عادت «جبهة النصرة» إلى الصعود في سورية. صعودها يتمّ على حساب تنظيمات محسوبة على ما تسمّيه إدارة أوباما «المعارضة المعتدلة».

 في أرياف محافظة إدلب، افترست «النصرة» «جبهة أحرار سورية» جمال معروف وتنظيمات أخرى أضعف منها بينها «الجيش الحر». كما هاجمت «النصرة» مدينة إدلب، مركز المحافظة، لكنها عجزت عن زحزحة الجيش السوري منها، فاندفعت إلى شمال ريف حلب في سباق مع تنظيم «داعش» لاحتلال معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية.

في الماضي القريب، حاولت «النصرة» تبييض صفحتها لدى الولايات المتحدة لشطب اسمها من قائمة التنظيمات الإرهابية أملاً بأن تصبح حليفة «المعارضة المعتدلة» في حربها على حكم الرئيس بشار الأسد. واشنطن ترددت ثم ما لبثت أن أكدت ضمّها إلى قائمة الأهداف الجاري قصفها جواً في وسط سورية. إزاء هذا الموقف، عدّلت «النصرة» تكتيكها مركّزةً عملياتها القتالية ضد التنظيمات المسلحة المحسوبة على «المعارضة المعتدلة». قيل إن لها غرضين من وراء ذلك: الأول، إقامة أمر واقع على الأرض تضطر معه الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون إلى التعامل معها كبديل وحيد من تنظيمات «المعارضة المعتدلة» الذاوية. الثاني، أن تكون بديلاً من «داعش» إذا قيض لـِ «التحالف الدولي» أن يحتويه ويعطله في سورية.

إدارة أوباما لم تراهن أصلاً على «المعارضة المعتدلة» و»جيشها الحر». أوباما نفسه وصفهما مرةً بأنهما «فانتازيا». لذلك اتخذ قراراً بتدريب خمسة آلاف مقاتل سوري وربما غير سوري أيضاً في تركيا والسعودية ليكونوا نواة «جيش حر» جديد. لكن، كيف يمكن نشر وحدات هذا الجيش طالما «النصرة» و»داعش» يسيطران على أجزاء واسعة من أرياف محافظات إدلب وحلب ودير الزور؟

إدارة أوباما حائرة ومحيِّرة. وزير الدفاع تشاك هيغل رفع أخيراً مذكرةً إلى موظفة أدنى منه مرتبة، مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، يطالب فيها الإدارة بموقف واضح من الرئيس الأسد. تصرفُ هيغل حيّر المراقبين: هل يبتغي حمل الإدارة على تليين موقفها من الأسد أم التشدد معه؟

من الواضح أن مقاربة أوباما و»تحالفه الدولي» لمسألة الإرهاب عموماً ومحاربة «داعش» خصوصاً تتعثّر. فتنظيم «القاعدة» طوّر عملياته الإرهابية في اليمن من جنوبه إلى شماله وضاعف نشاطه في ليبيا، ثم ما لبث أحد أفرعته، «أنصار بيت المقدس» في سيناء، أن أعلن مبايعته أمير المؤمنين الداعشي أبا بكر البغدادي.

قادة مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت استشعروا ارتباك إدارة أوباما وتعثر نهجها في محاربة الإرهاب، فأخذوا يتدارسون مسألة إنشاء حلف عسكري ضد المقاتلين «الجهاديين» واحتمال إنشاء قوة مشتركة لمواجهة الإرهاب في ساحتين: ليبيا واليمن.

الحلف المنشود ما زال في خطواته الأولى. ثمة وجهات نظر متعددة بين مؤسسيه في تعريف الإرهاب وفي تحديد الساحات الواجب العمل فيها. البعض يريد الاستعاضة عن مصطلح الإرهاب والإرهابيين بمصطلح التطرف والمتطرفين. لكن السؤال يبقى مطروحاً: من هم الإرهابيون أو المتطرفون؟ هل الحوثيون متطرفون يستوجبون المكافحة الأمنية أم مجرد تيار سياسي لا يستأهل أكثر من المناهضة السياسية؟ ثم ما الساحات التي تتطلب تدخلاً سريعاً لمواجهة الإرهابيين والمتطرفين؟ وكيف سيكون التدخل؟ بقوة برية أم جوية؟ وهل للولايات المتحدة دور في الحلف الجديد؟

إدارة أوباما لم تتخذ موقفاً من الحلف الجديد بعد. الناطق باسم وزارة الدفاع الأميرال جان كيربي قال: «لسنا على صلة وثيقة بذلك، ولن أعلق عليه». مردُّ الإحجام عن الكلام انهماكُ أوباما وأركانه بدراسة المسألة بجميع أبعادها ولا سيما بعدما تمكّن الجمهوريون من السيطرة على مجلسيّ الكونغرس. ولا شك في أن لاحتمال توصل واشنطن مع طهران إلى اتفاق جديد غير نهائي بصدد برنامجها النووي علاقة وثيقة بالموقف الذي تعتزم الولايات المتحدة اتخاذه من مسألة الإرهاب في ضوء ما قام به «التحالف الدولي» حتى الآن، وما يمكن أن يقوم به الحلف المنشود بين مصر ودول الخليج في المستقبل.

إضافة إلى ذلك، سرّبت أوساط المعارضة السورية في لندن خبراً مفاده أن صراعاً دبلوماسياً وعسكرياً يستعر بين معسكري النظام وحلفائه من جهة، والمعارضة وحلفائها من جهة أخرى على «معركة حلب» لاعتقاد الطرفين أن مصير حلب سيلعب دوراً حاسماً في مستقبل الصراع والتسوية في سورية، وأن ذلك ناجم عن صراعٍ تركي إيراني يتصاعد في هذا السياق. ألا يدفع هذا الخبر غير الموثوق مقروناً بخبر موثوق حول دعوة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس «التحالف الدولي» إلى تركيز جهوده، بموازاة معركة عين العرب كوباني، على «معركة حلب» إلى التساؤل عمّا إذا كان رجب طيب أردوغان يسعى هو الآخر إلى إقامة حلف ثالث بين تركيا وفرنسا لتسعير الصراع ضد الرئيس السوري؟

تحالفات وأحلاف قامت وتقوم لمحاربة الإرهاب والتطرف وما إلى ذلك من المصطلحات والتخريجات الجاري نحتها بينما الإرهاب يستعر ويتمدد ويكلّف الشعوب كوارث جمّة، بشراً وحجراً وشجراً، بتواطؤ الكبار والصغار، وعلى مرأى من العالم أجمع.

  • فريق ماسة
  • 2014-11-07
  • 12760
  • من الأرشيف

«النصرة» افترست «المعارضة المعتدلة»... ماذا بعد؟

عادت «جبهة النصرة» إلى الصعود في سورية. صعودها يتمّ على حساب تنظيمات محسوبة على ما تسمّيه إدارة أوباما «المعارضة المعتدلة».  في أرياف محافظة إدلب، افترست «النصرة» «جبهة أحرار سورية» جمال معروف وتنظيمات أخرى أضعف منها بينها «الجيش الحر». كما هاجمت «النصرة» مدينة إدلب، مركز المحافظة، لكنها عجزت عن زحزحة الجيش السوري منها، فاندفعت إلى شمال ريف حلب في سباق مع تنظيم «داعش» لاحتلال معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية. في الماضي القريب، حاولت «النصرة» تبييض صفحتها لدى الولايات المتحدة لشطب اسمها من قائمة التنظيمات الإرهابية أملاً بأن تصبح حليفة «المعارضة المعتدلة» في حربها على حكم الرئيس بشار الأسد. واشنطن ترددت ثم ما لبثت أن أكدت ضمّها إلى قائمة الأهداف الجاري قصفها جواً في وسط سورية. إزاء هذا الموقف، عدّلت «النصرة» تكتيكها مركّزةً عملياتها القتالية ضد التنظيمات المسلحة المحسوبة على «المعارضة المعتدلة». قيل إن لها غرضين من وراء ذلك: الأول، إقامة أمر واقع على الأرض تضطر معه الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون إلى التعامل معها كبديل وحيد من تنظيمات «المعارضة المعتدلة» الذاوية. الثاني، أن تكون بديلاً من «داعش» إذا قيض لـِ «التحالف الدولي» أن يحتويه ويعطله في سورية. إدارة أوباما لم تراهن أصلاً على «المعارضة المعتدلة» و»جيشها الحر». أوباما نفسه وصفهما مرةً بأنهما «فانتازيا». لذلك اتخذ قراراً بتدريب خمسة آلاف مقاتل سوري وربما غير سوري أيضاً في تركيا والسعودية ليكونوا نواة «جيش حر» جديد. لكن، كيف يمكن نشر وحدات هذا الجيش طالما «النصرة» و»داعش» يسيطران على أجزاء واسعة من أرياف محافظات إدلب وحلب ودير الزور؟ إدارة أوباما حائرة ومحيِّرة. وزير الدفاع تشاك هيغل رفع أخيراً مذكرةً إلى موظفة أدنى منه مرتبة، مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، يطالب فيها الإدارة بموقف واضح من الرئيس الأسد. تصرفُ هيغل حيّر المراقبين: هل يبتغي حمل الإدارة على تليين موقفها من الأسد أم التشدد معه؟ من الواضح أن مقاربة أوباما و»تحالفه الدولي» لمسألة الإرهاب عموماً ومحاربة «داعش» خصوصاً تتعثّر. فتنظيم «القاعدة» طوّر عملياته الإرهابية في اليمن من جنوبه إلى شماله وضاعف نشاطه في ليبيا، ثم ما لبث أحد أفرعته، «أنصار بيت المقدس» في سيناء، أن أعلن مبايعته أمير المؤمنين الداعشي أبا بكر البغدادي. قادة مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت استشعروا ارتباك إدارة أوباما وتعثر نهجها في محاربة الإرهاب، فأخذوا يتدارسون مسألة إنشاء حلف عسكري ضد المقاتلين «الجهاديين» واحتمال إنشاء قوة مشتركة لمواجهة الإرهاب في ساحتين: ليبيا واليمن. الحلف المنشود ما زال في خطواته الأولى. ثمة وجهات نظر متعددة بين مؤسسيه في تعريف الإرهاب وفي تحديد الساحات الواجب العمل فيها. البعض يريد الاستعاضة عن مصطلح الإرهاب والإرهابيين بمصطلح التطرف والمتطرفين. لكن السؤال يبقى مطروحاً: من هم الإرهابيون أو المتطرفون؟ هل الحوثيون متطرفون يستوجبون المكافحة الأمنية أم مجرد تيار سياسي لا يستأهل أكثر من المناهضة السياسية؟ ثم ما الساحات التي تتطلب تدخلاً سريعاً لمواجهة الإرهابيين والمتطرفين؟ وكيف سيكون التدخل؟ بقوة برية أم جوية؟ وهل للولايات المتحدة دور في الحلف الجديد؟ إدارة أوباما لم تتخذ موقفاً من الحلف الجديد بعد. الناطق باسم وزارة الدفاع الأميرال جان كيربي قال: «لسنا على صلة وثيقة بذلك، ولن أعلق عليه». مردُّ الإحجام عن الكلام انهماكُ أوباما وأركانه بدراسة المسألة بجميع أبعادها ولا سيما بعدما تمكّن الجمهوريون من السيطرة على مجلسيّ الكونغرس. ولا شك في أن لاحتمال توصل واشنطن مع طهران إلى اتفاق جديد غير نهائي بصدد برنامجها النووي علاقة وثيقة بالموقف الذي تعتزم الولايات المتحدة اتخاذه من مسألة الإرهاب في ضوء ما قام به «التحالف الدولي» حتى الآن، وما يمكن أن يقوم به الحلف المنشود بين مصر ودول الخليج في المستقبل. إضافة إلى ذلك، سرّبت أوساط المعارضة السورية في لندن خبراً مفاده أن صراعاً دبلوماسياً وعسكرياً يستعر بين معسكري النظام وحلفائه من جهة، والمعارضة وحلفائها من جهة أخرى على «معركة حلب» لاعتقاد الطرفين أن مصير حلب سيلعب دوراً حاسماً في مستقبل الصراع والتسوية في سورية، وأن ذلك ناجم عن صراعٍ تركي إيراني يتصاعد في هذا السياق. ألا يدفع هذا الخبر غير الموثوق مقروناً بخبر موثوق حول دعوة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس «التحالف الدولي» إلى تركيز جهوده، بموازاة معركة عين العرب كوباني، على «معركة حلب» إلى التساؤل عمّا إذا كان رجب طيب أردوغان يسعى هو الآخر إلى إقامة حلف ثالث بين تركيا وفرنسا لتسعير الصراع ضد الرئيس السوري؟ تحالفات وأحلاف قامت وتقوم لمحاربة الإرهاب والتطرف وما إلى ذلك من المصطلحات والتخريجات الجاري نحتها بينما الإرهاب يستعر ويتمدد ويكلّف الشعوب كوارث جمّة، بشراً وحجراً وشجراً، بتواطؤ الكبار والصغار، وعلى مرأى من العالم أجمع.

المصدر : البناء / عصام نعمان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة