دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يوشك التفاوض الجدي ان يبدأ مع خاطفي العسكريين اللبنانيين في انتظار تبادل بعض الاجوبة. لن يكون احد الخيارات الثلاثة التي أرسلتها «جبهة النصرة» خاتمة التفاوض، بل بدايته. ثمة ما يقتضي انتظاره من دمشق ايضاً
عندما تسلم الاسبوع الماضي، عبر الوسيط القطري احمد الخطيب، لائحة الخيارات الثلاثة التي طرحتها «جبهة النصرة» لإطلاق العسكريين المخطوفين لديها، اعتبر المفاوض اللبناني المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم انها غير كافية وينبغي استكمالها. ابلغ المسؤولين اللبنانيين انها جزء لا يمكن البناء عليه، في انتظار وضع اطار عام للتفاوض بمطالب كاملة غير مجتزأة. ناقشت خلية الازمة برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام الخيارات الثلاثة، وحمَّل ابراهيم الوسيط القطري جواباً يقتضي ان تجيب عنه «النصرة» بدورها.
حضر الخطيب الى بيروت، حتى الآن، مرة واحدة الاسبوع المنصرم، والتقى بأحد الضباط الكبار في الامن العام من المعاونين القريبين من ابراهيم الذي التقى الوسيط مرة واحدة في الدوحة ابان زيارته لها الشهر الماضي. كان قرار تفويض الخطيب قطرياً بحتاً رغم انضمام الدوحة الى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة». بيد ان مدير امن الدولة القطري غانم الكبيسي اختار تفويض الرجل للمرة الثانية على التوالي ملفاً امنياً بين لبنان ومنظمات ارهابية بعد ملف راهبات معلولا.
رجل اعمال سوري معارض لنظام الرئيس بشار الاسد، مقيم في الدوحة ويدير منها اشغاله، قريب من المعارضة السورية وخصوصا «جبهة النصرة»، ومسموع الكلمة لديها. تمكّن في ملف راهبات معلولا من ادارة التفاوض غير المباشر بنجاح بين تشرين الاول 2013 وآذار 2014. الا ان دوره، كما من قبل، يقتصر على نقل الرسائل والمطالب وتبادلها، من دون اتخاذه اي قرار. في مهمته الجديدة، يتحدث الخطيب الى «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش». لدى الاولى 17 عسكريا وجثة الجندي علي حمية، ولدى الثاني 9 عسكريين وجثتان احداهما للجندي عباس مدلج. لكن اللافت في المهمة الجديدة ان ابطالها هم أنفسهم: «جبهة النصرة» التي خطفت راهبات معلولا وقايضت عليهن، وقائدها في القلمون ابومالك التلي.
في تقويم المدير العام للامن العام ان الوسيط حقق حتى الآن بعض النقاط، بيد انها تحتاج الى استكمال من خلال تأكيد الطرف الآخر انه جاهز فعلا للتفاوض غير المباشر. وشأن الملفين السابقين، عندما رفض الخاطفون الارهابيون التحاور مع ابراهيم، اتخذت «جبهة النصرة» الموقف نفسه. في ملف مخطوفي اعزاز، طلبت وساطة انقرة ثم دخلت الدوحة عليه، وفي ملف راهبات معلولا طلبت وساطة الدوحة ايضا. هكذا، لم يجلس المفاوض اللبناني مرة مع الخاطفين، لسببين على الاقل، يصح ان يوصفا واحدا: كل منهما لا يريد الجلوس وجهاً لوجه مع الآخر. الاستثناء الوحيد ابان ملف مخطوفي اعزاز كان في انقرة لمرة يتيمة. جلس مسؤولون اتراك وقطريون ولبنانيون بينهم وزير الداخلية مروان شربل والخاطفون، الا ان الاجتماع انفجر. مذذاك راحت فنادق انقرة والدوحة تشهد المفاوضات عبر الوسطاء الاتراك والقطريين وصولا الى الخطيب، من غرفة الى اخرى، في فندق واحد.
يجزم ابراهيم بأن ملف العسكريين شائك مقدار ما يحتاج الى «وقت وصبر طويل». يقول ان التفاوض الجدي يوشك ان يبدأ بعد ارسال لائحة الخيارات الثلاثة توطئة للمقايضة. اتخذت الحكومة اللبنانية في اجتماع خلية الازمة الاسبوع الماضي على اثر تبلغها اللائحة قرارا: «لم يرسل الخاطفون شروطاً ومطالب بل ثلاثة خيارات. نحن اتخذنا قراراً بما ارسلوه وأبلغناه اليهم بواسطة الوسيط القطري، ولا نزال ننتظر الجواب عبره. قد لا يكون القرار بالضرورة احد الخيارات الثلاثة». ويضيف: «منذ اصدرت جبهة النصرة بيانها بدأت تقول فعلاً ماذا تريد منا. ما عدا ذلك لم يتعدَّ كونه آراء وردود فعل منفردة لا تمثّل الجبهة، ولم تكن تُعدّ موقفاً رسمياً لها. لم تكن اكثر من تنتيعات. الخيارات الثلاثة هي اول ما وصلنا رسمياً، ونقطة انطلاق تفاوض جدي لأن الطرف الآخر حدد مطالبه. الكرة الآن في ملعبه هو».
أي سقف رسمه للتفاوض؟
يجيب: «أمران غير قابلين للمساومة، هما الحفاظ على سلامة العسكريين واستعادتهم، وهيبة الدولة وكرامتها. كل مفاوض بلا هيبة موقعه في التفاوض يخسر اللعبة».
وهل يلمس جدية الخاطفين في التفاوض؟
يقول: «الحكومة اللبنانية شعرت برغبة الخاطفين في التفاوض من خلال لائحة الخيارات. لكن الاساس في الامر الصبر والسرّية. أنا متفائل بالتوصل الى نتيجة، على الاقل بالنسبة الى جزء من الملف مع جبهة النصرة. مع داعش، للجزء الآخر من الملف مقاربة مختلفة، ويحتاج الى وقت اطول، لكنه قابل للحل ايضاً. لم يبدأ التفاوض مع التنظيم بعد، لكن لدينا كدولة لبنانية تصور لما نريده، ولديه هو الآخر تصور».
ماذا عن الخطوة التالية؟ يجيب المدير العام للأمن العام: «انها التحرّك نحو دمشق».
جسّ ابرهيم نبض المسؤولين السوريين، فكان الجواب ترحيبهم بزيارته. قالوا: ثم نتحدث في الامر.
يُعقّب: «دمشق جاهزة للتحدث معنا. لكن هل هي جاهزة كي تعطي كما فعلت في ملف راهبات معلولا؟ لا اعرف. ما اقدّره انها تعطي عندما يتعلق الامر بالجيش اللبناني وهيبته. الملف الحالي مختلف عن ملفي مخطوفي اعزاز وراهبات معلولا. الاول ذو شق انساني غير سياسي، والثاني ارتبط بسوريا نفسها لأن المخطوفات كن راهبات سوريات تعتبر دمشق نفسها مسؤولة عنهن، ناهيك بارتباطه بالكنيسة السورية. الآن الملف مغاير لكنه يرتبط بالجيش اللبناني. هو ملف الجيش الذي تجمعه بسوريا والجيش السوري علاقات تاريخية، وهو جيش شقيق وصديق للجيش السوري في معزل عن السياسة. اضف ان التنسيق بين الجيشين عند حدود البلدين لم ينقطع يوما».
هل يعتقد بوجود ضمان من الخاطفين بعدم اعدام اي من العسكريين لديهم، يؤكد ابراهيم ان «ليس هناك ضمان بل ايحاءات. أرسلت مع الوسيط القطري رسالة مفادها ان بين ايديكم ملفاً ككوب الماء. كلما شربتم وأفرغتم منها خسرتم ما فيها. اذا قتلتم العسكريين جميعاً لن تبقى قطرة ماء في الكوب تشربونها. عندئذ لن يكون هناك مبرر للتفاوض معكم، ولا استجابة اي من طلباتكم. تالياً، كلما احتفظتم بعسكريين احياء كان الثمن الذي تأخذونه منا اكبر. لن نفاوض على الجثث، والجثث الثلاث التي بين ايديكم لا اريدها. كل عسكري تقتلونه لا اريد جثته. فتصرّفوا على هذا الاساس. لا افاوضكم سوى على العسكريين الاحياء. لا اعطيكم ثمناً على الميت، بل على الحيّ. الميت ابقوه عندكم».
حمل الخطيب الرسالة، فكان رد «جبهة النصرة»: لن نعدم احدا. أبدت اقتناعاً بوجهة النظر هذه، من غير ان يكون كافياً كي يُعدّ ضماناً قاطعاً ونهائياً.
وهل يلاحظ شروطاً اخرى مضمرة كالقول بالممر الانساني الآمن؟
يجيب: «لم يسبق ان طلب الخاطفون ممراً انسانياً آمناً الى عرسال، ولا طلبوا انسحاب حزب الله من سوريا، ولا اطلاق سجناء وسجينات من السجون السورية. وَرَدَ ذلك في وسائل الاعلام فقط، لكنه لم يكن مطلبهم».
المصدر :
الأخبار/ نقولا ناصيف
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة