دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
وقف مندوب آل سعود في الأمم المتحدة ومن دون أن يرف له جفن خجلا أو حياءً مطالباً بإدراج حزب الله في لبنان على لائحة الإرهاب الدولية، بحجة أن رجال هذا الحزب يقاتلون في سورية إلى جانب الحكومة السورية. ولم يستطع ذاك المندوب طبعاً أن يقدم حجة منطقية يمكن للسامع أن يتخذها مرتكزاً لقبول مناقشة الطلب أو قاعدة ثابتة يبنى عليها قرار بالموافقة.
وعلى رغم أن الموقف السعودي العدائي ضد المقاومة ليس بالأمر الجديد، بخاصة أن الالتحام البنيوي بين الحركة السعودية الوهابية والحركة الصهيونية العالمية التي يقاتلها حزب الله دفاعاً عن حقوق العرب والمسلمين، وهو تماهي يقود السعودية من دون أدني شك إلى اتخاذ المواقف العدائية من كل كيان سياسي أو تنظيم عسكري أو حتى جمعية اجتماعية مدنية، بمجرد أن يكون في مواقف أولئك ما يؤلم «إسرائيل» أو يهددها في مشروعها الاستعماري الاحتلالي للأرض العربية والإسلامية في فلسطين.
وفي هذا السياق، لا يمكن لمتابع أن ينسى الموقف السعودي من المقاومة في لبنان عام 2006، الموقف الذي اتخذ في لحظة بالغة الحرج من تاريخ لبنان حيث كانت الطائرات «الإسرائيلية» خلالها تصب حممها على اللبنانيين في عملية تدميرية ممنهجة، فخرجت السعودية على العالم بموقف أقل ما يقال فيه أنه تشجيع لـ«إسرائيل» في حربها التدميرية، وتحميل المقاومة التي يقودها حزب الله مسؤولية الحرب والتدمير، إذ وصفت المقاومين بأنهم مجموعة من المغامرين الذين يتسببون للبنان بالويلات. ولم تكتف السعودية بقول ذلك بل أمرت الحكومة اللبنانية التي كانت آنذاك تعمل بتوجيهاتها، بالتبرؤ من شرف المقاومة وعملها، والعمل السريع على نزع سلاحها، إلى آخر ما هنالك من مواقف يندى لها جبين كل حر وشريف.
وبما أن الموقف السعودي ليس بجديد ضد المقاومة فان السؤال البديهي والطبيعي الذي يطرح يدور حول سبب إثارة الموضوع هذا من قبل السعودية اليوم على رغم أن السعودية تعرف أو كان عليها أن تعلم أن طلبها لن يستجاب له، خصوصاً أن كثيراً ممن كانت تحدثه نفسه سابقاً بطرح شيء مماثل، طوى ملفاته وراح يتلمس الطرق لفتح قنوات الاتصال بحزب الله وبمكونات محور المقاومة من سورية إلى إيران، ما يعني أن الطلب السعودي جاء في توقيت يعتبر ببساطة بأنه غير متوافق مع البيئة الدولة العامة، لا بل يعتبر طلباً عكس تيار المنطق والواقع. فهو عكس المنطق العلمي، للإرهاب تعريف أكاديمي وسياسي لا ينطبق مطلقاً على حزب الله لا من قريب ولا من بعيد. وهنا نذكر أصحاب الطلب اللا منطقي ذاك، بأن الإرهاب هو العمل الذي بمقتضاه يلجأ إلى العنف المادي أو المعنوي من أجل الحصول أو تحقيق هدف غير مشروع عبر الإطاحة أو المس بحقوق الغير المشروعة وانتهاك منظومة القيم القانونية والأخلاقية التي ترعى تلك الحقوق أصلا ووجوداً وممارسة. ويكون إرهابياً من أتى الفعل العنفي بنفسه أو حرّض عليه أو ساعد الفاعل في أي نوع من أنواع المساعدة المادية أو المعنوية، بما في ذلك العمل الإعلامي والتبرير الفكري أو الفقهي لأعماله.
وإذا طبقنا هذا التعريف الذي نعتمده وفقاً لما يستقر عليه أكاديمياً ويقر به رجال السياسة الموضوعيون غير المرتهنين لجهة استعمارية ترفض اعتماد أي تعريف للإرهاب، حتى لا يقيدها وتستمر بالتمسك بالمفاهيم المطاطية التي تضيقها أو توسعها أو تحركها في أي اتجاه يخدم مصالحها، نذكر بإصرار الرئيس حافظ الأسد على اعتماد تعريف دولي قاطع للإرهاب، وكم كان إصرار الولايات المتحدة الأميركية على الرفض ، فإذا طبقنا هذا التعريف على الميدان السوري ومساهمة السعودية فيه مع مساهمة الآخرين، نصل إلى نتيجة تعاكس الطلب السعودي تماماً وهذا ما عنيناه بأنه طلب عكس تيار الواقع.
وللتوضيح أكثر، نعود للتأكيد وكما بات مسلما به، أن ما يجري في سورية هو دفاع مشروع عن النفس تمارسه السلطة الشرعية المنتخبة من قبل الشعب السوري ضد عدوان مسلح غير مشروع تشنه قوى خارجية وتستعمل فيه أدوات محلية وغير محلية، تساهم فيه السعودية بشكل مباشر أو غير مباشر بمد القوى المعتدية بالكثير مما تستعمل أو تحتاجه في عدوانها ويكفي أن نذكر هنا بأن الجماعات المسلحة التي تقوم بهذا العدوان تمارس من العنف المادي والمعنوي ما جعل الأمم المتحدة ذاتها تدرجها على لوائح الإرهاب الدولية، وهي الجماعات نفسها التي تلتزم العقيدة الوهابية التكفيرية، والتي تشهر السلاح ضد الشعب السوري والحكومة الوطنية السورية وفقاً لما تريده السعودية، كما أن تمويل هذه الجماعات يتم بأموال خليجية ومن السعودية ذاتها ومن دول وهيئات تتحكم السعودية بقرارها، وأخيراً وقد يكون الأهم مما ذكر هو الإعلام السعودي التحريضي ضد الدولة السورية ومؤسساتها الوطنية الشرعية، الإعلام الذي يخدم هذه الجماعات بشكل يقيني واضح.
إذن وببساطة نجد على أرض الواقع جماعات مسلحة قررت الأمم المتحدة اعتبارها إرهابية وهي كذلك لما تقوم به في الحقيقة من أعمال تعتبر صورة نموذجية للإرهاب، ونجد أن السعودية تمد هذه الجماعات بالعقيدة والمال والإعلام فضلاً عن التجهيز والأشخاص، وبهذا يدرك العاقل من هو الإرهابي الفاعل والأداة ومن هو الإرهابي بالتحريض والدعم، ولن يغير هذه الصورة قيام السعودية بملاحقة إرهابيين اعتدوا على الشيعة في المنطقة الشرقية لديها.
أما حزب الله، فهو على العكس مما ذكر، هو قاتل «إسرائيل» فطردها من أرض احتلتها في جنوب لبنان عام 2006 وحاز بجدارة عنوان المقاومة التي لا يناقش فيها عاقل، وقاتل «إسرائيل» عام 2006 فمنعها من احتلال أرض في لبنان وأكد صفته المقاومة، ويقاتل الجماعات الإرهابية التكفيرية التي وصفها مجلس الأمن بالإرهاب، هو يقاتل على الأرض السورية لأنه في حلف استراتيجي مع سورية في محور المقاومة، ما جعل قتاله من طبيعة القتال الذي تمارسه الحكومة السورية أي قتال دفاعي في وجه الإرهاب.
ففي سورية إذن إرهاب تدعمه السعودية وتشارك فيه، وقتال ضد الإرهاب تقوده الحكومة السورية وإلى جانبها حزب الله الحليف لها في محور المقاومة.
وبعد هذه الحقائق والوقائع نعود إلى البحث في السبب الذي حدا بالسعودية لإطلاق قنبلتها الدخانية في مجلس الأمن، القنبلة التي لم تدمع عيون أحد سواها، فنجد لأنه برأينا عائد إلى خطوط بالغة الأهمية في المشهد العام في المنطقة، حيث تراقب السعودية بألم:
الحديث «الإسرائيلي» الأخير عن قوة حزب الله وتقدمه في معادلة توزان الردع إلى الحد الذي بات الحديث عن نزع سلاحه أو تقييده كلام هراء أو ضرب من السخف والخيال.
الإنجازات الميدانية التصاعدية التي يحققها الجيش العربي السوري والذي كما يبدو أو تتخوف القوى المعتدية، يتحضر لمعركة حلب التي ستكون نقطة الانعطاف الاستراتيجي المفصلي في مصير العدوان على سورية، والتي لن يكون بعدها أمل لأعداء سورية في تحقيق شيء مما يصبون إليه.
النقطة التي وصلت إليها المفاوضات في الملف النووي الإيراني إذ بات الحديث عن عمل عسكري أجنبي ضد إيران أو تشديد في العقوبات أمر فارغ المضمون، لأن العكس هو المنتظر، ولم تعد المسألة هل يتم الاتفاق وهل تنتصر إيران بل بات السؤال متى يوقع الاتفاق وما هو حجم الانتصار الإيراني خلافاً لما تريده السعودية بأية حال.
وأخيراً الخرق السياسي وغير السياسي الذي أحدثه حزب الله وحلفاؤه في المعادلات الداخلية اللبنانية، وفشل الخطة السعودية في لبنان في إنشاء ودعم جماعات إرهابية تطرحها لمقايضة وجودها وسلاحها بحزب الله وسلاحه، فسقطت الجماعات الإرهابية تلك وتألق حزب الله أكثر بشكل أحرج السعودية وأتباعها، وهي تريد الآن أن تعطي أتباعها ورقة ضغط ما قد تفيدهم في مواجهتهم أو حوارهم إن حصل مع حزب الله وهو حوار تراه السعودية مراً ولكن لا بد منه في لحظة معينة.
لهذه الأسباب جاءت السعودية بقنبلتها الصوتية لتقول إنها حاضرة، ولتختبر فعالية الأموال التي تدفعها لهذه الدولة الأوربية أو تلك، وهي أموال تدفع ثمناً لمواقف ضد محور المقاومة بكل مكوناته، أما النتيجة فهي كما شهد الجميع صفراً لا تغير معادلة ولا تؤثر في ما خطه الرجل في الميدان، وحسمه القادة في الأروقة والردهات السياسية… فحزب الله مقاومة، وركن في محور المقاومة، يقاتل الإرهاب الأصلي المتمثل بـ«إسرائيل»، والإرهاب التكفيري المبتدع باسم الإسلام المترعرع في الحضن السعودي، والذي يخوض الحرب البديلة عن «إسرائيل»، وبذلك تكون السعودية في طلبها أنتجت فرصة لتعري مواقفها وترتد عليها في التوصيف.
المصدر :
البناء/ د أمين حطيط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة