دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
دائما ما تثار قضية "الأول"، من أول من فعل هذا؟.. ونحن في أوطاننا العربية دائما ما نلجأ إلى هذا الأمر، فالمصريون هم أول من فعلوا كذا وكذا والعرب والمسلمون أيضا أصبح كل همهم البحث في التاريخ عن هذه الأسبقية، وأصبح كلما حدث سبق ما في أي مجال نسأل أجدادنا القدماء عن مساهماتهم في هذا الأمر ودورهم فيه ونستعيض بذلك عن أي دور جديد لنا في المكان، فبدلا أن يناقش الرئيس التركي "أردوغان" مكانة العالم الإسلامي في القارة الأمريكية ومدى تأثيره الآن، راح يجادل في أول من اكتشف أمريكا.
جاء ذلك، أول أمس، عندما أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كلاما خلاصته، أنه "واثق من أن المسلمين هم من اكتشفوا القارة الأميركية في القرن الثاني عشر وليس كريستوفر كولومبوس" الذي وصلها بعد ذلك بمائتي سنة.
وقال أردوغان، خلال ملتقى قيادات المؤسسات الإسلامية في أميركا اللاتينية في إسطنبول، إن "المسلمين كانت لديهم صلات مع أميركا اللاتينية في القرن الثاني عشر. والمسلمون اكتشفوا أميركا في سنة 1178 وليس كريستوفر كولومبوس".
وأضاف في كلمته التي نقلها التلفزيون أن "البحارة المسلمين وصلوا الى أميركا ابتداء من 1178. وكولومبوس تحدث في مذكراته عن وجود مسجد على تلة على ساحل كوبا".
وفي النهاية أشار أردوغان الى أن أنقرة مستعدة لبناء مسجد في الموقع الذي تحدث عنه المستكشف الجنوي، مضيفاً "أود أن أتحدث عن ذلك مع أخوتي في كوبا.المسجد سيكون رائعاً على هذه التلة ".
وفى الحقيقة ليس أردوغان هو أول من تحدث في هذا الأمر فكثير من الكتاب يذهبون إلى أن العرب والمسلمين كان لهم وجود يسبق الأوروبيين في هذه المناطق، وهناك كتب عديدة منها كتاب "مروج الذهب ومعدن الجوهر" للمسعودي تحدث عن بحار يدعى ابن سيد القرطبي أبحر من الشاطئ الغربي للأندلس عام 889 وسار في اتجاه مستقيم حتى وصل إلى شاطئ كبير .وفى كتاب "أحوال التربية الإسلامية في أمريكا" للدكتور كمال النمر، أن بعض البحارة المسلمين انطلقوا من الأندلس عام 1150 واستقروا على شواطئ ما يعرف الآن بالبرازيل، وكتاب " قصة أمريكا" أورد المؤرخ بارى نيل الكثير من الأدلة بلغت (565) تشجير لتواجد المسلمين في أجزاء من أمريكا، كذلك كتاب "جاءوا قبل كولومبس" لـ"إفن سيرتيما" أكد بالأدلة وصول المسلمين إلى أمريكا مبكرا، والأهم هي مذكرات "كولومبس" التي احتوت على دلائل تؤكد وجود المسلمين هناك، وأنه شاهد مسجدا في كوبا فوق قمة جبل.
أما عبد القادر بوميدونة، فيؤكد أن الجزائريين هم من اكتشفوا أمريكا وأنهم سبقوا كريستوفر كولومبس بمئات السنين، حيث إن اسم "البرازيل" مشتق من "بنى برزل أو البرازلة" بولاية المسيلة وضواحيها بالجزائر.
وفي رد فعل أكد الكاتب ، حازم عطية، في مقاله بجريدة "الحياة" الذى جاء تحت عنوان "أردوغان الإسلامي حين ينحط قذافيا" على أن أردوغان يعكس خلافاته مع الولايات المتحدة الأميركية بسبب تسليم خصمه فتح الله جولن، وقد يكون على خلاف معها بسبب سورية وما يتفرع عن ذلك مما يتعلق بالأسد و «داعش» ومدينة كوبانى، كما أكد "عطية" أن ذلك كان من تأثير الفكر الإخواني، فإن التقليد «الإخواني»، منذ حسن البنا، أرسى هذا النظر إلى ما ينطبق هناك ولا ينطبق هنا، وما يصح عندهم ولا يصح عندنا.
وفي التشديد على هذه القطيعة المزعومة كان لا بد من الاعتماد على جرعات متزايدة من الخرافات وعلى نظريات تآمرية لا حصر لها . ثم ربط حازم عطية بين أردوغان والقذافى، عندما رأى أن "أردوغان"هو النسخة الثانية من العقيد الراحل معمر القذافي لنفسه. كما اختلف عدد من مؤرخي العصر الحديث، حيث يقول الدكتور أحمد زكريا الشلق، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة عين شمس، إن ما قاله "أردوغان" رئيس تركيا، غير صحيح، فلم يحدث أن اكتشف المسلمين القارة الأمريكية، والمثبت تاريخيًا أن الذى اكتشفها هو البحار كريستوفر كولومبس. وأضاف "الشلق"، أنه في ذلك الحين، عندما اكتشف كولومبس القارة، لم يكن عليها سكان، سوى الهنود الحُمر، وهو أمر أيضًا مثبت تاريخيًا، فكيف إذًا اكتشفها المسلمون. \
وأشار "الشلق"، إن أردوغان، يحاول بهذه الطريقة أن يُعظم من شأن المسلمين بالحديث عن الماضي، ولكنه لا ينظر لحال العالم الإسلامي اليوم، وما يحيطه من إرهاب، ومنظمات تزعم أنها إسلامية، تقتل، وتفسد، ولذلك فإذا أردنا أن نتقدم، علينا ألا نزهو بالماضي، قدر ما ننظر للمستقبل، ونعمل من أجله.
كما نفى الدكتور حجاجى إبراهيم، أستاذ الآثار الإسلامية، ما زعمه أردوغان، قائلاً، إن كريستوفر كولومبس هو أول من اكتشف قارة أمريكا عام 1492م، أي في القرن الـ15 الميلادي، التاسع الهجري، ولكنه عندما وجد السكان الأصليين وهم الهنود الحُمر، اعتقد أنها امتداد لقارة آسيا، وليس قارة جديدة.
وأضاف "حجاجي"، أما الذى أعلن للعالم عن أن أمريكا هي قارة جديدة، هو المستكشف الإيطالي أمريكو فيسبوتشى، ولذلك سُميت القارة الجديدة باسم أمريكا على اسمه. وأكد"حجاجي"، على أن حديث أردوغان عن كون المسلمين هم الذين اكتشفوا أمريكا، فهو كلام غير صحيح، فهو رجل يريد أن يعيد أمجاد الماضي، وأمجاد المسلمين، ولكن المسلمين في الحقيقة لهم أمجاد كثيرة غير أن يدعى أشياء لم تحدث، فكان أولى به أن يتحدث عن أمجاد حقيقة. وأضاف "حجاجي"، وعلينا هنا أن نذكر أردوغان بأمجاده الحقيقة، وهى أن الأتراك كانوا يعملون كمماليك، وجنود مرتزقة عند الدولة العباسية، وقد ذكر لي ذلك سفير تركيا الأسبق، يشار ياكيش، ذلك بنفسه، عندما استضفته في مكتبي بقسم الآثار بجامعة كفر الشيخ. وأوضح "حجاجي" في نهاية حديثه، أنه في أي حال من الأحوال فإن الحديث عن الماضي لا يفيد، طالما أننا في حاضر أليم، وربما يكون أردوغان حاول أن يتجاهل الحاضر، بالحديث عن أمجاد الماضي.
المصدر :
الماسة السورية/ احمد ابراهيم الشريف- آلاء عثمان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة