دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
رغم أن السعودية لم تدخر جهدا خلال السنوات الماضية في توفير كافة وسائل الراحة لضيوف الرحمن ، إلا أنها فاجأت الجميع في موسم حج 2010 بهدية "قطار المشاعر المقدسة". ففي سابقة من نوعها في تاريخ الحج ، انطلق فجر السبت الموافق 13 نوفمبر قطار المشاعر المقدسة بـ35% من طاقته الإجمالية متجها من منى إلى مزدلفة فعرفات حيث من المقرر أن ينقل حوالي مائة ألف حاج في الساعة.
ووفقا لمصادر سعودية ، فإن قطار المشاعر المقدسة انطلق في أولى رحلاته بين المشاعر المقدسة "منى ومزدلفة فعرفات" مرورا بجسر الجمرات من المسار الأول عند المستوى الخامس لمنشأة الجمرات الحديثة بطاقة استيعابية تصل إلى 3000 حاج وصولا عبر طريق الملك عبد العزيز إلى مشعر مزدلفة.
ويستمر القطار مرتفعا عن الأرض إلى عرفات على الطريق رقم 3 لينتهي عند الدائري الشرقي في المحطة الثالثة بعرفات وبانطلاق قطار المشاعر تدخل خدمات الحج مرحلة جديدة بآليات ورؤية مستقبلية متطورة ، حيث يربط المشاعر من عرفات ومزدلفة نزولا عند الجمرات في حركة ترددية آلية بدون سائق، وقدرة استيعابية عالية حيث ينقل 100 ألف حاج من جموع الحجيج في الساعة لمواجهة الطلب على النقل خصوصا في وقت النفرة من عرفات إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى بحيث ينقل حوالي نصف مليون حاج خلال 6 ساعات فقط في طاقة استيعابية تُوصف أنها الأعلى في العالم .
ومن جانبها ، ذكرت صحيفة "الرياض" أن قطار المشاعر يعمل الآن بثلث طاقته الاستيعابية وأنه من المتوقع أن ينقل قطار المشاعر في حج هذا العام 175 ألف حاج من الحجاج المستهدفين أي بنسبة 35% بينما سيعمل في العام القادم بكامل طاقته الاستيعابية .
كما ذكر التليفزيون المصري أن القطار ينقل ضيوف الرحمن عبر الأودية وسفوح الجبال في طبيعة جغرافية صعبة وهو يسير على سكة طولها عشرين كيلو متر تنقسم إلى مسارين مرتفعين عن الأرض بحيث تخلو الشوارع من دخول 35 ألف مركبة وحافلة إلى المشاعر ويخف الضغط على حركة المرور مما سينعكس على حركة السير في طرقات وسيخفف من الازدحام والاختناقات المرورية والاستفادة من المنطقة الخالية لسيارات الطواريء والخدمات.
وفي تعليقه على الموضوع ، قال رئيس لجنة الحج والعمرة في غرفة تجارة مكة المكرمة سعيد القرشي أيضا إن المشروع الذي تنفذه شركة سكك الحديد الصينية سيحد من الاكتظاظ على الطرقات بنسبة 200%.
وبالنظر إلى أن مواسم حج سابقة كانت شهدت حوادث تدافع مميتة خصوصا على جسر الجمرات في منى حيث قتل 364 حاجا عام 2006 في حادث تدافع ، فقد جاءت مفاجأة قطار المشاعر المقدسة لتتوج الإجراءات التي اتخذتها المملكة في السنوات الماضية للحد من تلك الحوادث .
فمعروف أن السعودية فككت مؤخرا جسر الجمرات القديم وأقامت مكانه جسرا متعدد الطبقات حيث تقرر أن تفتتح طبقات الجسر الثلاث العليا للمرة الأولى في موسم حج هذا العام .
والجسر الجديد يحظى بعدة مداخل ومخارج ، كما يقوم نظام إلكتروني متطور يشمل ثلاثين كاميرا بمراقبة حركة الحجاج لرصد كثافة العبور.
وبجانب الإجراءات السابقة التي تهدف جميعا لتسهيل حركة ضيوف الرحمن ، فقد أعلنت وزارة الصحة السعودية عن الانتهاء من استعداداتها لتقديم الخدمات الصحية لحجاج بيت الله الحرام وذلك في إطار حملة تحت عنوان "صحة ضيوف الرحمن لنا عنوان".
جاء في بيان لوزارة الصحة السعودية أنها جهزت في إطار تلك الحملة 145 سيارة إسعاف و24 مستشفى و137 مركزا صحيا في مكة المكرمة والمدينة المنورة مزودة بأحدث الأجهزة الطبية وتتوفر بها جميع الأدوية التي يحتاجها الحجاج.
وأضاف البيان أنه تم تجهيز أربعة مهابط لطائرات الإخلاء الطبي كما تم وضع أربع خطط للطواريء ، مشيرا إلى أن أكثر من تسعة عشر ألف موظف وموظفة من أطباء وفنيين وتمريض وإداريين سيعملون على خدمة الحجاج.
ولم يقتصر الأمر على ما سبق ، فقد نقلت قناة "الجزيرة" عن مصادر سعودية مطلعة القول إن السلطات اتخذت إجراءات للتعامل مع كل الوضعيات ومنها سقوط أمطار توقعت مصالح الأرصاد الجوية هطولها خلال موسم الحج الحالي.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أنه تم نصب ثلاثين شاشة عملاقة موزعة على مناطق مختلفة في منى لنقل صور حية ومباشرة لتحركات حجاج بيت الله إضافة إلى تثبيت أكثر من سبعين ألف برج وعمود لإنارة مكة المكرمة.
ولم تغفل السلطات السعودية أيضا جانب التوعية ، حيث أطلقت قناة على موقع اليوتيوب على الإنترنت تتضمن إرشادات مصورة للحجاج كإجراءات السلامة والمخاطر المحتملة وكيفية التعامل معها.
وبجانب ما سبق ، فإن المؤشرات على أرض الواقع ترجح أن يمر موسم حج 2010 دون أية أزمات خاصة وأنه خرجت تصريحات من إيران تؤكد أن مناسك الحج هذا العام ستجرى بهدوء تام .
ففي 2 أكتوبر ، أصدر على خامنئى مرشد الجمهورية الإيرانية فتوى بتحريم الإساءة إلى الصحابة رضوان الله عليهم أو المساس بأمهات المؤمنين زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
وبعد ذلك وتحديدا في 18 أكتوبر ، دعا علي خامنئي العالم الاسلامي إلى تعزيز الوحدة مع اقتراب موسم الحج الذي يوحد المسلمين على قلب رجل واحد دون التفريق بينهم.
ونقلت قناة "العالم" الاخبارية عن خامنئي قوله خلال استقباله مسئولي بعثة الحج الايرانية : "كلما اقترب المسلمون من بعضهم بعضا فإن القوى الصهيونية والأمريكية تترصد لجعل المسلمين يتنازعون فيما بينهم عبر إثارة مختلف الذرائع القومية والعصبيات المذهبية وذرائع أخرى".
وأشار إلى محاولات أعداء الإسلام المستمرة لإثارة الشعور بالمهانة والتشنج واليأس الداخلي لدى الشعوب الإسلامية ، مؤكدا أن الحركة العظيمة والجماعية والصحيحة والمسئولة للأمة الإسلامية في الحج يمكنها أن تعيد للعالم الإسلامي الشعور بالعزة والقوة والأمل.
واعتبر أيضا أن تصعيد التوجهات المنحرفة والمتطرفة بين الشيعة والسنة من ضمن أساليب أعداء الأمة الإسلامية لاثارة التفرقة والخلاف ، مؤكدا أنه على الشعوب والحكومات الإسلامية أن تدرك حاجة العالم الإسلامي العميقة للتفاهم والتعاطف والتعاون والوحدة.
ووصف خامنئي حج الإيرانيين بأنه أصبح اليوم أكثر غنى وأعمق من مراسم حجهم قبل ثلاثين عاما ، قائلا :" هذا التغيير ليس بكاف ويتوجب على كل حاج إيراني أن يكون مرآة ومظهرا للأخوة ووحدة الأمة الإسلامية.
واللافت للانتباه أن بوادر الأجواء الإيجابية السابقة كانت بدأت العام الماضي بعد أن هددت السعودية بأنها لن تسمح لأي جهة بتعكير صفو أداء فريضة الحج لعام 2009 وسرعان ما خرج مندوب مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لشئون الحج ري شهري ليؤكد أن مناسك الحج ستجرى بهدوء تام ومن دون أزمات ، منتقدا تقارير صحفية أشارت إلى نية الحجاج الإيرانيين إثارة البلبلة خلال مناسك الحج .
التصريحات السابقة اعتبرت تراجعا في الموقف الإيراني الذي كان يصر في السابق على تنظيم مراسم "البراءة من المشركين" التي كانت بدأت في عهد قائد الثورة الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني وتتضمن تنظيم مسيرات ضخمة خلال موسم الحج يتم خلالها التنديد بأعداء المسلمين وخاصة أمريكا وإسرائيل ، إلا أن السعودية استبقت موسم الحج في 2009 وأكدت أن "البراءة من المشركين" هى بدعة ولن تسمح بها.
ويبدو أن سماح السعودية بتنظيم مراسم "البراءة من المشركين" في السنوات الماضية قبل منعها في 2009 كان يرتبط بعدة تطورات إقليمية من أبرزها التوتر المتصاعد بين إيران وبعض الدول العربية ومنها السعودية على خلفية التدخل الإيراني في قضايا فلسطين ولبنان والعراق ، هذا بالإضافة إلى مخاوف السعودية من احتمال حدوث اضطرابات شيعية خلال موسم الحج على خلفية العمليات العسكرية التي شنتها القوات السعودية والقوات اليمنية ضد الحوثيين الشيعة في اليمن .
وهناك أمر آخر وهو أن السعودية وإن كانت لم تمنع صراحة مراسم "البراءة من المشركين" في السنوات الماضية ، إلا أنها في الوقت ذاته لم تكن موافقة عليها خاصة بعد الحوادث العديدة التي وقعت في هذا الشأن ، فخلال موسم حج العام 1987 تحولت المراسم السابقة إلى صدامات دامية عندما دعت إيران طهران إلى تنظيم مراسم "البراءة من المشركين" في صحراء صعيد عرفة لإطلاق "الصيحات" التي غالباً ما يتخللها تنديد بالولايات المتحدة وإسرائيل وحينها وقعت اشتباكات بين البعثة الإيرانية وقوى الأمن السعودية أسفرت عن سقوط المئات من القتلى والجرحى معظمهم من الإيرانيين ، وهو الأمر الذي دفع طهران لمقاطعة مواسم الحج في الفترة ما بين 1998 و1990 قبل أن تعود وفودها إلى أداء الفريضة وممارسة "البراءة من المشركين" على نطاق محدود ، حيث كانت تجري داخل الخيام فيما لم تتدخل قوات الأمن السعودية.
وفي عام 1989 ، قامت السلطات السعودية أيضا باعتقال مجموعة تردد أنها على صلة بجهات إيرانية على خلفية تفجير في مكة خلال موسم الحج وأعدمت أفرادها.
وبصفة عامة ، فإن مراسم "البراءة من المشركين" يبدو أنها باتت من الماضي ولن تعكر أجواء الحج مجددا
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة