهي لا تزال تحاول دفع الكونغرس الأميركي إلى تشديد العقوبات ضد إيران من ناحية، وإلى تشجيع جهات أميركية على مواصلة التلويح بالضربة العسكرية، لمنع تسلح إيران نووياً.
وبدأ بعض الصقور في الكونغرس، الذي سيصبح تحت سيطرة الجمهوريين اعتبارا من كانون الثاني المقبل، تحركا ليقر قانونا يتضمن تحذيرا لإيران بان الولايات المتحدة ستعمد في حال غياب اتفاق نهائي بعد انقضاء فترة معينة إلى فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على قطاعات إستراتيجية مثل النفط والمناجم أو البناء. وقال أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون جون ماكين وليندسي غراهام وكيلي ايوت «نعتبر أن التمديد الأخير للمفاوضات يجب أن يترافق مع عقوبات مشددة، وفرض إحالة أي اتفاق نهائي بين إيران والولايات المتحدة إلى الكونغرس للمصادقة عليه».
ويدعو الثلاثة الى اتفاق يفكك البرنامج النووي الإيراني، فيما يطالب آخرون بوقف برامج الصواريخ العابرة للقارات والدعم الإيراني لـ»الإرهاب» واحترام القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.
ولا تتوقع إسرائيل أن يتم التوصل إلى اتفاق في الشهور المقبلة، رغم أن مطالب الغرب من إيران لانت، وباتت تتمثل ببقائها بعيدة عن إنتاج القنبلة النووية بعام كامل على الأقل. وإسرائيل بالطبع تريد ألا تبقى طهران دولة حافة نووية في كل اتفاق يبرم، وهي تطالب بعدم السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بأية نسبة، لكنها في الوقت نفسه وحسب دلائل كثيرة مستعدة للتسليم بامتلاك إيران 4500 جهاز طرد مركزي، على أن لا تزيد كمية اليورانيوم المخصب بنسبة متدنية عن ثمانية أطنان، أي أقل من الكمية المطلوبة لقنبلة.
وأياً يكن الحال فإن إسرائيل قلقة، وهي تعلم أن بوسع إيران اختيار مسار تطوير نووي سري، وأن تقصر المدة المطلوبة لتجميع قنبلة نووية.
المصدر :
السفير/ حلمي موسى
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة