حين بدأت الغارات الأميركية والحليفة (ضمن التحالف الدولي ضدّ "داعش")، على الأراضي السورية (أواخر أيلول الفائت)،اعتقد البعض أنّ النظام السوري لن يعيش طويلاً وأنّ الغارات ستساهم بما لا يقبل الشك في الاطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الاسد.

اقتنع هؤلاء بفكرتهم، رغم الأخبار المؤكدة عن أنّ الأميركيين أبلغوا السوريين عن الغارات التي ستنفذ قبل حصولها، وحصلوا على تعهدٍ بعدم تعرض سوريا للطائرات الأميركية. ورغم ذلك، ظلّ البعض مقتنعاً بأنّ الأميركيين لن يخذلوا حلفاءهم العرب (وخصوصاً الذين يشاركون في التحالف الدولي)، وبالتالي فإنّ عملهم منصبٌّ على الاطاحة بالنظام السوري في أقرب فرصة ممكنة.

ولكنّ واشنطن وضعت حداً لهذه الآمال، وصرّح وزير خارجيتها جون كيري بأنّ بلاده تعمل على العودة إلى التفاوض مع الرئيس الأسد حول حل سياسي للازمة السورية(في 30/10/2014 صرح وزير الخارجية الاميركي جون كيري بنفسه، ان اميركا تعمل مع الروس والسعوديين والايرانيين من اجل العودة الى المفاوضات مع الرئيس السوري بشار الأسد حول اتفاق سياسي، "لاننا نعلم جميعاً ان لا حل عسكرياً في سوريا".). هذا الكلام شكّل صدمة للكثيرين، من أميركيين وعرب، لأنه يعني أمرين لا يرغب الكثيرون في سماعهما:

- الأول أنّ التقارب بين الأميركيين وروسيا وإيران قد عاد، بما قد ينعكس على الوضع في الشرق الاوسط بشكل لا يؤذي الروس والايرانيين  والدولة السورية .

- الثاني أنّ أميركا لا ترغب ولا تعمل على الاطاحة بالرئيس السوري، بل على العكس، هي باتت تعتبره لاعباً أساسياً لا يمكن تجاوزه، وبالتالي من الضروري التفاوض معه بدل العمل على عزله، لأنّ وجوده على الطاولة يبقى أفضل من غيابه عنها.

ولا شكّ أنّ أميركا تكسب سياسياً من وجود النظام السوري على الطاولة، وهو أمرٌ يعني أنها أرخت قبضتها قليلاً مع الروس والايرانيين في الشرق الأوسط، وربما ترغب في أن يبادلها الطرفان بالمثل في أماكن أخرى من العالم أو في ملفات أخرى لا تزال "معقدة".

لكنّ ما قاله الوزير الأميركي يصبّ أيضاً في خانةٍ أخرى وهي اقتناع الروس والإيرانيين والرئيس السوري نفسه بأنّ الوضع لن يعود إلى ما كان عليه، وإذا كان صحيحاً أنّ الرئيس الأسد سيبقى رئيساً لسوريا أقله حتى انتهاء ولايته، فإنه صحيحٌ أيضاً أنّ الاتفاق لحل الازمة السورية يحتاج اعترافاً من الدولة بأنّ "المعارضين" له باتوا حقيقة  لا يمكن القفز فوقها ويجب مراعاتها في طلباتها السياسية والحياتية. من هنا، كان كلام آخر لكيري أيضاً حول العمل على تقوية المعارضة السورية لأنّ من شأن ذلك ضمان حصولها على حضور أكثر فاعلية وحقوق أشمل.

ولم يأت كلام كيري من فراغ، لأنّ إدخال السعودية إلى هذا المشروع من شأنه أيضاً ضمان نجاحه بصورة إقليمية. وعندما يتحدّث الوزير كيري عن اتصالات مع السعودية وإيران وروسيا، فهذا يعني أنه، عاجلاً أم آجلاً، سيجد السعوديون أنفسهم على طاولة واحدة مع الايرانيين. ورأى البعض أنّ كلام مسؤول الدبلوماسية الأميركية هو بمثابة "عدم ممانعة" التواصل بين السعوديين والايرانيين، ما يعني بصورة أخرى أنّ الاميركيين لا يعارضون إراحة الوضع في المنطقة من خلال الحديث بين البلدين المذكورين، وأنه في حال تمت "التسوية"، لن يكون من عائق أمامها سوى تطبيقها بالسرعة المطلوبة.

ستبقى العناوين العريضة لكلمات الوزير كيري عامل انقسام بين العديد من الشخصيات داخل أميركا وخارجها، كما أنّ كثيرين أيضاً سيكونون مستائين مما حصل، وسيعتبرون ان اميركا ادارت ظهرها للعرب الذين وقفوا الى جانبها وطالبوها بالعمل على اخلاء الساحة من النظام السوري.

وبين هذا وذاك، تبقى لغة المصالح هي الامثل للاحتكام اليها عند الرغبة في معرفة التوجهات الاميركية، والمصلحة الاميركية حالياً تفرض عدم ركوب واشنطن موجة معاكسة لتيار الروس والايرانيين في ما خص مسألة سوريا، ولو اقتضى الامر "زعل" السعودية وبعض الدول لأنّ هذا الأمر يمكن تخطيه، أما التصعيد مع الايرانيين والروس فلا طائل منه في الوقت الراهن.

  • فريق ماسة
  • 2014-11-03
  • 13103
  • من الأرشيف

أميركا تكشف أوراقها: لن نقاتل الأسد بل سنفاوضه .

حين بدأت الغارات الأميركية والحليفة (ضمن التحالف الدولي ضدّ "داعش")، على الأراضي السورية (أواخر أيلول الفائت)،اعتقد البعض أنّ النظام السوري لن يعيش طويلاً وأنّ الغارات ستساهم بما لا يقبل الشك في الاطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الاسد. اقتنع هؤلاء بفكرتهم، رغم الأخبار المؤكدة عن أنّ الأميركيين أبلغوا السوريين عن الغارات التي ستنفذ قبل حصولها، وحصلوا على تعهدٍ بعدم تعرض سوريا للطائرات الأميركية. ورغم ذلك، ظلّ البعض مقتنعاً بأنّ الأميركيين لن يخذلوا حلفاءهم العرب (وخصوصاً الذين يشاركون في التحالف الدولي)، وبالتالي فإنّ عملهم منصبٌّ على الاطاحة بالنظام السوري في أقرب فرصة ممكنة. ولكنّ واشنطن وضعت حداً لهذه الآمال، وصرّح وزير خارجيتها جون كيري بأنّ بلاده تعمل على العودة إلى التفاوض مع الرئيس الأسد حول حل سياسي للازمة السورية(في 30/10/2014 صرح وزير الخارجية الاميركي جون كيري بنفسه، ان اميركا تعمل مع الروس والسعوديين والايرانيين من اجل العودة الى المفاوضات مع الرئيس السوري بشار الأسد حول اتفاق سياسي، "لاننا نعلم جميعاً ان لا حل عسكرياً في سوريا".). هذا الكلام شكّل صدمة للكثيرين، من أميركيين وعرب، لأنه يعني أمرين لا يرغب الكثيرون في سماعهما: - الأول أنّ التقارب بين الأميركيين وروسيا وإيران قد عاد، بما قد ينعكس على الوضع في الشرق الاوسط بشكل لا يؤذي الروس والايرانيين  والدولة السورية . - الثاني أنّ أميركا لا ترغب ولا تعمل على الاطاحة بالرئيس السوري، بل على العكس، هي باتت تعتبره لاعباً أساسياً لا يمكن تجاوزه، وبالتالي من الضروري التفاوض معه بدل العمل على عزله، لأنّ وجوده على الطاولة يبقى أفضل من غيابه عنها. ولا شكّ أنّ أميركا تكسب سياسياً من وجود النظام السوري على الطاولة، وهو أمرٌ يعني أنها أرخت قبضتها قليلاً مع الروس والايرانيين في الشرق الأوسط، وربما ترغب في أن يبادلها الطرفان بالمثل في أماكن أخرى من العالم أو في ملفات أخرى لا تزال "معقدة". لكنّ ما قاله الوزير الأميركي يصبّ أيضاً في خانةٍ أخرى وهي اقتناع الروس والإيرانيين والرئيس السوري نفسه بأنّ الوضع لن يعود إلى ما كان عليه، وإذا كان صحيحاً أنّ الرئيس الأسد سيبقى رئيساً لسوريا أقله حتى انتهاء ولايته، فإنه صحيحٌ أيضاً أنّ الاتفاق لحل الازمة السورية يحتاج اعترافاً من الدولة بأنّ "المعارضين" له باتوا حقيقة  لا يمكن القفز فوقها ويجب مراعاتها في طلباتها السياسية والحياتية. من هنا، كان كلام آخر لكيري أيضاً حول العمل على تقوية المعارضة السورية لأنّ من شأن ذلك ضمان حصولها على حضور أكثر فاعلية وحقوق أشمل. ولم يأت كلام كيري من فراغ، لأنّ إدخال السعودية إلى هذا المشروع من شأنه أيضاً ضمان نجاحه بصورة إقليمية. وعندما يتحدّث الوزير كيري عن اتصالات مع السعودية وإيران وروسيا، فهذا يعني أنه، عاجلاً أم آجلاً، سيجد السعوديون أنفسهم على طاولة واحدة مع الايرانيين. ورأى البعض أنّ كلام مسؤول الدبلوماسية الأميركية هو بمثابة "عدم ممانعة" التواصل بين السعوديين والايرانيين، ما يعني بصورة أخرى أنّ الاميركيين لا يعارضون إراحة الوضع في المنطقة من خلال الحديث بين البلدين المذكورين، وأنه في حال تمت "التسوية"، لن يكون من عائق أمامها سوى تطبيقها بالسرعة المطلوبة. ستبقى العناوين العريضة لكلمات الوزير كيري عامل انقسام بين العديد من الشخصيات داخل أميركا وخارجها، كما أنّ كثيرين أيضاً سيكونون مستائين مما حصل، وسيعتبرون ان اميركا ادارت ظهرها للعرب الذين وقفوا الى جانبها وطالبوها بالعمل على اخلاء الساحة من النظام السوري. وبين هذا وذاك، تبقى لغة المصالح هي الامثل للاحتكام اليها عند الرغبة في معرفة التوجهات الاميركية، والمصلحة الاميركية حالياً تفرض عدم ركوب واشنطن موجة معاكسة لتيار الروس والايرانيين في ما خص مسألة سوريا، ولو اقتضى الامر "زعل" السعودية وبعض الدول لأنّ هذا الأمر يمكن تخطيه، أما التصعيد مع الايرانيين والروس فلا طائل منه في الوقت الراهن.

المصدر : طوني خوري- النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة